الساعة تدق الخامسة فجراً، لم يكشف الصبح عن وجهه بعد، وحدهم الصيادون مستيقظون. ولا يبدو اليوم غريباً عن غيره من أيام جزيرة «القرصاية» بالجيزة. ولكن هذا الصمت اقتحمه صخب قوات أمن مركزى وعشرات من جنود القوات المسلحة، التى دخلت بيوت الأهالى لطردهم منها.
«الوطن» ذهبت إلى الجزيرة المقتحمة، حيث تقف سيارات الأمن مركزى أمام قسم شرطة الجيزة، فى شارع البحر الأعظم، وهو الشارع الموازى للجزيرة والمغلق من الجهتين، بينما أشعل الأطفال والشباب النيران فى إطارات السيارات غضباً مما حدث، وأعلنوا رفضهم طردهم بالقوة عن بيوت «ورثوها عن الأجداد»، حسب قولهم. فيما ارتدت النساء الملابس السوداء، وجلسن أمام مدخل حلقة السمك (البوابة الرئيسية لجزيرة القرصاية) بعضهن حملن لافتات، كتبها لهن أطفالهن، تندد بأعمال العنف ضد الأهالى فى تلك الجزيرة المنسية.
أهالي القرصاية بعد الاعتداء عليهم
بين تلك السيدات جلست «أحلام طوخى محمد» تندب حظها وعيناها تذرف الدمع، قائلة «قتلوا جارى محمد عبده حتاتة، فرحه كان بعد شهرين». فوجئت السيدة التى تبلغ من العمر 51 سنة باقتحام قوات جيش لبيوت الجزيرة فجر أمس، واستيقظت على صرخات الأهالى، وبعدما سمعت ميكروفون المسجد الكبير يحذر الأهالى من هجوم الجيش «الجيش بيضرب فينا.. أنقذونا» حاولت الهروب بمن معها من أحفاد إلى خارج القرية.
تقول أحلام: «أنا من مواليد الجزيرة وهذه هى بطاقتى الشخصية، مدون عليها عنوان منزلى جزيرة القرصاية، وأحفادى يذهبون يومياً إلى مدرسة سعد زغلول الابتدائية المقابلة لنا، عمرنا شقينا فيها لنعمر تلك البيوت».
دقائق قليلة وخرج معظم أهالى الجزيرة إلى الشارع، وأغلقوا شارع البحر الأعظم، فيما استمر وجود الجيش بقوة داخل الجزيرة. بجوار أحلام جلس طفل صغير عمره 11 عاماً، اسمه عبدالرحمن صابر عبده، أيقظته والدته ليغادر معها القرية على عجل، جلس عبدالرحمن يشكو ما رآه قائلاً: «رأيت والدى مقيد اليدين والعساكر يركلونه بأقدامهم»، لكننى لم أستطع الذهاب إليه بعد تهديداتهم لنا، فغادرت الجزيرة بصحبة إخوتى، وأنتظر أن يفرجوا عنه لكن ذلك لم يحدث».
مشاهد الخوف والفزع سيطرت على جميع أهالى القرصاية، حيث رأوا العديد من مشاهد العنف التى مورست ضدهم وتحدثوا عن مقتل وإصابة العديدين منهم فى مشاهد مفزعة، وغرق بعضهم فى النيل، لم يتم انتشال جثثهم بعد من المياه، بحسب تصريحات أهالى القرصاية.
عدد من الأهالي يحولون قطع الطريق
محسن محمد صياد من أهالى الجزيرة يقول «إذا كانت الحكومة تريد السيطرة على أهالى الجزيرة وهذه أرضنا ورثناها عن جدودنا فلماذا لم تقتحم فيلا رجل الأعمال محمد أبوالعينين، التى لم تقترب القوات منها حتى ولا من أرضه، بينما أقدموا على ضرب وحرق بيوت الناس الغلابة».
بحذر شديد حاول بعض الأهالى الاطمئنان على بهائمهم، فتسربوا واحداً تلو الآخر إلى الجزيرة، واستطاعوا دخول بيوتهم مرة أخرى، بينما أصاب بعضهم الفزع عندما وجد بهائمه قد تفحمت.
بعد ساعات من تراجع قوات الجيش عن أماكن البيوت، عادت معدية نقل الأهالى إلى الجزيرة للعمل. حيث إن القوات أنهت مهمتها فى الجزيرة، التى تضم مئات الأسر، وتراجعت إلى الأراضى الزراعية محل الخلاف بين الدولة والأهالى.
ميكروفون المسجد الكبير بالجزيرة أعلن: «الجيش بيضرب فينا.. أنقذونا».. الأهالى: وضعنا قانونى
«لدينا حكم من المحكمة بتملكنا الأرض، لماذ تصر الحكومة على الضرب بهذا الحكم عرض الحائط؟»، حسب محسن محمد، الصياد فى الجزيرة، الذى أضاف: «كل البيوت الموجودة بالجزيرة مبنية بالخرسانة المسلحة والطوب الأحمر، كما تصلها مياه الشرب قادمة من محطة جزيرة الدهب، وعدادات الكهرباء عند مدخل كل بيت. وضعنا قانونى، فلماذا حدث ما حدث؟».
تقول أحلام الطوخى: «قوات الجيش والأمن المركزى التى اقتحمت علينا بيوتنا خلفوا وراءهم خمس جثث، بعضها سقط فى النيل غريقاً ولم ينتشلوا حتى الآن».