أثارت فضائية الجزيرة القطرية منذ ظهورها عام 1996 تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة حول توجهها وأهدافها والأجندة التى تتبناها وتحاول الترويج لها فى البلاد العربية، وتزايدت التساؤلات وعلامات الاستفهام عقب ثورات الربيع العربى، خاصة أنها تبنت خطاً سياسياً منحازاً لتنظيم الإخوان والترويج لأجندته على حساب باقى القوى السياسية، وتواكب هذا الانحياز مع بروز حالة من التحالف المعلن بين التنظيم الإخوانى الذى يحكم مصر حالياً، وأمير قطر صاحب قناة الجزيرة.
وقال عبدالجليل الشرنوبى، مدير تحرير موقع «إخوان أون لاين» السابق، إن «الجزيرة» تُعد لغزاً، وإن هناك تساؤلات عن العلاقة التى تربط بين الفضائية القطرية والتنظيم الدولى للإخوان، ويقول الشرنوبى إنه حينما سافر قطر عام 2008 اكتشف أنها تفتح كل إمكانياتها لدعم حركات الإسلام السياسى.
وأكد الكاتب الصحفى صلاح عيسى أن الأسرة الحاكمة فى «إمارة قطر» تنفق ببذخ على الجزيرة وبرامجها الموجهة لخدمة أجندتها وأهدافها السياسية، ونجحت فى تنفيذ أهدافها فى مصر والمساهمة فى إسقاط نظام حسنى مبارك ليس انتصاراً للثورة، لكن باعتبار «مبارك» عدوها وخصمها السياسى فى المنطقة، ويوضح «عيسى» أن الفضائية القطرية كانت تعمل دائماً منذ نشأتها فى تسعينات القرن الماضى لتنفيذ أجندتها فى الدول العربية بصفة عامة وفى مصر على وجه الخصوص، سواء قبل ثورة يناير أو بعدها. وكانت صاحبة أجندة فى مصر، سواء قبل الثورة أو بعدها، تعمل على تنفيذها طوال الوقت، مشيراً إلى أنها انحازت بشكل سافر للإخوان بعد وصولهم للحكم فى مصر، وهو ما يظهر بوضوح فى تغطيتها للأحداث والأخبار الخاصة بمصر، حيث تفتقد تغطيتها للمهنية والحيادية، ويمكن بوضوح ملاحظة أن السياسة الإعلامية للقناة تعمل على التخديم على السياسات التى تتبناها الأسرة الحاكمة فى الدوحة، والتى تتوافق أيضاً مع كل ما يخدم العلاقات بين قطر وأمريكا والسياسات التى تسعيان لتطبيقها فى الدول العربية، الأمر الذى أدى لفقدانها نسبة كبيرة من المشاهدين فى مصر والدول العربية.
وأشار «عيسى» إلى أننا فى مصر أصبح لدينا فضائيات خاصة قوية تنافس الجزيرة، ونجح الإعلام المصرى الخاص فى جذب قطاع كبير من مشاهدى الجزيرة، وأصبحت نسبة المشاهدة لهذه الفضائيات مرتفعة جداً بالمقارنة بما كانت تمثله الفضائية القطرية منذ سنوات على الساحة المصرية. ويختتم «عيسى» تصريحاته بالإعلان عن الرفض القاطع لأى إجراءات استثنائية ضد الإعلام بصفة عامة والجزيرة على وجه الخصوص، وشدد على أن المبدأ لا يتجزأ وأنه يرفض أى إجراءات استثنائية ضد القناة القطرية، ويترك الحكم والقرار النهائى للمشاهد.
واتفق الكاتب الصحفى والقيادى الناصرى عبدالله السناوى مع «عيسى» فيما قاله، وأضاف: «الجزيرة بدأت كتجربة ناجحة فى التسعينات، وكان لها الفضل فى توسيع هامش النقد السياسى ضد الحكام والأنظمة العربية، إلا أنها تراجعت بعد ذلك، بعد أن هيمن عليها تيار سياسى بعينه هو التيار الإسلامى، وتبنت سياسات مهنية منحازة وغير محايدة، وهو ما أدى إلى هجرة كثير من الكفاءات من القناة بعد أن فقدت المصداقية فى البلاد العربية وخاصة مصر، وفقدت الجزيرة تفردها وتميزها الذى كانت تتفاخر به، وتورطت فى الصراعات السياسية العربية، وأصبحت القناة ضعيفة وانصرف المشاهدون عنها، ويمكن تشبيهها فى الوقت الحالى بقناة (مصر 25) الإخوانية، بل إن (مصر 25) تتفوق عليها أحياناً»، وأوضح «السناوى» أن أكبر دليل على انحياز الجزيرة وفقدانها الحياد والمهنية هو أن عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، قال إن من يريد أن يعرف الحقيقة عليه متابعة «الجزيرة»، وهو ما أدى لمقاطعة القناة من جانب قطاع كبير من المصريين.
وقال الكاتب الصحفى مصطفى بكرى، عضو مجلس الشعب السابق: «هناك مخطط لـ«الجزيرة» يهدف إلى التمهيد لتفكيك الأمة العربية وإثارة النعرات العرقية والطائفية، من خلال البرامج التى ركزت على الأقليات والحض على الفتنة والدخول بالحوار الإعلامى لمنطقة الفتنة، فكنا نظن أن ذلك سعى للإثارة الصحفية والتليفزيونية، لكن اتضح لنا بعد ذلك بأنها مرتبطة بمخطط الفوضى الخلاقة فى منطقة الشرق الأوسط الذى تحدث عنه الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش عام 2003».
وأضاف «بكرى» أنه «حينما بدأت رياح التغيير تهب على العالم العربى بداية من تونس ومصر ثم ليبيا وغيرها من الدول العربية لعبت القناة دوراً كبيراً فى الإثارة والتحريض على الفتنه ودفع الأمور لمزيد من الاحتقان، والبعض ظن فى بداية الأمر أنها رسالة لحماية الثورة المصرية والتونسية والتبشير برياح التغيير، إلا أنها تخلت عن مبادئها المهنية التى زعمت أنها تتمسك بها لهدم الأوضاع فى البلدان العربية».
وتابع: «رأينا الحروب التى شنتها على المؤسسة العسكرية وجهاز الشرطة ومؤسسة القضاء، وهى بذلك كانت منحازة لجماعة الإخوان، وتستضيف عناصر بعينها وتتجاهل أخرى لتوجيه مسارات الحوارات كما تريد باتجاه ما يؤثر على كيان الدولة، وهو ما حدث مع تونس وليبيا واليمن ويحدث الآن مع سوريا».
واتهم «بكرى» القناة القطرية بأداء دور كبير فى تأجيج الفتنه فى الوطن العربى، وقال إن الولايات المتحدة الأمريكية حينما بددت مليارات الدولارات لتقسيم العراق فشلت، ثم اتجهت للإعلام فكان له تأثير أكبر من الدبابة حينما يختلط بالعمل السياسى ويثير الفتن. وكشف عن جلوس تسيبى ليفنى، وزيرة الخارجية الإسرائيلية، مع فريق عمل الجزيرة فى قطر لمدة 3 ساعات لتعلمهم أصول المهنية، حسب قوله، مؤكداً أن القناة أبعدت الإعلامى غسان بن جدو، بتعليمات من إسرائيل بعد استضافته سمير القنطار الذى سُجن بإسرائيل، ووصفه له بأنه بطل قومى، إضافة إلى استقالة عدد كبير من الإعلاميين اللامعين ومنهم إيمان بنورة.
وقال: «عزاؤنا الوحيد أن المصريين أصبحوا يمقتون هذه القناة بعدما اتضح لهم أنها تثير الغثيان وتحرق الدماء بتحريضها على الفتنة فى مصر والدول العربية، فهى أصبحت الآن صوتاً للإخوان يستخدمونها للترويج لهم خاصة عبر خدمة الرسائل القصيرة التى تدعى فيها تأييد المصريين للرئيس محمد مرسى، وبسبب عدم حياديتها طرد الثوار مراسليها من ميدان التحرير». وطرح «بكرى» تساؤلاً: «ماذا لو طلبت مصر عمل قناة متخصصة فى الشأن القطرى فى الدوحة لتعادى النظام وتثير الفتنة، هل كانت ستوافق؟»، محمّلاً الحكومة المسئولية فى ترك تلك القنوات دون رقابة حقيقية عليها.
وقال الكاتب الصحفى محمود نفادى، رئيس حركة «صحفيون ضد الإخوان»، إن «الحركة رصدت ما تقدمه الجزيرة من دعم للإخوان والعلاقات المصرية القطرية، قبل ثورة يناير وحتى الآن»، موضحاً أن «الجزيرة أجرت 614 مقابلة تليفزيونية ومداخلة قبل الثورة كان هدفها التمهيد لإسقاط النظام، ويضيف: «بعد الثورة تطور الأمر إلى تشويه المجلس العسكرى، وتبعه تشويه كل مرشحى الرئاسة السابقين عن التيار الليبرالى».
وحمّل نفادى «الجزيرة» المسئولية فى تكريس حالة الاحتقان التى يشهدها المجتمع المصرى، خاصة بعد محاولاتها الدائمة لتشويه المعارضة، ومنعها ظهور بعض الشخصيات السياسية البارزة بجبهة الإنقاذ الوطنى، وتساءل: «إذا كانت لجنة الثقافة والإعلام بالشورى ستفتح ملف الفضائيات الخاصة والمحتوى الذى تقدمه، فهل تُرى ستدخل قناة الجزيرة القطرية ضمن هذا التقييم؟». كما أشار «نفادى» إلى أن «خيرت الشاطر، نائب مرشد الإخوان، ساهم من خلال مواقعه الإلكترونية فى تشويه المعارضين لحكم الإخوان».
وقال الدكتور عبدالرحيم على، مدير المركز العربى للدراسات والبحوث: إن «الجزيرة انطلقت كقناة إخبارية، وبدأ فى اللحظة الأولى من انطلاق بثها الحديث عن تمويلها وذلك أواخر العام 1996، حتى دخل المستثمر الإسرائيلى ديفيد كمحى، وهو يهودى من أصل عراقى، وفتح مكتباً فى تل أبيب لخدمة المصالح التجارية المتبادلة».
وأضاف «على»: «دولة قطر هى الممول الرئيسى لقناة الجزيرة، ونجاح هذه القناة جاء بدعم مباشر من إسرائيل والمخابرات المركزية الأمريكية وإلا ما كانت نجحت فى تغطية الأحداث داخل إسرائيل، وهى دوماً تغض الطرف عن القاعدة الأمريكية فى قطر، التى تُعتبر أكبر قاعدة أمريكية فى الشرق الأوسط».
وتابع: «الآن، تخاطب الجزيرة الشارع العربى بلغة مفتوحة وموضوعات يريدها ويحب سماعها، ولكنها تضع بينها ما تريد».
وأوضح «عبدالرحيم» أن قناة الجزيرة تستغل مبدأ الرأى والرأى الآخر لضرب العناصر المشتركة بين الشعوب العربية والإسلامية كنوع من إبراز لنظرية التجزئة، مشيراً إلى استقالة وضّاح خنفر، مدير القناة لثمانى سنوات، وكذلك استقالة فيصل القاسم وغسان بن جدو وسامى كليب ومن قبلهم يسرى فودة، فضلاً عن وثائق كشفت عن تعاون وتنسيق دوريين بين وكالة الاستخبارات الأمريكية والقناة.
وقالت الدكتورة ليلى عبدالمجيد، عميد إعلام القاهرة الأسبق، إن الجزيرة تحاول تنفيذ أجندتها من خلال الإعلام وخدمة مصالح بلدها. مؤكدة أن «تمويل الجزيرة مرتبط بالأجندة والمصالح وعلاقات وزير الخارجية القطرى بالقناة والمسئولين الإسرائيليين، واقتحام مقر القناة بالقاهرة يدل على حجم الغضب الشعبى من ممارسات القناة»، وتكمل: «الجميع تيقّن من دور القناة فى تعزيز دولة قطر إقليمياً ودولياً، ومحاولة احتلال مكان أكبر من حجمها كدولة صغيرة».
وأكدت أن قناة «الجزيرة مباشر مصر» لا تحظى بنسب مشاهدة عالية، نظراً لطريقتها فى معالجة الأخبار وأنها أصبحت ضد مطالب المتظاهرين فى مختلف الميادين، وحتى على المستوى التقنى لم تصل لمستوى المهنية والاحتراف فى مقابل القنوات المصرية».