استطاعت زيارة الرئيس محمد مرسى إلى العاصمة الصينية بكين، إحراز مجموعة من الأهداف الهامة التى تنوعت بين الاقتصادية والسياسية، التى أثمرت عن 8 اتفاقيات استثمارية كبرى بين الدولتين، بالإضافة إلى اتفاقيات بين رجال الأعمال المصريين والصينيين بقيمة تجاوزت 4.8 مليار دولار، كما حملت الزيارة رسالتين سياسيتين فى منتهى الأهمية الأولى لها علاقة بالتأثير المباشر لدور الصين على الوضع فى سوريا باعتبار الصين وروسيا أحد أهم القوتين الداعمتين لبقاء النظام السورى، والأخرى كانت تخص ملف حوض النيل وقناة السويس بمصر وتأثير سياسة بناء السدود التى كانت الصين تعتزم بناءها على حوض النيل.
كان الهدف الاقتصادى للزيارة هو استقطاب أكبر نسبة من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة من الصين إلى مصر وزيارة حجم التبادل التجارى بين الدولتين.
وبالفعل جنت الزيارة ثمارها الاقتصادية سريعا فقام الرئيس مرسى ونظيره الصينى هو جين تاو عقب جلسة المباحثات الثنائية التى عقدت بينهما بتوقيع 7 اتفاقيات بين الجانبين المصرى والصينى.
وكانت الاتفاقية الأولى بين البنك الأهلى والبنك الوطنى الصينى والتى وقع عليها كل من طارق عامر رئيس البنك الأهلى المصرى من الجانب المصرى، ومن الجانب الصينى رئيس البنك الوطنى الصينى، بقيمة 200 مليون دولار أمريكى موجهة لمشروعات استثمارية لمصر.
بينما جاءت الاتفاقية الثانية عبارة عن اتفاقية تعاون مشترك فى مجال التجارة بين البلدين والتى وقع عليها أشرف العربى وزير التخطيط والتعاون الدولى ونائب وزير التجارة الصينى، ونصت على التعاون المشترك، وتقديم الصين للسيارات الخاصة بالشرطة المصرية.
والاتفاقية الثالثة التى وقع عليها أيضا أشرف العربى من الجانب المصرى، ومن الجانب الصينى نائب وزير الزراعة كانت اتفاقية بين وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى المصرية وهيئة العلوم التكنولوجية الصينية فى مجال التقنيات الزراعية.
فيما وقع على الاتفاقية الرابعة وزير التخطيط المصرى ووزير حماية البيئة الصينى، والتى تمثلت فى مذكرة تفاهم بين وزارة الدولة للبيئة ووزارة حماية الدولة الصينى.
والاتفاقية الخامسة فى مجال الاتصالات، ووقع عليها من المصرى المهندس هانى محمود وزير الاتصالات المصرى، ومن الجانب الصينى وزير الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، وهى عبارة عن مذكرة تفاهم فى مجال الاتصال وتكنولوجيا المعلومات.
فيما مثل الجانب المصرى فى الاتفاقية السادسة هشام زعزوع وزير السياحة ونظيره الصينى، حيث تم التوقيع على برنامج تنفيذى بين وزارة السياحة المصرية والهيئة السياحية لجمهورية الصين، ثم الاتفاقية الأخيرة بين أشرف العربى والبنك الوطنى الصينى، وهى اتفاقية لتقديم الاستشارات فى مجال التخطيط.
والاتفاقات التى تم توقيعها بين الجانبين تتضمن اتفاقاًَ فى مجالات التعاون الاقتصادى والفنى حول تقديم الصين منحة لا ترد بقيمة تبلغ 450 مليون يوان «الدولار يساوى 6.4 يوان» أى بحوالى نصف مليار جنيه مصرى، لإقامة مشروعات مشتركة فى مجالات البنية التحتية والكهرباء والبيئة، ومنحة أخرى عبارة عن 300 سيارة شرطة لمصر.
فى حين كانت الاتفاقية الأخيرة اتفاقية غير معلنة بين الجانبين المصرى والصينى والتى أكدتها لـ«اليوم السابع» مصادر وثيق الصلة بمؤسسة الرئاسة فيما يخص استيراد أجهزة إطفاء والأمن ومراقبة المرور، بقيمة تصل إلى 50 مليون يورو كمرحلة أولى.
وذلك لتوريد أجهزة خاصة بالمراقبة المرور لتتبع حركة السيارات ومراقبة الشوارع بقرض من البنك الدولى، وذلك لتغطية منطقة وسط القاهرة بنظام its، بالتعاون مع وزارة النقل والاتصالات تحت إشراف مجموعة من الجهات السيادية.
وأشارت المصادر إلى أن الاتفاقية تم توقيعها مع إحدى الشركات العاملة المستوردة للأجهزة من الصين من شركات لتصنيع أجهزة المراقبة وبين وزارة الداخلية ومجموعة من الهيئات والوزارات السيادية الأخرى والتى جاءت بعد تعطيل نفس الاتفاقية لتوريد هذه الاتفاقية من الولايات المتحدة، وذلك بسبب تحوط مصر سياسيا من استيراد هذه الأجهزة ورغبتها فى الوصول إلى أكبر درحة من الأمان فى اختيار الشركات المصدرة.
فى حين تم التوصل إلى مجموعة أخرى من حل المشكلات الاستثمارية وطرح مجموعة من الأفكار بين الجانبين بين الرئيس المصرى ونظيره الصينى والتى جاءت بأفكار هامة انطلقت من فكرة زيادة عدد رحلات الطيران بين القاهرة وبكين من رحلتين أسبوعيا لتصل إلى 10 رحلات، واقتراح الرئيس المصرى على الجانب الصينى مشروع قطار فائق السرعة يختصر زمن الرحلة بين القاهرة وإسكندرية إلى 40 دقيقة، كما طرحت فكرة إقامة أسطول مصرى لصيد الأسماك بالتعاون مع شركات صينية.
كما ركز الرئيس على قضية نقل الجانب الصينى الخبرات إلى الجانب المصرى عن طريق مجموعة من برامج التدريب، لإعداد كوادر مصرية.
كما ألمح الرئيس إلى أهمية قضية القروض بين الدولتين، لافتا إلى أن مصر تحتاج فى المرحلة المقبلة، ودائع بالبنك المركزى أكثر من الاقتراض الأمر الذى وعد الجانب الصينى ببحثه، كما أوضح أنه سيتم وضع إطار زمنى لحل مشكلات الاستثمار الصينى فى مصر وبالتحديد بالمنطقة الصينية المتوقفة فى شمال غرب قناة السويس «تيدا».
فى حين طرح الرئيس الصينى خلال نفس جولة المباحثات مع الرئيس المصرى عدة ركائز مهمة فى العلاقة بين الدولتين وهى طرح فكرة زيادة الاستيراد من مصر، خاصة أن هناك خللا فى الميزان التجارى، وتدريب كوادر مصرية فى الصين وتعزيز الاستثمارات وزيادة الاستيراد ودعم الشركات الصينية فى مصر.
كما أعلن خلالها أنه سيدعم قطاع السياحة فى مصر، عن طريق إلغاء التحذير للمواطنين الصينيين من التواجد فى مصر لتشجيع توافد السياحة الصينية إلى مصر.
كما أكد أن الحكومة الصينية قد اتخذت قرارا بإعطاء مصر منحة لا ترد تبلغ 450 مليون يوان صينى ما بين عامى 2012 و2015 لتنفيذ مشروعات تنموية فى مصر.
فى الوقت الذى كانت فيه الاتفاقيات الرسمية بين الحكومتين المصرية والصينية، التى شهد توقيعها الرئيس المصرى ومجموعة الوزراء من الوفد المصاحب له، كان هناك دور آخر ومحورى قام به نخبة من رجال الأعمال المصريين والذين مثلوا الوفد المصاحب للرئيس خلال رحلته والذين وصلوا إلى 75 رجل أعمال، كان على رأسهم حسن مالك رئيس اللجنة الرئاسية المشكلة لحل مشكلات المستثمرين ومحمد فريد خميس وأحمد أبوهشيمة وحسن أبوالفتوح وشريف الجبلى وغيرهم ممكن أسهموا بشكل آخر فى توقيع العديد من الاتفاقيات الاستثمارية الكبرى بين الطرفين والتى جاءت بإجمالى 4.8 مليار دولار والتى شكلت طفرة فى الاستثمارات بين البلدين والتى ظلت لا تتجاوز حيز الـ500 مليون دولار لسنوات بين البلدين والتى جاءت فى مجالات عديدة للبتروكيماويات والتعدين والأسمدة وصناعة السيارات والسجاد وتحلية المياه.
وإذا كانت هذه هى الأهداف الاقتصادية التى جاءت بسببها الزيارة فقد كانت هناك أهداف سياسية لا تقل أهمية عنها والتى جاءت ضمن الزيارة والتى بدأت حوار الرئيس المصرى مع نظيره الصينى عن القضية السورية.
والتى عرض الرئيس مرسى من خلالها انضمام الصين إلى المبادرة المصرية الرباعية بين تركيا وإيران والسعودية ومصر والتى تم طرحها خلال القمة العربية التى عقدت بمكة خلال هذا الشهر لحل الأزمة السورية، التى رحبت مصر من خلالها بانضمام الصين وروسيا إلى المبادرة والتى تم طرحها سابقا من خلال الأربعة أطراف الإقليمية الأكثر تأثيرا لحل الأزمة إلا أن مصر آثرت عرضها على الصين باعتبار الصين وروسيا أكبر وأهم قوتين الأكثر تأثيرا فى قرارات النظام السورى وأصحاب القدرة على الاتصال والتأثير المباشر فى حل الأزمة السورية.
وجاءت المباحثات بين الطرفين مؤكدة تماما لموقف مصر تجاه الأزمة السورية التى آثرت أن يتم توصيله من خلاله قناة دولية لها اتصال مباشر بالنظام السورى مثل الصين وهى أن مصر ضد التدخل العسكرى الخارجى فى الأزمة السورية، لأن نتائج ذلك لن تكون إيجابية ودعت مصر جميع الأطراف الشريكة فى الأزمة للتواصل بهدف الوصول إلى حل فى تلك الأزمة ومنع إراقة دماء الشعب السورى.
ثم جاءت النقطة الأكثر أهمية فى المباحثات السياسية بين الدولتين، وهى ما يخص الحديث عن ملف حوض النيل والذى يعتبر من أهم الملفات المعنية بها مصر حاليا، نظرا لبعده السياسى والاستراتيجى، حيث تناولت المباحثات الثنائية بين الرئيس المصرى ونظيره الصينى موقف الصين من بناء السدود ببعض دول حوض النيل والتى سيكون لها تأثير مباشر على المياه الإقليمية حتى انتهت المباحثات إلى حصول مصر على وعد من الرئيس الصينى بعدم قيام الصين على أى فعل يضر بمصلحة مصر فيما يتعلق بنهر النيل وقناة السويس نظرا لأهميتهما الاستراتيجية بالنسبة لمصر.
حيث جاءت هذه التصريحات كزاوية جديدة للعلاقة بين البلدين فى هذا الملف وعكست حرص الصين على تقوية علاقتها بمصر بعدما تردد أخيرا أن الصين هى التى ستقوم بتنفيذ السد الإثيوبى على مياه النيل والذى سيضر بمصالح مصر وحصتها فى المياه. كما دار حوار مطول بين الرئيسين عن الشأن الإقليمى وعن القضية الفلسطينية وآخر المستجدات على الساحة الخاصة بها.
ثم جاء أخيرا ثمرة أخرى للزيارة والتى انتهت كما تعود الرئيس فى معظم لقاءاته الدولية بلقاء مع أبناء المصرية بالصين والتى ألقى بها الرئيس المصرى كلمته لأبنائه والتى كشف فيها عن أسباب اتخاذه لقرارات 12 أغسطس والتى جاءت بهدف تجاوز المرحلة الانتقالية التى مرت بها مصر عقب ثورة 25 يناير، وأن تصبح مصر دولة مدنية وقدم دعوة صريحة لكل من أساء لهذا الوطن لأن يعود إلى رشده.
وأضاف خلال كلمته أن مصر ستعاود فتح ملف الطاقة النووية مرة أخرى بعد أن ظل لسنوات طويلة مغلقا، وذلك بهدف توفير طاقة نظيفة، وأوضح أن مصر رصدت مليار جنيه لتطوير سيناء كمرحلة أولى على أن تتضمن الخطة توفير 20 مليار جنيه خلال الخمس سنوات القادمة لتطوير سيناء، خاصة أنها أرض واعدة فى الثورة التعدينية وصناعة السياحة وغيرها من الآفاق الاقتصادية.
كما وعد الرئيس الحضور بالحرص على تداول السلطة، وأن يبنى لأبناء الوطن وطنا جديدا حديثا، ولا يظن أحد أنه يستطيع أن يفرض إرادته على المصريين، خاصة بعد أن أصبح الجميع يعرف مصلحة البلاد ويعرف من يتصيد الأخطاء مضيفا أنه ليس بيننا وبين أحد عداوة ونحن نحب الخير للجميع ونحب مصلحتنا ما لم تتعارض مع مصالح الآخرين.
وأكد الرئيس أن نقل السلطة التشريعية لرئيس الجمهورية جاء بهدف الحفاظ عليها مع الوعد بعدم الاستخدام السلبى لها، وأن تستخدم فى أضيق الحدود وبعد التشاور مع المعنيين وخاصة الهيئات القضائية.
وأكد أن الحكومة تولى اهتماما خاصا بالقطاع الخاص المصرى والذى يعمل به 17 مليون مواطن فى حين يعمل بالقطاع الحكومى 6 ملايين مصرى، مؤكدا أن البنك المركزى المصرى حالته مستقرة ولن تتغير قيمة الجنيه المصرى.
وفيما يخص القرض المصرى من صندوق النقد الدولى أكد الرئيس أن القرض ليس قرضا ربويا لأن معدل خدمة الدين لا يتجاوز %1.1، وهذا المعدل من خدمة الدين لا يعد ربويا وليست هناك وصاية من صندوق النقد الدولى على مصر مقابل القرض، لافتا إلى أن طلب الاطلاع على الخطة الخاصة بالميزانية باستخدام القرض يخص فقط استخدام القرض وليس كل الميزانية، وأننا لن نقبل أن يكبل أحد أيدينا.
وأوضح الرئيس أنه يجب التأكيد على أن مصر لا تفتح أبوابا خارجية على حساب أبواب أخرى وذلك فى سبيل مصلحة، ولا يهمنا الانفتاح فى كل الاتجاهات مع كل دول العالم، موضحا أن مصر لا تهدد أحدا ولا تصدر الثورة لأحد، قائلا: نحن مع إرادة الشعوب دون التدخل فى مسيرة الشعوب أو فى شؤونها الداخلية، ونحن نوجد حالة من التوازن خاصة أن مصر تعد هى بوابة أفريقيا وقلب العالم العربى والإسلامى ومصر رائدة ومستقرة ومشروعها هو مشروع أهل السنة والجماعة فلا خوف على مصر من أفكار خارجية، والحديث عن الإرهاب مضيعة للوقت فلا يوجد إرهاب الآن وما يوجد هو صور إجرامية.
ودعا الرئيس مرسى 8 ملايين مصرى فى الخارج إلى التعاون من أجل مصر ونقل مدخراتهم إلى داخلها وأن يطمئنوا عليها وأنها مصونة بالقانون وليست برؤية شخص، داعيا القادرين إلى التبرع لدعم الاقتصاد المصرى فى هذه المرحلة لأن الاستقرار والتنمية يتمتع به كل الأبناء فى الداخل والخارج.