«صراخ وعويل، ومطاردات وتوسلات للأطباء لسماع كلمة تبل الريق، وسيارات إسعاف تحمل مزيدا من الضحايا والمصابين» هكذا كان المشهد داخل مستشفى طوسون للتأمين الصحى الذى شهد ليلة أشبه بكابوس مظلم بعد انهيار عقار المعمورة فى الساعات الأولى لصباح يوم الأربعاء الماضى، وحتى الساعات الأولى لصباح أمس الخميس.
فى غرفة صغيرة فى الدور السادس بالمستشفى ترقد آمال جابر 50 عاما، أحد ضحايا العقار، التى فقدت اسفله ابنها إسلام 10 سنوات، وابنتها آلاء، سنتين ونصف، ووالدتها، فى الوقت الذى يرقد فيه زوجها، وابنها الأكبر أحمد19 سنة فى قسم الجراحة بذات المستشفى.
أسرة آمال ترفض أن تخبرها بنبأ وفاة والدتها وابنيها حتى لا تزداد حالتها الصحية سوءا، خاصة أنها الوحيدة التى خرجت من تحت الأنقاض عقب الحادث بـ 8 ساعات، وظلت على قيد الحياة، بعد أن ظن الجميع أنها توفيت.
تقول آمال «كنا عارفين إن البيت فيه مشاكل صرف صحى بس ما كناش نتوقع إن دى هى النهاية، كلمنا صاحب العقار أكثر من مرة علشان يصلح مشاكل الصرف لكن ما فيش فايدة، وفى الآخر قال لنا كل شقة تدفع 4 آلاف جنيه، وإحنا نصلح الصرف».
وأضافت «ليلة الحادث كنت نايمة، وفجأة لقيت ابنى الكبير أحمد بيصحينى، ويقول لى قومى يا ماما الحقى البيت بيقع، طلعنا نجرى على الباب ما حستش بنفسى غير وأنا فى المستشفى، ونفسى أشوف أولادى وأمى وآخدهم فى حضنى ما شفتش حد فيهم من ساعة الحادث، وكل ما أسأل عليهم يقولوا لى بيتعالجوا فى غرف تانية فى المستشفى، وأمنية حياتى إن ربنا يشفينى بسرعة علشان أقدر أقف جنبهم وهم بيكملوا علاجهم».
وفى غرفة تبعد أمتارا قليلة عن غرفة آمال تجلس مى حافظ عبدالله 28 سنة، والدة الطفلة الرضيعة لوجينا، عام ونصف، التى لقت حتفها إثر الحادث، وشقيقها أحمد الذى كان يستعد لزفافه خلال شهرين قبل أن تنتهى حياته أسفل العقار، فى حين يرقد زوجها فى قسم الجراحة فى المستشفى، ووالدها يتلقى العلاج فى مستشفى أبوقير العام.
مى لا يفارقها الاحساس بالذنب
وبالرغم من أن مى تعد أقل الضحايا إصابة حيث تقتصر إصابتها على بعض الكدمات والجروح السطحية، فإن إحساسها بالذنب والحزن على فقدان شقيقها الذى كان يستعد لزفافه، وطفلتها أثر بشكل سلبى على حالتها النفسية وجعلها تعانى من صدمة عصبية ونوبة بكاء هستيرى.
تقول مى والدموع تنهمر من عينيها «أنا السبب فى موت أخويا أنا اللى ضغطت عليه علشان يبات عندى ما كنتش أعرف إن البيت هيقع يا ريتنى كنت مت معاه، مش عارفة أورى وشى إزاى لخطيبته».
وتسكت قليلا وتتذكر طفلتها وتقول «بنتى لوجى أول فرحتى حاولت أدارى على أبوها خبر وفاتها بس ما قدرتش، ولما عرف مش قادر يصدق لغاية دلوقتى، ربنا رزقنا بها بعد 3 سنين جواز وجه القدر حرمنا منها».
وتحكى مى قصتها مع العقار قائلة «بقالنا كتير بنعانى من مشكلة الصرف بتاعة العقار، بس ما كناش نعرف إن الموضوع ممكن يأثر على البيت للدرجة دى».
وأضافت «أجرنا فعلا شقة إيجار جديد، وكلمت أحمد أخويا، وقلت له ييجى يبات معايا علشان ينقل معانا الحاجة إلى الشقة الإيجار لغاية ما مشكلة البيت تتحل، وطلبت منه يجيب بابا معاه يقضى معانا اليوم وهو ما كنش عايز ييجى وقالى آجى بكرة آخدك على طول كأن قلبه حاسس بس أنا منى لله ألحيت عليه، وأصريت كنت عايزة أقضى معاه يوم وننبسط ما كنتش عارفة إن ده هيكون آخر يوم فى عمره».
واعتبرت مى أن موقف دفن ابنتها وشقيقها فى تربة واحدة، وفى نفس الوقت هو من أصعب المشاهد التى مرت عليها طيلة حياتها طالبة من الله عز وجل أن يلهمها، وزوجها الصبر والقدرة على تحمل هذا الموقف الذى صار كابوسا كبيرا تتمنى أن تستيقظ منه.