بدأت وسائل الإعلام المحلية فى تونس اليوم الأربعاء إضرابا عاما لأول مرة فى تاريخ البلاد، للاحتجاج على ما قالت إنه "سعى الحكومة التى تقودها حركة إسلامية للسيطرة على وسائل الإعلام وتقييد حرية التعبير فى البلاد التى تخلصت العام الماضى من دكتاتورها زين العابدين بن على".
وتقود حركة النهضة الإسلامية الحكومة مع حزبين علمانيين بعد فوزها فى الانتخابات العام الماضى التى أعقبت الإطاحة بالرئيس السابق بن على العام الماضى إثر احتجاجات شعبية.
وتقول نقابة الصحفيين التى تضم أكثر من 1200 صحفى فى تونس، إن الحكومة الحالية تسعى إلى السيطرة على وسائل الإعلام العمومية والخاصة فى تونس عبر تعيين موالين لها على رأس مؤسسات إعلامية دون إجراء انتخابات داخل وسائل الإعلام.
ولأول مرة فى تاريخ البلاد، امتنع مذيعو التليفزيون الحكومى والقنوات الخاصة عن الظهور فى نشرات الأخبار، وبثت الأخبار فى شكل عناوين مقتضبة ..واكتفت الإذاعات ببث برامج عن الإضراب وأغانى عن الحرية.. وتجمع الصحفيون فى مقرات الصحف دون أن يباشروا عملهم فى انتظار اجتماع حاشد فى مقر النقابة منتصف اليوم.
وقالت بيان لنقابة الصحفيين التونسيين، إن الإضراب "جاء للدفاع عن حرية الصحافة وبعد استنفاد سبل الحوار مع الحكومة".
وتواجه الحكومة التى تقودها النهضة انتقادات واسعة من المعارضة بالسعى لتكميم الصحفيين وجعلها بوقا دعائيا لها استعدادا للانتخابات المقبلة، لكن الحكومة تنفى رغبتها فى السيطرة وتقول إنها تصمت فى كثير من الأحيان عن تجاوزات للصحفيين يعاقب عليها القانون مثل الأخبار الزائفة.
وفى شهر أغسطس، سجن سامى الفهرى مدير قناة "التونسية" الخاصة بتهمة الفساد المالى لكن صحفيين ومعارضين فى تونس يعتقدون أنه سجن بسبب برنامج فكاهى ساخر أظهر رموز الحكم فى تونس بمن فيهم رئيس الحكومة حمادى الجبالى وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشى فى شكل كاريكاتورى.
وبدأ الشهر الماضى صحفيون فى جريدة الصباح، وهى أقدم صحيفة فى البلاد إضرابا مفتوحا عن الطعام للاحتجاج على تسمية مدير عام قالوا إنه موال للنهضة سعيا لوضع يدها على الصحيفة التى كانت مملوكة لصهر الرئيس السابق قبل أن تصادرها الدولة بعد الثورة، ومازال الإضراب مستمرا بعد أن رفضت الحكومة التراجع عن تعيين المدير العام.
ولكن رئيس الحكومة قال إن تعيين مسئولين فى وسائل إعلام ملك للدولة هى من صلاحيات الحكومة دون سواها، وأنها لا تريد السيطرة على وسائل الإعلام بل تريد إعلاما حرا محايدا فى خدمة الشعب وليس موجها ضد الحكومة.
وقال زياد الهانى عضو نقابة الصحفيين لرويترز: "من المخجل بعد الثورة أن الصحفيين مازالوا يعانون من التدخل فى عملهم وعدم انتخاب مسئوليهم..هل تتصورون بعد الثورة هناك صحفيون يضحون بأجسادهم الضعيفة للدفاع عن حرية الصحافة".
وخلال حكم الرئيس السابق بن على عانى الصحفيون من التضييق والرقابة وحتى السجن.. لكن أغلب وسائل الإعلام كانت مجرد بوق دعائى للرئيس. إلا أنه بعد الثورة أصبحت حرية التعبير والصحافة أبرز مكسب يحققه التونسيون. ويخشى العلمانيون من سيطرة الإسلاميين على الإعلام وضرب حرية التعبير وإعادة بناء ديكتاتورية جديدة.
وقد يشوه الإضراب صورة تونس مهد الربيع العربى فى الخارج ويزيد من المخاوف التى تكتنف نجاح التجربة الديمقراطية.
وقال الهانى "حرية التعبير والصحافة أصبحت مهددة بشكل حقيقى.. الحكومة تحاول زرع مناخ من الخوف فى نفوس الصحفيين وهى تجاهلت كل الاعتداءات المتكررة على الصحفيين من قوات الشرطة أو متشددين مقربين منها..لكن إرادتنا قوية ولن نسمح بالعودة" إلى ما قبل الثورة.
واشتكى رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشى من وسائل الإعلام المحلية، وقال إنها تقود حملة ضد حزبه، وقال إن العلمانيين مازالوا يسيطرون على وسائل الإعلام بعد وصول الإسلاميين للسلطة.
وتطالب النقابة بتجريم الاعتداءات المادية والمعنوية على الصحفيين والعاملين بالقطاع وفتح تحقيق جدى فى كل الانتهاكات والاعتداءات. وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش يوم الاثنين فى بيان إن الحكومة الإسلامية تظهر تساهلا كبيرا مع المتشددين الذين يعتدون على الصحفيين والفنانين. وحثت الحكومة على التحقيق فى اعتداءات المتشددين دينيا.
وعبّرت الحكومة فى وقت سابق عن أسفها من إضراب الصّحفيّين واعتبرته تعطيلا للحوار والتّشاور. وأوضحت ضمن نص بيانها حول الإضراب أنّه "تصعيد لا يتوافق مع الرّغبة الحقيقيّة للصحفيّين ودور الإعلام فى تجسيم الانتقال الديمقراطى".
ويلقى الإضراب مساندة من الاتحاد الدولى للصحفيين الذى تزور أمينته العامة تونس لمساندة الإضراب، واتحاد الصحفيين العرب وعدة نقابات أفريقية وغربية. وقال زياد الهانى لرويترز إن آلاف الصحفيين العرب سينفذون إضرابا يستمر ساعتين للتضامن مع زملائهم فى تونس. وقال إن نقابات الصحافة فى أوروبا ستنفذ وقفات احتجاجية أمام سفارات تونس.
وعبر السفير الفرنسى فى تونس فرانسو قويات عن دعمه لمطالب حرية التعبير التى يرفعها الصحفيون فى تونس ومساندته للإضراب أثناء زيارة أمس الثلاثاء إلى مقر نقابة الصحفيين.
وقال زياد كريشان رئيس تحرير جريدة المغرب التى تتخد نهجا معارضا للحكومة "حركة النهضة والتيارات السلفية اختارت أن تشجع مناخا سلبيا يستهدف الإعلام، فى إطار حرب نفسية غايتها ادخال الارتباك فى القطاع ودفعه للتنازل عن استقلاليته".
لكنه أقر بأنه "من المبالغة القول أن وضعية الإعلام كارثية وأن الحرية مستهدفة"، مضيفا "أن تونس لم تعش فترة انتعش فيها الإعلام مثل الفترة التى نعيشها منذ الثورة".