«الإعلام» وسيلة يستقى منها الجمهور معرفته بالأخبار وتطور الأحداث المحيطة به، وبات المواطن يعتمد عليها كلياً وجزئياً فى تكوين خريطته المعرفية وخلفياته عما يدور حوله من جديد. «القنوات الفضائية» الأداة الأكثر قرباً وتأثيراً فى الرأى العام، فصناعة الإعلام المنتشرة حول العالم إحدى أدوات الأنظمة السياسية فى تنفيذ أجنداتها داخلياً وخارجياً، فى إطارها تلتزم المؤسسات الإعلامية والعاملين بالإعلام بتطبيق مبادئ العمل الإعلامى المتعارف عليها، لضمان إنتاج مادة إعلامية مثالية متطابقة مع أهداف الرسالة الإعلامية المطلوب إيصالها.
ومن أهم قواعد عمل الإعلام الدقة والمصداقية، فالمؤسسة الإعلامية ملتزمة بانتقاء الألفاظ والمصطلحات والتعبيرات الدقيقة المطابقة للحقيقة أثناء تغطيتها ووصف الأحداث الإخبارية، فضلاً عن عدم تجريد الأنباء والمعلومات من مصادرها ونسبها إلى المصدر الحقيقى لها، فالإعلام الصادق هو الملتزم بالحياد والشفافية وتطبيق المساواة فى التغطية الإخبارية، حسبما تنص القواعد الدولية لعمل الإعلام، ولا بد من التزام المحطة أو القناة بضمان العدالة فى التغطية الخبرية أو اللقاءات الحوارية بين الضيوف المنتمين لاتجاهات فكرية وسياسية مختلفة وموضوعات البث، وأيضاً الدول التى يجرى الرصد والبث على أرضها، بالنسبة للإعلام عابر القارات.
عدلى رضا: غير موضوعية ومنحازة لخدمة مصالحها وتكسر مبدأ الحفاظ على المشاعر الإنسانية لجذب المشاهدين
وتقنين العلاقة بالمصادر وعدم قبول الهدايا أو إقامة العلاقات الشخصية معهم إلا بمعرفة المؤسسة الإعلامية، أحد المبائ التى تحدد علاقة العاملين بإعلام الفضائيات بمصادرهم التى تمدهم بالمعلومات، ويُفترض فى المادة الإعلامية التى تذيعها القناة التوازن والتكامل، بما لا يخل بمضمون الخبر أو الحدث أو انتقاص جزء منه، فالعمل الإعلامى لصيق الصلة بالإنسان والأحداث فى الشارع، ما يستوجب مراعاة الشق الإنسانى فى التغطية ونشر الصور والفيديوهات المؤثرة والمثيرة للمشاعر، لتجنب تهييج الرأى العام بشأن قضية أو حدث معين، ويكون العاملون بالقناة الفضائية أو الوسيلة الإعلامية مطالبين بالكشف عن هوية الجهة التابعين لها وهويتهم الشخصية، مع الالتزام بالحصول على موافقة صريحة مسبقة بالتسجيل والبث سواء مسجلة أو مكتوبة، ويستوجب على الوسيلة الإعلامية تجنب نشر وإذاعة الألفاظ والعبارات الخادشة للحياء والذوق العام، وفقاً لمبادئ العمل الإعلامى.
وبتطبيق هذه المبادئ على عمل «قناة الجزيرة»، إحدى الفضائيات ذات الصيت العربى والإقليمى المنتشر، أجمع خبراء ومتخصصون إعلاميون على وجوب التحلى بمبادئ العمل الإعلامى العامة، فيما يتعلق بالقنوات التى تصل مشاهدتها عبر الدول والقارات وعلى رأسها «الجزيرة»، مؤكدين أن حدوث خلل يعرّض مضمون البث الإعلامى إلى إصابته بعيب ما.
الدكتور سامى الشريف -رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق- يتحدث عن الجزيرة بأنها أول قناة إخبارية عربية تلتزم بالجانب المهنى، موضحاً أن ما يساعدها على الظهور الإمكانيات المادية والبشرية الغزيرة من مراسلين ومعدات وكاميرات ومقرات فى كل البقاع الملتهبة بالأحداث، ويقيّم «الشريف» قناة الجزيرة موضوعياً بأنها تمتلك سياسة تحريرية تخدم مصالح النظام الحاكم فى قطر، يقول «الشريف»: «هى بتكون ورا الحقيقة بما يخدم مصالحها فقط، وده بيتعارض تماماً مع مبدأ الشفافية والحياد».
ويرى الشريف أن الجزيرة ليست دقيقة أو شفافة فى تغطيتها للأحداث، بدليل عدم تطرقها نهائياً لما يحدث على الأراضى القطرية، «يعنى مش أولى إنها تغطى أخبار بلدها وبعدين تشوف الجيران»، مدللاً على عدم الدقة بأنها تنتقد أنظمة الحكم بشكل مطلق ولم تتطرق لعيوب النظام القطرى أو سياسة الحاكم القطرى فى أى لون من ألوان تغطيتها «بتتسبب فى حدوث أزمات عربية كتير».
ويتذكر الدكتور الشريف واقعة طرد طواقم الجزيرة من الرباط وعمان والرياض نتيجة تطاول القناة على الأوضاع السياسية فى هذه الدول بشكل مغاير للحقيقة فى أحيان كثيرة، حسب قوله.
ويضيف «الشريف» أن الجزيرة تربطها علاقات جيدة بجماعة الإخوان ونظام الحكم الإسلامى فى مصر، لذلك أنشأت الجزيرة قناة خاصة بمصر «الجزيرة مباشر مصر»، مؤكداً أنها حشدت كل إمكاناتها وخبراتها لإنجاح الثورة فى بدايتها كرهاً فى النظام السابق، ولأنها مرتبطة بمصالح واسعة مع النظام الحالى. وحسب الشريف، فإن قادتها لهم علاقات وطيدة برجال ومسئولين بالنظام القطرى، من الناحية المهنية، ويقول أستاذ الإعلام إن ألفاظ العاملين بالقناة القطرية منتقاة وكلها تصب فى تأييد الرئيس مرسى: «كل الأحداث المؤيدة للجماعة والرئيس تغطيتها بتكون كويسة أما الجهات المضادة فلا تلقى نفس الاهتمام».
المذيعون ومقدمو البرامج بعيدون عن العدالة فى فرص الحوار أثناء اللقاءات، هكذا يذهب «الشريف» فى تحليله، ويوضح أن المذيعين مهاريون يجيدون الدفاع وتوجيه الحوار لمصلحة الإخوان باحترافية، ويذهب الشريف إلى أن قنوات الجزيرة لا يظهر تحيزها لفصيل معين ومؤيديه، فاختيارها مصادر بعينهم دون آخرين يكون بشكل واضح، بغرض التجنيب لأبناء النظام الحاكم.
يقول الشريف إن التحيز جلى فى الأخبار ولا حياد على الإطلاق، أما مبدأ تصحيح الخطأ فور اكتشافه، فيقول إنه غير متّبع إلا فى الإعلام الذى يتحرى المصداقية وبالتالى الجزيرة بعيدة عن ذلك تماماً. وإخبارياً يراها الشريف عادلة وسباقة على غيرها إلى حد كبير، لكن اللقاءات والمادة الحوارية تخضع لسياسة المؤسسة والنظام القطرى المتعلق بأجندتها محل التنفيذ.
«المهنية أحياناً كثيرة تتغلب على الإنسانية فى الجزيرة»، هكذا يتحدث الخبير الإعلامى عن بث الصور والفيديوهات «السبق الإعلامى والتميز يخليها أحياناً تتغاضى عن الجانب الإنسانى وتهتم بالمهنة أكتر، وده فيه خلاف من الأساس»، ويضيف أن القناة تعتمد فى تغطيتها الميدانية على الإبهام وانتقاء المصادر «بتعرف ضيوفها كويس ويعتمدوا على الإبهام كتير جداً».
«باستغرب أن تأتى قناة من بلد إلى آخر لتنزل وتغطى أخباره»، يسجل الدكتور عدلى رضا، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، رأيه فى وجود قناة قطرية الجنسية على أرض مصرية وبتوغل، يقول «رضا» إن الجزيرة تعمل باحترافية فى بعض الأحيان، لكنها متحيزة فى كثير من الوقت، وتحاول إبراز جانب من الحقيقة وتخفى الآخر.. «لها دوافع خاصة وغير موضوعية فى شغلها 100%».
أستاذ الإعلام يصف الجزيرة بأنها تبدى ظاهرياً الحيدة والديمقراطية والارتكان إلى الرأى والرأى الآخر، رغم أنها مغلفة بدوافع سياسية تهدف لتحقيقها، «بيقولوا إنها بتهدف لخدمة مصر والحقيقة لا تخدم مصر بقدر حرصها على أغراضها الخاصة»، ويستنكر عدلى أداء القناة الفضائية القطرية لجذب اهتمام وحب الجمهور المصرى، مفسراً: «بتلعب بأوتار عاطفية مع الجمهور من أجل تمرير أجندتها وتوجهاتها»، مؤكداً أن بعضها خفى لا يظهر فى الأداء العام لكنه متوافر بين سطور عمل القناة وأدائها، ويتساءل: «لما هى مش بتخدم مصالح بلدها قطر لماذا تكلف نفسها كل هذا وتتعب نفسها عشان تبث فى مصر وغيرها؟.. يعنى اشمعنى مصر خصصتلها قناة من بابها، لازم فيه دوافع؟».
وقال: «مشاهد العنف والدم والإثارة» ممارسات تكسر بها قناة الجزيرة مبدأ الحفاظ على المشاعر الإنسانية لتحقيق جذب المشاهدين والتعلق بها، مستخدمة وسيلة شحن وإثارة المواطنين، دى مش مهنية ولا حرفية بدرجة 100%، فهى ليها مأرب معين ولقيت مصر أرض خصبة، بذكاء شديد يوجه العاملون الحوار إلى ما يريدون، تبقى الدفة فى يد القناة تتحكم فى اتجاه الحوار كما تشاء.
يختار «رضا» اللقاءات الحوارية لإثبات عدم عدالة القناة بين الضيوف والأقطار التى تغطيها إعلامياً، فمصر الأكثر اهتماماً وتركيزاً من غيرها فى البلدان العربية، يقول الدكتور عدلى إن الناس البسيطة هى جمهور المتعاملين مع الجزيرة فى تغطياتها الميدانية «البسطا لما بيشوفوا الغلبان بيتكلم بيحنوا للقناة اللى بتوصل صوتهم، لأنهم بيعتبروها سند ليهم»، هذا يجعل القناة متجاوزة لقاعدة حظر انتقاء المصادر.
يتفق الخبير الإعلامى السيد الغضبان، مع رضا، قائلاً: «بقناعة شديدة الجزيرة قناة ذات توجه محدد وواضح من نظام عملها»، وهاجم الجزيرة قائلاً: «لا تلتزم بالمهنية على الإطلاق»، ويؤكد أنها توجه كل أخبارها وما تتضمنه شاشتها لخدمة التيار الإسلامى المتشدد.
«الغضبان» يقول عنها إنها ليست دقيقة فى انتقاء مادتها الإعلامية والإخبارية «بتصطاد فى المية العكرة»، يتحدث عن برامجها التى يُفترض معها لالتزام بقواعد الأداء الإعلامى المحايد، «برامجها ذات أيديولوجية معينة وده بيبان بشكل واضح مثلاً فى برنامج شاهد على العصر والاتجاه المعاكس».
«الجزيرة مباشر مصر» لدى الغضبان، تخدم وتصب فى صالح التيار الإسلامى فى مصر على حساب القوى السياسية والمجتمعية الأخرى، «ده معروف وباين قوى»، يرفض «الغضبان» وجود القناة القطرية داخل الأراضى المصرية لعدم شفافيتها، «سياستها وأجندتها تتوافق وتخدم الأجندة الأمريكية بنسبة 100%»، ويقول إنها قناة لا تضمن تحقيق العدالة المطلوبة من وسيلة إعلامية لها جمهورها، «بتحاول تعملها بذكاء حتى يبدو أنها مش تابعة لحد وتضحك على الناس».
السيد الغضبان: لا تلتزم بالمهنية إطلاقاً.. وتتجاوز كل الاعتبارات المهنية والإنسانية
يعود الغضبان بذاكرته التحليلية لنشأة الجزيرة ويكشف: «كانت فى بداية ظهورها تخاطب الجماهير المتعطشة لرؤية أخبار محرومة منها فى الإعلام الوطنى»، مؤكداً أنها استطاعت كسب ثقة وهمية من المشاهد، وكل ذلك على حساب مبادئ وقيم العمل الإعلامى بارتكابها تجاوزات وتطاول كثير على أصول المهنة، «ولا بتحترم أحاسيس الناس ولا بتقدّر مدى تأثير اللى بيذيعوه على فكر الناس الغلابة».
«رهن الإشارة»، هكذا يصف «الغضبان» علاقة المشاهد بقناة الجزيرة، مؤكداً أنها تستغل مواردها المالية وإمكانياتها العالية لتحقيق أغراضها المهنية حتى لو تعارضت مع نصوص العمل المشروع، فهى -حسب الخبير الإعلامى- «تتجاوز كل اعتبارات المهنة والإنسانية لكن بشكل ذكى».
وقالت الدكتورة نجوى كامل، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: «قناة الجزيرة من القنوات التى يثار حولها العديد من علامات الاستفهام، والصورة التى تقدمها دائماً منقوصة وكأنها تريد أخذ جزء من الصورة وإخفاء الجزء الباقى»،
وأضافت: «من الصعب وصف ما تقوم به بعدم الحياد، خاصة أن غالبية القنوات الفضائية يختفى منها هذا المعيار، فليس عيباً أن تكون هذه القناة العربية لسان حال تنظيم الإخوان قبل وبعد الثورة، لأن غالبية الفضائيات دائماً ما تعبر عن رؤية أصحابها، سواء كانوا من رجال الأعمال أو المستثمرين، حتى التليفزيون الرسمى، فهو يعبر عن الحكومة ولكن العيب الحقيقى هو افتقاد المهنية فيما تقدمة للمشاهد محدود الثقافة، وهذا ما تسعى دائماً الجزيرة إلى بثه عبر برامجها».