بين عبدالناصر والإخوان المسلمين تاريخ طويل، استمر طيلة 18 عاما حكم فيها عبدالناصر مصر، وبعد رحيله عن الحكم والحياة كلها بأربعين عاما، تسيد الإخوان ووصلوا السلطة، ومع ذلك يبقى الصراع مستمرا، الأمر الذى يطرح تساؤلات عن طبيعة ذلك الصراع، وما إذا كانت هناك أسباب خفية لتواصل الصراع حتى وقتنا الحالى، أو بعبارة أخرى ما الذى كان يريده عبدالناصر من الإخوان قديماً؟ وما الذى يريده الإخوان من عبدالناصر الآن؟
يقول الدكتور نبيل عبدالفتاح، الباحث السياسى بمركز الأهرام للدراسات، إن «الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وبعض الضباط الأحرار كانوا جزءاً متأصلاً من تركيبة جماعة الإخوان المسلمين، وإن عبدالناصر مر على عضويتهم فى إطار مروره على العديد من التيارات السياسية بهدف معرفة طبيعتها وطرق تفكيرها، بالإضافة إلى أنه كان يبحث عن سند سياسى يؤيده ليتمكن من تغيير طبيعة النظام السياسى الملكى وقتها. وفى بداية الثورة حاول عبدالناصر أن يضع جماعة الإخوان المسلمين كقوة داعمة للثورة، على أن يكون أعضاؤها جزءاً أساسياً من حكومات ثورة يوليو، ولكن رغبة الجماعة فى السيطرة على الثورة والحكم تسببت فى نشأة الصدامات العديدة بينهما». وأضاف عبدالفتاح قائلاً: «إن مرجعية عبدالناصر كانت تعتمد على حداثة الفكر الإسلامى الذى كان يمثله الإمام محمد عبده، بجانب بعض أفكار خالد محمد خالد وغيرها من الأفكار التقدمية والإصلاحية، وهذه المرجعية كانت السبب فى تصديه لفكر جماعة الإخوان المسلمين، وكان يرفض تحدث فصيل بعينه باسم الدين والتمثيل السياسى له، لذلك لجأ لتقنين أوضاعهم عن طريق بعض الإجراءات، منها احتكار التغير السياسى الإسلامى فى السياسة المصرية والعربية، بمعنى أن يصبح الإسلام شرعية النظام، واعتماد الدين الإسلامى كإحدى إدارات التعبئة السياسية والدينية لصالح أطروحات النظام ومصدر من مصادر شرعية النظام، ومن ثم استخدامه كأداة للجنة الاجتماعية فى مصر، وفى الوقت نفسه -كما يقول عبدالفتاح- فإن عبدالناصر كان يرى فى جماعة الإخوان المسلمين معوقاً رئيسياً للتنمية، وأنهم أشد خطورة على السلطة الثورية والإقليمية من غيرهم، لذلك شدد على عدم التحدث عن قادتهم فى كتب التاريخ أو مناهج التعليم، ووجه الإعلام للهجوم عليهم وتشويه صورتهم».
أما الدكتور خالد عزب، مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية، فيرى أن العلاقة التى جمعت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وجماعة الإخوان المسلمين كانت عبارة عن تحالف مصالح سرعان ما انفض، بسبب وجود اختلاف بين عبدالناصر وباقى التنظيمات السرية التى كانت موجودة داخل الجيش فى هذا الوقت، لأنه جمع داخل تنظيمه العديد من الفرق المتناقضة، كانت أشهرها جماعة الإخوان المسلمين المتمثلة فى رشاد مهنا وغيره، بالإضافة لتيار الماركسيين المتمثل فى خالد محيى الدين، ثم احتدم الخلاف بينهما بعد انتهاء الثورة مباشرة، بسبب طبيعة الإملاءات التى كانت تفرضها الجماعة عليه، لأن الإخوان كان يخيل لهم أنهم الشريك الأساسى فى قيام الثورة وليسوا جزءاً منها. ويضيف عزب قائلاً: «إن الصراع بين الطرفين عاد إلى المشهد السياسى مرة أخرى، بالرغم من مرور ما يزيد على نصف قرن على رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، وتجلى هذا بوضوح فى الخطاب الأول الذى ألقاه الرئيس محمد مرسى على منصة التحرير بعد أيام قليلة من فوزه بنتيجة الانتخابات الرئاسية وقبل حلفه اليمين أمام أعضاء المحكمة الدستورية، حيث خصص جزءاً من خطبته للحديث عن حقبة الستينات، وبعدها بأسابيع قليلة قام المهندس خيرت الشاطر النائب الأول لمرشد جماعة الإخوان المسلمين بدفع الهجوم الذى شنته التيارات السياسية ضد تسجيل المكالمات للمواطنين، عن طريق الاستشهاد بقيام عبدالناصر بنفس الفعل، بالإضافة لتلميحات الكثير من قادة الجماعة عن الحقبة الناصرية فى أحاديثهم».
الكاتب الصحفى صلاح عيسى أكد أن عبارة «الستينات وما أدراك ما الستينات؟!»، التى ذكرها الرئيس محمد مرسى فى أول خطاب له وسط الجماهير، تعبر عن الموقف الحقيقى لجماعة الإخوان المسلمين تجاه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتنفى محاولات بعض قادة الجماعة التمسح فى ذكراه، وأن محاولات الثناء عليه لا تعدو أن تكون عبارات دبلوماسية بروتوكولية لا تعبر عن رأى الجماعة الحقيقى فى الزعيم الراحل، وأضاف: «الاتجاه العام للجماعة نحو الرئيس الراحل جمال عبدالناصر اتجاه ثأرى، بجانب أنهم ينظرون إليه بصفته «أخاً عاصياً»، لأنه كان عضواً فى الجهاز الخاص للجماعة، وأقسم على المصحف والمسدس ومعه المشير عبدالحكيم عامر وخالد محيى الدين بالولاء لمؤسس الجماعة حسن البنا، واستمر كذلك حتى نهاية عام 1948، ولكنه انشق عنهم بعد أن رأى أنه لا يليق به الانضمام لهذا التنظيم وهو ضابط بالجيش وأن يتلقى دروساً عسكرية من مدنى مثل «عبدالرحمن السلبى» المسئول عن الجناح العسكرى للجماعة وقتها، ثم احتدم الصراع بينهما بعد محاولة اغتياله فى ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954، ومنذ ذلك الوقت شن عليهم عبدالناصر حملة تصفية كبيرة، خاصة بعد خروج اتهام بعض قادة الجماعة له بالخيانة والعمالة للولايات المتحدة الأمريكية مع باقى رموز الحركة الوطنية».
الدكتور محمود جامع، المؤرخ الإسلامى، يقول: «إن الرئيس جمال عبدالناصر انقلب على جماعة الإخوان المسلمين وخان قسم المصحف والمسدس رغبةً منه فى الانفراد بالسلطة، والدليل على ذلك قيامه بإعدام رموز الجماعة فى ذلك الوقت؛ سيد قطب، عبدالقادر عودة، الشيخ فرغلى، دون ذنب ارتكبوه»، وأضاف: «الإخوان لا يريدون الثأر من عبدالناصر أو الناصريين، لأنهم الآن يمتلكون الشرعية، بالإضافة لغياب عبدالناصر عن الساحة السياسية الآن، ولو كان موجوداً كان يجب محاسبته على أشياء كثيرة أهمها تزوير الانتخابات فى عهده بنسبة 99٫9%، وحل الأحزاب، وفتح السجون الحربية لمعارضيه، بالإضافة لإنشائه التنظيم السرى الطليعى، والاستيلاء على أملاك المواطنين وتوزيعها على أصدقائه من الضباط، وأخيراً نكسة عام 1967».