ليس أجمل من أداء عمرو واكد إلا صدقه، صدقه مع نفسه، وصدقه مع فنه.
إنه فنان مميز لا فى شخصياته التى يقدمها فقط، ولكن فى اختياره لأعماله أيضاً، ولهذا قدم دورا صعبا فى فيلمه «الشتا اللى فات»، وهو فيلم جديد يعتمد على الارتجالية والتلقائية، دون وجود نص أو سيناريو مكتوب، ورغم ذلك قدم عملا جيدا، شارك به فى مهرجان «فينيسيا» السينمائى الدولى، ونال عنه إشادة كبار صناع السينما العالمية.
حول هذا الفيلم، وحول رؤيته السياسية فيما يحدث فى مصر حاليا، خاصة أنه كان أحد الوجوه البارزة فى ميدان التحرير منذ اندلاع ثورة 25 يناير، يدور هذا الحوار مع الفنان عمرو واكد، الذى يرى أن الثورة ليست مسئولة عما وصلنا إليه حاليا.
* ما الذى حمسك لتقديم فيلم «الشتا اللى فات»، خصوصا أنه تجربة جديدة لفيلم بلا سيناريو؟
- ما حمسنى هو بالفعل أنها تجربة جديدة ونابعة من طاقة ومشاعر ميدان التحرير، الذى فرض علينا بهذه الطاقة أن نكون عفويين تماما، وأعتقد أنه لو كانت الأجواء مختلفة لما كنت قد تحمست للفيلم.
* ألم تشعر أنها مغامرة كبيرة لتقديم هذه النوعية من الأعمال كمنتج أيضاً؟
- بالطبع كنت أعلم أنها مغامرة كبيرة، ولكن لا بد أن أخوضها للنهاية، فموضوع الفيلم كان من الصعب رفضه، بل على العكس لقد شجع فريق العمل كله ليكون مسخرا نفسه للعمل فيه.
* لم تكن هذه مشاركتك الأولى فى «مهرجان فينيسيا».. فهل هذه المرة لها طعم مختلف عن تجربتك السابقة فى فيلم «المسافر»؟
- كانت سعادتى بطعم مختلف لأنى منتج الفيلم، وكانت علىّ مسئولية كبيرة أن أنجح فى تقديم هذا العمل، وأى مهرجان دولى كبير فى العالم يقبل فيلما ضمن اختياراته، فهذا معناه شهادة أن الفيلم جيد، ولديه مقومات مهمة بالنسبة لبقية الأفلام الأخرى، وبالتالى يصلح أن يصدر لأنه يخاطب الإنسانية عموما، وهذا ما يكون بمثابة دعم معنوى لصناع الفيلم، وبعد العرض فى «فينيسيا» ورد فعل الجمهور الذى أسعدنا جميعا، شعرت أن هذا الدعم المعنوى يخصنى بشكل كبير، ليس لكونى ممثلا فقط ولكن كمنتج أيضاًً قرر المخاطرة، وهذه المشاركة كانت خير دليل على نجاح هذه المغامرة.
* وكيف استعددت لشخصيتك فى الفيلم؟
- الغريب أنى لم أحضر للفيلم نهائيا، لأن العمل كله قائم على الارتجال والتلقائية، لم يكن علىّ إلا أن أفهم فقط تفاصيل الشخصية من المخرج، ثم جلست مع زملائى الذين شاركونى تجربة ميدان التحرير، وأيضاً مع ضباط مباحث كثيرين، حتى فهمت خط سير الشخصية، وجاء الحوار كله عفويا جدا، مما ساعدنى كثيرا على تقديم الشخصية على النحو الذى يجعلك تشعر بواقعيتها وما تمر به حقيقةً.
* ولكن ألا ترى أن نوعية الأفلام القائمة على الارتجالية عادة ما يكون نتاجها عملا غير متماسك فى كثير من الأحيان؟
- المخرج إبراهيم البطوط عمل لسنوات طويلة فى تصوير وتغطية الحروب، وهذا ما تطلب منه إنجاز أعمال متماسكة كان عليه أن يرتجلها ويصورها وهو تحت ضغط كبير، أى إنه كانت عنده «الملَكة» للتعامل مع هذه النوعية التى سيكون نتاجها بالضرورة فيلما متماسكا على المستوى الدرامى، علما أنه تم بدون تحضير، وفى وقت قصير جدا.
* وماذا عن توزيع الفيلم فى مصر، ورد الفعل المتوقع للجمهور لهذه النوعية من الأفلام؟
- عرضنا الفيلم على المنتج محمد حسن رمزى، وقد أبدى إعجابه بالفيلم، وبالفعل سيبدأ توزيعه فى دور العرض المصرية فى شهر يناير المقبل، أما عن رد فعل الجمهور فلا أستطيع التكهن به من الآن، فهو متروك لذوقهم الخاص وحكمهم، ولكنى أتمنى أن ينجح.
* ما رؤية عمرو واكد لـ«العالمية»؟
- العالمية فى رأيى هى أن تتحدث عن شىء يخصك بنوع من الموهبة فتجعله يخص كل الناس، سواء كان هؤلاء الناس من بلدك أو من بلاد أخرى، العالمية هى أن تحسن مخاطبة الإنسانية فى أى عمل، مهما كانت قصته محلية، ففى النهاية ما يحرك وجدان المشاهد هو إحساسه وعاطفته الإنسانية، فإذا احتوى فيلمك على هذا المضمون نجحت فى الوصول إلى العالمية، مهما كانت خلفية صانعى الفيلم، وثقافة المرسل والمتلقى، فالأديب الكبير نجيب محفوظ وصل إلى العالمية رغم أنه لم يكن يتحدث لغة أخرى غير العربية، ولم يغادر مصر أبدا، ولكنه اهتم بموضوعات تخص الإنسانية كلها.
لم يدافع عنى أحد من الفنانين.. وأنا مع إلهام شاهين وإن كنت أختلف معها سياسياً
* بعيدا عن الفن، ما رأيك فى مسار الثورة منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن؟
- أرى أنها سارت فى مسار جيد، ولا أحد يستطيع أن يلوم الثورة على شىء، فما وصلنا إليه الآن هو من اختيار الناس، والثورة قامت حتى يتمكن الناس من الاختيار، ولم تقم حتى تجعل الناس تفشل فى الاختيار الصحيح، كما أن هذا لا يمكن أن يحدث من أول مرة، فالثورة قامت لكى نعبر عن اختياراتنا وحريتنا، وهذا ما حدث بالفعل، صحيح أن النتائج لا تعجبنى، ولكن هذا لا يعنى أن الثورة لم تنجح، وإنما تعنى أن الخطأ يكمن فى اختيارنا، وهذا ما يدعى الحراك السياسى الذى ستنتج عنه مع الوقت اختيارات صحيحة، واليوم شئنا أم أبينا لدينا رئيس جمهورية فى السجن، ومعه وزراء ورئيسهم، وباتت عندنا انتخابات، وناس تذهب لتدلى بصوتها، طبعاً قواعد الانتخابات لم تكن مضبوطة، ولا جدال فى ذلك، وعمرنا ما سننتظر من الشعب أن يكون ضليعا فى قواعد الاختيار، فهناك الكثيرون الذين شعروا بالندم على اختيارهم بعد أن أحبطهم الإسلام السياسى، ولكن الأمل يكمن فى الاختيار المقبل، فالثورة لا تقوم حتى ترضى الناس جميعا، فالعديد من الناس سعداء بصعود تيار الإسلام السياسى إلى الحكم، والعديد منهم من الناحية الأخرى استشهد أولادهم، ولا يرون أن الثورة قامت حتى يصعد هؤلاء إلى الحكم، ولكن فى النهاية كان لا بد عندما يكون الاختيار بين د. محمد مرسى والفريق أحمد شفيق أن تختار مرسى، ولكن المشكلة هى كيف وصلنا فى هذه المرحلة للاختيار بين الاثنين، وهذا ليس له علاقة بالثورة، ولكنه نتيجة للوعى السياسى لدى الناس أنفسهم، وتعليمهم وثقافتهم، فنحن بالفعل هدمنا النظام السابق، ولكن للأسف النظام الجديد يحاول جاهدا أن يتخذه قدوة له ويلعب بنفس الكروت، ثم إن الفترة المقبلة هى فترة بناء، ولا بد الآن أن نركز على التعليم حتى نصل بعد عشر سنوات إلى مكان ومكانة أفضل، وإذا لم يحدث ذلك ستقوم ثورة أخرى.
* رغم أنك طالبت بالحرية والديمقراطية فإننا لم نركَ مشاركا بالتصويت فى أى انتخابات منذ الثورة؟
- لأنى معترض على قواعد الانتخابات نفسها، فقد تمعنت فى دراسة القواعد والقوانين التى كانت موضوعة حينها، سواء التى وضعت فى انتخابات البرلمان، أو الشورى، أو الانتخابات الرئاسية، وفى كل عملية انتخابية منها كان عندى اعتراض عليها، ففى الانتخابات البرلمانية قاموا بتوسيع دائرة الترشيح لكى تكون الأغلبية من «الإخوان» والفلول، ويجعلونها «قوائم»، ثم بعد ذلك «فردى»، ثم يقسمونها «ثلثا» و«ثلثين»، وكل ذلك فى شكل عبثى حتى يتوه الناس ويحتاروا، وهو بالفعل ما حدث، فنصف الشعب لا يعرف القراءة والكتابة، إذن هناك نية سابقة للوصول إلى هذه النتيجة، وهى بالطبع فوز الإسلاميين فى البرلمان، وبعد ذلك تضع لهم كاميرات حتى تصورهم وتسخر منهم، وبالتالى يفقدون مصداقيتهم، ويخسرون الناس الذين يدعمونهم، فكيف كان لى أن أشارك وقد أجبرت على الاختيار بين «الإخوان» و«الفلول» و«السلفيين»؟
* وما أهم الأخطاء التى وقع فيها شباب الثورة فى رأيك؟
- أولا أنهم تركوا ميدان التحرير بعد تسليم الرئيس المخلوع الحكم للمجلس العسكرى، فلم يكن علينا أن نقبل بأى قرار يتخذه ذلك «الحسنى مبارك»، فليقل ما يريد، ولكن الناس هى التى تحدد ما تريده، وليس هو ولا مجلسه العسكرى، والخطأ الثانى هو أنه لم يتم عمل محاكمات ثورية أو محاكم استثنائية تأخذ القصاص لكل الناس الذين انتهك حقهم، ومات منهم كثيرون وأصيب منهم أكثر، فكان لا بد لكل هؤلاء المجرمين فى حق الشعب أن يحاكموا محاكمة عادلة، فمن يا ترى الذى قتل الثلاثة آلاف شخص؟ سؤال لم تتم الإجابة عنه حتى الآن وبعد مرور عامين تقريبا.
نعم رفضت السير على «سجادة الثورة» بسبب فنانى مبارك وابنه.. ولدىّ قائمة سوداء خاصة بى
* اتهمت عددا من الفنانين المصريين بأنهم «فلول»، ورفضت السير بجوارهم على السجادة الحمراء فى مهرجان «كان»، فى حين أن بعض هؤلاء الفنانين دافعوا عنك حين اتهمت بالتطبيع مع إسرائيل؟
- من هؤلاء الفنانون الذين دافعوا عنى؟ هذه أكذوبة وليس لها أساس من الصحة، صحيح أن هناك بالفعل مجموعة من الأشخاص دافعت عنى ولكنهم ليسوا من الفنانين، والوحيد الذى دافع عنى بحق هو أحمد السقا، الذى أشهد له بذلك، ورغم ذلك لم أهاجم أحدا فى المقابل، بل رفضت السير على هذه السجادة الحمراء التى ادعوا أنها «سجادة الثورة»، ومن سيسير عليها هم فنانو الثورة، ومع احترامى لهم جميعا لا يصح أن يكون لدىّ هذا التاريخ من الموالاة لمبارك وابنه، ثم أدعى أننى من فنانى الثورة، فكان لا بد أن أعترض بشكل متحضر وأرفض السير بجانب وجوه من النظام السابق، ونقول إننا فنانو الثورة، ناهيك عن أن اختيار الفيلم المشارك وقتها وهو «18 يوم» جاء على أساس سياسى بحت، وليس فنيا، أى إن حدث مهرجان «كان» وقتها كان حدثا سياسيا وليس فنيا، والكارثة أن مستوى الأفلام جاء سيئا للغاية على مستوى الشكل والمضمون، وما كان مؤسفا فى فيلم «18 يوم» أنه كان فيلما غير جيد، واختياره غريبا، وجاء كما قلت لأسباب سياسية، فهو عمل لا يرتقى إلى أن يشارك فى مهرجان صغير، فما بالك بمهرجان دولى عالمى مثل مهرجان «كان»؟
لم أشارك فى الانتخابات لأنى أرفض الاختيار بين «الفلول» و«الإخوان» و«السلفيين».. وشباب الثورة أخطأوا عندما تركوا الميدان بعد تخلى «مبارك»
* ما موقفك من الفنانين الذين طالبت أن تضعهم فى «القائمة السوداء»؟
- لم أطالب أبداً أن أضع أحدا فى «قائمة سوداء»، فأنا لدىّ قائمة سوداء خاصة بى، وهناك فنانون بعينهم لن أستطيع العمل معهم، لكنى أبدا لم أطالب بعمل قائمة سوداء، ولكن من الناحية الأخرى سُئلت عن رأيى فى فنانين آخرين طالبوا بـ«القائمة السوداء»، ولم أعترض، وقلت «براحتهم»، ولكن فى النهاية الفنان لا يحاسب إلا على فنه وجودة عمله وليس على مواقفه السياسية، فما يكبر الفنان هو فنه وما يصغره هو فنه أيضا.
* هل تغير رأيك فى «الفلول» بعد ما صعد «الإخوان» إلى السلطة؟
- إطلاقا.. أى شخص وافق أن يتم تعذيب الناس لاستمرار مصالحه «يبقى شخص سيئ»، وليس «فلول» فقط، فلا يوجد سبب يجعل إنسانا يفكر بهذه الطريقة التى تقول إن مصر لا يوجد بها غير رئيس واحد فقط، وهو الأمل بالنسبة لنا، فالذى يتبنى هذا الفكر بنى آدم يعشق العبودية ويرسخها، فنحن انتهينا من عصر الفراعنة من زمان.
* هل ترى أنه من الأفضل أن نضع مشاكلنا على جانب ونتحد فى مواجهة تيار الإسلام السياسى الذى يهدد مدنية الدولة؟
- الإسلام السياسى «فيه اللى مكفيه»، وهو فى طريقه لأن يخسر مؤيديه، وإذا لم يعجبك الإسلام السياسى أسس كيانا آخر يتبنى فكرا وسياسة مختلفة حتى تخدم قضيتك، فاليوم معظم معسكرات مصر أصبحت معسكرات ضد فلان، ولكن أين هو المعسكر الذى يوازى الإسلام السياسى؟ إذن كان من الطبيعى أن يفوز الإسلام السياسى بالحكم، وإذا استمررنا فى التفكير بالندية والمواجهة المستمرة مع الآخر سنخسر، الآن نحن لدينا حرية سياسية كافية، والدليل هو تكوين هذا الكم من الأحزاب التى ستنافس فيما بعد، وستحصل على مقاعد لها، فيجب أن تروج لأيديولوجيتك الخاصة دون أن تتبنى الفكر المعادى والتصادمى، وشكّل جماعات، واكسب ناساً، واكسب أرضية جديدة بعيدا عن الإسلام السياسى.
* ما الذى لا يرضيك فى باب الحريات فى الدستور الجديد؟
- أولا الصيغ الضبابية والكلمات الموضوعة فى نهاية الجمل مثل «الهوية، الأخلاق،... إلخ»، أى الكلمات التى ليست لها تعريفات محددة فى الدستور، فماذا يعنى أن أقدم فيلما لا يخالف الهوية؟ هل هذا معناه ألا أصنع فيلما عن الفرنسيين مثلا؟ إنها معانٍ عائمة ولا توجد خطوط محددة لها، وإذا جاء اليوم الذى نقدم فيه عملا فنيا ليس على مزاجهم سيقولون «الهوية والأخلاق»، وذلك فى رأيى يخص سينما الأطفال، وهى سياسة ناس تخشى أن تخسر الانتخابات فى الدورة المقبلة، فيريدون أن يضعوا دستورا يتيح لهم الفرصة لكى يتحكموا فى البلد دون انتخابات، سواء كانت دولة الفقيه أو مرجعية الأزهر الشرعية، ضد مرجعية المحكمة الدستورية العليا، وما دخل الأزهر بالقوانين؟ فنحن لدينا فى الأزهر هيئة علماء غير منتخبة ولكن معينة، وهذا يعنى أنهم يريدون أن يضمنوا تحكمهم فى القوانين، بوجود علماء تم تعيينهم من جهتهم، فحرية الإبداع غير مشروطة، والكبت يولد الانفجار، وهنا أسأل: من أنتم حتى تقرروا ماذا أشاهد؟ فمتابعة الفن فى رأيى حرية شخصية بحتة، ولا يصح لأحد أن يضع لها قوانين رقابية، والإنسان هو الذى يضع لنفسه قوانينه ويحدد ذوقه الفنى، ويقرر ما الذى سيقبل على مشاهدته وما الذى سيرفضه.
إلهام شاهين
* أخيراً، ما موقفك من الحملة التى يتعرض لها الفنانون الآن؟
- أراه رد فعل طبيعيا نتيجة صعود تيار الإسلام السياسى إلى الحكم، وأؤيد ما فعلته إلهام شاهين، رغم اختلافى معها على الصعيد السياسى، لأنى ضد ما فعله الشيخ عبدالله بدر عندما وقف حاملاً صورة سيدة بالملابس الداخلية، ناهيك عن أنه قام بتركيب الصورة، ووضع وجه إلهام شاهين عليها.