لم يكن الأمر مجرد شائعة.. !!
كان الهدف محددا سلفا، الشائعة تمهد لحدث ما، تفتح الطريق أمامه، يتداولها الناس، يتعاملون معها، ورويداً رويداً يجرى تمهيد الأرض، لتتحول الشائعة إلى فعل حقيقى، لا يمثل مفاجأة أو صدمة لأحد، وإنما إلى أمر واقع يتقبله العامة من الناس.
وخلال الأسبوع الماضى كان «جهاز إطلاق الشائعات» يعد العدة، لحملة منظمة استهدفت القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبدالفتاح السيسى، مطلوب إشغال الجيش واستهدافه ودفعه إلى حالة من الخوف والقلق والانتظار.
الشائعة تم إطلاقها بعد تسرب تفاصيل وقائع الاجتماع بين «السيسى» وقادة الجيش فى نادى الجلاء
بدأوا بترديد معلومة كاذبة، خرجت من مكتب رئيس الشركة القابضة للطائرات، وهو بالمناسبة يجرى تمهيده لتولى وزارة الطيران قريباً، فهو معروف بقربه من الجماعة والانتماء إليها، كانت الشائعة تقول: «إن ابنة الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، جرى تعيينها هى الأخرى فى الشركة القابضة للطائرات، لقد أرادوا التغطية على الحملة التى أثارها قرار تعيين «عمر» نجل الرئيس محمد مرسى، وإلحاقه بوظيفة متميزة داخل الشركة، كأنهم أرادوا أن يبعدوا «انتباه» الناس عن الحدث، وأن يغطى الحدث الجديد على الآخر، غير أن الأمر كان يستهدف الفريق السيسى ذاته، إنهم يريدون الإساءة إليه وإلى سمعته.
طنطاوى
لم تكذب الشركة القابضة للطائرات الخبر، تركته يسرى كالنار فى الهشيم، انتقل الخبر إلى وسائل الإعلام، والشركة «لا حس ولا خبر»، اضطر المتحدث العسكرى باسم القوات المسلحة إلى إصدار بيان يعلن فيه عدم صحة الشائعة من الأساس.
ساعات قليلة وأطلقت «الغرفة السوداء» شائعة أخرى تقول إن قراراً سوف يصدر يقضى بإقالة الفريق أول عبدالفتاح السيسى من منصبه، وإن القرار سوف ينال قيادات عسكرية أخرى أيضاً، وفى لمح البصر تحولت الشائعات إلى حقيقة تعامل معها الناس، أذاعت الخبر قناة «روسيا اليوم» وهى قناة لها مصادرها القوية داخل مصر وخارجها، تداول النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى الخبر وراحوا يطلقونه فى كل مكان، لم تعلق الرئاسة على الشائعة، تركتها تتفاعل، تحدث أثرها، وكأن هناك محاولة «لجس النبض»، إنها ذات الطريقة التى تم التعامل بها مع قرار إقالة المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، ثم النائب العام عبدالمجيد محمود ثم وزير الداخلية اللواء أحمد جمال، تطلق الشائعة، تترك الكرة تتدحرج، فإذا كان هناك رد فعل قوى، يتم التراجع، وإذا صمت المعنيون، يكون القرار قد سبق الجميع.
بعد أن أصبح الأمر مثار تعليق، وقلق لدى ضباط الجيش، كبارهم وصغارهم، ولدى الرأى العام، وجهات معنية فى الداخل والخارج، اضطر مصدر عسكرى أن يبعث برسالة واضحة ومحددة للرئيس وللجماعة تضمنت موقفاً محدداً فى أربع نقاط هى:
1 - أن حالة من الغضب الشديد سيطرت على ضباط وجنود القوات المسلحة بعد تسريب معلومات وأخبار تتناول المؤسسة العسكرية ورموزها والترويج لفكرة إقالات محتملة لكبار قادة الجيش وعلى رأسهم الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام وزير الدفاع والإنتاج الحربى.
2 - أن الجيش المصرى لن يسمح بتكرار سيناريو خروج المشير حسين طنطاوى والفريق سامى عنان مع الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وأن المساس بقادة القوات المسلحة خلال الفترة الراهنة سيكون أشبه بحالة انتحار للنظام السياسى القائم بأكمله.
3 - أن القوات المسلحة حاولت قدر الإمكان فى الفترة الماضية الابتعاد عن المشهد السياسى الراهن بكل تفاصيله وصراعاته بين النظام والمعارضة، والتزمت الحياد والسلمية طوال الوقت ولم تطمع أبداً فى السلطة.
4 - أن الرأى العام لن يقبل المساس بالمؤسسة العسكرية وقادتها، وسيتكاتف معهم لمواجهة أى ضغوط أو تحديات، لافتا إلى أن هناك حالة من السخط بين القادة والضباط فى مختلف التشكيلات التعبوية جراء ما يتردد فى وسائل الإعلام حول نوايا النظام بإقالة وزير الدفاع، من أجل «أخونة» المؤسسة العسكرية التى ظلت على مدار تاريخها نموذجا للتضحية والفداء فى مختلف العصور ودافعة عن كرامة الوطن والمواطن المصرى فى أصعب الظروف، وانحازت دائما إلى صفوف أبناء الشعب المصرى، وأن القوات المسلحة تحملت الكثير من الأعباء والمشكلات خلال المرحلة الانتقالية التى استمرت لمدة 18 شهرا كاملة، سخر الجيش خلالها جميع إمكاناته من أجل خدمة البلاد وخلق مناخ الاستقرار.
***
أحدث تصريح المصدر العسكرى، الذى نشره العديد من الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، ردود فعل اتسمت بالقلق لدى مؤسسة الرئاسة، التى شعرت بخطورة الأمر، فاضطرت إلى الخروج من دائرة التجاهل التى تميزت بها مع إطلاق الشائعة خلال الـ48 ساعة التى سبقت تصريح المصدر العسكرى، واضطرت لإصدار بيان على لسان مصادر فى الرئاسة نفت الخبر وأكدت أنه لا توجد أى نية لدى الرئاسة لإقالة الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وراحت تشيد بأدائه وتؤكد أنه يعمل بتناغم مع الحكومة، وأن هذا الخبر يأتى كمحاولة لضرب الاستقرار الداخلى لمصر فى الوقت الذى ترعى فيه القاهرة مباحثات لحل الأزمة السورية وتتخذ موقفا مناهضا لنظام الأسد، الحليف الاستراتيجى لموسكو.
لاحظ معى هنا أن الرئاسة اعتبرت أن الخبر وراءه مؤامرة روسية ودولية كبرى هدفها الانتقام من الرئيس لأنه يناهض نظام الأسد.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل راحت مؤسسة الرئاسة توجه الاتهامات أيضاً إلى العديد من القوى السياسية التى طلبت من الجيش الخروج على الشرعية القائمة خلال الفترة الماضية، وأن قياداته كانت محل انتقاد من تلك القوى لرفضها الخروج عن الشرعية!!
وهذه أيضاً أكذوبة لأن الشائعة التى أطلقت وسرت بهذه السرعة كان وراءها جهاز منظم، وكانت تعنى أكثر من رسالة، كما أن أيا من القوى السياسية لم تطلب من الجيش الخروج على الشرعية.
- أين الحقيقة؟
منذ اختيار الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزيرا للدفاع فى 12 أغسطس الماضى كان الرجل واضحا ومحدداً، لا علاقة للجيش بأى أحزاب أو تيارات سياسية، ولن يسمح بالتدخل لأحد فى شئونه، وأكد أكثر من مرة على ذلك غير أن هناك مستجدات دفعت لإطلاق هذه الشائعة المتعمدة التى كان يمكن لها أن تتحول إلى حقيقة لولا ردود الفعل القوية التى عبر عنها رجال القوات المسلحة.
أولاً: لقد تسربت هذه الشائعة بعد معلومات ترددت عن مضمون الخطاب الذى ألقاه الفريق أول عبدالفتاح السيسى خلال لقائه مع القادة والضباط بمقر نادى الجلاء يوم 14 فبراير الماضى، التى أكد فيها أنه لن يسمح أبداً «بأخونة الجيش المصرى» وسيقطع أى ذراع تمتد لمحاولة النيل من هذا الجيش أو اختراقه، وقال إن جيش مصر سيبقى فقط منحازاً للشعب المصرى، وإن الجيش لن يسمح أبداً بسقوط الدولة وسيتصدى لمحاولات تفتيتها، وإنه وإن كان يقف على مسافة واحدة من الجميع، وليس طرفاً فى الصراعات الراهنة، فإنه يراقب الموقف ويتابعه ولن يسمح أبداً بانهيار الاستقرار وسقوط الدولة.
«السيسى» رفض «أخونة» الجيش وهدد بمعاقبة كل من يتدخل فى شئونه
لقد أشار «السيسى» فى هذا اللقاء إلى أن القوات المسلحة لديها معلومات مؤكدة عن مؤامرة تستهدف القوات المسلحة، وأنه سوف يتصدى لأى محاولة لتفتيت الجيش أو إشغاله بعيداً عن رسالته الوطنية.
ثانياً: لقد سبق أن أبدى الجيش قلقه من التصريحات التى أدلى بها الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد خلال مشاركته فى أعمال القمة الإسلامية فى القاهرة، التى تحدث فيها عن أن إيران قادرة على حماية مصر، وإنها ستحميها من أى مخاطر تتعرض لها، وقد أبلغ وزير الدفاع رئيس الجمهورية فى هذا الوقت رفض الجيش لهذه التصريحات التى اعتبرها إهانة وتشكيكا فى قوة الجيش المصرى، وقدرته على التصدى لأى تهديدات تستهدف أمن البلاد واستقرارها، وأن القوات المسلحة تثق فى إمكانياتها جيداً وتعى حجم التحديات والمخاطر التى تواجهها البلاد، وهى ليست فى حاجة لاتفاقات تعاون عسكرى مع أى قوى أخرى.
ووفقاً لمصادر عليا فإن الفريق أول عبدالفتاح السيسى طلب من الرئاسة إعلان موقفها تجاه ما يتردد عن وجود نوايا لتوقيع اتفاق تحالف عسكرى استراتيجى بين مصر وإيران خلال الفترة القادمة، مؤكداً أن الجيش لن يقبل بأى اتفاقات عسكرية من شأنها أن تجر على البلاد أزمات ومخاطر عديدة، كما أنها لن تسمح بأى محاولات للاختراق داخل صفوفها.
ثالثاً: رفض الجيش المصرى أى محاولات تستهدف إقامة ميليشيات أو كيانات عسكرية أو شبه عسكرية للقيام بمهام محددة على الأراضى المصرية، حيث إن ذلك يمكن أن يقود البلاد إلى «حرب أهلية»، وأن الجيش لن يسمح أبداً بانهيار الأجهزة الأمنية القائمة لحسابات كيانات أخرى بديلة تغير من هوية الدولة المصرية، كما أنه أبدى قلقه من المعلومات التى ترددت عن تعاون مع قادة الجيش الثورى الإيرانى، لاستنساخ الفكرة فى مصر تحت أى صفة أو أى عنوان.
رابعاً: قيام الجيش مؤخراً بتدمير بعض الأنفاق مع غزة وتصميمه على القيام بهذه المهمة حماية للأمن القومى، رغم الاعتراضات والتحذيرات التى طلبت من الجيش الانتظار لأكثر من مرة، وهو أمر بالقطع كان من أسباب الخلاف، خاصة أن الجيش يمتلك معلومات تقول إن هذه الأنفاق يجرى حالياً استخدامها فى تهريب سلع ومواد استراتيجية من بينها المواد البترولية لحساب بعض العناصر النافذة فى الداخل والخارج، وإنه لم يعد هناك مبرر لاستمرار هذه الأنفاق مع وجود المعابر المفتوحة بشكل مستمر، خاصة بعد توقيع اتفاق الهدنة بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية برعاية مصرية فى 21/12/2011 والذى ينص فى بنده الثالث على «فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان أو استهدافهم فى المناطق الحدودية، والتعامل مع إجراءات تنفيذ ذلك بعد 24 ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ».
خامساً: استمرار الأزمة بين الجيش ومؤسسة الرئاسة، حيث تصر مؤسسة الرئاسة حتى الآن على عدم الكشف عن تفاصيل التحقيقات التى جرت فى جريمة الاعتداء واستشهاد 16 جندياً مصرياً فى رفح فى شهر أغسطس الماضى، برغم وجود أسباب أمنية تحول دون الكشف عن أسماء المتورطين وأهدافهم، وهو أمر أثار ولا يزال يثير غضبة الجيش والرأى العام.
عنان
سادساً: إصرار قادة القوات المسلحة على رفض استخدام القوة ضد المتظاهرين أو التورط فى قيام الجيش بعمليات عسكرية من شأنها أن تجر البلاد إلى مشاكل عديدة، ولذلك جرى الإعلان بوضوح وصراحة خلال لقاء الرئيس مرسى بأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 4 فبراير الماضى، حيث قام العديد من أعضاء المجلس بالانسحاب من الاجتماع اعتراضاً على سلوك النظام فى التعامل مع المتظاهرين ورفض توريط الجيش، بل إن بعض القادة رفضوا تناول الغداء مع الرئيس وقالوا: «كيف نتناول الغداء فى الوقت الذى يتلقى فيه بعض من أهلنا العزاء فى استشهاد أبنائهم فى ذات الوقت».
وقد شهد هذا اللقاء حواراً ساخناً بين الرئيس والفريق أول عبدالفتاح السيسى، الذى أكد أن الجيش غاضب من طريقة إدارة البلاد، وحذر من أن مصر تمضى نحو الفوضى، وأنه من الضرورى فتح الطريق أمام إنهاء الأزمات والمشاكل التى تهدد البلاد، كما طالب بوقف تدخل جماعة الإخوان المسلمين فى شئون الحكم، وتحدث مطولاً عن أن الجيش ليس له مطمع فى السلطة، ولكنه لن يبقى صامتاً أمام الخطر الذى يحيق بالبلاد.
وشهد الاجتماع أيضاً رفضاً واضحاً للإهانات التى سبق أن وجهها المرشد العام لجماعة الإخوان إلى رجال الجيش وقادته الحاليين والسابقين، والمطالبة بوقف مسلسل تصفية الحسابات الذى يمكن أن يؤدى بالبلاد إلى مزيد من الأزمات والمعارك.
لقد خرج الرئيس من هذا الاجتماع غاضباً بعدما استمع إليه من القائد العام وأعضاء المجلس الأعلى، وأدرك حجم الغضب الذى يعتمل فى نفوس الجميع من جراء ما تشهده البلاد وأيضاً إحباط دعوة الجيش لحوار بين القوى السياسية المختلفة وتراجع الرئيس عن قراره الذى أبلغه لوزير الدفاع بموافقته على الحوار، ثم رفضه بعد أن طلبت جماعة الإخوان منه ذلك.
أمام كل هذه الأسباب وغيرها، بدا واضحاً أن هناك حالة من عدم الارتياح لمواقف الجيش وقائده العام، فجماعة الإخوان وممثلوها فى السلطة ترى أن قادة الجيش يجب أن يلتزموا مبدأ السمع والطاعة للقائد الأعلى للقوات المسلحة «رئيس الجمهورية»، غير أن الجيش بعث برسالة تقول إنه لا يزال هو القوة الصلبة التى تقف أمام مخطط الأخونة والدولة الموازية.
رسالة رئيس الأركان لمن يعنيهم الأمر «إذا احتاجنا الشعب سيجدنا معه بعد ثانية»!!
مستقبل الأزمة
يدرك قادة القوات المسلحة جيداً أن هناك مخططا يستهدف إجراء تغييرات جذرية فى جميع قيادات مؤسسات الدولة، خاصة المؤسسات الحيوية والاستراتيجية، وأن لدى الرئيس «شهوة» للتغيير المستمر والإطاحة بالقيادات دون أسباب موضوعية وهو أمر امتد حتى لأقرب مستشاريه.
ويعرف قادة الجيش أن إقالة اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية، رغم الجهد الخارق الذى كان يقوم به وإقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، لرفضه أن يكون مجرد أداة تنفذ ما يملى عليها، وكذلك الإطاحة بالمشير والفريق عنان بطريقة مهينة، كل ذلك أدى إلى وجود أزمة ثقة بعد أن فتح الطريق واسعاً أمام توقع صدور قرارات فجائية وغير محسوبة العواقب من رئيس الدولة، ولذلك تم التعامل مع هذه الشائعة «المسربة» بشكل جاد وفاعل، خاصة بعد أن وصلت إلى جهاز المخابرات معلومات تفيد بهوية من قام بتسريبها.
لقد أدلى رئيس الأركان الفريق صدقى صبحى بتصريحات غاية فى الأهمية إلى قناة العربية وإلى قناة سكاى نيوز، على هامش زيارته إلى دولة الإمارات العربية، وقد توقف المراقبون أمام تصريحه المهم لقناة «سكاى نيوز» والذى قال فيه: «إن القوات المسلحة وقفت بجانب الشعب منذ قديم الأزل، وإنها لا تنتمى لأى فصيل من الفصائل ولا تمارس السياسة حالياً، ولكن عينها دائماً على ما يدور فى الدولة، وإذا احتاجها الشعب المصرى ستكون فى أقل من «الثانية» فى الشارع».
هكذا أعطى رئيس الأركان إشارة جديدة لمن يعنيهم الأمر، فالقوات المسلحة لن تكون أبداً إلا فى صف الشعب، وأن الشعب إذا احتاجها سيجدها فى أقل من الثانية إلى جواره!!
صحيح أن الجيش المصرى لا يسعى إلى انقلاب، وهو ليس طامعاً فى السلطة، ولكن عندما يتعرض أمن البلاد للخطر، وعندما تسعى قوى بعينها إلى تغيير هوية الدولة وضرب مؤسساتها لحسابات أخرى بعيدة، ساعتها لا أحد يستطيع أن يقول إن الجيش يجب أن يظل بعيداً عن السياسة، القضية هنا تتعلق بالأمن القومى للبلاد أكثر من كونها لعبة سياسية يريد الجيش أن يقفز عليها.
لقد تعرض الجيش المصرى طيلة الثمانية عشر شهراً التى تسلم فيها السلطة من الرئيس السابق حسنى مبارك، إلى حملة منظمة استهدفت الإساءة إلى دوره وإلى قياداته الوطنية التى تحملت كما قال الفريق أول عبدالفتاح السيسى ما تنوء عن حمله الجبال، لم تتورط فى سفك الدماء، ولم تسع إلى استخدام العنف، كانت هى عنوان انتصار الثورة وتنحية الرئيس السابق، ومع ذلك ظلت وفية لعهدها وسلمت السلطة التشريعية والرقابية إلى البرلمان فى 23 يناير من العام الماضى، ثم سلمت السلطة التنفيذية إلى رئيس الجمهورية المنتخب فى 30 يونيو الماضى.
كانت السلطة بيد المجلس الأعلى، وكان يمكن استغلال الأزمة التى تعيشها البلاد وخلق المبررات التى تدفع إلى إطالة الفترة الانتقالية أو الترشح لمنصب الرئيس، إلا أن الجيش كان وفياً فى عهده، فقد تحمل كل الرذالات والإهانات، وكان يعرف من يقف خلفها ومن يحركها، ومع ذلك كان هو الأوفى لعهده والأصدق فى وعده.
إن محاولة العبث والسعى للتدخل فى شئون الجيش، وإطلاق الإهانات والشائعات، هى أمور كلها من شأنها أن تحدث قلاقل داخل المؤسسة العسكرية ولدى الرأى العام، فالمؤسسة العسكرية هى الحصن الأخير والجدار الأقوى فى الدفاع عن الدولة وضمان عدم سقوطها، ومحاولة اللعب بالنار معها، لن تحرق إلا من يحاولون تفكيكها أو السيطرة عليها.
الجيش يدرك تماماً أبعاد المخطط، وهو وجه أكثر من تحذير وبعث بأكثر من رسالة، لصناع القرار وامتدادهم فى المقطم، وللشعب المصرى العظيم الذى لم يفقد أبداً الثقة فى أبنائه الشرفاء والمخلصين الذين كانوا له سنداً فى كل الأزمات والمواقف.