عندما تسمع الحكاية لأول مرة يقفز إلى ذهنك حكاية الدب الذي قتل صاحبه.. ولكن فى هذه الحكاية سترى أن ''القلم'' هو الذي قتل صاحبه.. عندما نعود بالزمن عشرين عاما إلى الوراء تحديدا فى 8 يونيو 1992 سنتذكر ذلك اليوم.. الذي اعتبره البعض مشئومًا واعتبره آخرون يوم الانتصار.
كان صاحب حكاية اليوم يخرج من مكتبه بمدينة نصر فى المساء بصحبة ولده وصديقه إذ فاجئه مجموعة من المسلحين خرجوا عليه وأمطروه بوابل من الرصاص ليموت بعد محاولات مضنية لإنقاذه من قبل الأطباء لمدة دامت 6 ساعات متواصلة بعد أن هتكت الرصاصات الكبد والأمعاء.
''فرج فودة '' الذي ولد فى 20 أغسطس 1945 فى محافظة دمياط، وحصل على ''ماجستير'' فى العلوم الزراعية، و''دكتوراه'' الفلسفة فى الاقتصاد الزراعي، أثار جدلا واسعا فى حياته وبعد موته؛ حيث قيل عنه فى حياته أنه ''كافر'' و''ملحد'' ويجب قتله من قبل الجماعات الإسلامية آنذاك، وذلك بسبب كتاباته أو آرائه وأفكاره فى الدين .
كان ''فودة'' له أكثر من رأي يقول ''أن الشريعة الإسلامية لا تصلح لإدارة الأزمات أو إدارة البلد، وأن الدين يجب أن ينفصل عن الدولة بشكل دائم''، وغيرها من التصريحات والمقالات والكتب مما جعل جبهة علماء الأزهر تصدر فتوة قبل الاغتيال بمدة بأن ''فودة'' مرتد ويجب قتله وتم نشر ذلك فى جريدة النور.
ورحبت بعض الجماعات الإسلامية التى كانت موجودة وقتها بـ''الفتوى''، والتى كان من أعضائها بعض الرموز السياسية الموجودة على الساحة حاليا كـ''عبود الزمر'' و''منتصر الزيات'' و''ناجح إبراهيم'' .
وبعد موت ''فودة'' أثارت محاكمة قاتليه ضجة أيضا حينها؛ حيث رأى بعض المثقفين أن قتله لم يكن صحيحا وأكبر دليل على ذلك - على حد قولهم - أن الذي قتله لم يكن يجيد القراءة والكتابة كما اعترف هو نفسه بذلك عندما سأله القاضي ''كيف عرفت أن فودة كافر ..أقرأت له شيء يدل على ذلك؟'' فكان رد القاتل أنه لا يقرأ ولا يكتب.
وعلى الجهة الأخرى، رأى بعض علماء الدين أن ''فرج فودة'' كان يستحق القتل كالشيخ ''محمد الغزالي'' الذي شهد بذلك فى المحاكمة، ولا يخفى على أحد أن مناظرة ''فودة'' التى سبقت وفاته بفترة قليلة فى معرض الكتاب مع الشيخ ''الغزالي'' نفسه كانت قد ساعدت على تكوين رأي نهائي فيه من الجماعة الإسلامية التى نفذت فيه القتل فيما بعد.
وبعد أعوام طويلة مرت على حادث الاغتيال، يرى البعض أنه كان من المفترض أن يتم الاعتذار لأسرته عما حدث له، مثل الكاتب ''حلمي النمنم''، بينما يرى آخرون كـ''منتصر الزيات'' أن ''فودة '' كان يستحق القتل ولو بعث من جديد سيقتل مرة أخرى.
ويرى ''أبو العلا عبد ربه'' - عضو الجماعة الإسلامية وأحد المشاركين فى عملية قتل ''فودة'' - أن قرار القتل كان خطأ ولو عاد به الزمن لما فعل ذلك - على حد قوله - إلا أنه فى النهاية كما يقول نفذ ''حد'' من حدود الله.
وجدير بالذكر أنه حتى الآن قضية مقتل ''فودة'' لازالت تتردد بقوة على الساحة خاصة مع عمل الجماعات الإسلامية مراجعات لفكرها واعتذار بعضهم عن مقتل ''السادات'' بل ودخول بعضهم إلى مغارة الحياة السياسية .
وتقول ''سمر فرج فودة'' أن حق أبيها لم يأت حتى تلك اللحظة، وأن من أصدر فتوى قتله هو من كان يجب أن يحاكم فى الأساس.