لفت انتباه الرأى العام خلال فترة وجيزة، فالجميع كان يتساءل من هذا الشخص الوقور الذى يناديه المستشار حسام الغريانى رئيس الجمعية التأسيسية فى جلساتها الأخيرة بــــ«مولانا» ليقرأ على الحضور مواد الدستور الذى سيتم الاستفتاء عليه، واستمرت موجة التكهنات حتى جاءت حلقة الإعلامى الساخر «باسم يوسف» وأظهره فى شكل الإنسان البدائى، فرد النشطاء على تلك السخرية بنشر وتداول السيرة الذاتية لهذا العالم الاقتصادى الذى توارى عن الأنظار طيلة حياته وظل يساهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية فى كثير من البلاد الإسلامية، وجاء لمصر ليشارك فى وضع دستور بلاده للاستفادة من خبراته وتجاربه خاصة فى المجال الاقتصادى.
فى حواره مع «اليوم السابع» كشف الدكتور حسين حامد، رئيس لجنة الصياغة المصغرة بالجمعية التأسيسية للدستور، عن خطة التنمية الاقتصادية لمصر وسبل تحقيقها، معلنا رفضه التام لكل ما يتم تداوله بأن هذا الدستور جاء لخدمة مصالح فصيل سياسى بعينه وتجاهل التمثيل الحقيقى لكل فئات الشعب.
وأضاف حامد الذى عمل مستشارا قانونيا واقتصاديا لرئيس جمهورية كازاخستان، وعمل مستشارا اقتصاديا لرئيس وزراء جيرجستان، وكلف بعمل خريطة استثمارية للدولة، وإعداد دراسات جدوى لأهم مشاريع التنمية بها - أن مصر كانت تفتقر فى عهد مبارك لفرص استغلال الاستثمارات الموجودة بها، وتعانى من نقص فى مواردها المالية، وهذا ما سيتم تلافيه مع مشروع الصكوك الجديد.
كما أشار حامد الذى عمل مستشارا لرئيس جمهورية باكستان الإسلامية لشؤون الجامعة الإسلامية العالمية وعمل مستشارا لأمين عام رابطة العالم الإسلامى بمكة المكرمة ومستشارا لرئيس مؤتمر العالم الإسلامى بجدة ومستشارا لهيئة إحياء التراث بالإمارات العربية المتحدة ومستشارا لرئيس جامعة القاهرة، إلى أن مشروع الصكوك الإسلامية الجديد يحظر بيع أو التصرف فى ممتلكات الدولة فى القطاعين العام والخاص.. وفيما يلى نص الحوار:
> قبل أن يتم إقرار المسودة النهائية للدستور بالتأكيد كانت هناك بعض المواد التى لاقت اعتراضا أو مناقشة من جانبكم فما هى؟
- أنا شاركت فى لجنة المقومات الأساسية ولجنة الصياغة المكبرة والمصغرة، وبالتالى فإننى على دراية بكل ما دار فى الجمعية، ولو كان هناك بعض المواد التى لى عليها اعتراض فقد تمت مناقشتها داخل اللجان، وليس لى ملاحظات على المواد التى خرج بها الدستور فى صيغته النهائية، أما المناقشة فكل شخص كان له رأيه ووجهة نظره ويستمع للآخرين، وفى لجنة المقومات الأساسية على سلبيل المثال كان كل قسم يخرج التوصيات النهائية بالإجماع، ولم يحدث أى اعتراض، ولكن الذى حدث أن كل مادة مرت بخمس مراحل، الأولى أن تخرج من اللجنة المتخصصة وهى لجنة بها 25 عضوا وممثل فيها كل التيارات والجهات وكذلك كانت كل اللجان الفرعية، والمادة بعد ذلك تذهب للجنة الصياغة التى تصوغها بدورها وترسلها بالتوافق إلى اللجنة التى جاءت منها لتأخذ رأيها فى الصياغة إن كانت مناسبة أم لا، ثم ترد من اللجنة النوعية إلى الصياغة مرة أخرى فتقرأها الأخيرة قراءة ثانية وبعدها تعرض على الجمعية العامة لنقاش المائة عضو وبعدها تظهر تعليقات وملاحظات تعود مرة أخرى للجنة الصياغة ثم توزع على جميع الأعضاء ويطلب منهم إبداء رأيهم كتابة، وهذه هى المرحلة الرابعة، أما المرحلة الخامسة فمن له تعليق يجتمع مع لجنة الصياغة واللجنة النوعية المختصة ويشرح وجهة نظره وإذا اقتنعوا يتم تغييرها وإذا لم يقتنعوا يؤخذ برأى الأغلبية.
> ولكن يرى البعض أن الجمعية جاءت أو يغلب عليه ممثلة لفصيل سياسى واحد؟
- البعض يحلو له تقسيم المجتمع بين تيارات إسلامية وأخرى علمانية وأنا أكره هذا وفى رأى هو بدعة فى مصر لأن الشعب المصرى جميعه متدين بمسلميه ومسيحييه، وهو شعب متحاب وهذا تصنيف دخيل علينا، فنحن مسلمين وأقباطا وأصحاب فكر مدنى كلنا داخل الجمعية كنا نصلى سويا، من يحسب على التيار المدنى كانوا يصلون معنا فى نفس القاعة، وهذا التقسيم ينبغى أن نقضى عليه، وما شرحته معناه أن كل مادة مرت بهذه المراحل الخمس، وشارك فيها كل عضو ومثلت جميع التيارات، وكان يتم الأخذ برأى الأغلبية لأن الإجماع يصعب تحقيقه فى العالم كله، ولكن المواد ذات الحساسية التى تم عليها التوافق رأينا أنه من المصلحة ألا تخضع لنظام التصويت وتكون بالإجماع، وقد تم هذا بالفعل.
> بعض الأعضاء المنسحبين من الجمعية رأوا أنه تم التلاعب فى المواد المقترحة وتغييرها من قبل لجنة الصياغة؟
- المواد ذات الحساسية رؤى أن يتم تمريرها بالإجماع بين القوى ووقع الجميع على تمريرها، أما بقية المواد فلا يوجد مشكلة فى الادعاء لأن هناك مضبطة وكل كلمة خرجت مسجلة، ومن الذى قالها، ومن الذى شارك، وبالتالى المسألة محسومة ليس بها أى طلاسم، ثم إن الدستور جاء من خلال مجلسين منتخبين انتخبا الجمعية التأسيسية التى أخذت تصويتا ثم وضعت الدستور للاستفتاء وأخذ 64% ولا يوجد دستور فى العالم تمت الموافقة عليه بهذه النسبة.
الدستور قصته ينبغى أن تترك جانبا، ومع ذلك فنحن بشر قد نخطئ وقد نصيب واجتهدنا واجتمعنا وتوافقنا، بعد ذلك سيتم تعديل أى مادة ولا أحد يدعى أن الدستور نزل من السماء ولا يوجد داع لانقسام المجتمع، ولا يوجد داع للتناحر والتراشق لأن التناحر هو ضد مصلحة الشعب ونحن نريد تشغيل العاطلين وإطعام الجائعين.. مش كلنا هنبقى رئيس الجمهورية.. وهننتخب ونجيب واحد أحسن وهنساعده وإذا أخطأ فلن نختاره مرة أخرى والتجديد له لو حدث فسيكون لمرة واحدة فقط.
> وما المشاهد التى ستظل عالقة فى ذهنك بعد تجربة مشاركتك فى الجمعية التأسيسية؟
- لأول مرة فى التاريخ يلتقى المصريون جميعا من كل التيارات ويجلسون مع بعض، المناقشة كانت فى منتهى الروعة حتى انتهت جلسات الجمعية بمنتهى المحبة والمودة والألفة هذا هو الأمر العجيب، كنا نجلس داخل الجمعية والنقاش قمة فى الحوار البناء المخلص الأمين ولعل بعضهم تعجب من أنه كان يتصور أن العلمانيين لهم تصور خاص فى الإسلاميين والعكس أيضا لكن الذى ظهر فعليا أن كلهم مصريون وولاؤهم للبلد فهذه فواصل مصطنعة، وميدان التحرير أكبر نموذج لجمع كل الطوائف، وهذه روعة الشعب المصرى، 1400 سنة يعيشون سويا إخوة، ندعو الله أن يقينا شر النزاع والخلاف لأنه ليس من طبيعة المصريين.
> ولكن لماذا انسحب هذا العدد الكبير من الجمعية قبل إعلان الدستور بأيام قليلة؟
- أنا لا أملك تفسيرا، وما قيل بشأن الدستور أو مواد الدستور لا يجوز أن أنسب الفضل فيه لفصيل محدد، فالمضبطة موجودة، كلهم لهم مساهمات ممتازة وجيدة.. تيارات أخرى ساهمت وكان لها مساهمات رائعة وجيدة لا يوجد تيار كان له الفضل على البقية، أنا دخلت الجمعية كخبير شاركت فى وضع دساتير دول كثيرة من قبل، فأنا أستاذ شريعة فى كلية الحقوق جامعة القاهرة، لا يمكن أن يقال للعلماء وأساتذة الشريعة إنهم تبع حزب أو تيار، نحن الناس الذين يقولون لهذا أنت أصبت أو أخطأت، الانضمام لحزب أو تيار معناه الانحياز وأتمنى أن يكون فى مصر حكماء فوق الأحزاب والسياسة ليكونوا رمانة الميزان، لا يجوز للخبراء المستقلين أن يدخلوا فى السياسة وصراعات كراسى البرلمان.
> وما رأيك فى المساعدات التى تمنحها لنا بعض الدول؟
- ما قرأته فى الصحف أن قطر خصصت بعض الودائع لمساعدة مصر ومليار دولار على شكل منح وكل الدول طول عمرها تأخد مساعدات من جميع الجهات فى العالم، وهذا لا يعنى أن المساعدات أو إيداع مبلغ لدولة أخرى له صلة باستقلال أو سيادة الدولة.
> وكيف ترى الاعتراضات على مشروع الصكوك الإسلامية واعتبار أنه يفتح الباب أمام بيع ممتلكات الدولة؟
- المشروع الجديد يتحاشى الاعتراضات التى وجهت للمشروع الأول، وهذا المشروع الذى نعده يوضح بشكل قاطع وصريح تماما أن الأصول المملوكة للدولة ملكية عامة أو خاصة لا يجوز بيعها أو التصرف فيها، وهذا كان فى المشروعات السابقة، ولكن لعل الصياغة كان بها نوع من اللبس وعدم الوضوح، لكن المشروع الجديد جاء صريحا، وقال يحظر بدلا من لا يجوز بيع أسهم الدولة وأولا وأخيرا مستحيل ولا يعقل ولا يطرأ على ذهن مخلوق أن يبيع أصول بلده.
> وكيف يمكن إنعاش الاقتصاد المصرى من وجهة نظرك؟
- مصر لديها بنية اقتصادية متينة وسوق واسعة وخبرات متميزة ومشاريع استثمارية كثيرة وكان ينقصها التمويل فقط، فإذا جاء التمويل بالأدوات المالية مثلا كالصكوك فمصر ستنهض وتستطيع أن تعوض ما فاتها لأن كل ما تحتاجه مصر هو الإنتاج والتنمية ومشاريع استثمارية وهى مليئة بذلك بالفعل.. نريد تشغيل اليد العاملة وترخيص الأسعار ونزيد من المشاريع الاستثمارية وكل هذا سيتيحه مشروع الصكوك فى تفسيرها الصحيح والسليم للاقتصاد.
وأنا شاركت فى إصدار صكوك فى دول كثيرة، وهذه الصكوك مولت مشاريع ونجحت واستطاع المشروع أن يرد رأس المال والأرباح للممولين، وأصبحت المشاريع مملوكة للحكومة أو شركات القطاع الخاص والتجربة واضحة وناجحة فى دول كثيرة منها دول الخليج وإندونيسيا وماليزيا وهناك مؤسسات دولية أيضا مولت مشاريع بالصكوك. وهناك جانب آخر يتمثل فى إنشاء مجلس استشارى اقتصادى، وهذا وضعناه فى الدستور وسمعنا عنه ولكن مصر مليئة بالقامات والعلماء الذين يمكن الاستعانة بهم، فلا يحضرنى أسماء محددة أذكرها الآن للاستعانة بها فى هذا المجلس.
> هل هذا سيكون الفرق بين الاقتصاد الإسلامى واقتصاد مبارك؟
- فى عهد مبارك لم يكن هناك استغلال لفرص الاستثمار ومشاريع التنمية الآن بعد إصدار مشاريع الصكوك وتوفير الموارد المالية أعتقد أن المشاريع سيتم تمويلها، وبالتالى سيتم تشغيل يد عاملة وسننتج ولا شك أن الإنتاج سبب كل تقدم اقتصادى.
> وما الدور الذى ينيغى أن يقوم به وزير المالية الحالى؟
- هو يقوم بدوره الآن بالنسبة لقانون الصكوك وزارة المالية أعدت المشروع الجديد ودفعت به لمجلس الوزراء لإحالته لمجلس الشورى وبالتالى فهى أدت ما عليها.
> هل تتوقع أن الخلاف القادم سيكون بين القوى الإسلامية وبعضها البعض؟
- أنا هنا وفى أى مكان فى العالم عملت مستشارا لرؤساء دول وشاركت فى وضع دساتيرها وإصدار صكوك ولم أنضم لحزب أو جماعة طول حياتى، عملت فى الاقتصاد وأساعد مصر بصفتى مصريا وخبيرا جئت إليها بعدما أدركت أنه آن الأوان لمساعدة مصر فى المجال الاقتصادى والصكوك تحديدا وبالتالى أنا لست خبيرا فى السياسة ولا أحبها، ولم أكن سياسيا ومش هاجى على آخر العمر وأشتغل بالسياسة لست خبيرا ولا يعتمد على فى أى آراء سياسية.
> وما كان تعليقك عندما علمت بما فعله الإعلامى الساخر باسم يوسف؟
- أنا من أكثر الناس إيمانا بأن من يتصدى للرأى العام فإن الناس هم من يحكمون على مصداقيته، وأنا لا أعرف باسم يوسف ولم أشاهده ومن شاهدوا الحلقة غضبوا وقالوا كيف يفعل باسم هكذا مع رجل عمره 80 سنة، وقالوا يبدى رأيه حتى لو كان موافقا على الدستور فلما السخرية من رأيه؟ وعلى العموم أنا أرى أن الدستور أفضل من دساتير أخرى موجودة وهذا رأى وأنا حر فيه ولكن باسم صادر تلك الحرية هو صادر على رأى وسخر منه.. فلماذا تتخذ من رأى سخرية؟ ولماذا تصادر على رأى؟ وأنا لن أسعى لمقاضاته.. وموقفى منه كما قال المولى عز وجل «إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما».