لم يجد فى الأضواء بريقاً يجذبه، أو حافزاً يثير داخله هواجس تبعث على الرغبة فى «التفرد والزعامة»، فاكتفى بأن يكون «مبشراً وداعياً» للإطاحة بالفرعون، وزعيماً لـ«حزب الليمون»، مناجياً جموع المصريين «عليكم أن تتحلوا بالصبر والإيمان، فيا قوم ما لى أدعوكم إلى النجاة وتدعوننى إلى القمع والاستبداد».
ورغم ندرة ظهوره الإعلامى، ووجوده خارج الديار المصرية، استطاعت «الوطن» أن تنفرد بحوار، قبل أيام من الذكرى الثانية للثورة مع الناشط السياسى وائل غنيم، عبر البريد الإلكترونى، لاستطلاع آرائه حول المرحلة الراهنة، وما تشهده مصر من أحداث.
* بداية.. ما تقييمك للوضع السياسى حالياً فى ظل استمرار الصراع، سواء على المستوى السياسى بين الحزب الحاكم والمعارضة أو بين مؤسسة الرئاسة والقوى السياسية؟
- ما يحدث فى مصر نتاج طبيعى بعد ثورة على نظام احتكر السلطة لسنوات طويلة، ومارس ضد معارضيه كل أنواع القهر والعزل السياسى، ومصر تعانى الآن من تلك الآثار، بعدما ظهر بوضوح أن هناك نقصاً فى الخبرة السياسية لدى جميع الأطراف الموجودة على الساحة، بداية من رغبة واضحة من الحزب الحاكم، «الحرية والعدالة»، للاستئثار بالسلطة، على حساب السعى لتحقيق التوافق والعمل على ما هو مشترك بين الأحزاب، بالإضافة إلى معارضة تحتاج إلى الكثير من الجهد لتصل إلى الشارع بشكل أفضل، وأن تبنى معارضتها على تقديم بديل سياسى بدلاً من الاكتفاء بالاعتراض فقط على ممارسات مؤسسة الرئاسة والحزب الحاكم، لكننى غير قلق بشكل عام، بل أميل إلى التفاؤل بخصوص مستقبل مصر، خصوصاً أن الشعب أصبح يلعب دور المراقب لكل الأطراف وسينحاز إلى من يلتزم بوعوده وسيرفض من يخلفها.
نسبة الموافقة على الدستور لا تؤهله لأن يكون وثيقة توافقية للشعب.. والشارع سيضع فى اعتباره أداء «الإخوان» قبل الانتخابات
* قلت من قبل إن الدستور الجديد نال ثقة مواطن واحد فقط من كل 5 مواطنين لهم حق التصويت، مما يعنى أن القبول الشعبى للاستفتاء ليس كما يُروِّج له تيار الإسلام السياسى بأنه «اكتساح»، كيف ترى ذلك فى ظل امتناع قُرابة 70% عن التصويت فى الاستفتاء؟
- رغم التصريحات التى تخرج من قيادات تيار الإسلام السياسى، بأن الدستور مر بأغلبية كبيرة، فهم أنفسهم بقيادة مؤسسة الرئاسة وحزب الحرية والعدالة يسعون إلى تعديل بعض المواد الخلافية بالدستور، وإنجاز وثيقة متوافق عليها بين جميع الفئات قبل انتخابات مجلس الشعب، لاقتناعهم بأن المشاركة الشعبية فى الاستفتاء على الدستور كانت «ضعيفة»، ولم تتجاوز نسبة الـ30%، بمعنى أدق لا تعطى الدستور الغطاء الشعبى المطلوب لاستمراره كوثيقة توافقية ارتضاها الشعب، والتساؤل هنا كيف تخرج تصريحات من الحزب الحاكم تتحدث عن أن الدستور مر بأغلبية، وهم فى الوقت ذاته يسعون لتعديله، وأما بشأن نسبة التصويت الضعيفة، فأرى أنها جاءت بسبب حرمان الوافدين المقيمين بالقاهرة والإسكندرية من التصويت، فضلاً عن قصر التصويت على يوم واحد فقط، عكس الانتخابات السابقة، وسوء التنظيم، خصوصاً ما حدث فى الجولة الأولى فى الاستفتاء فى بعض المحافظات، التى مكث بعض الناخبين فيها فترات زادت على 5 ساعات للتصويت.
* قلت إن عدد الرافضين للدستور شهد زيادة قرابة 1.6 مواطن عن الرافضين لاستفتاء مارس 2011، فهل ذلك يعنى أنه ربما تتشكل كتلة ممن يُعرفون بـ«حزب الكنبة» تمتلك الوعى السياسى للتأثير خلال المعارك التشريعية المقبلة؟
- مصر قبل الثورة لم تشهد انتخابات يشارك فيها ملايين المصريين، كما نشهد بعد الثورة، والغالبية العظمى ممن أدلوا بأصواتهم بعد الثورة كانوا يدلون بأصواتهم لأول مرة فى حياتهم، لذلك فنحن جميعاً، سواء مؤيدين أو معارضين للدستور، فى مرحلة تشكيل وعى وخبرة سياسية، ستتراكم بمرور الوقت، لكن تلك الأرقام التى تحدثت عنها ربما تجعل للانتخابات البرلمانية المقبلة «طابعاً مختلفاً»، فرغم أنه لم يمر سوى عام واحد فقط على انتخابات برلمان 2011، فإن الشارع سيضع فى اعتباره أداء حزب الحرية والعدالة طوال السنة الماضية، كما أن الأحزاب الوليدة أصبحت أكثر خبرة وقدرة على الحشد من ذى قبل، وتحديداً فيما يتعلق بقدرة المعارضة على صياغة تحالفات سياسية، الأمر الذى سيكون له تأثير كبير على النتيجة النهائية للانتخابات، ونسبتهم من المجلس التشريعى.
* لكن البعض يتحدث عن أن الناخب المصرى يحسم صوته بواسطة «الزيت والسكر»، لا وفقاً لقناعاته..
- من يتحدث بهذه اللغة عليه أن يراجع نتائج التصويت فى الانتخابات السابقة، بدءاً من استفتاء مارس، مروراً بانتخابات مجلسى الشعب والشورى، ثم انتخابات الرئاسة وأخيراً الاستفتاء على الدستور، ليرى التغيرات الطارئة على الكتل التصويتية، وليعرف خطأ الافتراضية التى يقتنع بها، والدليل هو أن الكتلة التصويتية للجهة أو الفصيل الذى يشيع عنه توزيع المواد الغذائية على الناخبين انخفضت طوال الفترة الماضية، فالخلاصة التى أقولها دائماً فى تلك المواقف هى أن «الثورة أثبتت أن الشعب المصرى مستعد للديمقراطية وممارستها، ولكن النخبة -متمثلة فى الأحزاب السياسية- هى التى لم تكن مستعدة لها».
* هل ترى أن مخالفات الاستفتاء على الدستور تصل إلى درجة نداءات المنظمات الحقوقية والرموز السياسية، وعلى رأسها جبهة الإنقاذ الوطنى بإلغاء نتيجة الاستفتاء؟
- شخصياً لا أتفق مع تلك الآراء، نعم هناك مخالفات وتجاوزات كثيرة حدثت فى العديد من اللجان الانتخابية، لكنها فى رأيى لم تكن لتؤثر على النتيجة النهائية، فهناك ما يزيد على 13 ألف لجنة فرعية فى الاستفتاء، وبحساب متوسط المشاركة، فإن متوسط عدد الأصوات فى اللجنة الواحدة هو قرابة الـ1300 صوت، ولذلك فحدوث عمليات تزوير منهجية تؤثر على النتيجة تستلزم أن يحدث ذلك فى ما لا يقل عن 1500 لجنة انتخابية، وهو أمر بالغ الصعوبة، ويتطلب تشكيكاً فى نزاهة القضاة المشرفين على الانتخابات، بل وحتى إجمالى الشكاوى التى وصلت إلى اللجنة العليا للانتخابات لم تصل إلى هذا العدد من اللجان، ولكنى أتمنى أن تكون هناك رقابة أكثر احترافية من مؤسسات المجتمع المدنى فى الانتخابات البرلمانية القادمة، بحيث توجود فى كل اللجان الفرعية، وترصد الانتهاكات وتعد تقارير عن حجم الخلل المتوقع، فحماية الصندوق من عمليات التزوير المنهجية واجب علينا جميعاً.
* وهل تتوقع استمرار حالة الاستقطاب السياسى؟
- شئنا أم أبينا، سيستمر الاستقطاب السياسى، فى ظل مناخ الانتخابات التى نمر بها، فكل طرف يريد أن يُثبت للناخبين أنه الأحق والأجدر بقيادة السفينة فى هذه المرحلة الحرجة، ويزيد من وطأة الاستقطاب النزعة الفردية الموجودة عند كثير من القوى الحزبية، واستخدام الدين وسيلة لإقناع الناخبين بإدارة مصر، ولكن المطمئن فى الأمر هو أن الشعب سيختار وينحاز إلى من لديه الخبرة والقدرة على إدارة البلاد، غير عابئ بالشعارات والأفكار الأيديولوجية والقومية والدينية التى تطلقها الأحزاب والجماعات.
النخبة أثبتت أنها غير مستعدة «للديمقراطية».. والاستقطاب أمر طبيعى فى ظل «أجواء الانتخابات».. وهجوم الإسلاميين على«كلنا خالد سعيد» لايقلل من تأثيرها
* فى ظل تلويح بعض الأطراف باللجوء إلى التغيير العنيف.. هل لديك تخوفات بشأن سيناريوهات أكثر حدة خلال الفترة المقبلة؟
- لنتحدث بواقعية.. العنف لن ينتج عنه وطن ديمقراطى، ولن تقوم على أساسه دولة العدل والقانون التى نزلنا من أجلها إلى الشارع فى 25 يناير، ويجعل المجتمع يحتكم إلى شريعة الغاب، بدلاً من صناديق الاقتراع، وأتمنى أن يقف الجميع بشكل واضح ضد هذه الأفكار، التى تصدر من هنا وهناك، خصوصاً مع الدعوات التى تخرج من مجهولين لتبرير العنف أو ممارسته أو حتى الاحتفاء به على صفحات التواصل الاجتماعى، أو من بعض وسائل الإعلام. وأوجه رسالة بالأخص إلى الشباب بألا يبرروا ممارسة العنف ضد من يختلفون معهم. وأذكِّر رجال السياسة بأن عليهم أن ينتهجوا الحوار لحل أزماتهم، ولتحقيق التوافق الحقيقى، فخروج الصراع السياسى إلى الشارع يؤدى فى أغلب الأوقات إلى نتائج لا تحمد عواقبها، والدليل هو كل الأحداث الدموية التى ظهرت مع الأسابيع الأخيرة لعام 2012.
* وماذا عن هجوم تيارات الإسلام السياسى على صفحة «كلنا خالد سعيد» واتجاههم لتدشين ما يُعرف بـ«كلنا خالد سعيد النسخة الإسلامية»؟
- صفحة «كلنا خالد سعيد» هى أكبر صفحة سياسية مصرية على الإنترنت، حيث يبلغ عدد أعضائها ما يزيد على 2.6 مليون مصرى، وهى الصفحة التى خرجت منها أول دعوة للثورة، وتجاوبت معها الحركات الشبابية والأحزاب السياسية، وأيضاً الكثير من الشباب الذين لم يمارسوا أى عمل سياسى من قبل، ولذلك فتأثير الصفحة القوى على الرأى العام المصرى، خصوصاً بين الشباب جعلنا نعتاد على أن يكون لها دائماً مؤيدون ومعارضون، وهذا ليس وليد اللحظة، بل يحدث منذ الأيام الأولى لإنشائها.
* فصّلت رفضك للدستور الجديد مستعيناً بأكثر من مادة.. وكان على رأسها أن مواد الجيش فى الدستور الجديد أصبحت أكثر تفصيلاً وتوضيحاً وأقرب لدسترة وضع خاص للمؤسسة العسكرية.. هل تعتقد أنه حدث اتفاق سرى حول منح المؤسسة العسكرية مزايا مقابل خدمات سياسية للحزب الحاكم؟
- يكفى فقط للإجابة عن هذا التساؤل أن أدعو القارئ إلى عقد مقارنة بين المواد المتعلقة بالمؤسسة العسكرية فى دساتير «1923» و«1954» و«1971»، والدستور الجديد.
* وصفت ما يتعلق بحق رئيس الجمهورية فى الدعوة إلى أى استفتاءات جماهيرية وتكون نتائجها ملزمة لجميع السلطات.. فهل تعتقد أن الرئيس مرسى سيلجأ إلى الاستفتاءات تحت شعار «المصلحة العامة» خلال الفترة المقبلة؟
- من الصعب التوقع، ولكن بغض النظر عن استخدام الرئيس لتلك المادة أم لا، فإن هذه المادة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وهى تجعل للرئيس سلطة استفتاء الشعب وقتما يشاء وحينما يشاء ويلتزم الجميع بنتيجة الاستفتاء، فبعض الدول المتقدمة تمنع الرئيس من استفتاء الشعب، والبعض الآخر يشترط موافقة مجلس الشعب المنتخب قبل طرح الاستفتاء على الشعب. فهذه المادة قد تستخدم فيما بعد لتمرير بعض القرارات والسياسات التى لم تكن لتمر عبر مجلس الشعب، وهو ما يعد ممارسة غير ديمقراطية.
* قمت بالدعوة لثورة 25 يناير اعتراضاً على سلبيات كثيرة، فهل ترى أنها ما زالت موجودة حتى الآن، خصوصاً ما يتعلق بالتعذيب فى الأقسام؟
- ما تحقق حتى الآن أقل بكثير من سقف طموحاتنا كشباب شارك منذ اليوم الأول للثورة، وعلى الجميع أن يعلم بأن إنجازات الثورة تتلخص فى ما حدث خلال أيامها الأولى من كسر جدار الخوف لدى المواطن المصرى بعد أن كانت السلطة المتمثلة فى جهاز أمن الدولة تبنيه يوماً بعد يوم لإرهابه وإثنائه عن إبداء آرائه واختيار من يراه مناسباً لحكمه، ثم المساهمة فى زيادة المشاركة السياسية لدى المواطنين باختلاف أفكارهم وأطيافهم، ولكن كل هذا لا يكفى لإحداث التغيير المنشود والذى يتطلب إرادة سياسية حقيقية وبرامج مدروسة ليست مجرد وعود انتخابية «فنكوشية»، كما يتطلب الاعتماد على أهل الخبرة والقدرة لتنفيذها، وهو ما لم يتوافر فى رأيى حتى هذه اللحظة، حيث إن الرئيس ومن حوله مستمرون فى سياسة اختيار أهل الثقة على أهل الخبرة والكفاءة.
* وهل تمتلك قناعة بأن دعوات التظاهر فى ذكرى الثورة فى 2013 ربما تُغيِّر من بوصلة النظام خوفاً من مصير مبارك؟
- أعتقد أن ما حدث ويحدث من حراك سياسى عبر المظاهرات والمسيرات يسهم فى إيصال رسالة إلى السلطة بأن الشعب متيقظ ويرفض أن يعود إلى الوراء مرة أخرى، ولكن الوقت الحالى يتطلب العمل على بناء معارضة قوية لها وجود سياسى فى الشارع وتمثيل جيد فى المجالس التشريعية بهدف الوصول إلى السلطة وتقديم نموذج إيجابى للمواطن المصرى للمعارضة القائمة على توفير البديل الأكثر جدارة بقيادة هذا الوطن.
أدعو الشعب لمقارنة «وضع الجيش» فى الدستور الجديد بالدساتير السابقة.. وحق «الرئيس» فى الدعوة إلى الاستفتاء «ممارسة غير ديمقراطية»
* ولكن البعض يرى ضرورة الحشد خلال الذكرى الثانية للثورة لإسقاط الدستور..
- من المهم أن نعمل على تثبيت قواعد العمل السياسى بما يتقبله الجميع، وفى رأيى واحدة من هذه القواعد تكون من خلال الرضا بالاحتكام إلى الصندوق، فإسقاط الدستور بالمظاهرات قد يؤدى لاحقاً إلى إسقاط الدستور الجديد بالمظاهرات أيضاً من أطراف أخرى لن يعجبها الدستور الجديد ومواده، ولذلك فعلينا أن نرتضى جميعاً بصندوق الانتخابات ونسعى لحمايته والحفاظ على نزاهة العملية الانتخابية وعلاج أوجه القصور والمخالفات التى حدثت فى الانتخابات السابقة، ولتعمل القوى المعارضة على توحيد جهودها والوصول إلى الناس فى الشارع والسعى لتحقيق مصالحهم ومن ثم نيل ثقتهم والدعوة إلى إعادة كتابة دستور جديد.
أيضاً يجب أن توجّه رسالة خلال 25 يناير الحالى بأن الثورة لم تحقق أهدافها حتى الآن، فالثورة قامت من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ولم تقم من أجل تمكين فصيل سياسى دون غيره للوصول إلى السلطة وقمع معارضيه.
* البعض يتخوّف من محاولات الهيمنة على المؤسسات القضائية، خصوصاً بعد قرار عزل المستشار عبدالمجيد محمود، فهل تمتلك نفس التخوفات؟
- إقالة النائب العام السابق كانت مطلباً ثورياً، ولكن طريقة إقالته وتعيين النائب العام الجديد لم تكن كذلك. النائب العام الجديد دخل مكتبه فى الواحدة صباحاً من مساء يوم إصدار الإعلان غير الدستورى وسط هتافات شباب جماعة الإخوان المسلمين، فكيف أثق كمواطن مصرى فى استقلاليته وعدم تبعيته للسلطة التنفيذية؟، ولماذا الإصرار على استمراره رغم التراجع عن الإعلان غير الدستورى خصوصاً أن الدستور نص على طريقة جديدة لتعيين النائب العام؟
إن وجود النائب العام الجديد لمدة أربع سنوات وتعيينه من قِبل رئيس الجمهورية دون استشارة المجلس الأعلى للقضاء هو نقطة سوداء لن تزول إلا بتنحيه عن منصبه، خصوصاً أن القاضى عادة ما يتنحى عن المنصة إذا استشعر الحرج وشعر أن المتقاضين يشككون فى حياديته، وقضاة تيار الاستقلال الذين تقلدوا مختلف المناصب التنفيذية فى دولة ما بعد مبارك، كانوا يطالبون باستقلال القضاء ويعتبرون أن تعيين السلطة التنفيذية للنائب العام اعتداء عليه، ولذلك فعليهم أن يلتزموا بمبادئهم ويعلنوها صراحة، خصوصاً المستشار أحمد مكى وزير العدل، بحكم منصبه، برفض استمرار النائب العام فى منصبه، وأن يتم تعيين نائب عام جديد يختاره المجلس الأعلى للقضاء.
* وهل لديك تخوفات بشأن حرية التعبير فى ظل الممارسات الحالية لتيارات الإسلام السياسى؟
- إذا أراد الحاكم اليوم أن يُحدد للناس ماذا يشاهدون؟ ولمن يقرأون؟ وكيف يفكرون؟، فكل ما عليه هو اختراع آلة الزمن لتعود به إلى عصر ما قبل الإنترنت، البعض ما زال يعيش فى وهْم الوصاية على الأفكار ويعتقد أنه قادر على تحديد هوية يلتزم بها الشعب، ولكن هذه الوصاية لن تلبث إلا أن تتهاوى بسبب التقدُّم الحديث فى وسائل التقنية، فعدد مستخدمى الإنترنت فى مصر تجاوز 15 مليوناً، ومن المتوقع أن يتضاعف خلال السنوات الخمس المقبلة، وحينها سيكون متابعو مواقع الفيديو على الإنترنت أكثر من متابعى القنوات الفضائية، لذلك فليس لدىّ قلق حول حرية التعبير، ويجب على كل من هو منشغل بالشأن العام أن يسعى لتطوير أفكاره وتجديدها بما يتناسب مع العصر الحديث، وأن يتجه إلى مواجهة الفكر بالفكر لا مواجهة الفكر بالقمع، فاحتكار الأفكار يؤدى إلى اندثارها، وقمع الأفكار لن يؤدى إلا لانتشارها.
* الحديث عن الوضع الاقتصادى أصبح أمراً مرعباً لأغلب قطاعات الشعب.. فما الخطوات التى يجب على حكومة قنديل اتباعها لإنقاذ مصر من شبح الإفلاس؟
- أعتقد أن هناك مبالغة من الطرفين فى توصيف الوضع الاقتصادى المصرى، فالسلطة تنفى وجود الأزمة وترى أن الاقتصاد يتعافى ولا خطر على الوضع الاقتصادى، والمعارضة تحذِّر من شبح الإفلاس، والحقيقة أننا فى أزمة اقتصادية مصدرها ينبع من انخفاض إيرادات الدولة وارتفاع المصروفات، الأمر الذى يمكن أن يتسبب فى استمرار سياسة الاقتراض لتغطية العجز مع دعم العملة واستخدام الاحتياطى النقدى الأجنبى الموجود بالبنك المركزى، حتى لا ترتفع قيمة الدولار أمام الجنيه المصرى، مما يتسبب فى زيادة كبيرة لأسعار جميع السلع المستوردة، وهذه الأزمة لم تكن وليدة الثورة، فهى وليدة سنوات من الممارسات السياسية والاقتصادية الخاطئة، ولكنها زادت عقب الثورة، نظراً لعدم الاستقرار السياسى وإحجام المستثمرين عن المخاطرة بأموالهم، وتعميق هذه الأزمة عبر الشهور المقبلة سيؤدى إلى وضع مزيد من العوائق والصعوبات، فضلاً عن التعرُّض للمزيد من الأزمات التى من شأنها أن تتسبب فى إغلاق بعض الشركات والمصانع وتأخر الحكومة عن تسديد مستحقات شركات القطاع الخاص التى تُنفذ مشروعاتها وارتفاع تكلفة الاستدانة، سواء من الداخل أو الخارج.
والحقيقة أن إصلاح الوضع الاقتصادى يبدأ من إصلاح الوضع السياسى فى مصر، وهنا المسئولية الكبرى تقع على الرئيس وحزب الحرية والعدالة قبل رئيس الوزراء، من خلال احترام السلطة الحاكمة للمعارضة والوصول معها إلى أرضية مشتركة والعودة للبحث عن التوافق بدلاً من تبادل الاتهامات ورسائل التخوين، كما أن المعارضة عليها أيضاً أن تسعى لدعم الحكومة فيما تراه مناسباً من إجراءات لإصلاح منظومة الدعم، التى تمثل نسبة كبيرة من الموازنة المصرية، وأن تدعم سياسات الحكومة إذا ما ارتأت أنها تحقق العدالة الاجتماعية التى تضمن وصول الدعم إلى الفقراء دون الأغنياء.
* وما تقييمك للتعديل الوزارى الجديد لحكومة الدكتور قنديل؟
- التعديل الوزارى الجديد يعتبر استمراراً لسياسة التخبُّط وممارسات ما قبل الثورة، فالرئيس أكد فى كلمته بمجلس الشورى على قوة المركز المالى للدولة، وأشاد بالسياسة التى تتبعها الحكومة فيما يتعلق بذلك، ثم بعدها بأيام تتم إقالة وزير المالية وتعيين آخر جديد لا يملك سيرة ذاتية تجعلنا مطمئنين على قدرته بشأن قيادة الوزارة فى ظل الأزمة الحالية، فالمشكلة الحقيقية تكمن فى الاعتماد على أهل الثقة.
* وما الرسالة التى تود توجيها إلى جميع القوى السياسية بما فيها النظام الحاكم؟
- عليهم أن يعلموا أن الشعب المصرى ينتظر ما هو أكثر من الشعارات المرفوعة من مختلف القوى، فما يتم إنجازه على أرض الواقع أضعف كثيراً من الوعود التى تطلقها مختلف التيارات، وعلى الجميع أن يعلم أن المنافسة الحقيقية هى المنافسة على خدمة المواطنين من خلال برامج تنفذ فى أرض الواقع لإصلاح ما أفسده النظام السابق، دون الصراع المستمر على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد.
* فى نهاية الحوار.. هل أنت متفائل بشأن مستقبل مصر؟
- بالتأكيد، اليأس خيانة، والتفاؤل هو وقود التغيير، ولا توجد نهضة قامت على أيدٍ مرتعشة أو أفراد متشائمين، من كان يعتقد أن مصر ستحدث بها ثورة، لا أقول قبل سنوات، بل قبل أسابيع قليلة من الثورة؟ من كان يظن أن عشرات الملايين من الشعب المصرى سيشاركون فى انتخاب من يحكمهم؟ كل هذه الأمور كانت أشبه بأضغاث الأحلام عند الكثير من المصريين. كما أن الشعب المصرى يتكون لديه وعى سياسى ورصيد من الخبرة السياسية طوال الشهور السابقة، وهو ما لم يحدث عبر سنوات طويلة، فكل ما يحدث من صعوبات يُعد بمثابة الطريق الصعب الذى كان لا بد أن يأتى يوم ونسير عليه لتحقيق آمالنا، فهذه هى سنة الله فى الأرض وهكذا علمنا التاريخ.