من ألمانيا النازية إلى رواندا، ارتُكبت أعمال وحشية وإبادات جماعية غير إنسانية اكتفى العالم حين اندلاعها الوقوف متفرجاً على تلك الأعمال الوحشية. اليوم، يشهد الجميع أعمالاً وحشية شائنة ودماراً هائلاً فى سوريا، وها نحن مجدداً نجلس فى مقاعد المتفرجين لمتابعة تطور الوضع أمامنا بكل أسف، لكن من دون اتخاذ أى إجراء أو تدخل فاعل لوقف ما يحدث.
لا يمكن أن يوصف نظام بشار الأسد، وهو يخوض حرباً ضد شعبه ويقصف الناس من البحر والجو ويقتلهم فى منازلهم، إلا بأنه نظام وحشى. وفق المرصد السورى لحقوق الإنسان، قُتل أكثر من 40 ألف شخص حتى الآن. وقد هرب أكثر من مليون شخص من البلد وأصبح مئات الآلاف منهم لاجئين فى الدول المجاورة مثل تركيا والأردن والعراق ولبنان.
يعمد النظام أيضاً إلى توسيع نطاق الدمار فى المدن التى تحمل قيمة تاريخية عريقة. تعرضت جميع المدن الكبرى للقصف، بدءاً من حلب فى الشمال وصولاً إلى درعا فى الجنوب، بالإضافة إلى حمص فى وسط البلد ودير الزور شرقاً.
لم يعد الوضع الراهن فى سوريا مجرد انتفاضة سياسية انطلقت فى نهاية الربيع العربى، بل إنه يعكس كارثة إنسانية تزداد دموية مع مرور الأيام.
لا يمكن أن نواصل متابعة الوضع كمتفرجين أو أن نختبئ وراء أعذار واهية وعبارات مألوفة مثل «الوضع معقد جداً»، أو «النظام سيسقط فى النهاية»، أو استعمال العبارة التى يروّج لها الأشخاص الذين يهتمون حصراً ببقاء النظام فى السلطة: «يجب أن نترك المجال مفتوحاً أمام الحلول الدبلوماسية».
فشلت مهمة مبعوثَى الأمم المتحدة كوفى عنان والأخضر الإبراهيمى، وتبين أن قرارات جامعة الدول العربية غير فاعلة. كذلك، فقدت قرارات الأمم المتحدة أهميتها بسبب الانقسام الحاصل بين الدول الأعضاء التى تملك حق النقض فى مجلس الأمن.
يظن بعض القادة أن الوقت سيكون كفيلاً بحل المشكلة. هم يأملون أن يسقط نظام الأسد فى نهاية المطاف نتيجة الأهوال المرعبة التى ارتكبها. لكن استناداً إلى التجارب السابقة التى تشمل أنظمة مماثلة، يبقى هذا السيناريو مستبعداً. حتى الآن، يسعى الأسد الذى ينتمى إلى الطائفة العلوية (أقلية شعبية فى سورية) إلى حكم الشعب كله بقبضة حديدية، بما فى ذلك الأغلبية السنية. تشير جميع ارتكابات الأسد حتى الآن إلى أنه سيقوم بكل ما يلزم للصمود، حتى لو اضطر إلى استعمال الأسلحة الكيماوية فى النهاية. لا يختلف نظامه عن نظام والده حافظ الأسد الذى سحق وسمّم مدينة حماة بالكامل وقتل عشرات الآلاف فيها.
سوريا هى وريثة حضارة قديمة تشمل خريطة فريدة من الأقليات التى تضم مسلمين ومسيحيين من مختلف المذاهب. ثمة عشر جماعات إثنية ودينية من هذا النوع على الأقل. طوال قرون، تعايشت هذه الجماعات جنباً إلى جنب سلمياً. اليوم، بدأت الحرب الداخلية التى تنسف وحدة الشعب تتحول إلى حرب أهلية وقبلية قد تضع حداً للوطن السورى وقد تمتد إلى بقية مناطق الشرق الأوسط.
يشك البعض بأن الفوضى السائدة فى سوريا قد تزعزع استقرار الشرق الأوسط كله. ستصبح الاضطرابات الطائفية الناجمة عن هذا الصراع المأساوى مُعدِية وقد تنتقل إلى العراق ولبنان المجاورَين. يشكّل التفجير الأخير الذى قتل مدنيين أبرياء فى لبنان مؤشراً تحذيرياً لاحتمال تمدد الصراع. بما أن الأسد يستعمل هضبة الجولان كـ«ورقة خوف»، قد تتدخل إسرائيل أيضاً. لا شك أن هذا الأمر سيحث إيران و«حزب الله»، وربما تركيا ومصر، على التدخل أيضاً. تشير التقارير منذ الآن إلى أن الجماعات المسلحة (كتلك المرتبطة بتنظيم «القاعدة») بدأت تعتبر سوريا أرضاً خصبة.
حتى الصين بدأت تدرك أن الفوضى فى بلدٍ يملك آلاف الصواريخ ومخازن ضخمة من الأسلحة الكيماوية لا تهدد استقرار الشرق الأوسط فحسب بل تدفق النفط إلى الغرب والشرق على حد سواء.
فى هذه الحالة، يبدو أن القضية الإنسانية والمصالح العالمية تسير فى خط واحد.
قد تبدو سوريا دولة صغيرة ولكنها تشهد صراعاً من النوع الذى يمكن أن يؤدى إلى كارثة عالمية. يسهل أن ندرك أن سوريا هى نسخة عن سراييفو فى القرن الواحد والعشرين، ما يعنى أن هذا الوضع قد يؤدى إلى حرب عالمية.
يجب أن يتحرك العالم الآن بشكل جماعى. إذا كنا نملك الإرادة اللازمة، يمكن أن نجد طريقة لحل الأزمة. أقل ما يمكن فعله فى الوقت الراهن هو توفير الملاجئ والمساعدات الملموسة إلى الهاربين عبر الحدود. فى موازاة ذلك، يجب أن تدعم القوى النافذة الجيش السورى الحر الذى ينشط ميدانياً، وأن تفرض حظراً جوياً من شأنه أن يعوق إمكانات هذا النظام الوحشى الذى يقصف الأبرياء من نساء ورجال.
مع اقتراب موسم الأعياد المسيحية، من العار أن نحتفل بميلاد رجل السلام والإنسانية الذى كان يتحدث اللغة الآرامية التى يستعملها حتى اليوم سكان مدينة معلولا السورية فى الوقت الذى تستفحل فيه الإبادات الجماعية بدل أن يسود الحب الأخوى فى تلك الأراضى التى جال فيها المسيح مع تلاميذه منذ ألفى سنة.