عماد سيد يكتب.. عارضوا الإخوان .. ولا تسقطوا أول رئيس منتخب

لا انكر انني اشعر بمرارة بالغة وانا اتابع الاحداث التي تجري على ارض مصرنا الحبيبة وانا خارج البلاد، وكم كنت اتمنى ان اكون على ارض مصر اتابع ما يحدث على الأرض جسدا وروحا وكم تمزق القلب وهو يرى القتلى والجرحى من ابناء الشعب المصري وهم يسقطون بأيدي بعضهم البعض

تابعت ككل المصريين والمهتمين بالشأن المصري الداخلي قرارات الرئيس الجديدة من اعلان دستوري جديد اطلق صلاحيات الرئيس بشكل يفوق الخيال في كل شيء مغلفة بعدد من القرارات الثورية - ان صحت التسمية - مثل اعادة محاكمة المتهمين بجرائم قتل الثوار واقالة النائب العام وغيرها

لا انكر اني كدت اندفع فجأة نحو معارضة قرارات الرئيس جملة واحدة ربما لأن القرارات الجديدة تكرس لفرعون أسوأ من مبارك يمتلك بين يديه صلاحيات لم تتح لمبارك في عنفوان نظامه، لكن بعد تمهل وقراءة للأحداث خلال الفترة الماضية تغيرت الصورة لدي

دعونا نتفق على عدة امور اولا

1- اغلب من انتخب الرئيس مرسي لم ينتخبه لشخصه (دعكم من فرقة العازفين والمطبلاتية الذين يحاولون ايهامنا بعكس ذلك) وانما انتخبه من انتخبه منعا لعودة النظام القديم وهؤلاء هم من رجحوا كفة الرجل .. ونتائج المرحلة الاولى خير شاهد

2- كثير من قطاعات المصريين (ليس منهم المستفيدين من الاعانات الاجتماعية لجماعة الرئيس بالقطع) لديهم غصة في حلوقهم من جماعة الرئيس بسبب خطاياهم السياسية الفادحة التي اوضحت بجلاء انهم ما كانوا يمارسون السياسة فعليا وان غاية ما كانوا يفعلونه خلال 80 عاما هو مزيج من التصريحات النارية على الفضائيات وبعض الضجة في المجالس النيابية دون خبرة حقيقية .. وللحق فإن الكثيرين قد انخدعوا بخرافات نسجت حول تلك الجماعة من احتوائها على كوادر ومهارات واتضح بعد ذلك انها ما كانت الا مجرد فقاعات انفجرت فور تعرضها لهواء الحياة السياسية

3- اغلب المعارضين للرئيس هم في الواقع معارضون للجماعة او بالأحرى لقيادات الجماعة التي اوردتها الموارد .. ومن هنا جاء الخلط برفض او معارضة الرئيس المنتخب وفي الخلفية الذهنية دائما تمثل صورة المرشد او خيرت الشاطر او غزلان .. اي ان اغلب المعارضة لا تعارض الرئيس الا لمعارضتها لجماعته

4- اثبت الرئيس المنتخب بعدة قرارات لعل اخرها نجاحه في وقفت الاعتداءات الصهيونية على غزة بأنه رجل يستطيع التحرك على المستوى الخارجي جيدا وهذا ما اشاد به العدو قبل الصديق

في ضوء النقاط السابقة استطيع ان اقول اني لا اقبل ما فعله الرئيس جملة واحدة كما لا ارفضه جملة واحدة، فالكل كان ينادي منذ فترة طويلة باتخاذ قرارات ثورية وها هو قد اتخذها فأقال النائب العام وعين رجلا جديرا بالاحترام ومشهود له بالكفاءة وها هو قد انشأ نيابة جديدة لإعادة التحقيقات في كل قضايا قتل الثوار الى جانب تحصين قراراته حتى لا تطعن عليها المحكمة الدستورية العليا .. وكلكم على علم بكيفية تشكيل هذه المحكمة منذ ايام المخلوع الى جانب مسألة الاجراءات الاستثنائية التي قد يتخذها الرئيس وقتما يتراءى له وكيف وقفت للرجل بالمرصاد واحضرته الى عرينها مستسلما ليدلي بالقسم وفق ما ارادوا اضافة الى تصريحات نارية مستفزة نعلم جميعا مصدرها

خلاصة القول اني اتشكك بشدة في صلاحية وقانونية القرارات التي اتخذها الرئيس والتي يفترض معها ان نؤمن ونوقن بأن الرئيس المنتخب ملاك له جناحان تحيط برأسه هالة القداسة وانه لن يستعمل تلك الصلاحيات الفرعونية الا بالحق .. وللأمانة فإن الرئيس كان (هل لا يزال؟!) واحدا من صقور الاخوان الذين يصعب للغاية مناقشتهم واقناعهم بما يتعارض مع العقائد التي تعتنقنها جماعته .. ورجل كهذا قدمته الجماعة كبديل للمحرك الفعلي والرئيسي لهذا الكيان الديناصوري - واقصد شخص خيرت الشاطر هنا - لابد والا يكون اقل منه لا في العناد ولا في تصلب الرأي ولا في امكانية زحزحته عن مواقفه والا لن تكون تلك الجماعة التي اعرفها !

المسألة في المشهد الراهن في مصر مسألة فقدان ثقة .. ثقة فقدت في جماعة كان البعض يظن في قادتها خيرا واظهرت مواقفتهم البراجماتية ميكيافيلية قبيحة وبما ان الرئيس واحد من صقور تلك الجماعة فكيف يمكن لنا ان نؤمن ونصدع بالقول بأن الرئيس لا يستجيب لكلمة من هنا او نصيحة من هناك من قيادات الجماعة وبأنه لا يمكن له ان يتجاوز في استخدام صلاحياته مع معارضيه .. ولنا في الازمة التي اصطنعتها الجماعة مع الاعلام دليل وبرهان .. فالعشرات من القنوات تبث ارسالها من خارج مدينة الانتاج الاعلامي فلماذا وقع الاختيار على دريم؟ اليس بسبب وائل الابراشي وجيهان منصور ومواقفهما من جماعة الرئيس؟ ان كنت تظن غير ذلك عزيزي القارئ فاستحلفك بالله ان تغادر الجنة التي تحيا فيها قليلا وتخالطنا نحن أهل الأرض!

ارجوكم لا تسقطوا اول رئيس منتخب لمصر بعد الاف السنين .. لا تسقطوا اول نجاح لثورة سقط فيها اغلى من فينا .. افصلوا بين معارضتكم لجماعة الرئيس وبين الرئيس نفسه .. حاسبوه على قراراته دون ان تكون كراهية الجماعة هي المحرك لمعارضته

نعم لابد من استمرار الضغط الشعبي على الرئيس لتذكيره بأن هناك من يراقبه وان هناك من هو متيقظ لكل حركاته وسكناته .. وان هناك من لن يسمح بإعادة استنساخ نظام مبارك تحيطه هالة القداسة الاسلامية ليحمل معارضو الرئيس على كاهلهم اوزار معارضة الرئيس وجماعته بما قد يؤدي بهم الى نيران جهنم والعياذ بالله .. لابد من استمرار التظاهرات السلمية مع الابتعاد التام عن محاولات احراق مقار حزب الحرية والعدالة والتوقف عن الاشتباك مع قواعد الجماعة وخلق رفض شعبي للمارسات تلك الجماعة وذلك الحزب دون ان يسقط شهيد واحد جديد على ارض مصر الطاهرة

اخيرا اتمنى من الرئيس ان يجتمع فورا بقادة الحركات السياسية والاحزاب الحقيقية على الأرض ومشاورتهم فيما اتخذه من قرارات والتراجع عما يمكن التراجع عنه بالاتفاق معهم كما اتمنى من هؤلاء القادة اخذ الضمانات الكافية من الرئيس بالالتزام بهذه التعهدات .. واتمنى الا ينتهى بنا الامر الى تعهدات كتعهدات "فيرمونت" التي ما ان طلعت عليها الشمس حتى ساحت كقالب الزبد!