بإصرار كبير وقوة أكبر لنيل حق الدم الذى جرى هدره ظلماً، كشف شريف البحيرى، الشاهد الوحيد فى قضية مقتل الناشط محمد الجندى، عضو التيار الشعبى، فى معسكر الجبل الأحمر، عن تفاصيل كثيرة تخص قضية مقتله وكيفية تعذيبه حتى الموت. وأشار «البحيرى» فى أول حوار من نوعه لـ«الوطن»، إلى أن ميليشيات الإخوان المسلمين كانت شاهدة على وقائع تعذيب النشطاء السياسيين فى المعسكر، وأنه ذهب معهم شخصياً إلى المعسكر ورأى بعينه وقائع التعذيب، وقال «البحيرى» إن أحد قيادات الإخوان قال له صراحة: «اغتصبنا الأطفال فى سن 14 و15 سنة، علشان ماينزلوش التحرير تانى». «شريف» تعرّض لعشرات التهديدات بالقتل، وجرى اقتحام منزله مؤخراً، فضلاً عن تهديده بخطف والدته، لكنه مصمم على كلامه وشهادته لاسترجاع حق محمد الجندى، مهما كلّفه ذلك من مخاطر، قائلاً: «على الرغم من أنى لم أعرفه يوماً، لكن دمه أصبح فى رقبتى أمام الله».
شريف البحيري يتحدث لـ"الوطن"
■ من شريف البحيرى؟
- أنا شريف عبدالمجيد البحيرى، 33 سنة، وأسكن فى العمرانية، وحاصل على دبلوم تجارة، وانضممت إلى تنظيم الإخوان منذ حوالى عامين، تحديداً مع بداية ثورة 25 يناير، بعد أن تغلغلوا فى حى العمرانية وسيطروا عليه تماماً، وأصبحوا يدعون إلى فكرهم علانية باسم الدين والشريعة، فصدّقتهم وانضممت إليهم.
■ لماذا أعلنت انشقاقك عن الإخوان الآن؟
- لقد خُدعت فيهم وفى كلامهم، الذى كان مبنياً طوال الوقت على صحيح الدين وسماحة الإسلام، وجاءت واقعة مقتل محمد الجندى، لكى أعلن ذلك بلا خوف، وأقسم بالله العظيم أن كل ما أقوله حدث بالفعل.
■ هل أديت أى مهام عمل مشتركة مع الإخوان على مدار انتمائك إليهم؟
- نزلت معهم «مشاوير» كثيرة، منها مهمات عمل أثناء الاستفتاء على الدستور للتصويت بـ«نعم»، وانتخابات الرئاسة والاستفتاء على الدستور لاحقاً، لإقناع الناس بقول «نعم» وعلى انتخاب محمد مرسى.
■ ما طبيعة مهمات العمل هذه؟
- كنا نذهب إلى الأماكن الفقيرة ونقنع الناس أن «الحرية والعدالة» والإخوان هم الخلاص الحقيقى لهم من كل ما يعانون منه، وكنا نقدم هدايا عينية ومبالغ مالية كذلك لهم، وكانت الهدايا عبارة عن زيت وسكر وأرز ومكرونة وتموين للمنزل بشكل عام، وكل ذلك باسم الدين.
■ ماذا كانت رتبتك فى الجماعة؟
- مؤيد.
■ هل التقيت قيادات الإخوان أثناء فترة انضمامك إليهم؟
- التقيت قياداتهم فى منطقة الجيزة والعمرانية، فكل محافظة بها مسئول وقيادة خاصة هى التى نتواصل معها.
■ هناك محضر جرى تحريره فى قسم العمرانية بينك وبين أحد قيادات الإخوان، ما سببه؟
- كانت لى واقعة شهيرة حينما تشاجرت مع واحد من قيادات الإخوان، ادعى فى أحد المؤتمرات التى يقيمونها أن الحسينى أبوضيف -الله يرحمه- موته حلال، وقالى: «ده احنا مسكناه فى الاتحادية فى خيمة مع واحدة»، فتشاجرت معه وقلت له حرام عليك وضربته وحرّرت ضده محضراً، وهذا الشخص واسمه عبده عبدالجليل، «ماكانش لاقى ياكل»، والآن معه سيارة وشقة تمليك وجرى تشطيب محل الحلاقة الذى يملكه على أعلى مستوى.
الإخوان ذهبوا للحصول على تسجيلات للمتظاهرين تحت التعذيب لتقديمها للنائب العام واتهام «الإنقاذ» بتمويلهم
■ هل هذا يعنى أن ميليشيات الإخوان مسئولة عن مقتل الحسينى أبوضيف؟
- أيوة، هم استهدفوه لأنه أفشى سراً يتعلق بالإفراج عن شقيق زوجة مرسى، الذى كان محبوساً.
■ كيف عرفت بقضية مقتل الشهيد محمد الجندى؟
- يوم 28، تلقيت مكالمة هاتفية من أخ من تنظيم الإخوان، وقال لى: «فاضى تنزل معانا مشوار»، فقلت له: هنروح فين؟، قال: «لما نتقابل تعرف»، وبالفعل التقيته على ناصية شارع «ويمبى» فى الهرم، ووجدته فى ميكروباص به 14 شخصاً من الإخوان وتوجهنا إلى معسكر الجبل الأحمر، وهناك شاهدت محمد الجندى لأول وآخر مرة.
■ ما المهمة التى كان المفترض أن تفعلها فى هذا «المشوار»؟
- حينما سألته: لماذا نحن متجهون إلى المعسكر؟ قال: فى المعسكر بلطجية من بتوع التحرير مقبوض عليهم، واحنا رايحين ناخد منهم اعترافات مسجلة حتى نقدمها للنائب العام حتى يعرف المجتمع حقيقة هؤلاء الذين يأخذون أموالاً من جبهة الإنقاذ لإسقاط شرعية الرئيس مرسى.
■ هل دخلتم المعسكر بكل سهولة، خصوصاً أنه يتبع الشرطة وأنتم مدنيون؟
- نعم، دخلنا بكل سهولة، ولم يسألنا أحد عن هويتنا أو مَن نكون، «وكانوا عارفين إحنا مين»، فلم يسألنا أحد عن هوية أو طالع بطاقاتنا الشخصية مثلاً، ولم يوجه لنا أحد سؤالاً عن سبب دخولنا، لدرجة أن سواق الميكروباص قال لفرد الأمن على باب المعسكر: «إحنا جايبين لك ناس تاكل الزلط».
■ هل كان أحد من الـ14 شخصاً الإخوانيين فى الميكروباص يحمل أسلحة؟
- أيوة، كان أحدهم يحمل «طبنجة» وآخر معه جنزير حديد، وصديقى الذى كلّمنى كان معه جهاز تسجيل متطور لتسجيل اعترافاتهم.
■ ماذا حدث بعد ذلك؟
- بعد حوالى 10 دقائق من دخولنا، أتت سيارة أمن مركزى وفيها مجموعة من الشباب، حوالى 60 شاباً من خيرة شباب مصر «وكلهم شباب زى الفل»، وقسّموهم على غرفتين فى المبنى الموجودين فيه، كلهم فى غرفة ومحمد الجندى لوحده فى غرفة منفصلة.
■ كيف عرفت أن هذا هو محمد الجندى؟
- لم أكن أعرف اسمه، لكن لفت نظرى أنه متبهدل جداً، وكل ملابسه مقطّعة وجسمه كله وارم من آثار الضرب والتعذيب، وسألت: «لماذا هذا الشاب وحده فى غرفة منفصلة بعيداً عن الآخرين»، فقالوا لى: لأنه شتم الضابط لما شتمه، وبالتالى فهو سينال عقاباً من نوع خاص، وبعد ذلك حين ظهرت والدته فى التليفزيون وشاهدت صورته عرفت أنه محمد الجندى.
■ هل نزل محمد الجندى من سيارة الأمن المركزى على قدميه؟
- نعم، كان يسير على قدميه، لكنه كان مصاباً فى أنحاء جسمه، و«كانوا ماسكينه لوحده، وضابط معين هو الذى كان مسئولاً عنه بصفة شخصية دوناً عن الآخرين».
■ ماذا حدث بعد أن أخذوه إلى غرفة التعذيب بمفرده؟
- «قلّعوه هدومه وصبوا عليه مية ساقعة، ومسكه الضابط الذى كان يرتدى خاتماً، وضربه بعنف فى وجهه، وفى كل أنحاء جسمه مع شتائم قذرة جداً، إلى أن نزف دماً من فمه وأنفه، ثم أُغمى عليه، وباقى مجموعة الإخوان الـ14 ذهبوا إلى غرفة التعذيب الأخرى التى فيها باقى الشباب.
أحد قيادات الإخوان الذين شاركوا فى التعذيب قال لى: «إحنا اغتصبنا الولاد الصغيرين علشان ماينزلوش تانى»
■ هل بعد أن أُغمى على «محمد» استدعوا له الطبيب؟
- نعم، دخل عليه دكتور كان موجوداً فى المعسكر، وجلس حوالى 5 دقائق، وأفاقه من الإغماء، وقال للضباط بعد ذلك: «ماحدش يدخل عليه قبل نص ساعة»، لكن الضابط قعد حوالى 10 دقائق، «دخن فيها كام سيجارة» ثم دخل ليكمل وصلة التعذيب.
■ هل شاركت فى عمليات التعذيب فى الغرفة الأخرى؟
- لا، لم يحدث، وقلت لباقى الإخوة: أنا ماليش فى الكلام ده، وأنا تعبان، وبعد كده مشيت بعد حوالى ساعة، وحين خرجنا من المعسكر قرّرت أن أذهب إلى أى مكان بعيد عن هذه الجماعة تماماً، فذهبت إلى بيت أحد أصدقائى فى المطرية.
■ هل توجد فى هذه الغرف أى أدوات تعذيب؟
- لا، المكان عبارة عن مبنى من دور واحد، فيه 3 غرف مستخدمة كمخازن، وهى خاوية تماماً، جرى «تكويم المتظاهرين» فى واحدة منها، و«محمد» فى غرفة بمفرده.
■ هل حكى لك أىٌّ من الإخوان الذين كانوا موجودين فى المعسكر، عن وقائع تعذيب تخص باقى النشطاء؟
- قال لى واحد منهم لاحقاً، إنه كان من بينهم أطفال فى سن 14 و15 سنة، وإنهم اغتصبوهم «علشان ماينزلوش التحرير تانى، دول شوية بلطجية ولازم يتأدبوا»، كل شىء عندهم مباح، وهذا كان شىء مفزع جداً بالنسبة لى.
■ هل شارك الإخوان فى عمليات التعذيب التى جرت فى الغرفة الأخرى.
- نعم، بالتعاون مع أفراد من الأمن المركزى.
■ هل تعرف أين باقى المتظاهرين الـ60 الذين كانوا فى المعسكر؟
- لا أعرف عنهم شيئاً، لكنى أناشدهم إذا كان قد أُفرج عنهم أو أىٌّ من أهاليهم، يعرف مصيرهم يخرج ويدلى بشهادته أمام النيابة حتى يعود لهم حقهم، فهم ليسوا بلطجية أبداً، وعلى فكرة الناس التى كانت مع محمد الجندى «مش متسجلة فى الدفاتر»، وبالتالى لن يعرف أحد طريقة الوصول إليهم، والمستشار مصطفى خاطر، الذى يحقق فى القضية، قال لى: إذا كان هناك أى شهود خليهم ييجوا النيابة ونضمن لهم السرية التامة، حفاظاً على حياتهم.
■ ماذا قلت فى تحقيقات النيابة؟
- قعدت 4 ساعات فى نيابة قصر النيل وقلت كل شىء بالأسماء كاملة، ومن أجل سرية التحقيقات، لا يمكننى أن أعلن عن أسمائهم حالياً وأنا ذكرت أسماءهم وعناوينهم كاملة فى التحقيقات، فأنا أعرف 4 من قادة ميليشياتهم بالاسم، كما ذكرت أوصاف الضابط الذى عذّب «الجندى» ورتبته، وهو على فكرة له قضايا تعذيب أخرى كثيرة فى حق المتظاهرين، وللعلم لو كنت أكذب، فإن الأمر بمنتهى السهولة سيكشفونه، وسأُحبس بتهمة الشهادة الزور.
■ هل تقصد من كلامك أن هناك ميليشيات مسلحة للإخوان تعمل بالفعل على تعذيب المتظاهرين؟
- أيوة طبعاً، هم أنفسهم قالوا إنهم هينزلوا بعد أن أقر النائب العام موضوع «الضبطية القضائية»، وأنا شُفت عندهم بعينى أسلحة مش موجودة فى الداخلية نفسها، ميليشيات الإخوان هى الطرف الثالث، والدليل على ذلك أحداث التحرير والاتحادية وبورسعيد، والدليل أيضاً: لماذا النشطاء السياسيون فقط هم الذين يُقتلون؟
■ هل تتوقّع أن تكون هناك علاقة بين إقالة رئيس الطب الشرعى وتقارير تثبت وفاة «الجندى» بالتعذيب؟
- بالطبع، و«محمد» لم يمت فى حادث سيارة، «محمد» مات بالتعذيب.
■ لماذا تُدلى بشهادتك الآن تحديداً؟
- لأن «محمد» قُتل ظلماً، وكل الشباب الـ60 أيضاً مظلومون، وكان نفسى أزور «محمد» بعد كده، وأبوس رجله لكنى لم أعرف، فقد مات، ودم «محمد» الآن فى رقبتى أمام الله، على الرغم من أنى لم أعرفه يوماً. وعلى فكرة «محمد» جاء لى فى الحلم فى مكان واسع وكان يشير لى بعلامة النصر وهو يبتسم، لذلك مهما تعرّضت للمخاطر والتهديدات فلن أتنازل عن حقه وسأفضح كل قاتل إلى أن يعود له حقه.
■ وافق؟!
- أيوة، ووالدتى هى التى منعته وطردته بره البيت، فهو إخوانى قديم وولاؤه لهم جداً، فهم يملكون طريقة جهنمية فى غسل مخ الشباب.
■ اتهمك الإخوان أنك كنت عضواً فى حملة الفريق أحمد شفيق؟
- لم يحدث، وأحمد شفيق لم يكن له حملة دعاية أصلاً فى العمرانية، وأنا انتخبت محمد مرسى، وما يقولونه فى إطار حملة شعواء لتشويه صورتى مثلما يفعلون مع كل معارضيهم، لدرجة أن «قناة 25» الإخوانية، نزلت الحى عندى وصوّرت تقريراً تليفزيونياً ادعوا فيه أننى كنت فى حملة شفيق، وأخذت أموالاً منهم، وأننى مرة أخرى أتبع التيار الشعبى، وانتخبت حمدين صباحى، وكل هذه أكاذيب بهدف تشويه سمعتى للنيل منى، فالقناة آلة إعلامية قذرة، لا تريد إلا القضاء على سمعة كل من يفضحهم، «أنا مش كداب»، «مش الرئيس مرسى مشارك فى القناة بنسبة 25%، أليست هذه الحقيقة التى يعرفها الناس كلهم؟».
«الجندى» جرى تعذيبه فى غرفة بمفرده إلى أن أغمى عليه والطبيب أفاقه ثم عادوا لتعذيبه مرة أخرى إلى أن مات
■ ما الدليل على أنك كنت تنتمى إلى جماعة الإخوان؟
- أملك كارنيه عضوية حزب الحرية والعدالة، وسوف أظهره فى المحكمة.
■ هل طلبت أى حماية من أجهزة الدولة عقب تهديدات القتل؟
- نعم، ووكيل النيابة قال لى اطلب ذلك بشكل رسمى من وزير الداخلية، وكل يوم تأتينى رسائل تهديد بالقتل، وقيل إنهم سيعينون حراسة على منزلى ولم يحدث، وطلبت حراسة من الداخلية أو الجيش ولم يحدث.
■ هل تواصل معك أىٌّ من قيادات التيار الشعبى أو جبهة الإنقاذ بعد إدلائك بشهادتك أمام النيابة؟
- نعم، تواصلوا معى، وقالوا لى لا تخف، نحن معك، وأنت تقول الحقيقة ونحن فى «ضهرك»، وفجأة اختفى الجميع، أنا لا أريد من أحد شيئاً، فقط أقدم شهادتى أمام الله إرضاءً لضميرى.
■ ما صحة ما أصدرته وزارة الداخلية فى بيان مؤخراً بأنك محكوم عليك بـ6 أشهر فى قضية نصب بتاريخ 10/5/2011؟
- غير صحيح، والاسم خطأ، والمحامى الخاص بى قالى لى إنه سيرفع قضية على وزارة الداخلية لتشويه سمعتى.
■ أين تقيم حالياً؟
- فى البلد، وتركت منزلى أنا ووالدتى، والإخوان مسيطرون على حى العمرانية تماماً ويتربّصون بى، والآن تحولت قضية مقتل «الجندى» إلى قضية رأى عام، أقول لشباب مصر: «فوقوا من الغيبوبة التى يصنعها حولكم الإخوان بأكاذيبهم»، وبعد أن قلت كل شىء فى النيابة، فإنى مرتاح الضمير، فالدم رخيص عند الإخوان.