قبل أن تتولى حكومة الدكتور هشام قنديل، المهمة رسميا فى 2 أغسطس الماضى، أى قبل نحو ما يقرب من 5 شهور قامت حكومة الدكتور كمال الجنزورى بإعداد كشف حساب لما قامت به على مدى الثمانية أشهر التى تولت فيها مسئولياتها، وعرضته على الدكتور هشام قنديل وحكومته محددة فيه رؤيتها للعمل خلال الفترة القادمة، وقد أعلنت حكومة "الجنزورى" قبل تسمية "قنديل" رئيسا للوزراء، عن أنها تعد هذه الخطة للحكومة القادمة، أى حكومة.
ووفقا لتقرير صدر فى هذا الصدد فى حينه، فإن حكومة الجنزورى، قد تشبثت فى رؤيتها للحكومة الجديدة، بكل أداة فاعلة وإغفال كل سلبية ظاهرة من أجل تحقيق أهداف ثورة 25 يناير، وعملت على تصحيح أوضاع غير سليمة عانت منها فئات كثيرة من الشعب أهمها عدم العدالة فى توزيع عائدات التنمية والتميز لفئات دون أخرى وعدم الاهتمام بمصالح غالبية الشعب المصرى، وتقصير فى تنمية البناء الأساسى والمرافق العامة، المحافظة على ما تم بناؤه منها والتوقف عن تنفيذ ما كان يجب من تخفيف الكثافة السكانية بالخروج من الوادى الضيق لتوطين المشروعات الجديدة، وتأمينا لحدود الوطن الشمالية الشرقية والغربية والجنوبية بالتعمير والتنمية وزيادة فرص العمل ونزوح السكان إلى مناطق جديدة، ومن ضمنها إنشاء جهاز لتنمية سيناء والعمل على جذب الاستثمارات فى الصحراء الشرقية والغربية.
ورغم أن "الجنزورى" تولى المسئولية فى ظروف صعبة وقاسية، كان يمسك فيها المجلس العسكرى برئاسة المشير طنطاوى- آنذاك - بزمام الأمور، وما شهدته هذه الفترة من عدم استقرار سياسى، إضافة إلى وجود برلمان كان يقوض من عمل حكومة الجنزورى بشتى الطرق، إلا أن حكومته صمدت، ولم تعبأ بأى انتقادات، وظلت محافظة على الوضع الاقتصادى لمصر، وسعر صرف الجنيه أمام الدولار، وواجهت تحديات كثيرة، فى ظل ضبابية المشهد السياسى وعبث المرحلة الانتقالية، الذى وصل إلى ذروته خلال الشهور الأخيرة من حكم الجنزورى، مما حدا بتجنيب الاقتصاد المصرى دخول مرحلة الخطر التى قاب قوسين أو أدنى من دخولها الآن، فى ضوء تقارير خارجية وداخلية تتحدث عن خطورة الوضع الاقتصادى، وفقاً لأقل التقارير المتشائمة.
وعندما تولت حكومة هشام قنديل المسئولية فى الثانى من أغسطس الماضى، وتباهت بكونها أول حكومة منتخبة فى عهد أول رئيس منتخب للجمهورية، لم تفلح هذه الحكومة، التى أحيطت بكل غطاءات الشرعية والصلاحيات، فى تنفيذ برنامج الرئيس محمد مرسى، الذى تعهد بتنفيذه عقب أول مائة يوم من رئاسته للجمهورية، والذى يختص بإنجاز 5 محاور، هى الأمن، والخبز، والوقود، والمرور، والنظافة، كما تعددت كوارث القطارات فى عهدها ووصلت إلى 6 حوادث، وهو ما تسبب فى إزهاق أرواح العديد من الأبرياء نتيجة إهمال وتقصير الحكومة.
ورغم التوافق السياسى الذى حظيت به حكومة قنديل، من قبل حزب الأغلبية (الحرية والعدالة)، ووصول المفاوضات مع صندوق النقد الدولى إلى تقدم ملموس، لإقراض مصر 4.8 مليار دولار لسد العجز فى الموازنة العامة للدولة، إلا أن الحكومة فشلت خلال مراحل المفاوضات فى الحصول على القرض الذى يعد شهادة ثقة للاقتصاد المصرى وقدرته على التعافى، وصرح "قنديل" نفسه، بأن الحكومة طلبت من مجلس إدارة الصندوق تأجيل اجتماعه شهراً، والذى كان من المفترض أن يعقد اجتماعاً للموافقة على القرض فى 12 من ديسمبر الجارى.
ورغم ان حكومة "الجنزورى" تعاملت مع شروط الصندوق بحنكة شديدة، ولم تستجب لمطالبه بتخفيض قيمة الجنيه، ولا بإجراءات تقشفية أو تخفيض الدعم عن الطاقة، فإن حكومة قنديل، كانت الأكثر استجابة ورضوخاً لشروط الصندوق، وقررت تشريعات ضريبية أثارت الشارع المصرى، وأدت إلى المطالبة برحيلها.
ولم تتعامل حكومة قنديل مع الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية الملتهبة دائما فى الشارع المصرى، واكتفت بإصدار بيانات "مسكّنة" لم تشف غليل الشارع، وانبرت وراء الدفاع عن قرارات السلطة فى الدولة، من خلال الإشادة بالدستور الجديد الذى تم تمريره، وظلت واقفة فى صفوف المتفرجين، فى أحداث قصر الاتحادية وميدان سيمون بوليفار وميدان التحرير التى سالت فيها دماء المصريين، تناشد الجميع بضبط النفس، دون خطوات ملموسة لرأب الصدع، وجمع الشقاق.
وفى الوقت الذى كانت الأحداث أقل وطأة فى عهد حكومة الجنزورى، فلم ينشغل "الجنزورى" سوى بالتركيز داخل محيط مصر، ويرفض أى دعوات للسفر أو الزيارات خارج البلاد إلا بعد استقرار الوضع الاقتصادى، كما أنه تنازل عن بعض المكافآت التى يحصل عليها من منصبه، وخفّض قيمة مظاريف المكافآت لوزراء حكومته، وكان له السبق فى تطبيق الحد الأقصى والأدنى للدخول، إلا أن "قنديل" وفى ظل ما يعانيه الاقتصاد المصرى من عثرات وقلة الموارد، أعاد إلى الأذهان فترة سلفه عصام شرف، حيث هرول إلى السفر فى أوروبا وآسيا وأفريقيا، بحجة جذب الاستثمارات التى لم يكن لها حقيقة أو صدى على الأرض.
وجاء اختيار هشام قنديل لرئاسة الحكومة، مفاجأة وصدمة للرأى العام وللخبراء فى آن واحد، فمنذ اليوم الأول لتكليفه، اعترضت عليه قوى سياسية وثورية، وقالت إنه فشل فى حل أزمة المياه وإدارة وزارته، عندما كان وزيراً للرى، فى حكومتى عصام شرف وكمال الجنزورى، بدليل عدم وجود تقدم ملموس فى ملف المياه وحوض النيل، بل إن دولة مثل أثيوبيا أعلنت فى عهده عن إقامة ثلاثة سدود دفعة واحدة، مما جعلهم يتساءلون عن دوافع اختياره لرئاسة الحكومة وما هى مؤهلاته وخبراته الاقتصادية تحديداً.
وبعد مرور شهرين من عمر حكومة قنديل، طالبت قوى وحركات وأحزاب سياسية وثورية بإقالة حكومته وتشكيل حكومة إتلاف وطنى بشكل واضح وسريع تكون قادرة على مواجهة الأزمات وحلها فى أسرع وقت، ومحاسبة كل المسئولين على ما حدث من تدهور فى بنية الاقتصاد المصرى وحوادث القطارات، وزيادة أعداد العاطلين ومعدلات الجريمة.
وجاء خطاب الرئيس محمد مرسى الأربعاء الماضى، وتكليفه لقنديل بإجراء تعديلات وزارية فى حكومته، بمثابة صب الزيت على النار، حتى إن الإسلاميين الذين كانوا بالأمس يدعمون حكومة قنديل، وجهوا إليها انتقادات حادة محملين إياها مسئولية الانهيار الاقتصادى التى تعانى منه مصر حاليًا، فضلا عن الانقسام الأمنى، وعبروا عن صدمتهم من قرار رئيس الجمهورية بتكليف الدكتور قنديل بإجراء التعديلات الوزارية.
كما اتفقت جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والجهاد والسلفيون على أن هذه الحكومة لا تستطيع قيادة البلاد فى هذه الفترة بشكل كان يتطلب وجود حكومة جديدة.
وجاءت استقالة وزير الدولة للشئون القانونية والنيابية الدكتور محمد محسوب، احتجاجاً على ما وصفه بالكثير من "السياسات والاجتهادات" وتباطؤ وتيرة الإصلاح، كما قدم وزير الاتصالات هانى محمود استقالته فى وقت سابق، وهو مؤشر على الإحباط داخل مجلس الوزراء، حيث يرى عدد من الوزراء داخل حكومة قنديل عدم جدوى بقائهم فى مناصبهم دون رؤى أو أهداف واضحة، وتذبذب فى القرارات، وسوء تخطيط فى الممارسات، ودون حلول واقعية، فيما يرى فريق آخر أن حمل حقيبة وزارية فى ضوء ضبابية الرؤية وعدم وجود أجندة محددة للحكومة، فضلاً عن الأوضاع المتردية، ينال من رصيدهم ولا يضيف لهم.