«شخصية ظلت بعيدة عن الأضواء، ووسائل الإعلام حتى يوم 7 نوفمبر 2001 عندما تحدث عنه الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش الابن ووصفه بأنه أحد داعمى الإرهاب فى العالم، وأنه قام بتمويل أحداث 11 سبتمبر»، هكذا استهل شارل فؤاد المصرى كتابه «الأب الروحى» فى حديثه عن يوسف ندا أحد أبرز ممولى جماعة الإخوان المسلمين.
النشأة
■ ولد فى الإسكندرية عام 1931.
■ انتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين عام 1947.
■ اعُتقل مع عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بعد اتهامهم بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية فى أكتوبر عام 1954، قضى ما يقرب من عامين فى السجن وأُفرج عنه فى أبريل عام 1956.
■ بدأ نشاطه التجارى بعد خروجه من المعتقل، وأنهى دراسته الجامعية من كلية الزراعة جامعة الإسكندرية.
■ وفى أغسطس عام 1960 قرر ندا الهجرة من مصر، فذهب بداية إلى ليبيا ومنها إلى النمسا، حيث بدأ نشاطه التجارى يتوسع بين البلدين، حتى لُقِّب فى نهاية الستينيات بأنه ملك الأسمنت فى منطقة البحر المتوسط.
■ تمكن ندا من الهرب من ليبيا حينما اندلعت ثورة الفاتح فى سبتمبر عام 1969 ثم انتقل للإقامة فى كامبيونا الإيطالية التى تقع داخل الحدود السويسرية، وما زال يقيم بها إلى الآن، حيث يسكن فى قصر فخم يطل على بحيرة مدينة «لوجانو».
■ يوسف ندا يحمل الجنسية الإيطالية، وحصل على الجنسية التونسية فى الستينيات.
انضمامه إلى جماعة الإخوان المسلمين
على الرغم مما قيل عن قصة انضمام يوسف ندا سواء ما وثقته حوارات صحفية أو تليفزيونية أجريت مع الرجل أو ما وثقته تقارير أجهزة الاستخبارات الأمريكية، فإن تلك القصة يظل يشوبها كثير من الغموض، ولا يعلم أحد مدى صحتها، لكن فى النهاية تظل الرواية التى اعتمد عليها أغلب التقارير الإعلامية والبحثية هى ما قالها الرجل على لسانه.
وفيها يروى يوسف ندا قصة انضمامه إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهو فى سن السابعة عشرة عام 1948، التى حدثت بالمصادفة مع مشادة جرت فى شارع مصطفى كامل بالإسكندرية، حينما تحولت المشادة إلى معركة بين عائلتين احتدمت فى لحظة تدخل فيها مجموعة من الأفراد يرتدون ثياب الكشافة بدؤوا فى فض المعركة واصطحاب أطرافها إلى داخل أحد «شعب» الإخوان المسلمين، حيث سأل ندا أين نحن؟ فعلم أنه موجود فى أحد مقرات جماعة الإخوان المسلمين.
وهنا بدأ تجنيده، وبعدها بأيام قلائل انضم إلى إحدى المحاضرات التى نظمها أفراد من الجماعة، بدؤوا فى إعطائه كتبا يقرؤها، وبدا يتعرف عليهم أكثر وأكثر، حتى بدأ الأمر فى التصاعد، ليصير الرجل واحدا من أبرز رجال الجماعة، وبعدها بعقود أكبر ممولا لها والأكثر نفوذا وتأثيرا لدى التنظيم الدولى للجماعة.
تأسيس الإمبراطورية المالية الكبرى
حينما سافر إلى النمسا بدأ ندا يخطو خطواته الأولى نحو عالم المال والأعمال، حيث بدأ فى صناعة الجبن وتسويقه فى أوساط الطلبة العرب الموجودين فى مدينة «جراتس» فى النمسا ثم تصديرها إلى عدد من الدول العربية بعد ذلك.
وحينما فشلت عمليات إنتاج منتجات الألبان فى التطور، أنشأ أواصر من العلاقات الاقتصادية القوية فى ليبيا، ونجح فى تأمين وتوفير امتياز تصديرى لمنتجات البناء من فينا، وقد توسعت أعماله فى هذا المجال، ليصبح المورد الأكبر للأسمنت ليس فى ليبيا فقط، لكن فى دول أخرى من بينها السعودية حتى عرف وقتها بملك الأسمنت فى البحر الأبيض المتوسط.
أنشأ بعدها شركة فى السعودية، وفى الرياض حاز على أول رخصة للخرسانات الجاهزة «ندا إنترناشيونال»، ودخل فى شراكة مع فيات الإيطالية وحاز نسبة 51٪ بما أتاح له حق الإدارة.
فى عام 1977 قام بالمشاركة فى تأسيس بنك فيصل، وأصبح عضوا فى مجلس الإدارة.
بدأ بالبحث عن العملاء المؤمنين -كما يقول فى أحد حواراته- «بالفكر الإسلامى» وأن «الربا حرام» من الإسلاميين، وأسس بنكا ضخما عرف ببنك «التقوى»، الذى بفعل شبكة ضخمة مع العلاقات مع الإسلاميين فى عدد الدول أصبح له استثمارات خيالية، وكانت أكثر مناطق الاستثمار تلك فى جنوب شرق آسيا، إضافة إلى صلات ضخمة فى إندونيسيا وماليزيا وتايوان.
يوسف ندا وتمويل الإرهاب الدولى
أسس بنك «التقوى» الذى قدرت ميزانيته بـ162 مليون دولار
يقع بنك «التقوى» فى جزيرة «ناسو» القريبة من البهاما المجاورة للولايات المتحدة الأمريكية، وقام البنك من البداية على صيغة «الأوفشور» فى العمليات الاقتصادية والمصرفية دون مراقبة الجهات الحكومية المختلفة، ويعد البنك أحد المنافذ الاقتصادية لجماعة الإخوان المسلمين، لا سيما أنه حقق أرباحا خيالية دخلت فى الحسابات الخاصة للجماعة دون علم من السلطات المصرية فى عهد الرئيس المخلوع مبارك.
لم يستطع أحد أن يقدر ثروة ندا حتى الآن، نظرا إلى تشعب وتعدد مشاريعه الاقتصادية وعدم وجود تقارير قاطعة تفيد بثروته الحقيقية، لكن ميزانية البنك قدرها المحللون بنحو 162،667،258 دولار أمريكى، وكانت استثمارات البنك تستهدف منطقة جنوب شرق آسيا وإندونيسيا وماليزيا وتايوان، ثم حدثت بعد ذلك هزات اقتصادية لجميع استثمارات البنك فى جميع البلدان عقب انهيار النمور الآسيوية ومنذ ذلك الحين بدأت الحرب الاقتصادية والسياسية ضد يوسف ندا، وخسر ندا ما بين عامى 2001 و2008 من جملة استثماراته الخارجية ما يقدر بنحو 220 مليون دولار.
بنك «التقوى» الذراع المالية الأولى لجماعة الإخوان المسلمين
فى أثناء عمل سعيد رمضان فى ألمانيا وسويسرا عام 1960 تولى رمضان مسؤولية اللجنة المرتبطة ببناء المساجد فى ميونيخ، وكان قد دُعى للمشاركة فى تلك اللجنة عن طريق غالب على همت، سورى المولد، الذى حقق نجاحا ماليا كبيرا فى ألمانيا، رمضان وهمت عملا قريبا، وسافرا إلى رحلات لجمع الأموال وتحويلها فى نهاية المطاف إلى «IGD»، فرع الإخوان المسلمين فى ألمانيا.
وفى أثناء الفترة التى التقى فيها يوسف ندا بغالب همت، كان الأول قد خاض تجارب استثمارية عدة، بدأت بصناعة وتصدير الجبن وتوسعت حتى اشتملت التفوق فى تصدير مواد البناء إلى دول عدة كما أشرنا.
وحينما سعى سعيد رمضان وغالب همت إلى توثيق أواصر العلاقات بأطراف فى ليبيا من أجل توفير التمويل لجماعة الإخوان المسلمين، بدا أن ندا واحد من أهم المداخل لتحقيق ذلك. بعد ثورة الفاتح كان ندا قد ترك ليبيا وقام بسحب استثماراته خارج البلاد، وانتهى به الأمر فى إحدى المدن الإيطالية التى تقع داخل الحدود السويسرية، وهناك توثقت صلته جيدا بغالب همت، الذى طلب منه الانضمام إلى الجمعية الإسلامية فى غرب ألمانيا، وفى عام 1971 انضم ندا إلى الجمعية، وبعدها بسبع سنوات، عين يوسف ندا غالب همت فى مجلس إدارة «ندا إنترناشيونال» فى ليخنشتاين، وهى الشركة التى كانت مركزا للعمليات الاقتصادية مع السعودية.
أصبح القيادات الثلاثة فى الجماعة (همت، وندا، وسعيد رمضان) الأطراف الأساسية لبنك «التقوى»، ولعبوا أيضا دور نقطة الارتكاز والقيادة المالية للجماعة، خصوصا أن الثلاثة ينتمون تنظيميا إلى الجماعة، كذلك فقد كانت تجمعهم رؤية مشتركة لمعارضة نمط الحكم العلمانى، الذى تجسد فى حكم عبد الناصر فى مصر، والشاه فى إيران. وانضم إليهم فى سويسرا ثلاثة من الرجال الذين لعبوا لاحقا دورا كبيرا فى نمو وبناء بنك «التقوى»، وهم: فرانسوا جينود، وأحمد هوبر، وأحمد إدريس نصر الدين. وبمناسبة ذكر فرانسوا جينود فهو كان مصرفيا متورطا فى عملية سميت بـ«الأوديسا»، حيث تم إخفاء ملايين الدولارات اليهودية المسروقة فى حسابات سويسرية، كذلك فقد كان الرجل المدير المالى لأمين الحسينى، المفتى السابق للقدس. أما أحمد نصر الدين، فهو رجل أعمال ومصرفى صومالى، يعمل انطلاقا من إيطاليا، عضو فى جماعة الإخوان المسلمين، أدار بنك «العقيدة»، وأقام علاقات وثيقة بالدوائر السياسية الإيطالية، بنك العقيدة كان على اتصال ببنك «التقوى»، ووفقا لكيفين كوجن فى «تقرير عن الإسلاميين واليمين المتطرف وبنك التقوى» أن قوة رابطة نصر الدين مع بنك «التقوى» وعملياته الأخرى، جعلته يستخدم موظفيه فى العمل فى الشؤون الاقتصادية لنفس العمليات تقريبا. كذلك فقد عمل مع البنك رجل الأعمال السعودى الشهير سليمان عبد العزيز الراجحى، رجل صاحب ثروة قدرتها الـ«فورين بولسى» بـ5.9 مليار دولار.
جميع هؤلاء أصبحوا مؤسسى بنك «التقوى» فى عام 1988، ومقره جزر البهاما كملاذ ضريبى آمن، إضافة إلى عمليات أخرى يجريها فى سويسرا، وإيطاليا، وليخنشتاين. فى بعض النواحى، كان البنك بنظام الحوالات، وهو نظام يفتقد لكثير من التسجيل الرسمى الموجود فى البنوك التقليدية، حيث افتقاد الشكل التقليدى من السجلات ربما يوفر حماية موكلى البنك من الملاحقات القضائية. «التقوى» أيضا أسس مجموعة من الحسابات المقابلة، بما مكنه من الوصول إلى غيره من البنوك فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، والسماح بتحرك كميات كبيرة من المال من خلال هذا الاتصال مع القليل من خطر الاكتشاف.
لكن ما حقيقة تورطه فى فضيحة غسل أموال كبرى؟
هذا ما سنكشف عنه فى حلقة غدا، إضافة إلى تفاصيل أكثر حول البنك والمساهمين فيه، وعلاقة ندا بحركة حماس والشيخ يوسف القرضاوى.