أكد هشام رامز، محافظ البنك المركزى، أن البرنامج الاقتصادى الذى تعكف الحكومة على وضع اللمسات النهائية له يستهدف تقليص عجز الموازنة إلى 9٫5% العام المقبل، لافتا إلى أن أى خطوة فى وضع برنامج اقتصادى إصلاحى بعد ثورة يجب أن تُحسب بدقة، كما أن تنفيذه يحتاج إلى توافق شعبى. وكشف «رامز»، فى أول حوار للصحف المصرية اختص به «الوطن»، عن أنه يتوقع الحصول على قرض صندوق النقد الدولى لكن لم يحدد توقيتا لذلك، قائلا إن مزيدا من التأخير يتعبنا أكثر ويصعب علينا الإجراءات، وإنه إذا رفض الصندوق منحنا القرض أو أجل الموافقة بعد الانتهاء من البرنامج الحالى فإن قرارات سياسية تقف وراء ذلك؛ لأن البرنامج جيد من وجهة نظرى.
وفى حواره مع «الوطن» تطرّق الرجل الذى يجلس فى أعلى مناصب القطاع المصرفى حاليا إلى عدد من الملفات الشائكة وعلى رأسها استقلالية البنك المركزى وأسباب تخوفات موظفى الدولة من اتخاذ القرار وتفاصيل مفاوضات صندوق النقد الدولى مع الحكومة المصرية وأسباب وقف مساعدات البنك الدولى وبنك التنمية الأفريقى لمصر وغيرها من الملفات الشائكة..
■ استشعرت البلاد مؤخرا محاولات للتدخل فى عمل القطاع المصرفى، وعلى رأسه البنك المركزى المصرى، ووصلت المحاولات فى نهاية الأمر إلى إقرار قانون يفرض ضريبة على المخصصات التى تجنبها البنوك، وذلك من خلف ظهر البنك المركزى، فما تعليقك؟
- لا أريد أن أعتبر تلك الأمور من باب التدخل المتعمد فى عمل القطاع المصرفى، وعلى رأسه البنك المركزى، ومن الممكن تصنيفها على أنها «سوء تفاهم» ليس أكثر، أما على مستوى إقرار قانون ضريبة المخصصات من قِبل مجلس الشورى، بحضور وزارة المالية ودون معرفة البنك المركزى، فإنها خطوة تمت فى وقت شهد تغيير وزير المالية؛ لذا فإن الأمر لا يتخطى كونه غياب تنسيق أكثر منه تدخلا، وهو لا يلغى أهمية عرض الأمر ومناقشته على البنك المركزى منذ البداية، لكننا نعمل على حله حاليا.
■ فى ضوء ذلك الملف، أعلن وزير المالية تشكيل لجنة للتنسيق مع البنك المركزى المصرى لحل مشكلة ضرائب المخصصات، فكيف تجرى الأمور فى ذلك السياق؟
- تفاهمت مع وزير المالية حول مشكلة فرض الضريبة على المخصصات، وما يمكن أن تتركه من آثار على العمل المصرفى، وبالفعل اقتنع الوزير بوجهة نظرنا ونعمل حاليا على حل المشكلة، فنحن نستهدف فى النهاية العمل على الصالح العام للبلاد.
■ حذر خبراء من تأخر حل أزمة قانون ضريبة المخصصات مع وزارة المالية، ويرون أن إلغاء القانون هو أفضل الحلول، وهناك قلق داخل القطاع المصرفى نظرا لقرب إعداد القوائم المالية للربع الجارى.. فمتى تنتهون من حل الموضوع؟
- لا داعى للقلق؛ فقد جرى التفاهم بشأن المشكلة، وستحل فى القريب العاجل إن شاء الله.
■ هل يمكن حلها قبل نهاية الشهر الجارى؟
- إن شاء الله.
لنا أكثر من عامين نتكلم عن الماضى..و"مفيش حد بيتكلم عن اللى جاى إيه؟".. والأجانب لن يساعدونا إلا إذا ساعدنا أنفسنا
■ فى بداية توليكم منصب محافظ البنك المركزى تحدث رجال أعمال محسوبون على الحزب الحاكم ومسئولون حكوميون عن سعر الصرف، فما موقف البنك من هذه الأمور؟ وما تداعياتها عادة على سوق النقد؟
- بالفعل، حدث أن تكلم البعض فى البداية عن سعر النقد الأجنبى، لكنها لم تكن مقصودة؛ لأن تلك الفترة كان الجميع يتحدثون فى كل شىء، لكن حاليا تم التفاهم فى كل تلك الأمور لتحقيق الصالح العام للبلاد، على أن يتم قصر الحديث فيما يخص شئون السياسة النقدية على البنك المركزى فقط وذلك فى إطار المسئولين، بينما لا نستطيع أن نمنع المواطنين من الحديث، فى النهاية فقد توقف كل من هو فى موقع مسئولية عن الحديث بشأن السياسة النقدية وسعر العملة المحلية وتداولها أمام العملات الأجنبية وتم قصرها على البنك المركزى؛ فنحن الجهة التى تمثل مصر بشأن سعر الصرف. وفيما يخص تداعيات تلك الأمور على سوق الصرف فإنها تكون سلبية وتضر بالسوق عادة؛ لذا تم تصحيح الوضع.
■ ما سبب استقرار الدولار بالسوق منذ أكثر من أسبوعين متتاليين دون تحرك؟
- قمنا بتغطية طلبات كثيرة على النقد الأجنبى خلال الفترة الماضية من قِبل المستوردين بالبنوك وشملت تلك الطلبات احتياجات شهر رمضان الكريم، ما أدى إلى هدوء الطلب على العملة الأمريكية محليا إلى حد كبير، خاصة بعد أن توافرت السلع وأصبحت موجودة فى الأسواق.
■ قدر البعض أن الطلب على النقد الأجنبى بغرض الاستيراد تجاوز الـ2 مليار دولار، فيما ضخ البنك المركزى 800 مليون دولار فقط مؤخرا.. فما صحة ذلك؟ وهل هناك احتياجات لم تتم تغطيتها فى السوق المحلية حتى الآن؟
- أولا: هذه التقديرات غير صحيحة بالمرة، والأرقام الحقيقية أقل من ذلك، ونقوم ببحث دورى ومستمر لجميع الطلبات التى تصل البنوك، واللافت للانتباه أننا وجدنا طلبات مكررة فى بنوك كثيرة، أما عن المصرفيين الذين يتحدثون عن حجم طلبات الاستيراد بالقطاع المصرفى إجمالا وهم لا يعلمون الحجم الحقيقى، فلا أعلم من أين أتوا بتلك التقديرات من الأساس؛ فنحن الجهة الوحيدة التى تعلم الحجم الحقيقى لطلبات الاستيراد، وما يثار بأن ما قام «المركزى» بضخه فى الأسواق لتغطية الواردات لا يكفى سوى 30% فقط من الطلبات لدى البنوك كلام غير منطقى وغير صحيح.
■ بعد ما طرحه البنك المركزى من أموال بالنقد الأجنبى لتوفير احتياجات السوق، هل لا تزال هناك سلع أساسية أخرى لم تتم تغطيتها؟
- هناك حاجات أساسية لم تتم تغطيتها حتى الآن، لكننا حرصنا على الانتهاء من تغطية طلبات استيراد السلع الغذائية لرمضان والشهر السابق له بالكامل، وتمت تغطية جزء كبير من طلبات قطع الغيار والسلع الوسيطة، وهناك بعض الحاجات التى تجرى تغطيتها بالطروحات التى تتم 3 مرات كل أسبوع، فى حين تجب الإشارة إلى أن هناك طلبات كثيرة مكررة فى أكثر من بنك.
■ البعض يقول إن الدولار أصبح بـ750 قرشا فى السوق السوداء، فما تعليقك؟
- أرقام السوق السوداء متضاربة ومتفاوتة، وأرى أن أهم ما يجب التركيز عليه خلال الفترة الحالية هو تغطية الاحتياجات الأساسية للسوق، وهو ما نجحنا فيه بشكل كبير خلال الفترات الماضية وساعدنا فى الحفاظ على الأسعار من الانفلات، كما أن السوق غير الرسمية حجمها صغير للغاية فى نهاية الأمر.
■ هل لديكم تقديرات دقيقة لحجم السوق السوداء؟
- كلام بسيط جدا، وليست هناك تقديرات دقيقة لحجمها، لكننا لا نرى سحوبات على الأوعية الادخارية بالجنيه بشكل غير طبيعى، وهو ما يشير إلى أن توجهات شراء الدولار من السوق السوداء لا تمثل مبالغ كبيرة، وتجب الإشارة إلى أنه بعودة الثقة والاستقرار مرة أخرى إلى السوق المحلية ستختفى السوق السوداء.
■ احتياجات السوق لن تتوقف عند تغطية السلع الرمضانية؛ فالحاجة إلى السلع الغذائية أمر مستمر، فهل هناك ترتيبات لطروحات بالدولار خلال الفترة المقبلة؟
- يجب ألا ننسى أن الطلب على السلع يتحدد بحجم الاقتصاد وقوته من حيث المبدأ، وبالتالى فإننا نرى أن الطلب على الاستيراد انخفض، وأصبح تركيز الناس على السلع الأساسية فى الوقت الحالى، لكننا لن نتأخر عن تلبية احتياجات السوق الأساسية.
■ فاجأ «المركزى» السوق مرتين وطرح 600 و800 مليون دولار، وحقق طلبات استيراد من ناحية وضغط على السوق السوداء من ناحية أخرى، فهل ننتظر من «المركزى» مزيدا من تلك التحركات الفترة المقبلة؟ ومتى ستكون تحديدا؟
- لن أحدد متى سنضخ أموالا جديدة فى السوق، لكنى أؤكد لك أننا سنتدخل فى التوقيت الذى نراه مناسبا ولا أحد يتوقعه.
■ هل تُظهر تلك التحركات أثرا قويا فى سعر الدولار بالسوق السوداء؟
- بالطبع، الأثر قوى جدا، وأنت تعلم ذلك، والدولار فى السوق السوداء انخفض من 825 قرشا إلى 715 قرشا إثر ضخ الدفعة الأولى بقيمة 600 مليون دولار فى السوق.
■ تشير الأرقام إلى أن رصيد الاحتياطى النقدى الأجنبى أصبح كله عبارة عن مساعدات وودائع عربية وتركية بما فى ذلك ما يقابله من احتياطى الذهب، ما مدى حقيقة ذلك؟
- فعلا الاحتياطى أصبح جزء كبير منه ودائع، لكن ما أريد أن أؤكده أنه تم استخدام كل تلك الأرصدة فى تغطية احتياجات البلد الأساسية؛ فنحن نقوم بتغطية احتياجات البنوك؛ حيث وفرنا لهم 1٫3 مليار دولار الشهر الماضى، تتوزع بواقع 800 مليون دولار تم ضخها دفعة واحدة و500 مليون دولار أخرى تم ضخها عبر الطروحات العادية موزعة على 3 مرات فى كل أسبوع، بخلاف توفير احتياجات البترول والكهرباء وطلبات الدولة الأخرى مثل السلع التموينية، وكلها يقوم البنك المركزى بتغطيتها، ورغم أنها مبالغ ضخمة مطلوبة كل شهر فإننا استطعنا تحقيقها.
■ البعض يأخذ على المتفائلين بارتفاع الاحتياطى حاليا أنه مساعدات وودائع عربية!
- بالفعل، الاحتياطى ارتفع إلى 16 مليار دولار تقريبا نهاية الشهر الماضى، لكن لا يهمنى ارتفاعه بالودائع والمساعدات، وكل ما أريده هو زيادته كنتيجة للعملية الاقتصادية.
■ نريد أن نعرف ما هى احتياجاتنا لبناء الاحتياطى من جديد والفترة التى نحتاجها لذلك..
- الاحتياطى يمكن بناؤه فى وقت بسيط إذا اشتغلت عجلة الاقتصاد وعادت الثقة للمستثمر المحلى، وعاد الاستثمار الأجنبى إلى اختيار السوق المحلية كوجهة لضخ رؤوس الأموال؛ فمصر بلد مُغرٍ جدا للاستثمار إذا حدث الاستقرار.
■ خرجت مليارات من استثمارات الأجانب فى أوراق الدين الحكومية وتحديدا أذون الخزانة!
- هى استثمارات غير مباشرة ودخولهم فيها يأتى بهدف الاستفادة من فارق سعر الفائدة فقط، لكننا «نجرى وراء الاستثمار الحقيقى»، وهدفنا «ناس جاية تستثمر فى مشاريع حقيقية، تستفيد الدولة منها بخلاف الاستفادة التى تعود عليها أيضاً فـ«البيزنس» مصلحة مشتركة.
مرسى
■ ما عقبة الاستثمار فى الوقت الحالى من وجهة نظرك؟
- البلد لا بد أن يهدأ قليلا، ويهدأ الشارع، ويجب أن يركز الناس على الاقتصاد.
■ فى الوقت الحالى وما تمر به البلاد من صعاب، ما رؤيتك لتذليل ما ترونه عقبة أمام الاستثمار؟
- تبعات الثورة وتأثيراتها فى أى بلد تظل لفترات طويلة جدا، ورغم كل ما نمر به فإن البنية الأساسية للدولة واقتصادها لا يزالان سليمين، ولم يحدث لهما أى مظهر من مظاهر التدمير، وما حدث فقط مجرد حراك ولن تهدأ تداعياته فى يوم وليلة، لكن يجب أن نوجه نظرنا إلى المستقبل؛ لأننا منذ أكثر من عامين ولا نتحدث إلا عما مضى فقط العشر سنوات الماضية و«مفيش حد بيتكلم عن اللى جاى إيه».
سنضخ دولارات جديدة فى توقيت مناسب لا يتوقعه أحد.. وعودة الثقة ستقضى على السوق السوداء
■ وعلى من تقع هذه المسئولية؟
- كلنا مسئولون عمّا تشهده البلاد ومسئولون أيضاً عن الخروج مما نحن فيه؛ فكلنا مصريون، سواء فى موقع مسئولية أو كسياسيين أو مواطنين «دى بلدنا وماحدش هيقوّم مصر إلا المصريين»، ولن يساعدنا الأجانب إلا بعد أن نساعد أنفسنا أولا.
■ يتردد فى السوق أن البنك المركزى يقوم بدور منفرد للحفاظ على اتزان السوق ومحاربة التضخم، فما الدور الذى يجب على الحكومة أن تلعبه؟
- الحكومة تعمل على برنامج اقتصادى، وتطبيقه يحتاج توافقا شعبيا؛ لأن أى برنامج اقتصادى فى بدايته يكون صعبا على الناس تقبله، خاصة فى ظل الظروف التى نمر بها؛ فالحكومة لديها دور تقوم به وتحاول حاليا السيطرة على مصروفاتها وعلى عجز الموازنة وهو ليس غلطة الحكومة فهى مشكلة موجودة منذ فترة طويلة، ونتجت عن ارتفاع المصروفات مقابل الإيرادات.
لكن ما تواجهه الحكومة حاليا من تحدٍّ هو ضعف الإيرادات مقابل ارتفاع المصروفات التى لا يمكن المساس ببنود أساسية فيها مثل المرتبات، والأمر يحتاج إلى تحقيق نمو اقتصادى لتعظيم الإيرادات مقابل المصروفات التى يجب ترشيدها هى الأخرى على الجانب الثانى لتقليص العجز.
■ كيف ينعكس تقليص عجز الموازنة على الأسعار؟
- الحكومة تحاول السيطرة على عجز الموازنة لأنه أخطر ما نواجهه، لأن ارتفاعه عن حد معين يكون سبباً مباشراً فى ارتفاع التضخم وأسعار السلع فى السوق، فهى تحاول وضع برنامج اقتصادى على مدار عدة سنوات لخفض العجز إلى معدلات طبيعية ومقبولة.
■ فى ظل ما تشهده مصر من حراك سياسى واقتصادى، هل ترى أن تطبيق البرنامج مناسب فى الوقت الحالى، وتحديدا فيما يخص كوبونات البنزين؟
- هو شىء جيد وتنظيمى للسوق حتى لا يأتى وقت ولا تجد البضاعة، فمثلاً السولار تبيعه بـ115 قرشاً فيما تصل تكلفته إلى حوالى 7 جنيهات، والأفضل أن يكون هناك تنظيم فى توصيل المنتج إلى مستحقيه بقدر كافٍ بدلاً من تهريب المدعم فى السوق السوداء.
■ هل ترى أن تطبيق البرنامج الاقتصادى الذى تعكف عليه الحكومة حالياً سيضيف للسوق؟
- «بالطبع تطبيق البرنامج هيعمل حاجة، بس نقدر نطبقه»، فهو محتاج إلى فهمه جيدا وأن يعرف الناس الهدف منه، فعلى سبيل المثال البلد لا يستفيد من دعم السولار، لأن فرق السعر بين المدعم والسعر الحقيقى كبير جداً، فلا البلد ولا الناس تستفيد، فى النهاية الهدف هو توصيل السلعة للمواطن وفقاً لاحتياجاته وفيما يزيد على ذلك يُحسب بسعر التكلفة.
■ غياب الدور الرقابى العامل الأساسى فى تهريب السلع المدعمة.
- الدور الرقابى يعنى الأمن، ولا نستطيع تحميل الأمن مسئولية كل شىء فى الوقت الحالى، ولازم يكون فى نظام لاستخدام السلع نفسها.
■ هل قامت الحكومة بدورها فى الحفاظ على استقرار السلع داخل السوق؟
- الحكومة تقوم بدور كبير، لكن إحنا طالعين من ثورة، وقارن مصر بدول أخرى شهدت ثورات، الحمد لله الاقتصاد لسه شغال، وفى دول تانية حصلها مشاكل كتير، وفى حقيقة الأمر لم نحصل على مساعدات من صندوق النقد الدولى، فى حين أن البنك الدولى وبنك التنمية الأفريقى، كله رابط مساعداته لمصر بقرار الصندوق، ولم يقدم المجتمع الدولى مساعدات حقيقية لمصر، رغم أن دول أخرى حصلها مشاكل وساعدوها بسرعة.
■ توقعاتك للأسعار، وما حجم الضغوط التضخمية؟
- بالفعل تواجهنا ضغوط تضخمية، لكننا نضع ملف الأسعار على قائمة أولوياتنا وهدف السياسة النقدية التى يعكف عليها البنك المركزى هو كبح جماح التضخم، وبقدر الإمكان وعلى حسب ما تتوافر لدينا من أدوات نؤدى جيداً.
■ سمعنا كلاماً كثيراً من الحكومة حول قرب الحصول على قرض صندوق النقد الدولى، نريد أن تطلعنا على حقيقة الموقف الحالى؟
- الحكومة تعكف على الانتهاء من آخر إجراءات الملف حالياً، وأظن أن هذه الإجراءات ستنتهى قبل نهاية الشهر الحالى وسيعرض البرنامج النهائى على الصندوق بالتفاصيل التى طلبها الصندوق. وأريد أن أؤكد أن الحكومة فعلت أقصى ما تستطيع بالنسبة للبرنامج الاقتصادى، بمعنى أنك فى ثورة ولازم تكون خطواتك محسوبة بدقة وانت بتعمل البرنامج، لأن الناس مش هتستحمل أى حاجة، والحكومة والسياسيين عاملين حساب الناس فى الشارع، والحالة الاقتصادية بالفعل لم تعد سهلة على الناس، فلازم تراعى الطبقات المختلفة، ومش هتقدر تصلح البلد فى يوم وليلة ولازم تدرج، وبعد كده إذا قام الصندوق بتأجيل موافقاته فإنى ممكن أشك أن الهدف ممكن يكون «سياسى»، والدليل أن الصندوق عرض علينا قرض بقيمة 3.5 مليار دولار فى أبريل ومايو 2011 وماكانش فيه برنامج اقتصادى وللأسف تم رفضه من الجانب المصرى ماعرفش ليه.
وأنت تستطيع أن تظهر عيوباً ومزايا فى أى برنامج.. لكن أظن من ناحية اقتصادية بحتة، أن الدولة المصرية عاملة أقصى ما يمكنها عمله فى البرنامج، لأنه لا بد من مراعاة الفئات الفقيرة، التى بدونها لن نستطيع تنفيذ البرنامج.
■ ماذا عن الشروط؟
- الصندوق لا يضع علينا شروطاً، فى النهاية لن ننفذ أى شىء لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، والصندوق إذا اشترط هنقوله شكراً مش عاوزين، وما أريد أن أشير إليه أنه حسب الاتفاق مع الصندوق نفسه، فإن البرنامج الاقتصادى مصرى، ولم يُشترط علينا برنامج يكون عامل إزاى، والمفروض أننا بنحط البرنامج اللى من خلاله ينزل عجز الموازنة لأرقام مقبولة.
■ ألم يحدد لكم الصندوق أرقاماً معينة؟
- إحنا اللى حددنا، وممكن يقول إن الرقم ده عالى قوى إنزل بيه شوية، هو فى النهاية كل ما تنزل العجز لمصلحة البلد، فمثلاً عجز الموازنة فى 2013 و2014 يبقى 9.5% رغم أنه حالياً تخطى 11%.
■ هل تلك الأرقام فرضتها المفاوضات أم حددتها الحكومة؟
- البرنامج الذى وضعته الحكومة هو الذى يستهدف تقليص العجز فى الموازنة إلى 9.5% العام المقبل، لكن الصندوق يريد أن يرى فى النهاية تحسناً فى الموازنة ومستوى العجز، لكنه لا يحدد كيفية تحقيق ذلك التحسُّن.
■ فى ظل كل ما يدور فى ذلك الشأن، هل ترى أن القرض لا يزال فرصة؟
- أتمنى الحصول على القرض، وهو مهم جداً لأنه يعطى شهادة ثقة، غير احتياجنا إلى التمويل، فبناءً على موافقة الصندوق سنستطيع الحصول على تمويل من أماكن كثيرة.
■ هل صحيح أنك تحدثت إلى صندوق النقد الدولى وطلبت منهم تنفيذ وعودهم بمساعدة مصر على أرض الواقع؟
- كان الاجتماع بهم جيداً، وكريستين لاجارد نفسها ترغب فى مساعدة مصر، وبالفعل حصلنا على موافقة مبدئية قبل نهاية العام السابق، وعندما تحدثت إلى الجميع فى الزيارة الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، قلت لهم نرى رغبة فى مساعدتنا، لكننا لا نراها على أرض الواقع من الناحية العملية.
■ هناك من يرى مماطلة من جانب الصندوق فى منح مصر القرض؟
- لا أستطيع قول ذلك، ونستطيع الحكم على موقف الصندوق بعد تقديم النسخة النهائية من البرنامج الاقتصادى، الذى أظن أنه جيد.
■ ما توقعاتك شخصياً ومن خلال موقعك لفرصة مصر فى الحصول على القرض؟
- أتوقع أن نحصل على القرض من الصندوق، واللى مش قادر أتوقعه هو التوقيت، هل ستكون استجابتهم سريعة أم سيتطلب الأمر بعض الوقت، لا أعلم.
■ هل يكلفنا الوقت؟
- المزيد من التأخير يتعبنا أكثر، ويجعل الإجراءات أصعب.
■ فى ظل ما يمر به العالم من أزمات.. وتحديداً فى عدد من الدول الأوروبية، كيف تتعامل البنوك المحلية على صعيد توظيفاتها الخارجية؟
- لدينا قواعد فى التعامل مع العالم الخارجى، وهناك حدود للتوظيف فى كل دولة على حدة، وعملنا تلك القواعد عندما كنت نائب محافظ البنك المركزى، وكنا من أوائل البنوك المركزية لوضع قواعد التعامل مع مخاطر الدول.
■ بلاغات كثيرة تم توجيهها للبنك المركزى أو قيادات البنوك، فهل هناك إحصائية بتلك البلاغات، وما وجهة نظركم فى تلك البلاغات وتأثيرها على العمل؟
- ماعنديش إحصائية، وكلنا نحترم القانون، لكن ما أود التأكيد عليه، هو أنه يجب أن توجد مستندات عند التقدم ببلاغ للسلطات وعدم وجودها يعنى بلاغ كاذب، وتضع ضغوطاً شديدة على جهات التحقيق من ناحية، وعلى المؤسسات من ناحية أخرى، وبتخلّى الناس مشغولة بالرد على حاجات مش واقعية.
لن أسمح لأحد أن يمس عاملا واحدا بالقطاع المصرفى"واللى عاوز يشتغل فى مصر يجب أن يحترم العمالة"
■ هل تسهم فى تخويف الموظفين؟
- ليست البلاغات فقط هى اللى بتخوف الموظف، ولا بد من وجود قانون يحمى الموظف العام، لما تاخد قرار إدارى ويطلع خطأ تحاسب إدارياً، لكن ماتدخلش السجن، واللى حصل أنه فيه وزراء ومسئولين كتير دخلوا السجون بسبب قرارات إدارية، وكان أولى محاسبته إدارياً، وذلك بخلاف المحاسبة السياسية فهى موضوع آخر، حتى أصبح القرار مش موجود وبعض الوزراء من وزارات بعد الثورة مامضوش على ورقة، خوفاً من دخول السجن، وهو ما رفع من حالة البيروقراطية.
كلمة «إهدار المال العام» كلمة واسعة، فقد يكون أخذ قراراً يحتمل الصواب والخطأ، لكن طالما لا توجد استفادة شخصية فيجب أن يكون الحساب إدارياً.
■ ما طبيعة البلاغات المقدّمة ضد البنوك؟
- أغلبها كلام مرسل، فعلى سبيل المثال هناك بلاغ يتهم المحافظ السابق للبنك المركزى بإهدار قيمة العملة، أنت عارف أن العملة التركية انخفضت 17% فى يوم واحد فقط، حصلت فيه المظاهرات، رغم أن قيمة الجنيه لم تنخفض سوى منذ الثورة وحتى الآن بنحو 19%.
■ هل ترى أن ما يحدث على الساحة التركية يؤثر على تعاملاتها مع مصر؟
- بحجمها الحالى لا.
■ ما تقييمك لما قامت به مؤسسات التصنيف الائتمانى العالمية من تخفيضات متتالية لتصنيف مصر؟
- من خلال خبرتى الطويلة فى العمل المصرفى، أول مرة أشوف أن شركات التقييم الائتمانى تعمل تخفيضات دون زيارة البلد، لم يقابلوا أى مسئول مصرى، ولم يسألنا أحد منهم عن أى شىء ولم يستفسروا عما وراء الأرقام، مما يثير علامات استفهام.
■ هل تشرح لنا ما وراء علامات الاستفهام تلك؟
- العالم كله يتحدث عن عدم وجود رقيب لشركات التقييم، وتلك الشركات نفسها تسبّبت فى مشكلات كثيرة خلال الأزمة المالية العالمية، حيث منحت مؤسسات تقييمات عالية، لكنها أفلست، وهذا تساؤل للعالم كله، لأن هناك خطوات غير مفهومة، وأنا لا أنكر التخفيض، لكن ليس بتلك السرعة، وبهذا الشكل ودون مقابلة المسئولين.
■ تقول بعض التقديرات إن المصارف الإسلامية حجمها من 7 إلى 8%.. فما تقديرات البنك المركزى؟
- تمثل 5%، لكن من الممكن أن تنمو خلال الفترة المقبلة.
■ هناك طلبات للحصول على تراخيص لمزاولة نشاط المصرفية الإسلامية.. فما موقف البنك المركزى؟
- ليست لدينا أى مشكلة فى السماح للبنوك بتقديم المنتجات الجديدة، لكن الخلط بين العمل التجارى التقليدى والإسلامى، إحنا مش عاوزين نضحك على نفسنا وعلى الناس، ولا بد من فصل ميزانيات النشاط الإسلامى عن التجارى. ومن يطلب أن يتحوّل بالكامل إلى مزاولة العمل المصرفى الإسلامى سنوافق له، وليس لدينا أى مشكلة فيه، لكن تعمل فرع إسلامى وباقى البنك تجارى فهذا يحتاج إلى دراسة ونظرة مدققة والبحث فى كيفية تقنينها.
■ هل هناك عملية تنظيمية من قبل «المركزى» لتعاملات البنوك على الصكوك؟
- ننتظر اللائحة التنفيذية للقانون، وهى تنويع لأدوات التمويل فى السوق.
■ هناك مطالب من خبراء بتأسيس إدارة للرقابة على البنوك الإسلامية داخل البنك المركزى، فما وجهة نظركم فيها؟
- إذا ارتفع حجم أعمال الصيرفة الإسلامية بشكل يتطلب ذلك فإننا لا نجد ما يمنع ذلك، ويجب علينا ترتيب أنفسنا من الداخل أولاً.
■ متى يعلن عن رئيس البنك الأهلى؟
- قدمت اسمين لرئيس الوزراء والاختيار له.
■ هناك من يقول إن أحد المرشحين غير مصرفى؟
- كيف لرئيس البنك الأهلى أن يكون غير مصرفى، هذا كلام غير صحيح.
■ لكن هل يعمل كمصرفى فى الوقت الراهن؟
- هو لديه خبرة مصرفية، وليس بالضرورة أنه يعمل مصرفياً فى الوقت الحالى، لكنه لا يزال تحت السن القانونية.
■ ما موقف العمالة مع دخول كيانات جديدة للسوق فى صفقتى بيع «الأهلى سوسيتيه جنرال» و«بى إن بى باريبا»؟
- لن أسمح لأحد بأن يمس عاملاً واحداً بالقطاع المصرفى، وأنا تدخلت بقوة فى وقت سابق عندما كنت نائب محافظ البنك المركزى عندما أبدى أحد البنوك نيته فى تسريح عمالة، واللى عاوز يشتغل فى مصر يحترم العمالة واللى يشترى بنك يشتريه بالعمالة.
■ استقلالية البنك المركزى، البعض يعتبرها مبالغة؟
- استقلالية «المركزى» مش معمولة لنفخر بها، هى فى كل أنحاء العالم والهدف منها استقلال البنوك عن السياسة، لضمان ودائع المواطنين وطمأنتهم، وعلى سبيل المثال لبنان دولة بها فئات كثيرة ووقت الحرب الأهلية كانت الناس بتحط أموالها فى البنوك عادى جداً لأن البنك المركزى ليست له علاقة بأى فصيل سياسى، وبالتالى استقلالية «المركزى» والقطاع المصرفى عن السياسة هى لمصلحة الاقتصاد.
هذا يعنى إبعاد البنوك عن السياسة لطمأنة المستثمر والمدخر، وهو ما تعلمناه، بألا يكون المصرفى سياسياً، لأنها تفرض عليه ميولاً معينة، وهو أمر خطير يضر بالاقتصاد، وفى النهاية الاستقلالية تحافظ على الاقتصاد وليست «منظرة».
■ ماذا عن رغبة السياسيين فى تحميل القطاع المصرفى مزيداً من الضرائب؟
- أنا ليس لى كلمة فى اتجاه الحكومة لرفع الضرائب على الناس أو على البيزنس عموماً، لكن ممكن أنتقد وأقول إنه ضد النمو، فى الفترة دى ماينفعش تزود الضرائب قوى عشان تتيح الفرصة لنمو الاقتصاد، لكن لما تفرض ضرائب على المخصصات، ده ضد قواعد المحاسبة العالمية، بخلاف أنها ضد توجهاتنا لدعم المشروعات الصغيرة المهمة جداً بالنسبة إلى الاقتصاد المصرى ودرجة المخاطر فيها عالية، ومن أول يوم لازم البنوك تكون لها مخصصات.
ولو بدأت أحفز البنوك لتمويل تلك المشروعات ستقف ضريبة المخصصات عائقاً أمامنا البنوك، نظراً لأنها ستحتاج إلى تكوين مخصصات مرتفعة تخضع للضريبة، وده هيموت قطاع مهم، لذا اعترضت على القرار من ناحية فنية بحتة، لكن الضرائب بشكل عام فإنها قرارات سيادية للدولة ليس لـ«المركزى» دخل فيها.
فياض
■ ما أبرز أهدافك خلال الفترة المقبلة؟
- عدد المتعاملين مع القطاع المصرفى حالياً يتراوح من 8 إلى 10 ملايين متعامل، ونستهدف زيادتها إلى 50 مليون مواطن ممن لهم حق الانتخاب.
■ هل تثيرها فى اجتماعاتك مع البنوك؟ ولماذا التأمين البنكى بعد 5 سنوات من التجميد؟
- بالطبع أتصل بالبنوك بشكل مستمر، وفيما يخص التأمين البنكى، وافقت عليه لأنه هيفيد الاقتصاد المصرى وحجم التأمين فى مصر لا يزيد على 2 أو 2.5% من الناتج القومى، وفى بلاد مثلنا لا يقل فيها عن 5 إلى 6%، وفى أوروبا يصل إلى 15% من الناتج القومى.
والزيادة فى التأمين بنحو 1% ترفع نسبة التمويل طويل الأجل بنسبة 2% من الناتج القومى، نظراً لطبيعة القطاع التى توفر سيولة طويلة الأجل لتمويل المشروعات، وبالتالى فإن إتاحة التأمين فى فروع البنوك ستتيح الفرصة لنمو شركات التأمين.
■ ماذا عن قانون تحويل الأموال عبر الموبايل؟
- انتهينا فيما يخصنا فى هذا الإطار، ويبقى الأمر لدى وزارة الاتصالات حالياً لتنتهى فيما يخصها، وتلك تحويلات داخلية بمبالغ صغيرة بالعملة المحلية وهدفها تيسير الأمور على المواطنين.
■ تيسير الأمور على المواطنين يأخذنا إلى الحديث عن منظومة المواصلات فى مصر، فما رأيك فيها؟
- اشتغلت فى لندن فترة، وعمرى ما فكرت أشترى عربية ولا محتاج أركب تاكسى، لأن فيه مترو منتشر فى كل حتة وسريع جداً، لذا فى مصر نحتاج إلى تحسين منظومة المواصلات واستخدام المواصلات العامة وتكون بمستوى نضيف ومحترم، وعلينا نحن كشعب أن نحافظ عليها، وهو أمر فى غاية الأهمية، لأن وقتاً كثيراً من حياتنا يضيع فيها، ويجب توصيل المترو إلى كل المناطق، وتحديداً فى القاهرة الكبرى، وأتذكر حديثاً دار بين «مبارك» و«إبراهيم سليمان» وقت افتتاح المحور، حيث سأل «مبارك» عن منطقة فى مشروع المحور فرد «سليمان»، وقال هى مخصصة للمترو، فقال «مبارك» أنا عاوز الناس ماترجع. وإذا تم تنفيذ مشروع مترو فى تلك المنطقة معظم الناس لن يستخدموا سيارات، لأنه يصاب باختناق شديد، وتقف عليه السيارات لأكثر من ساعة، فى النهاية هى كلها أمور تؤثر فى حركة الناتج القومى، وكلما يتم تيسير الحركة تسرع الإنتاج.
وعلى سبيل المثال نمو قطاع الاتصالات فى السنوات الأخيرة وما شهده من تحسن أسهم بشكل قوى فى نمو الناتج القومى، فهو وفّر الوقت والجهد فى التواصل بين الناس، وأصبحت المهام تتم حالياً باستخدام وسائل الاتصال المتقدّمة، أيضاً وسائل المواصلات لها دور قوى.
■ ما احتياجات السوق المحلية؟
- لا بد أن يتوقف الناس عن مهاجمة بعضهم، والأهم هو التوقف عن مهاجمة المؤسسات التى لا تزال تعمل فى خدمة البلاد، إحنا فى وقت كله بيهاجم كله، والأهم أنه إذا أردت أن تنتقد فانتقد نقداً بنّاءً، بدلاً من تعطيل الآخرين فقط.
■ من خلال تصفح أرقام البنك المركزى المعلنة عن أداء البنوك وجدنا أن البنوك العاملة فى السوق المحلية بدأت فى زيادة حجم الأموال المستثمرة فى أوراق الدين الحكومية مثل أذون الخزانة إلى 24% من الودائع تقريباً، مقارنة بنحو 16% قبل الثورة، فما موقف السيولة لدى البنوك؟ وهل تؤثر تلك الاستثمارات على تمويل المشروعات والاقتصاد الحقيقى؟
- أولاً أود أن أؤكد أن المراكز المالية للبنوك العاملة فى السوق المحلية قوية للغاية، وعلى درجة عالية من الصلابة، كما أن منسوب السيولة لديها مرتفعة وتكفى لتمويل المشروعات، سواء للقطاع الخاص أو العام، ومن المتوقّع عندما تعود الأمور إلى نصابها وتبدأ عجلة الإنتاج فى الدوران بطاقتها الحقيقية، ستقوم البنوك بتوفير التمويل المطلوب لإحداث التنمية، إحنا ماعندناش حل تانى غير أننا نشتغل وننمو.