رغم زيادة معدلات النمو والناتج المحلي الإجمالي، وزيادة متوسط نصيب الفرد منه في السنوات السابقة للثورة، إلا إن ذلك لم ينعكس بنفس المستوى على توزيع الدخل والثروة، وبالتالي تسبب في زيادة معدلات الفقر، التي وصلت إلى 23% من إجمالي السكان، ويُتوقع تزايدها إلى أكثر من 30% هذه الأيام، نتيجة للأوضاع الداخلية السيئة.
ويُقاس الفقر بمقاييس عدة؛ منها مقياس مطلق يرصد حجم السكان الحاصلين على دخل يومي أقل من دولارين، وهم 16 مليون مواطن، ومعامل آخر خاص بالقوة الشرائية اليومية. ومن ناحية أخرى نجد أن العدالة في توزيع خدمات البنية التحتية للمجتمع بها مشكلة تزادد تعقيدا، إذا نظرنا إلى التفاوت الشديد في متوسط نصيب الفرد من الخدمات العامة والبنية التحتية، الذي تبلور في الآونة الأخيرة في شكل تجمعات سكنية عشوائية تتصف بتدني مستويات الخدمات والبنية التحتية المقدمة من الدولة، بل انعدمت في بعضها، ومن ثم إذا وُضِعَ الانحراف مع مستوى دخل شديد الانخفاض تحت خط الفقر، فإنه ينتج تكوينات عشوائية متنامية تكاثرت بشكل مخيف خلال هذه الأيام، وتنذر بأن تهدد قيمة وهيبة الدولة، وتهدد أيضا أي مشروع يهدف إلى التنمية الاقتصادية، ويأتي ذلك في ظل عجز كامل للدولة.
ووفقا للتقرير السنوي لصندوق الأمم المتحدة للسكان، وصل عدد المناطق العشوائية إلى أكثر من 1221 منطقة منتشرة في 24 محافظة، ومن أكثر المحافظات القاهرة، إذ يوجد بها 81 منطقة عشوائية يقطنها ثمانية ملايين فرد، منها 68 منطقة قابلة للتحسين و13 منطقة تحتاج إلى الإزالة، وبالتالي نجد أن الفقراء الحاصلين على أقل من دولارين كدخل يومي في وضع أسوء مما يبدو، حيث إنهم لا يستطيعون الوصول بشكل يسير إلى نصيبهم من الإنفاق العام، وبالتالي ينفق جزء من ذلك الدخل شديد التدني على توفير ما يناط بالدولة توفيره، فيصبح العدد المطلق للفقراء أكبر مما يبدو من خلال هذا المؤشر المعلن، وهو حد الفقر المطلق، ونتجت عن هذا المرض العضال مجموعة من الآثار الجانبية ساهمت بشكل كبير في خفض كفاءة أداء السياسات الاقتصادية، ومن ثم الأداء الاقتصادي بمجمله، ومنها نمو القطاع غير الرسمي مكونا اقتصادا خفيا وموازيا للاقتصاد الرسمي ذاته، ويخرج عن سيطرة الدولة.