خالف رأى الوهابية وأباح الغناء والخروج على الحاكم والصلاة فى المساجد ذات الأضرحة فشتمه شيخهم وقال إنه «منحرف العقيدة»
كان يصنع التماثيل ويحب الشعر ويكتبه ويعتبر أن طه حسين وأحمد شوقى وحافظ إبراهيم والباوردى بعثوا اللغة العربية
فى عباءته الواسعة اجتمعت مصر كلها، وعلى مائدته القرآنية الممتدة لسنوات طويلة تربت أجيال وتعلمت وفهمت وعرفت وضحكت وبكت، كان الجميع ينظرون إليه بإجلال ومهابة كأنه عبد ربانى ينتمى إلى ذلك الكيان النورانى المتعالى، فى تقاسيم وجهه راحة وبشاشة، وفى روحه المصرية العميقة إيمان دائم ومحبة مستمرة، ميز الله يوم الجمعة منذ ظهور الإسلام بصلاتها المكتوبة، ولم تكن هناك ميزة أخرى لهذا اليوم سوى حديثه الشهير، فصار ضيفا على بيوتنا وأخا كبيرا وأبا معلوما، أغلب المصريين كانوا يتعاملون معه باعتباره واحدا من العائلة، أو إن شئت الدقة فهو كبير العائلة، حينما يتكلم يستمع الجميع، وحينما يظهر يهابه الجميع، وإذا أمر أطاعه الجميع، وإذا ابتسم ضحك الجميع، وإن مرض أو تعثر تهبط القلوب من مكانها مرتجفة خائفة، فكان يوم وفاته مأتما عاما، بكاه المصريون كما يبكون كبيرهم المفقود.
أحب الله فأحبه الناس، وقد صدق فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيل، فَقَالَ: «إِنِّى أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ». فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِى فِى السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يَضَعُ لَهُ الْقَبُولَ فِى الأَرْضِ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ الأَرْضِ» وكهذا كان حب الناس للإمام موصولا بالسماء، فهو محل إجماع المحبة، وقبلة كل سائل ومسؤول، ودواء القلوب الظامئة، وحضن الأمان للأرواح المتأرجحة، وحجة اليقين للمتشككين، وبسمة الرضا إذا ما قست الدنيا وأدبرت، وفرحة الانتشاء إذا ما أقبلت وتهادت، ولما غاب الإمام عنا، صار مكانه خاليا، لا يجرؤ أحد على ملئه، ولا يتجرأ أحد الحلم باحتلاله، ولعظيم دوره وأثره فى حياتنا، كان من الطبيعى أن تتوافق الأغلبية الغالبة على اعتباره مجدد القرن الماضى، ولسان حال الإسلام فى مشارق الأرض ومغاربها.
اختبرته الدنيا فخبرها، وعاش من الأحداث والوقائع والمتغيرات ما جعله يفهم ويعى ويدرس ويتأمل، فمنذ يوم ميلاده فى العام 1911م بمحافظة الدقهلية حتى وفاته فى العام 1998 مرت مصر بأحداث كثيرة، شهد الملكية فى أوجها وعاصر ثورة مصر الكبرى على يد الزعيم سعد زغلول كما عاصر وزارة النحاس باشا وأحبه، مرورا بثورة يوليو وحكم جمال عبدالناصر ثم السادات فمبارك الذى ظل مشهد لقائه به بعد تعرضه لحادثة الاغتيال الشهيرة فى 1995 حاضرا فى ذهن الجميع.
وعن طفولته ونشأته وأهم ما تأثر به وأثر فيه يقول الإمام فى إحدى حلقات برنامج من الألف للياء مع الإعلامى طارق حبيب فيقول: نشأت فى أسرة طابعها التدين، وكان طابع والدى هو عشق العلم، ولذلك حرص على أن ينشئنى فى حضن العلم، فنشأت طفولتى مطبوعة بهذا الطابع حتى ذهبت إلى الأزهر» ويشرح الإمام كيف احتفظ ببراءته وطفولته الدائمة فيقول: لم يخرجنى الله عن براءة الطفولة وقد سدت أمامى كل المسائل التى تخرجنى من براءة الطفولة إلى شراسة المراهقة، فقد تزوجت بعد حصولى على الابتدائية، فتحصنت من عواطف المراهقة، وكنت أعمل مع والدى فى الصيف فى الغيط، فلم يتح لى التقلب بين الأصحاب، وعن هواياته ومواهبه وحبه الغريزى للفن والشعر يقول الإمام: ونشأت لى هوايات نابعة من محيط قريتى تتعلق بالفلاحة والزراعة واللعب فى النيل وفى الطين، وكانت لى موهبة كبيرة فى صناعة التماثيل التى كنت أجيدها وأتميز فيها وكانت تلك الموهبة محل إعجاب من الجميع فقد كنت أجيد عمل التماثيل من الطين للحيوانات ولأى شىء، ولكن بعد أن تميزت فى هذه الهواية انتقلت هوايتى من شىء جميل إلى شىء جميل آخر، وهو الأدب والشعر فبدأت أسمع وأحفظ لأصبح أديبا وشاعرا، وقد كان أمير الشعراء أحمد شوقى هو خميرة هذا التأهيل، ويضيف الإمام: كنت أريد أن أصبح شاعرا أو أديبا وكان انتقالى من فن صناعة التماثيل إلى فن الشعر انتقالا سلسا، وقرأت بعد ذلك أن الشعر فن والنحت فن، فعرفت أن الفطرة الموضوعة فى نفس الإنسان كلها فن جمالى وابتكارى، وأعجبت حينما سمعت القول المأثور: أساطين البيان أربعة شاعر صاغ بيته، ومصور نطق زيته، ومثال ضحك حجره، وموسيقى بكى وتره.
ولعل فى هذه السطور ما يبين موقف الإمام من الفنون القولية والتشكيلية دون الحاجة إلى أى شىء آخر، فواضح تمام الوضوح أنه رحمه الله كان يعتنى بكل أنواع الفنون ويعرف عنها الكثير من الأشياء بل يمارس بعضها، ولم يكن فى تقدم الأدب وتطوره ما يعارض الشريعة الإسلامية ويعظم دورها، ففى موضع آخر من هذه الحلقة يقول الإمام مندهشا ومستحسنا أنه تعجب من ازدهار الأدب ورجاله فى عصر ما قبل الثورة برغم أن وضع مصر السياسى كان ضعيفا، ويقول إن اللغة العربية وآدابها شهدت حراكا فكريا كبيرا وبعثت من مرقدها على يد ما أسماهم «فطاحل الأدب» وهم «حافظ إبراهيم وطه حسين والرافعى والبارودى وشوقى» وغيرهم ممن لم يسمهم، لكنه يندهش أكثر من أنه حينما مات هؤلاء لم يأت أحد ليملأ مكانهم، مرجعا سبب ذلك إلى التضييق على الحريات التى تقتل العبقريات، قائلا إن «العبقرية سيطرة مواهب لا تحب أن يتحكم فيها أقل منها» ولذلك رأى أن التضييق على الإبداع الذى بدأ مع الدولة الناصرية هو سبب اختفاء المواهب العبقرية، ويدافع الإمام عن الأدب العربى وجمالياته قائلا إنه اطلع على العديد من النماذج للأدب الأوروبى فلم يجدها بأعظم من الأدب العربى الذى يحبه ويحفظه ويفتخر به، ويروى حكاية وقعت بينه وأحد أصدقائه المتيمين بالأدب الغربى، فيقول إنه لما رأى صاحبه معجبا بشكسبير قال له قل لى أكثر أبيات شكسبير حلاوة وحكمة وسآتيك بمثلها من الأدب العربى، فصار صديقه يقول بيتا من أشعار شكسبير وهو يأتى له بمثيله من أبيات شوقى أو المتنبى أو البحترى أو أبى تمام، حتى إذا ما انتهى زميله من أبياته قال له واثقا من عظمة تراثه الأدبى وجماله إن ابتعادنا عن الأدب العربى هو الذى جعلنا ننبهر بشكسبير وأمثاله.
كانت ساحة الجامع الأزهر هى أول الأماكن الشاهدة على تألق الشعراوى وتفوقه وانشغال بالعمل السياسى والدعوى، فمن الأزهر اندلعت الحركة الوطنية ومنه قامت ثورة 1919، ومنه انطلقت المنشورات تهاجم الملك والإنجليز، ومنه بدأ الشعراوى حياته العملية، والسياسية فتعرف على الإمام حسن البنا وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين فى بداية حياته، وعن هذه الفترة يتحدث الدكتور محمود جامع فى كتابه «عرفت الشعراوى»، ويقول إنه تعرف على البنا وكان من المقربين منه، بل إنه هو صاحب صياغة أول بيان للجماعة، وقد أعجب البنا ببلاغته وأسلوبه فى الكتابة، وظلت علاقة الإمام بالإخوان قائمة حتى كتب قصيدة يمتدح فيها سعد زغلول ومصطفى النحاس باشا، فغضب حسن البنا من الشعراوى وامتد الخلاف حتى قاله له الإمام «النحاس باشا رجل طيب نقى ورع ويعرف ربنا وإننى لا أرى داعيا لأن نعاديه وهذه هى الحكمة» فقال أحد الإخوان الحاضرين : إن النحاس باشا هو عدونا الحقيقى وهو أعدى أعدائنا لأنه زعيم الأغلبية هى التى تضايقنا فى شعبيتنا أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن نبصق عليها جميعا فتنطفئ وتنتهى! وهنا شعر الشعراوى أن هذا الكلام كان جديدا ومفاجئا له ولم يكن يتوقعه بأى حال فأخذ قراره بالابتعاد عن الجماعة، وقلت لهم: سلام عليكم .. ماليش دعوة بالكلام ده، لكن برغم ذلك لم يعاد الإمام الإخوان وظل على علاقة طيبة بهم، وخاصة عمر التلمسانى الذى كان يزوه فى بيته، ومن الأقوال المشهورة للإمام هو رأيه فى جماعة الإخوان الذى تداوله الكثيرون بكثرة هذه الأيام، حيث كان يرى أن الجماعة «شجرة طيبة» مترحما على زارع هذه الشجرة ومستنكرا من «استعجل حصد ثمرتها»، لكن الغريب أن الإخوان الآن يوردون نصف مقولة الشعراوى فقط فى منشوراتهم، ويقفون عند قوله إن الجماعة «شجرة طيبة» ولا يتطرقون إلى قوله «وغفر الله لمن تعجل ثمرتها» وهو الأمر الذى يشرحه «جامع» فى كتابه فيقول إن الشعرواى كان يذكر استعجال الإخوان لجنى الثمار، مؤكدا أن «خيبة أى داعية هى أن يستعجل ثمرة دعوته وهذا لم يحدث للنبى صلى الله عليه وسلم، فكيف تستعجل أنت ثمرة دعوتك؟ وقال الشعراوى أيضا: الذى يزرع لا ينتظر الحصاد السريع إلا إذا كان ما يزرعه هو «الفجل» وعايز يأكله «ورور» بعد أسبوعين!! أما الذين يزرعون النخيل فهم لا ينتظرون أن يأكلوا هم منها، أما عن انتماء الشعراوى السياسى والحزب الذى يفضله فهو حزب الوفد، فقد كان يقول: إنه كان سياسيا وفديا، «لكن هويتى أزهرية وكنت أحترم أزهريتى بسياستى وليس العكس».
وعن سبب ترك الإمام لجماعة الإخوان قال الدكتور عبدالله عبدالعليم الصبان أستاذ الحديث وعلومه فى جامعة الأزهر فى إحدى مرات الاحتفال بذكرى الإمام إنه «تركهم بعد أن لوّنوا الدين وتركوه من أجل السياسة، بينما كان الشيخ الشعراوى يؤمن بأن الدين حياة وليس لعبة سياسية، وقد رأى أن الإخوان لجأوا إلى الألاعيب السياسية، التى رفضها الشيخ منذ البداية، مثل تشويه المسؤولين بالدولة والشخصيات العامة حتى يخيروهم ما بين الانضمام إليهم وإلى آرائهم أو يكونوا من أعدائهم، فرفض الإمام الشعراوى هذا الأسلوب وترك الجماعة، لكنه لم يحاربهم يوماً، ونشر الدين الإسلامى الوسطى الذى وصل إلى قلوب الناس وعقولهم». ولعل هذا السبب هو ما يعطينا تفسيرا لعدم انضمام الإمام إلى أى حزب سياسى، قائلا إن الانتماء إلى حزب دينى ليس من ركائز الإسلام ولا يَضير إسلامىَ شىءٌ، فإن لم أنتمِ إلى هذا الحزب؛ فأنا مسلم قبل أن أعرفكم، وأنا مسلم قبل أن تكون حزباً، وأنا مسلم بعد زوالكم، ولن يزول إسلامى بدونكم، لأننا كلنا مسلمون، وليسوا هم وحدهم من أسلموا، وقال أيضا «إننى أرفض أن أنتمى إلى حزب يستجدى عطفى مستنداً على وازعى الدينى قبل أن يخاطب عقلى، لأننى أرفض أن أستجدىَ دينى فى صندوق انتخاب، فدينى لا أستجديه من غير خالقى، ويقول: «أتمنى أن يصل الدينُ إلى أهل السياسة، ولا يصلَ أهلُ الدين إلى السياسة» فإن كنتم أهلَ دين، فلا جدارةَ لكم بالسياسة، وإن كنتم أهلَ سياسة فمن حقى أن لا أختاركم ولا جناح على دينى.
وبرغم أن الشعرواى كان مكتفيا بتفسير القرآن عن الخوض فى الفقه ومسائله لكن كان له إسهام كبير فى العديد من قضايا عصره، ومن الممكن أن نقول إنه اتبع القاعدة الاجتهادية الأولى التى تأمر باستفتاء القلب، وعلى هذا نجده يقول أنه لابد لمن يرد إليه سؤال أن ينظر إلى سائله وأن يجيبه بإجابة تتوافق مع تحقيق غاية الدين فى الأمر فقد فسر قوله تعالى «لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان» قائلا يختلف فى مفهوم المفتين باختلاف الحانث، ومثال ذلك أن خليفة فى الأندلس حلف يميناً وأراد أن يؤدى عن اليمين كفارة، فجاء إلى القاضى منذر بن سعيد وسأله عن كفارة هذه اليمين، فقال لابد أن تصوم ثلاثة أيام، وكان يجلس شخص آخر فأشار للقاضى إشارة فلم يعبأ القاضى منذر بن سعيد بتلك الإشارة، وخرج القاضى ومعه ذلك الشخص فسأل القاضى يا أبا سعيد إن فى نفسى شيئاً من فتواك، لماذا لم تقل للخليفة إن كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين؟ فقال القاضى منذر بن سعيد: أمثل أمير المؤمنين يُزجر بعتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين؟.. وهذا يعلمنا أن الكفارة فى جانب منها زجر للنفس وفى جانب آخر جبر للذنب، وكان رحمه الله دائما ما يقول «من حكمته التوسعة على العباد، إذ لو أراد الله أن تكون نصوصه على نحو واحد من الفهم لما أعجزه ذلك، وأنه ينبغى على كل طرف ألا ينكر على الآخر فى مواضع الاجتهاد». وقال «ولو أن الله يريد تلك النصوص على وجه واحد لأوضح ما أراد.. والأمر هنا أن يتفهم كل منفذ لحكم محتمل ألا يخطئ الحكم الآخر.. بل عليه أن يقول: هذا هو مقدار فهمى لحكم الله».
وعلى هذا نجد الإمام يتحدى شيوخ الوهابية الذين يقولون إن التوسل بالرسول شرك، قائلا إن الله تعالى قال «ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما» إذا التوبة والرحمانية تأتى بشروط أنهم يأتون للرسول ويستغفرون الله ويغفر لهم الله فيمنحهم الله الهبة مؤكدا أن الرسول يشعر بمن حوله وأن الميت يشعر بمن حوله، ويجوز أن نتوسل به لله، فقد قال عمر بن الخطاب كنا نتوسل برسول الله إليك يارب لتسقينا ولكن رسول الله انتقل إلى رفقتك فنتوسل إليك بعم نبيك العباس، يما يعنى أن ابن الخطاب أقر أن الصحابة كانوا يتوسلون لله بالرسول ولما مات الرسول توسلوا إليه بعمه.
وقال ردا على سؤال عن هذا الأمر لقد أمرنا أن نذهب إلى القبور ونقول السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ديار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون، ولو لم يكن لديهم سماع لكان تكليفنا بالسلام عليهم عبث، لذا علينا أن نسلم، إذا كان النبى كلم الأموات فى بدر وكانوا من الكافرين، عندما قال يا عتبة لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم، فرد عليه عمر بن الخطاب قائلا هل تكلم الموتى، فرد النبى قائلا والله ما انتم أسمع منهم لكنهم لا يتكلمون، كما أنه أكد أن الصلاة فى بيوت الله التى بها قبور صحيحة فقد سأله أحد المذيعين قائلا: لو رجل تبرع ببناء مسجد وشيد لنفسه قبرا بداخله فهل هذا جائز؟ فقال الإمام: ليس به شىء، فقبر الرسول صلى الله عليه وسلم فى المسجد وقبور الأولياء كلها فى المساجد، كما قال الله تعالى فى كتابه «قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخدن عليهم مسجدا»، فهذا أمر لم ينكره الله، كما أكد أن قراءة القرآن للميت جائزة ومقبولة بإذن الله قائلا: كل إنسان مطلوب منه مجموعة طاعات وفروض وإن زدت عن الطلب فهب لمن تشاء، ومن يقرأ لهم الفاتحة والقرآن هم بالطبع من الناس الصالحين الذين يستحقون. كما أنكر الإمام ما يقال عن عذاب فى القبر، وقال «القبر ليس فيه عذاب لأنه لا عذاب إلا بعد حساب والحساب فى الآخرة فقط، وفى القبر النفس تتجمد ويعرض عليه عذابه فى الآخرة وإن كان مؤمنا يعرض عليه الثواب، فهو عرض فقط لمنازل الآخرة إن كان شرا يعرض عليه وإن كان خيرا يعرض عليه «النار يعرضون عليها غدوا وعشيا فهنا عرض وهنا إدخال» بل قال إن الأموات يتزاورون ودلل على ذلك بقول رسول الله لسيدتنا فاطمة أنه ستكون أول من يلحق به من أهله فضحكت لأنها ستزوره، وكان الإمام يرى أنه لا يوجد مانع من الغناء فى الأفراح والأعياد أن نستأنس بالغناء وكذلك فى الأعمال الشاقة التى يقومون فيها بعمل نشيد والنشيد فى حالات الحرب من إلهاب الحماس، قائلا إن العبرة ليست بالغناء فى حد ذاته وإنما فى إثارة الشهوات «الغناء مش بس هو اللى وحش، النص من غير غناء لو أثار غريزة يصبح حراما، النص إن هاج وأخرج عن الوقار يصبح حراما، ولو استخدم مع النص أداء مهيج يكون محرما مرتين».
ولأنه رحمه الله كان يعلم أن واجب العالم الإمام أن يجمع حوله الأمة كلها كان كثيرا ما يقابل البابا شنودة ويتحدث معه ويحاوره ويمزح معه، وكان له رأى لافت للنظر فى مسألة الخروج على الحاكم فكان يقول إن طاعة أولى الأمر من باطن طاعة الله ورسوله فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، فإن عصى الحاكم الله فلا طاعة له، وكان للإمام رأى مخالف أيضا لما ذهب إليه الوهابيون فى مسألة أن أبوى الرسول فى النار، فأكد خطأ هذا الحديث قائلا إن الرسول قال إنه خيار من خيار، وفسر قصة سيدنا إبراهيم وأبيه قائلا إن الموجود فى القصة ليس أباه وإنما عمه، لأن أبا إبراهيم هو جد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن غير المعقول أن يكون للرسول جد فى النار والقائل إنه خيار من خيار، وبرغم أن الإمام كان دائم الاحترام لكل شيوخ الإسلام ومذاهبهم لكن هذا لم يمنع أحد أكبر شيوخ الوهابية من التجرؤ عليه قائلا إنه منحرف عن العقيدة «الشعرواى» ما يدل على وجود نية مؤكدة من أجل النيل من القامات الإسلامية المصرية وانتهاك لحرمة العلم وعلمائه الأبرار.