كيف قتل عمر سليمان؟ أحمد الطاهري

التقيت اللواء عمر سليمان -رحمة الله عليه- مرتين فى حياتى وفى مناسبات صحفية؛ الأولى فى قاعة كبار الزوار بمطار القاهرة عام 2006 وكان معى صديقى الصحفى السودانى المرموق عمار فتح الرحمن شيلا، والثانية كانت فى سرت عام 2010 أثناء انعقاد القمة العربية عندما قررت مع زميلى الأستاذ جمعة حمد الله الصحفى المتميز بالمصرى اليوم، والأستاذ يوسف أيوب الصحفى المتميز باليوم السابع أن نقطع على اللواء حديثه مع أحد أفراد السفارة المصرية لنتجاذب معه أطراف الحديث.. وكانت محصلة هذا اللقاء وذاك أننا أمام رجل دولة قوى من طراز فريد تترك شخصيته أثرها فى من يحدثه.

وجاء صباح الخميس التاسع عشر من يوليو الماضى.. عندما تلقيت اتصالاً من أحد المصادر يبلغنى أن اللواء عمر سليمان وافته المنية فى مستشفى كليفلاند بالولايات المتحدة.. كان الخبر مفاجئاً وصادماً أيضاً.. لم تمر دقائق وقمت بالاتصال بالسيد سامح شكرى، وكان حينها سفيرنا فى واشنطن وكانت الساعة السادسة صباحاً بتوقيت العاصمة الأمريكية.. لم يكن السفير قد علم بعد بخبر الوفاة، ولكن كانت المفاجأة أنه لم يكن يعلم من الأصل بوجود اللواء عمر سليمان فى أمريكا للعلاج.. طلب منى معاودة الاتصال بعد ساعة، وهو ما تم، ليؤكد الخبر وأن طاقماً من السفارة توجه إلى كليفلاند لإنهاء إجراءات شحن الجثمان.

وقبل الوفاة بيومين، وبالصدفة، كان لى حديث مع أحد رجال جهاز المخابرات العامة -جنود مصر المجهولين- وكنت أتكلم معه حول الفيلم الذى يوثق بطولات «جهاز المخابرات» والذى كان يحمل اسم «كلمة وطن» فأبلغنى أن هذا الفيلم كان معداً منذ عهد اللواء عمر سليمان ثم جرى تطويره بعد ثورة 25 يناير.. ليفتح الباب أمام الحديث عن اللواء سليمان وكيف كان -رحمة الله عليه- شخصية وطنية لأبعد الحدود عنواناً للانضباط والتفانى وإنكار الذات.. بطبيعة الحال كانت الانتهازية الصحفية حاضرة، فطلبت منه التوسط لدى الجنرال سليمان لكى أجرى معه حواراً صحفياً.. فوعدنى بالمحاولة قائلاً: «بس ربنا يشفيه».

لم ألتفت إلى الكلمة إلا بعد خبر الوفاة.. وحاولت البحث فى أسبابها فقيل إنه مرض نادر أجهز على رجل الأمن القومى المصرى القوى فى شهور بسيطة، على الرغم من أنه ذهب إلى كليفلاند لإجراء فحوصات ولكنه خرج منها ميتاً.

رفض عقلى تقبل الأمر وما زال.. فالطبيعى أن مستشفى عالمياً بحجم كليفلاند يستبق استقبال الحالة بفحص الملف الطبى، وإذا كانت الوفاة محتملة يتم إبلاغ المريض وذويه وهى أمور منطقية ومعتادة فى المستشفيات الكبرى بغض النظر عن كلمة «القدر» فى الأمر.

وتتابعت الأسئلة على ذهنى السبت الماضى عندما تلقيت دعوة كريمة من وزير الخارجية الأسبق السيد أحمد أبوالغيط لحضور مناقشة كبار سفراء مصر لكتابه الذى تضمن شهادته عن عصر مبارك، وكان اللقاء فى المجلس المصرى للشئون الخارجية.

وهناك كشف أبوالغيط -الذى أدين له بالكثير على المستوى الإنسانى والمهنى- عن اتصال بينه وبين اللواء سليمان قبل وفاته بشهرين أبلغه فيه سليمان أنه انتهى من كتابة 80 ورقة من مذكراته.. ليقترب الشك من اليقين بأن عمر سليمان تم قتله والتخلص منه، وقد تكون كتابة مذكراته قد عجلت بقرار التخلص منه.

وبدأت الأسئلة تدور مجدداً وتستحضر نماذج القتل بلا دماء والتى تمت مع الراحل ياسر عرفات.. فهل تم التخلص من عمر سليمان بطريقة مشابهة؟

هل تم حقنه بمصل ما؟ هل استخدم معه التسميم بأشعة الليزر؟ ومن هو صاحب المصلحة فى التخلص منه؟ هل هى أطراف داخلية؟ أم أطراف دولية؟ أم كلاهما اتفقا على نهاية الصندوق الأسود لمصر؟ ومن هو القادر على تنفيذ هذه العملية عالية التقنية المخابراتية؟ هل هو الموساد الإسرائيلى؟ أم تم الاستعانة بمافيا دولية؟ وفى أى دولة من الدول التى شهدت مراحل فحوصاته الطبية، فى مصر أم ألمانيا أم الإمارات أم الولايات المتحدة؟

كلها أسئلة يفرضها المنطق.. قد يجيب عنها مستقبل الأيام، فالحقائق قد تغيب مع تبدل الأنظمة لكنها أبداً لا تموت.