بجسد نحيل ووجه طفولى صار خصماً لنظام، لم يجد اسمه وسط خانات حاملى بطاقة الرقم القومى، غير أنه صار متهماً بقلب نظام الحكم..دقت الساعة ومعها رفعت المساجد أذان فجر يوم جديد، فى الوقت الذى انكفأ فيه «عبدالرحمن» بوجهه على كتاب «الفيزياء»، لم يشغل باله سوى تمتمات تعينه على الاستيعاب لإرضاء والدته التى جلست بقربه تدعو له، توضأ وجهز نفسه للصلاة، لكن رنين جرس باب الشقة كان حائلاً، -والده كان غائباً وقتها للمبيت لدى عمته- اتجه بجسده النحيل صوب العين السحرية، فهاله ما رأى، ثلاثة أشخاص «يسدون عين الشمس» يرتدون زياً مدنى «كنت خايف ليكونوا بلطجية.. فقفلت بالترباس».. الأمر استفزهم، راحوا يضربون الباب بأقدامهم، ليعاود عبدالرحمن النظر مرة أخرى، ليجد مجموعة من الرجال يرتدون زى العمليات الخاصة «اطمنت وقلت أكيد هما شرطة.. فقلت لهم خلاص هفتح الباب»، غير أنها ثوان وكان عبدالرحمن مستلقياً على الأرض أسفل الباب الخشبى، الصمت خيّم على روحه فيما كانت صرخات الأم تتعالى، يشخص بصره صوب تلك الأجساد مفتولة العضلات الحامل كل منها عدداً غير قليل من الأسلحة والقنابل، مرتسماً على محياه ابتسامة خجولة وعلى خده تصوب فوهة مسدس من أحد الملثمين «فين عبدالرحمن عبدالودود؟» قالها الضابط المسئول بصرامة، فجاءه الرد بتلقائية من الطفل الملقى أسفل قدميه «أنا».. برفعة خفيفة اتخذ عبدالرحمن موضعه الجديد تحت إبط الضابط كمن يداعب رضيعاً.. أكثر ما لفت نظر الصبى هو ذلك العدد المهول من القوات التى تتحلقه «على كل دور فيه اتنين كل واحد فيهم ماسك أكرة الشقة عشان الجيران ميفتحوش ويعرفوا فيه إيه»، لم يكن أحد يجرؤ على فتح نافذة منزله والنظر لمعرفة ما يحدث «أى حد بيحاول يعرف فيه إيه كانوا بيهددوه بالسلاح.. اقفل.. اقفل»، كل ما خيل له أن الأمر لا يعدو مجرد مشهد من فيلم كوميدى ينتهى بعبارة «إحنا آسفين يا حبيبى اسمك جه عندنا غلط».. تخالط خيالاته نحيب والدته التى هرعت خلفهم، لكن دون جدوى.
سأله وكيل النيابة «انت حرقت محافظة دمياط».. فرد «مش دمياط دى بتاعت العفش»
أولى الصدمات التى تلقاها عبدالرحمن بدأت فى نهاية شارعه قبل أن يلقى داخل «البوكس» وقتما وقعت عينه على الشارة الممهورة بأكتاف القوة المكلفة بإحضاره «مكافحة إرهاب دولى»، ألقى البصر بعيداً فوجد أن حشداً من سيارات الشرطة يؤمّن مسيرته، فوقع الحدث فى نفسه موضع الريبة، كانت أجواء المذاكرة فى منزله ملائمة لارتدائه ملابس خفيفة مع بدايات قيظ الصيف «كنت لابس تى شيرت ريال مدريد وبردان.. لقيت أمين الشرطة بيقول لى قرفص فى الصندوق عشان تتدفى» فانصاع الصبى لأوامره دون مناقشة.
صورة مع ضابط جيش وفى الخلفية دبابة فى قلب ميدان التحرير، تلك كانت بداية أواصر علاقة «عبدالرحمن» بالسياسة، تلاها توزيعه لاستمارات التيار الشعبى «بحب حمدين صباحى وحسيت فى تجربة التيار الشعبى الأمل فى إنقاذ مصر».
«يمكن يكونوا قبضوا عليّا عشان مش بذاكر كويس» هاجس طاف بذهن عبدالرحمن كجزء من عبثية المشهد، حاول خلال ساعة أن يفند مصائبه فلم تتخط مجرد إهماله لبعض دروس الفيزياء أو وقوفه مع رفاق «درس العربى» بعض الوقت.. داخل قسم المطرية الذى يبعد عن منزله دقيقتين كانت الابتسامة عنوان وجه الصبى الذى لم تسعفه سنون عمره الست عشرة على الولوج من قبل إلى أقسام الشرطة.. «انت بتضحك.. ده انت ليلتك مش معدّية» قالها أمين الشرطة، لكن ذلك لم يقف حائلاً أمام كسر ابتسامته.. وهنا انتهت مهمة قوات مكافحة الإرهاب الدولى، بتسليم صاحب الوجه الطفولى لقيادات القسم «كنت حاسس إنى أسامة بن لادن»، ككل الوافدين إلى مكان المجرمين كان لا بد من تشريفة، تارة بالضرب وأخرى بالسباب كان نصيبه من الأخيرة أقوى «انت بلاك بلوك يا ابن الـ.. ». قالها له أحد الضباط، ثم رددها مرة أخرى عليه رئيس المباحث، حينذاك بدأ «عبدالرحمن» يدرك أن الأمر ليس عادياً، ليرد بصفو نية «بلاك بلوك إيه حضرتك.. أنا مش فاهم»، إيماءات من أمين الشرطة الواقف بجواره تخويفاً له بالضرب، كانت البداية «أنكرت معرفتى بالبلاك بلوك وأنا فعلاً معرفش حاجة عنهم»؛ ليأمر رئيس المباحث -بلهجة صارمة أمين الشرطة- «يعنى انت مش هتتكلم طب هاتلى ماكينة الكهربا من تحت».. بإحساس من عدم المسئولية انتابت الصغير حالة من الضحك التلقائى «مقدرتش أمسك نفسى وضحكت.. وده استفز رئيس المباحث وقال نزّله الحبس بسرعة».
4 غرف شكلت زنازين العتمة داخل قسم المطرية «غرفة للسيدات - غرفة للمجرمين - الأموال العامة.. الحبس الانفرادى» كان نصيبه مع أولئك المحبوسين على ذمة اتهامات خاصة بالأموال العامة.. غرفة من 4 جدران تحوى بين جنباتها المتهمين «ناس كبيرة فى السن بس للأمانة عاملونى كويس».. ضوء أصفر شاحب يضىء المكان يضفى نوعاً من الكآبة.. «انت جاى فى إيه يا بنى؟»، ليرد عليهم: «فى البلاك بلوك»، ليتساءل أحدهم فى ضياع بفم مفتوح على مصراعيه «إيه البلاك بوك دى؟» - بحذف اللام- ليجيب عبدالرحمن: «حاجة كدة تبع السياسة والمظاهرات»، اتسعت حدقات أعين النزلاء وصاحوا «سياسة ومظاهرات انت عندك كام سنة يا ابنى؟».
أمن الدولة فى خيال «عبدالرحمن» ليس سوى مقطع من فيلم «الكرنك»، أما الضباط فهم جميعهم «كمال الشناوى» فى الفيلم نفسه.. حان موعد الترحيل من قسم المطرية إلى سيارة البوكس «لفوا بينا كتير جدا.. وأنا معرفش الطرق.. بس كان فيه واحد جنبى كإنه مرشد سياحى قالى احنا دلوقتى رايحين على مدينة نصر وشويه يقول لى لأ شكلهم هيودوك السجن.. هو انت عامل جريمة ولّا إيه.. لحد لما فى الآخر رسينا فى طرة».. داخل البوكس رافقته سيدة بملابس رثة، لم تكف عن البكاء وقت النظر إليه «أكيد صعبت عليها»، فيما كان يرد التضامن بأفضل منه «أنا كنت بضحك ومش عارف ليه ومش فاهم أى حاجة كل اللى اعرفه عن طرة إن مبارك وولاده مسجونين فيه».
كل ما يعرفه عبدالرحمن عن مصطلح «البلاك بلوك» هو قصاصات من صحف وتقارير تليفزيونية نوهت عن الأمر، بينما كان يقول فى قرارة نفسه «إذا كنت هشارك فى المظاهرة هخبى وشى ليه»، تعوّد الشاب منذ عهده بالثورة أن يعى للأمور معانيها، فحين سمع عن كلمة «أناركية» لم يجد سبيلاً سوى الإنترنت لإدراك المعنى.
على أبواب سجن العقرب «شديد الحراسة» عرفت أقدام الصبى الصغير هول الكارثة، ترجل من سيارة الشرطة مُقيد اليدين، اقتاده أحد أمناء الشرطة إلى ضابط بالسجن، نظر إليه وتفحصه من أسفل إلى أعلى، ثم سأله «انت بقى البلاك بلاك»، نظر إليه الطفل الصغير فى تعجب ولم يكف عن الابتسام فى وجهه ليستكمل الضابط حديثه «وكمان بتضحك.. يا ابنى انت خلاص ضعت.. مستقبلك اتدمر».. لم تدم زيارة «عبدالرحمن» للمكان الذى سمع أن مستقبله سيُدمر فيه إلا ساعة، ليعاود بعدها الترحال داخل البوكس قبل أن يستقر أمام قسم ثان مدينة نصر.. استقبله ضابط فى رتبة نقيب عندما دخل عليه «عبدالرحمن» سأله بلهفة «انتو بقى البلاك بلوك اللى بتولعوا فى العربيات.. وبتجروا ورانا.. أنا أحييكم من كل قلبى.. . ومعجب بيكم جدا.. انا عاوزكم تحرقوا البلد.. انا معاكم والله»، قبل أن يطلب له الضابط الشاب «رغيفين كُفتة وعلبة عصير».. لم يفهم الصبى هل ما يحدث سخرية منه أم طريقة من طرق الاستجواب، قبل أن يقاطع الضابط المخيلات التى انتابت ذاكرته «لو احتجت أى حاجة نادى من النضارة - فتحة فى باب الزنزانة».. ليدخل جوف الطفل أول طعام له منذ يومين.
امتحن أولى ثانوى وسط حراسة مشددة فقال والده لـ «اللواء»: «ابقى اكتب فى التقرير إن أبو المتهم مستنيه بإزازة ميّه وساندوتش»
داخل الحبس الانفرادى، لم يجد «عبدالرحمن» مسلياً إلا بحصر عدد البلاطات المكونة للأرضية «3 متر فى 5 متر»، غاصت أقدامه فى المياه الراكدة والتى أغرقت أرضية الزنزانة، فى الوقت الذى وجد فيه بطانية مفرودة هى مؤنته الوحيدة، ثناها الطفل عدة ثنيات حتى يتسنى له الجلوس عليها غير متأثرة بالبلل الذى أصاب الأرضية، ثم راح يتأمل المكتوب على جدران الزنزانة «حسبى الله ونعم الوكيل - ربنا على الظالم».. مصطلح الحبس لم يزُر مخيلته من قبل إلا من خلال المثل الشعبى «ياما فى الحبس مظاليم».. لذا كل ما سيطر على خاطره أنه بعد ساعات سيحضر الأب الذى ربما تأخر للبحث عنه داخل الأقسام ليعاود المذاكرة مرة أخرى، فيما أخذته غفوات متقطعة مدة كل واحدة منها 5 دقائق «كنت حاسس إنى بصحى كل شويه وألاقى الصبح طلع عليّا.. لكن فى الحقيقة إنى مكنتش بعرف أنام».
بالرغم من كل ذلك كان هناك إحساس وشعور ينتاب الطفل «برضه أكيد أنا هاروّح بكره.. الظباط كانوا بيعاملونى كويس».
ساعات قليلة، تلاها فتح أبواب الزنزانة، يفاجأ الصبى بضابط آخر يقتاده، ثم يضع غمامة على عينيه، يجره خلفه إلى مكان ما داخل القسم، لم ير شيئاً ولكنه كان يشعر بالتكييف الذى كان يبعث هواء رطباً داخل أركان تلك الغرفة التى دخل إليها، بدأ «الكلابش» يضيق على يديه الضعيفتين، جالساً على كرسى خشبى، فيما تطرق إلى مسامعه صوت تقليب أوراق، وصوت من أحد الأشخاص يقوم باستجوابه بلهجة رسمية «التهم الموجهة ليك هى حرق ديوان محافظة دمياط - مقر الإخوان فى التوفيقية - قلب نظام الحكم - الهيمنة على جماعة الإخوان المسلمين للحد من سيطرتها على مقاليد الحكم فى مصر».. قامت الدنيا وانقلبت فى رأس عبدالرحمن بدأت الوساوس تسيطر على عقله الصغير، فربما يسجلون له الاتهامات، صور الأفلام العربية وخيالات التعذيب تراوده، لذا فقد قرر ألا ينطق ببنت شفة، فيما راح يقبض على عضلات بطنه الضعيفة حتى إذا ما ضربوه تحمل الأذى.
قوى «عبدالرحمن» خارت، ومعها نفسيته فأجهش بالبكاء: «كأنه شريط سيما بيمر فى دماغى وكل اللى جه فى بالى أبويا وأمى واخواتى البنات هشوفهم تانى ولا لأ».. لم تمر سوى نصف ساعة حتى فوجئ «عبدالرحمن» بفتح باب الزنزانة «المعتقلين فى اشتباكات دار القضاء»، من ضمنهم أحد أصدقائى فى التيار الشعبى يدعى مصطفى إسماعيل نظر إلىّ فى ذهول وقال لى «أنا قريت النهاردة على الفيس بوك إنك اتقبض عليك.. فعلاً»، رددت عليه «فعلاً.. مانا قدامك أهو.. ومحبوس معاك أهو»، كريزة الضحك وهيستريا السخرية كسرت صمت الحجز.
داخل الحبس تعلم عبدالرحمن أن كل المتهمين ليسوا بالأحرى مجرمين أخلاقياً فقد حنوا عليه بكل ما أوتوا من قوة خاصة وقتما علموا أنه على أبواب امتحانات وأنه لم يفعل شيئا يخص السياسة سوى اشتراكه ضمن شباب فى المنطقة تابعين لحملة التيار الشعبى «أنا كنت بحب حمدين صباحى وعمرى حتى ما مسكت طوبة فى مظاهرة وكنت بنزل مع أبويا أيام التحرير الأولانية كل اللى نفسى فيه أتصور مع دبابة.. يروحوا فى الآخر قايلين لى بلاك بلوك».
ضباط مكافحة الإرهاب الدولى اعتقلوه من بيته فى الفجر فصرخ فيهم «هو أنا بن لادن»
من سجن قسم ثان مدينة نصر، إلى سيارة الترحيلات مرة أخرى التى اتجهت صوب نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس، داخل سيارة الترحيلات كانت طرطشة كلمات هى ما تصل إلى أذن الصبى الصغير وسط زحام وصل إلى حشر 60 شخصاً فى بوكس لا تزيد مساحته على 3 أمتار.
أمام وكيل النائب العام بدأ عبدالرحمن يربط المواقف «يمكن عشان انا تيار شعبى فكرونى ضد مرسى.. فيروحوا يتهمونى انى بلاك بلوك.. والله ممكن».. بوجه بشوش استقبله المُحقق ثم كتب أوصافه «قصير القامة، نحيف، شعره أسود، يرتدى بنطالا أسود رياضى، وتى شيرت رياضى، وينتعل شبشب فيه شريطة باللون الأخضر والأخرى باللون الأصفر».. وما إن انتهى حتى عزم عليه «اتفضل يا عُبد، تشرب إيه؟».. يسمع الطفل اسم «عُبد» تخرج من فاه وكيل النيابة فيعرف أنه سيتم التجديد له لـ 15 يوماً أخرى.. هكذا أخبروه داخل الحجز «أقف قدام وكيل النيابة كويس ومتحاولشى تعمل حاجة.. ولو لقيته بيدلعك قوى افهم إن الموضوع فيه إنّ»، دقائق وتحولت لهجة المحامى العام حين بدأ فى تلاوة التهم الموجهة لعبدالرحمن، 8 تهم يحفظها الصبى عن ظهر قلب كانت أولاها هى «حرق مبنى محافظة دمياط» ليرد عليه بعفوية مقاطعاً «لو سمحت يا افندم ممكن أسأل سؤال مش دمياط دى بتاعت العفش» ليضج المكان بالضحك، بعدها تحول الضحك إلى وجوم وقتما تلا وكيل النيابة بقية التهم «قلب نظام الحكم، حيازة الأسلحة النارية والبيضاء، الانتماء لجماعة غير دستورية والترويج لأفكارها» ساعة ونصف من التحقيقات انتهت بتجديد الحبس 15 يوماً أخرى.
داخل قسم المطرية كان عبدالرحمن يعيش أجواء مختلفة، فموعد الامتحانات قد اقترب، فيما كان التعاطف مع قضيته شديداً، خاصة بعدما تيقن الجميع أنه مجرد طفل لا يعلم من أمر السياسة إلا قليلاً، فأصبح أصدقاء الحجز يلومونه على عدم المذاكرة بشكل كبير، وكذلك يحاول بعض الضباط مساعدته ولو بالضحك «كان فيه ظابط بيذاكر لى الفلسفة.. وواحد تانى بيذاكر لى الإنجليزى».
أول أيام الامتحان كان المنظر مهيباً أمام المدرسة، 8 سيارات أمن مركزى ووجوه صارمة ومسلحون، لمجرد انتقال عبدالرحمن من محبسه فى قسم المطرية إلى الرصيف المقابل فى مدرسة الأميرية، غير أن القوات الحاضرة من أقسام أخرى بدا على وجوهها الدهشة بمجرد رؤية المتهم لتبدأ كلمات الأب المكلوم فى وجه لواء أمن الدولة، مشيراً له بزجاجة مياه صغيرة «يا ريت يا افندم تكتب فى التحقيقات إن اللى عاوز يقلب نظام الحكم أبوه جايب له قزازاة مياه وساندوتش قبل الامتحان»، ليرد القائد بحنو «والله يا والدى دى أوامر غصب عننا».
المؤسسة العقابية كانت هى الصدمة الأخيرة حين وقعت عين عبدالرحمن على اللافتة المشيرة إلى دخوله عالم «الأحداث»: «كل اللى أعرفه إن العيال اللى فى الأحداث دول هيشرّحونى ده اللى كنت بسمعه وانا فى الحبس.. ربنا يسترها عليك يا عبدو وميحولكش العقابية»، غير أن القدر أمهل للصبى وقتاً إضافياً حين قرر الضابط المسئول عن نقله التوصية عليه لدى القائمين على المكان التابع لوزارة الشئون الاجتماعية «أول ما دخلت الحبس جه واحد يقرب منى عشان يضربنى قام قائد المكان قال له سيبه ده معايا وابتديت أفهم إنى أهم حاجة أسمع الكلام».
حلاقة الرأس شىء أساسى فور دخولك المؤسسة العقابية «لقيت واحد ماسك مكنة كهربا وبيقول لى طاطى ياض.. قلت له مانا شعرى مقصوص أهو.. قام زعق فيّا وقال لى طاطى وبلاش كتر كلام».. أيام مرت وتحولت حياة «عبدالرحمن» إلى حياة اعتيادية حتى صار سكرتيراً للأفندى -الموظف المسئول عن تنظيم أوراق الرواد- «يومين محطتش لقمة فى بُقى ومكنتش طايق ألبس هدوم من اللى ادوهانى فى الإصلاحية وبعد كده اتعودت.. وعرفت إن مش لازم المجرم اللى قتل أو مدمن يكون شخص ميتعاشرش.. فيه ناس فيهم كتير قلوبهم طيبة.. بس الغريب إن كلهم كانوا متضامنين معايا».
تليفون من الأب ببشرى الإفراج جاء على مسامع عبدالرحمن فلم يصدق فبعد أكثر من 45 يوماً من «الكعب الداير» يسير طليقاً ليتنفس نسيم الحرية، ويعاود منزله بعد أن أجرى امتحاناته متنقلاً بين الأقسام والنيابات خاتماً إياها بإصلاحية علمته ما تشيب له الرؤوس.