بعيداً عن ضوضاء القاهرة بنحو 1000 كيلومتر تقريبا، يقع مثلث الثروة الكامنة فى المعدن الثمين، إنه الذهب، فى صحرائنا الشرقية ووسط جبالها اللامعة بعد انعكاس أشعة الشمس دائمة الإشراق هناك.. الطريق إلى المعدن لا يكون سهلا، فبعد الوصول إلى مدينة مرسى علم، توجهت «الوطن» غربا على طريق أسفلتى أولا، ثم سلكنا «مدقات» وعرة، بطول 140 كيلومترا، وسط سلسلة جبال البحر الأحمر، وصولا إلى منجم «حمش» وهو أحد أشهر مناجم الذهب فى المحافظة، لم يسلط عليه الضوء إعلاميا بعد، إلا أن جيولوجيا المكان تشير إلى وجود المعدن بشكل مركز فى هذا الموقع.
«حمش» ليس اسما جديدا على المنجم، فقد كان الفراعنة يطلقون هذا الاسم على المنطقة بالكامل، بينما حدد علماؤهم مواقع تركز الذهب وسط الجبال بدقة، حفروا هم قبل ميلاد الزمن واستغلوا ثروات بلادهم فأقاموا حضارة أنارت طريق العالم بأسره ووضعوا أسس حياة البشرية قبل أن تعرفهم.
واجهت الشركة الأسترالية عقبات مالية فى بداية الأمر، بعدها تأكد نقل ملكية الشركة لمستثمر سودانى على حق الانتفاع والتنقيب عن معدن الذهب على مساحة تبلغ 78 كيلومترا مربعا، تضم أغلبها طبقا لجغرافية المكان جبالا تحدد وجود المعدن بها، واتفقت هيئة المساحة الجيولوجية والشركة المنتفعة على بدء عمليات البحث والاستكشاف عام 1999، وأعلنت الشركة إنتاج أول سبيكة ذهب عام 2007، وتأسست شركة «حمش مصر» لمناجم الذهب، حسب الاتفاقية التى نصت على تأسيس شركة عمليات الإنتاج فور اكتشاف كميات اقتصادية من المعدن، بينما تتقاسم الدولة والشركة الأرباح، بعد استعادة الشركة ما أنفقته، وقتها أخذ الحدث ضجة إعلامية إلا أن نجمه خفت عقب تعرض الشركة لعدة أزمات اقتصادية إلا أنها لم تعلن عن توقف الإنتاج.
ويعد «حمش» منجم الذهب الوحيد الذى يتكون طاقمه من المهندسين المصريين، وعلى الرغم من الأزمات التى مرت بها الشركة فإن المهندسين المصريين اكتشفوا مناطق جديدة للذهب يطلق عليها «أبوطردة»، يتراوح تركيز الذهب بها من 2 إلى 4 جرامات فى كل طن من الحجارة وهى نسبة جيدة واقتصادية بحسب جيولوجيين، علاوة على سهولة استخلاص الذهب منها.
فى أحد المواقع التى تمتلك الشركة حق الانتفاع والتنقيب فيها، صعدنا جبلا بارتفاع نحو 20 مترا حتى وجدنا أمامنا نفقا وصخورا صفراء مترامية على الأطراف، ولافتات بيضاء صغيرة مكتوبا عليها علامات جيولوجية لم نفهمها.. ذلك النفق كان موقعا عرفه قدماء المصريين، لوجود الذهب بنسبة كبيرة فيه لكنهم لم يستخرجوه، وبدأت الشركة استكمال حفره بطول 60 مترا بعمق الجبل، بينما يمتد النفق شمالا بطول 35 مترا ويمينا 35 مترا، ويحتوى على عروق خالصة من الذهب لم تستخرج بالكامل بعد.
يبدو الموقع مهجورا على الرغم من تركز الذهب فيه، توقف العمل فى الموقع لفترة قصيرة، تلك الصخور ذات اللون الأصفر المترامية تحتوى على الذهب سهل الاستخلاص بالطريقة المعروفة جيولوجيا باسم «رش الكومة»، حيث تجمع تلك الصخور لتكوين «كومة» ثم ترش بالسيانيد الذى يذيب الذهب.
لم يكن هذا النفق هو الوحيد المحفور فى قلب جبل الذهب فتلك العلامات الجيولوجية التى حددها المهندسون باستخدام الستالايت تشير إلى وجود أنفاق عديدة أخرى تحتوى على كميات من الذهب المركز. يقول أحد الجيولوجيين فى المنجم، رفض ذكر اسمه، إن «حمش» يحتوى على كميات اقتصادية من الذهب مركزة فى مواقع بعينها، موضحاً أن الفارق بينه وبين «السكرى» الذى يعد أشهر مناجم الذهب فى مصر والعالم، هو تركز الذهب ووجوده فى نقاط حددها المهندسون فى قلب الجبل ولا تحتاج إلى استكشاف على مساحات منبسطة.
أضاف الجيولوجى أن الاستثمار فى الذهب يعد ضخما ويحتاج إلى ملايين الدولارات، إلا أنه من السهل استرداد تلك النفقات بمجرد دخول المناجم فى طور الإنتاج المنتظم، بحسب قوله.
ولفت إلى أن «حمش» تعتمد على التنقيب داخل الجبل فى تلك النقاط، وتابع: «طرق التنقيب ليست صعبة، خاصة فى منطقة المنجم، بالإضافة إلى أن طرق استخلاص المعدن من صخور جبال حمش تعد أكثر سهولة من السكرى، فتركز الذهب يمكننا من استخدام أسهل الطرق وهى رش الكومة، لنحصل على ما يقرب من جرام إلى جرامين وأحيانا 4 جرامات من الذهب فى الطن الواحد».
أشارت تقارير مفتشى هيئة الثروة المعدنية إلى وصول إنتاج «حمش» فى ظل أزماتها المعيقة للإنتاج حتى عام 2010 إلى 160 كيلو جراما، وعمليات الإنتاج ما زالت مستمرة إلا أن هيئة الثروة المعدنية أصدرت قرارا بمنع مفتشى الهيئة من التفتيش على المناجم المنتجة.