هي ''الزهرة الجميلة'' كما تعني كلمة ''أديس أبابا – العاصمة الأثيوبية'' باللغة الأمهرية، إلا أن هذه الزهرة أصبحت مؤخرًا في نظر المصريين ''زهرة متوحشة'' متعطشة لمياه ''نهر النيل''.
''إثيوبيا'' التي شرعت مؤخرًا في تحويل مجرى ''النيل الأزرق'' الرافد الأكثر أهمية لتغذية نهر النيل، والعامل الرئيسي في قدوم الفيضان، وانتهكت بهذا كل اتفاقيات الأنهار الدولية، وتقسيم الموارد المائية الموقعة منذ عهود الاحتلال البريطاني لمصر والإيطالي للحبشة ''أثيوبيا حاليا''.
''إثيوبيا''.. تلك الدولة التي جمعتها بمصر حتى وقت قريب علاقات متباينة بين ''حرب'' في عهد الخديوي إسماعيل والامبراطور ''يوحناس'' عام 1874، و ''قوة وصداقة'' في عهد ''عبد الناصر''، وتوتر في عهد ''السادات''، وانتقام وشبه مقاطعة في عهد ''مبارك''، إلى أن أطلقت ''بالون الاختبار'' الأكثر أهمية في عهد ''مرسي''.
''الكنيسة'' وصداقة ''ناصر وهيلاسلاسي''
اغتيال
بعد قدوم الرئيس السابق ''جمال عبد الناصر'' وحلمه بتحرير القارة الأفريقية من عصور ظلام واحتلال طويلة، أسست مصر ''منظمة الوحدة الأفريقية'' وجعلت مقرها ''أديس أبابا''، إلا أن ثمة علاقة خاصة ''مقدسة'' جمعت أثيوبيا ومصر تمثلت في ''الكنيسة الأرثوذوكسية''؛ فالكنيسة الأرثوذوكسية الأثيوبية ظلت تابعة للكنيسة المصرية منذ العصور الأولى للمسيحية، واعتبرت الكنيسة المصرية ''الكنيسة الأم''، وأوفدت لها رجال الدين للدراسة بها والرسامة فيها.
''الإمبراطور هيلاسيلاسي''.. إمبراطور إثيوبيا كان على وفد رفيع حضر لافتتاح ''الكاتدرائية المرقسية بالعباسية''، وظهر ''عبد الناصر'' يتوسط الإمبراطور الضيف و''البابا كيرلس السادس''، وهو ما تبعه زيارات متعددة للبابا كيرلس إلى إثيوبيا لافتتاح عدة كنائس أرثوذوكسية هناك، وتولدت بينه وبين ''هيلاسيلاسي'' علاقة شخصية طيبة.
السادات و''عسكري الدرك''.. زجاجة الدم'' وانفصال الكنيسة
اغتيال
رحل ''ناصر'' وخلع ''هيلاسلاسي'' من كرسي الإمبراطورية الحبشية عام 1974، وحل محله ''منجستو هيلا مريام''، ضابط الدرك السابق، والزعيم الثوري الإثيوبي، ذو الانتماء الشيوعي، في هذا الوقت كانت مصر بقيادة ''السادات'' ومعها إيران تحت حكم ''الشاه'' وعدد من الدول العربية تسير على خطى ''الولايات المتحدة الأمريكية''، مكونين ''تحالف سفاري'' المضاد للمد الشيوعي، وهو ما لم يتقبله الإمبراطور الإثيوبي، ووصل الأمر إلى العداء الصريح وامتهان العلم المصري بإلقاء ''زجاجة دم'' عليه.
ليس هذا فحسب، بل انفصلت الكنيسة الأرثوذوكسية الإثيوبية عن الكنيسة (الأم) المصرية، وأصبحت كنيسة مستقلة يترأسها بابا مستقل، ورويدًا رويدًا فقدت ''الكنيسة المصرية'' نفوذها وطغيانها على مثيلتها الحبشية.
''مبارك''.. اغتيال وانتقام وتحالف مع ''إسرائيل''
اغتيال
في يونيو 1995 وأثناء زيارته للعاصمة الإثيوبية لحضور مؤتمر القمة الأفريقية، تعرض الرئيس السابق ''مبارك'' لمحاولة اغتيال باءت بالفشل، إلا أنها كوّنت جبل جليدي في العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا، وعلى الرغم من توقيع ''مبادرة حوض النيل'' في 1999، إلا أن ''إثيوبيا'' شجعت دول المنبع للالتفاف على المبادرة وتوقيع اتفاقية ''عنتيبي 2010'' لإعادة تقسيم حصة كل دولة من دول النيل.
تشير كل الأصابع إلى تحالف ''إثيوبي إسرائيلي'' لتشجيع أديس أبابا على بناء ''سد الألفية الجديدة'' المعروف بـ''سد النهضة''، والضغط على مصر، وتقييد دورها في منطقة القرن الأفريقي؛ خصوصًا بعد مجيء رئيس الوزراء ''ملاس زيناوي'' بعد الإطاحة بـ''مناجيستو''، وانتهاجه لسياسة مناوئة لمصر.
أسباب صعود النجم الإثيوبي على حساب الدور ''التاريخي المصري'' يعود لعدة أسباب منها ''غزو إثيوبيا للصومال ''الحليفة لمصر''، وصمت مصر عن هذا التدخل السافر، مما أعطى لإثيوبيا قوة في منطقة القرن الأفريقي، إضافة لصمت مصر عن انقسام السودان ''دولة المصب'' إلى دولتي شمال وجنوب في يناير 2011، وصداقة دولة الجنوب القوية بإسرائيل، أيضًا استقبال ''مبارك'' لقادة الانفصال الجنوبي لبحث ''استفتاء الانفصال'' دون التوصل لحل.
كل هذه العوامل أدت لتصريح ''زيناوي'' عن رفض ''إثيوبيا'' اتفاقيات تم توقيعها في عهود الاحتلال مطلع القرن الماضي، ودفعته للقول بـ: ''حان الوقت ليحسم المصريون أمرهم إذا ما كانوا يريدون العيش في القرن التاسع عشر أو القرن الواحد والعشرين''، إشارة منه لزمن توقيع الاتفاقيات.
تعامل ''مبارك'' هو الآخر مع الأزمة تفاقمت آثارها، سحبه لملف المياه من وزارة الخارجية المصرية وتوكيل رئيس المخابرات السابق ''عمر سليمان'' بالتصرف فيه لم يقدم حلاً؛ فالمخابراتي ''عمر سليمان'' تعامل مع الملف بتعالي على السياسة الأفريقية، وصيغة الأوامر وليس التفاوض، وهو ما زاد من ''العناد الحبشي''.
ترقب ''مرسي'' و''النهضة'' الإثيوبية
اغتيال
عقب زيارته الأولى لأديس أبابا لحضور مؤتمر القمة الأفريقية، أعلنت ''إثيوبيا'' تدشينها المرحلة الأولى لتحويل مجرى ''النيل الأزرق'' إيذانًا بالبدء في مشروع ''سد النهضة''، وهي خطوة مفاجئة وتحدي لمصر والسودان (دولتي المصب)، على الرغم من إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي عدم تأثير السد على حصة مصر المائية من نهر النيل، واستخدام ''سد النهضة'' في توليد الكهرباء فقط.
حتى الآن لم تتخذ مصر موقفًا رسميًا من هذه الخطوة، وإن ظلت المباحثات الدبلوماسية قائمة، ولوحت بعض الجهات إلى عدم استبعاد خطوة ''توجيه ضربة عسكرية'' لقصف السد وتدمير نواة المشروع، إلا أن حلاً ثالثا ظهر في الأفق يعيد ''التوازن المائي'' ويحفظ ماء الوجه لـ''مرسي''.
''مشروع نهر الكونغو''.. تلك الفكرة المولودة عام 1980، والتي جاء بها ''السادات'' ليربط ''مصر والسودان والكونغو'' لزيادة موارد نهر النيل المائية، و الاستفادة من مياه ''نهر الكونغو'' من خلال شق قناة تصله بأحد روافد نهر النيل في ''السودان''، وهو يحقق زيادة مائية أكثر بـ''ثلاثة أضعاف'' الزيادة القادمة من ''النيل الأزرق''.