فى آخر حلقاته.. واصل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، تحليله للمشهد الحالى مع الإعلامية لميس الحديدى فى برنامج «مصر أين؟ ومصر إلى أين؟»، الذى يُذاع على شاشة «سى بى سى»، وتطرقت الحلقة إلى الحديث عن العلاقات المصرية - الإيرانية والوضع الجارى داخلياً وخارجياً.
«لميس»: إنها آخر الحلقات، وأتمنى ألا تنقطع، فالوضع فى مصر يحتاج إلى نظر الأستاذ ورؤيته المختلفة، وفى هذه الحلقة سنتحدث عن إيران، وفى الحقيقة لدى الكاتب الكبير كتابان حول الشأن الإيرانى، أحدهما باسم «إيران فوق بركان»، والثانى «عودة آية الله»، ما بين الكتابين والتاريخ ماذا حدث للعلاقات المصرية - الإيرانية ومدى جذورها وواقعها ومستقبلها، ولكن نبدأ بتحليل الشأن الداخلى والأحداث الجارية..
* الانفجارات فى بوسطن والقلق من أن يكون مرتكبها مسلماً أو عربياً، هل هذا القلق يعيد ذكريات أحداث «سبتمبر» والحرب على الإرهاب؟
- أظن أن هناك فرقاً فى الحالتين، ما جرى فى بوسطن لم يثبت حتى الآن من هو المرتكب، ولم يجدوا له علاقة بـ«القاعدة»، وأعتقد أنها لا تقاس بـ«11 سبتمبر»، وفقاً لعنصرين، وهما أن الإمبراطورية الأمريكية بدأت تتراجع من أنها القوة الوحيدة المسيطرة على العالم، وأنها لا تقود العالم وحدها، وكان هناك احتياج إلى تغطية هذا التراجع من خلال الحرب على الإرهاب، والعنصر الثانى هو احتياج أمريكا إلى النزول عسكرياً وبشكل مكثف فى المنطقة، ولكن الآن مع انفجار المنطقة العربية التى اختلف شكلها بشكل كامل وأصبحت منطقة مدمّرة، والأمريكان أصبحوا موجودين فى كل مكان، أظن أن الظرف الدولى مختلف والظرف الأمريكى مختلف، وقد تكون حادثة إرهابية أو هناك خلل، لا أظن أن لها قياساً مع أحداث «سبتمبر».
* نعود إلى الشأن المحلى، كان هناك منذ أيام إخلاء سبيل للرئيس السابق حسنى مبارك فى قضية قتل المتظاهرين لتجاوز الطعن الاحتياطى والتلويح لأنصاره من داخل القفص.. هنا اختلفت الناس حول هذه الابتسامة.
- سأتحدث بكل أمانة، أعتقد أنه مشهد عبثى، ويُكمل سلسلة من المشاهد العبثية، وأرى من أخطاء المجلس العسكرى وقتها هى طريقة التعامل مع «مبارك»، فالمجلس العسكرى حينها لم يستطع وصف طريقة التعامل معه باعتبار أن الثورة كانت ضده، وفى بداية الأمر تركه فى شرم الشيخ يفعل ما يريد، ثم جاء به إلى القاهرة، وأظن أنهم لم يكونوا على علم كيف يجرى التعامل مع رئيس سابق وهو تحت المحاكمة، ونحن أمام رئيس حكم البلاد لمدة 30 عاماً، وجرى الاختيار بين تركه يخرج خارج البلاد، أو محاكمته سياسياً، وهذا ما لم يحدث، أو التعامل معه بأعقد الأمور، وهو محاكمته جنائياً، ولكن أسىء التصرف معه، فحين يُخلع رئيس دولة ما لا بد أن يُعامل حتى تثبت إدانته بطريقة لائقة.
* بمعنى ماذا؟
- بمعنى أن يُترك فى أحد بيوته، أى تُحدد إقامته، وهناك نماذج، الثورة الفرنسية التى «قطعت رأس الملك» ظل فى قصر باريس، ولم يُقبض عليه إلا عندما حاول الهرب، وظل عامين فى القصر، وعندما هرب أُلقى القبض عليه بجُرم الهروب، ولو كان بقى لم يكن ليُعتقل، والملك الفاروق أمر بمغادرة البلاد، وكان فى وداعه الجميع، أرى أن الحكم العسكرى أخطأ فى فهم ما جرى، ولم يعلم أنها ثورة، وقرّر أن يُبقى «مبارك» فى شرم الشيخ، وحين بدأ السؤال عن ماذا يفعل هناك؟ أتوا به إلى القاهرة، ودخل سجن طرة، الفكرة المسيّطرة أنه فى زنزانة لكى يبرد قلب الناس وهذا فى اعتقادى ليس تصرُّفاً سياسياً، فلا يصح «عيب» أن تضعى رئيساً فى زنزانة بسجن طرة، هناك أصول للتعامل مع الأمور، ولا أعرف الصفقة التى بمقتضاها قَبِل هذا الوضع.
* وإن لم يقبَل الذهاب؟
- هو قَبِل الذهاب إلى هناك، وأظن أن هناك نوعاً من الاتفاق، وفى آخر مرة ظهر بها أراد أن يقول «إن ما جرى له مخالف لما كان يتوقّع»، نحن نسير الأمور ليوم واحد وقدرتنا على التخطيط فيها كثير.
* ما تفسيرك النفسى عندما لوّح لأنصاره، وابتسم داخل القفص؟
- المشهد كله عبثى، لأنه رئيس محبوس ويلوّح لأنصاره هذا لا يعنى شيئاً، فى الدلالة فإن الإجراءات التى اتبعت معه خاطئة، ومحاكمته تجرى بطريقة طبيعية، وكان ينبغى أن تكون محاكمة سياسية، وألا يوضع فى الزنزانة، فلا يجوز أن تضعى رئيس دولة لمدة 30 عاماً فى طرة، كان «يُضرب السلام» له، فلا يجوز أن تنتقلى من نقيض إلى آخر، لا بد من اتباع الإجراءات، فلديكى «شارل الأول» فى إنجلترا عندما حُوكم سياسياً وتم توجيه التهم له ومن ثم إعدامه وفقاً للاتهامات، فهناك هيبة الثورة وكرامتها.
* البعض غاضب حتى من فكرة الإفراج القضائى عنه؟
- لهم حق فى الغضب، لأن كل الأسلوب شاعت فيه المناورات أكثر من المواجهة، وفى مثل هذه الظروف كان لا بد أن تكون هناك استقامة واضحة أمام الناس، هناك شعب يثور يطلب التغيير وحساباً، وهناك بلد وثورة ومؤسسات وتاريخ، المشكلة أننا نناور.
ليس هناك فصيل سياسى سواء «الإخوان» أو «الإنقاذ» قادر على الخروج من الأزمة الحالية.. والدليل أن الشعب عندما استغاث لجأ إلى الجيش
* إذا انتقلنا إلى تسريبات جريدة «الجارديان» البريطانية، من لجنة تقصى الحقائق عن تورُّط الجيش فى جرائم الثورة، ومن ثم لقاء بدا غامضاً بين الرئيس والفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، وقيادات الجيش.. ماذا تقول؟
- النظرة الجنائية خاطئة جداً، ومن ثم ممكن أن تحدث مصائب ودم، ولكن عندما تحاسبين لا بد أن تضعى الأمور فى نطاقها السياسى والزمنى، فأنا قرأت تقرير «الجارديان» وهو مفزع، عندما تقيمين أشياءً يُبنى عليها مستقبل لا بد أن تكون واضحة، لا تحاسبى عنها بأثر رجعى بعد هدوء الناس، على سبيل عندما تحاسبين مبارك، لا أعتقد أنها التهمة الحقيقية التى توجّه إليه، ما هى المسئولية والتنفيذية فى الحروب أو الثورات، الخطأ وارد فى الحروب والثورات، لا بد أن تكون هناك قاعدة، وأطلب أن يوضع فى نطاقه السياسى وألا يستغل كوسيلة فى صراع بين الأطراف، وأعتقد أن التقرير جرى تسريبه من مصر عمداً لإحراج بعض الأطراف.
* تقصد إحراج الجيش؟
- إحراج الجيش، لا يوجد أى مؤسسة أو فرد معصوم من الخطأ أو مَن تجاوز يستوجب الحساب، ولكن من فضلكم نفعل الأشياء طبقاً للقاعدة وللشفافية والاستقامة والمبررات والحيثيات أمام الناس جميعاً.
* هل لديك معلومات عن أن اللقاء بين الرئيس «مرسى» و«السيسى» كان غاضباً؟
- ليس لدىّ تفاصيل، ولكن أظن أنه إن لم يكن لقاءً غاضباً فإنه لقاء عاتب، نحن فى صراع ليس لديه قواعد، وهناك صورة مرتبكة جداً وهناك خطأ فى التشخيص واللجوء إلى المراوغة وعمليات إخفاء، وتصرّفات يوم بيوم وليس أحد لديه تصوّر.
* لو نصحت المجلس العسكرى حينها، ماذا كنت ستقول له فى التعامل مع «مبارك»؟
- بكل بساطة سأتصرف كما حدث فى ثورة 1952، وهو الخروج الآمن، وأن ينتهى الموضوع أو يتم تحديد إقامته.
* هل كان سيرحم الثوار حينها المجلس العسكرى؟
- الناس فى الشارع مستعدة لأن تصغى لصوت العقل، لم أنزل الميدان حينها، ورأيت الشعب يريد إسقاط النظام، فيوم خروج «مبارك» كان هناك مسلكان لمحاسبته إما جنائياً وإما سياسياً، المشكلة الحقيقية أنك تحاسبين «مبارك» على قانون دولته.
* هناك لجنة طبية تبحث الحالة الصحية لـ«مبارك» وتقول ربما سيُعاد إلى طرة، لأن صحته بدت جيدة؟
- لست من أنصار أن صحته جيدة فيعود مرة أخرى إلى مستشفى سجن طرة، هناك منطق صغير ولا يليق بدولة، نحن نحتاج لأن نتحدّث عن حقيقة الأشياء، هناك صغائر فى الأمور، أى أننا إن وجدنا صحته سيئة يخرج من طرة، وصحته جيدة فيعود مرة أخرى، لا بد من قانون حقيقى، فالحساب الحقيقى هو الحساب السياسى، وكيف وصلنا إلى هذا الحال.
* إذا تطرّقنا إلى موضوع آخر، زيارة بعثة صندوق النقد الدولى ورحلت دون توقيع الاتفاق، ولكنها التقت أطراف المعارضة، كيف ترى ذلك، وهو لأول مرة يحدث؟
- عندى تحفّظ وعتاب على المعارضة، فهذه من أعمال السلطة التنفيذية، وجعله سياساً هو أمر خاطئ، صندوق النقد يتحدّث مع الحكومة وفى مجال السلطة التنفيذية وليس الجدال السياسى، ماذا ستقول المعارضة لصندوق النقد؟، وتعود لتقول إن الإعطاء يقتضى شروطاً وضمانات، وأنا روحت وقلت الرأى السياسى، أرى أن بعض الأطراف تُشكك فى الأمر كله.
* لكن الصندوق أراد أن يحصل على توافق، وليس هناك مجلس الشعب.
- ليس صندوق النقد الدولى هو من يُحدث التوافق.
* التوافق حول القرض، هذه هى الفكرة.
- هناك حكومة ودولة قائمة، هذا عمل من أعمال السلطة التنفيذية، وصرّحت برأيى لأعضاء جبهة الإنقاذ الوطنى، ولكن أحياناً نخطئ، نحن فى لحظة لا بد أن تكون الحلول فيها واضحة وفاصلة.
* فى نفس الوقت اقترضت مصر 5 مليارات دولار، منها 3 من قطر و2 من ليبيا، كيف ترى الوضع؟
- لا أستطيع معارضة ذلك، نحن فى أزمة خانقة، والمصانع معطّلة والطاقة غير موجودة، وعلينا أن يكون لدينا حلول لمدى طويل أو قصير، وأعتقد أنه فى القريب لمواجهة الأزمة سيكون التداوى على طريقة الإسعاف، والسؤال هنا ماذا لو المصانع جميعها توقّفت؟ لا بد من الإسعاف العادى أن يأخذ فرصته لأداء دوره.
* هل يُقلقك أن تكون القروض من دولة واحدة مثل قطر.. 8 مليارات؟
- لا أفهم الناس لماذا تزعل من هذا، نحن فى حالة الإسعاف نأخذ الدواء من أى جهة، بادروا بمساعدة أو العمل على تأجيل أزمة، فأنا لا أرى بأساً من هذا، هل من الأفضل أن تنظر إلينا الدول دون مساعدة، أم أنها تساعد فى حل الأزمات.
* البعض يرى أن هذه القروض قد تؤجّل فكرة الإصلاح الاقتصادى وستكون مجرد مسكنات؟
- هذا يرتبط بكِ أنتِ.
* والحكومة؟
- لا ينبغى أن نقاوم الإخوان، وأن نجعل الشعب يدفع الثمن، علينا الفصل بين الإخوان وسلطاتهم وبين الشعب وضروراته، هناك ضروريات، لا أريد التعسّف مع الأمور، لا بد من تدخّل الإسعاف وبشكل شرعى.
* أياً كان الثمن السياسى بعد ذلك؟
- لا نتحدث عن الثمن السياسى، لو كنا نتحدّث عن أمريكا حينها سنتحدث عن ذلك.
* لا يوجد ثمن سياسى مع قطر؟
- أىّ ثمن سياسى سنأخذه من قطر، إلى أين ذهبتم بمصر؟
* هل بالفعل استقال «الأخضر الإبراهيمى»؟
- إن لم يكن استقال، فإنه فى طريقة للاستقالة، ويؤجل إعلان موقفه لحين الذهاب إلى مجلس الأمن، وعلينا السؤال لماذا فشل كل الوسطاء فى القضية السورية؟ إن المهمة مستحيلة هناك لعدة أسباب، هناك سلاح يتدفّق إلى سوريا بلا حدود، وحملة إعلامية على الوضع هناك، وجزء كبير من المشكلة يدار من الخارج، والمسئولية ليست فقط على الحكومة، بل على المعارضة، كان الرجل متأزماً عندما رأيته، لأنه وجد نفسه فى أزمة مستحيلة.
تقرير «الجارديان» مفزع.. وجرى تسريبه عمداً لإحراج بعض الأطراف.. وليس هناك مؤسسة معصومة من الخطأ حتى القوات المسلحة
* العلاقات الإيرانية.. أستاذ «هيكل» قبل أن نسأل عن العلاقات المصرية - الإيرانية، علينا البحث عن جذورها، متى بدأ الاتجاه شرقاً فى هذه العلاقة؟
- هناك جزء أريد التحدُّث عنه قبل الحديث عن هذه العلاقات، وهو يخص «مبارك»، وأعتقد من ضمن الخلط الذى حدث هو البحث عن الأرصدة فى البنوك، قرأت خبراً فى «التايمز» عن سبائك ذهب هرّبتها ليلى بن على زوجة زين العابدين فى تونس، فكّرتنى بمطاردة شاه إيران، الناس تضع فى خزائن لا تستطيع الوصول إليها، وعلينا التفكير فى ليلى بن على.
* هل تعتقد أن هناك مجهوداً مبذولاً على الفاضى؟
- مجهود مبذول فى غير الاتجاه الصحيح ولا يعرف ما نتائجه.. وأما بخصوص الصراع فى هذه المنطقة، فهناك الفانوس السحرى، علينا وضع المشهد به، العالم العربى مشترك فى صراع بينه وبين إسرائيل التى هى مصدر لتهديد أى دولة فى العالم، من حيث وجودها وامتدادها وأمنها، نحن حدّدنا ذلك منذ القدم بأن إسرائيل هى الخطر علينا، مشهد الصراع الإقليمى وخلفه دعم دولى، لكن الصورة تغيّرت، وفجأة أصبحنا موجودين بين العدو هو الاتحاد السوفيتى، فنحن والمغرب والسعودية وفرنسا حاربنا النفوذ السوفيتى.
* إلى أىٍّ من الصراعين، الإسرائيلى أم السوفيتى؟
- إلى الصراع السوفيتى، إلى صراع الجهاد ضد الإرهاب فى أفغانستان، ومن ثم الصراع مع أطراف عربية، بعض اللحظات كان صدام حسين أو حافظ الأسد، وتحول إلى صراع إسلام ضد قوى أخرى بعد «11 سبتمبر»، ومن بعدها إلى صراع سنة وشيعة، أليس بمثابة المصيبة أن يتحوّل الصراع من إقليمى دولى إلى صراع سنى شيعى، أليس هذا أمراً غريباً؟
عام 1937، فى عهد الملك فاروق، بدأت المدارس الفكرية تتصوّر لمصر مستقبلاً يتعدى العلاقات المصرية - البريطانية، وظهرت عدة مدارس، مدرسة الوطنية المصرية تتمثل فى الحزب الوطنى، و«الوفد» يحتار بين الوطنية المصرية والوحدة العربية، ومدرسة أخرى هى مدرسة الشرق رأت أن مصر قد تنحسر وتنعزل، وهذا البلد لا بد له من الخروج خارج الحدود، هذه المنطقة كان الصراع فيها بين بلاد فارس واليونان ومصر، أى صراع فى التاريخ والفرس وصلوا إلى درجة عالية، التطلع إلى الشرق كان متصلاً بالتاريخ والاتجاه شرقاً بالتفكير التقليدى.
وكانت تركيا مضمونة فى العلاقات مع العثمانيين، والقوة الثانية هى التوجُّه إلى إيران.. على ماهر وغيره بدأوا يفكرون فى زواج ملكى، فتزوجت «فوزية» من شاه إيران.
* «فوزية» هى شقيقة الملك؟
- نعم شقيقة الملك، ويُعتبر زواجاً سنياً شيعياً عقده شيخ الإسلام حينها مصطفى المراغى فى مسجد الرفاعى.
* هذا الزواج لم يستمر؟
- هذا الزواج لم يستمر ليس لأنه سنى شيعى، ولكن لسوء الحظ أن الملكة «نازلى» رأت أن البلاط الملكى الإيرانى ليس كالبلاط الملكى المصرى، ولم يعجبها الوضع هناك، وهنا رؤية سياسية لخروج مصر إلى المشرق، تصرَّف فيها أقطاب هذا الزمن، ورغم فشل هذه الزيجة، لكن هذا لم يؤثر على العلاقات.
* جاءت ثورة 1952؟
- علينا أن ندرك أن ثورة 52، جاءت فى وقت به ثورة إيرانية على شاه إيران، والأمريكان.
* «عبدالناصر» ساند «مصدق»؟
- حزب الوفد ساند «مصدق» قبل «عبدالناصر»، فى 65، 66، والشاه لتعزيز موقفه بدأ يفتح علاقات مع إسرائيل، مع زيادة حركة القومية العربية.
* بدعم أمريكى أم ولاء أمريكى؟
- من المؤكد أن هناك ولاءً أمريكياً، «عبدالناصر» قرّر اتخاذ إجراء مهم، وهو قطع العلاقات، الأمر لم يستوجب ذلك، هناك دولة قادمة للاستقلال، وكانت هذه الدول ترفض العلاقات مع إسرائيل.
* مع قطع هذه العلاقات، هل البترول الإيرانى كان يتدفّق على إسرائيل حتى عام 1967؟
- لم تحارب إسرائيل قط إلا ببترول إيرانى، منذ 65، 67، 73. أسمع البعض يقول إننا استقبلنا الشاه فى مصر وفاء لأنه ساعدنا، أريد أن يقول لى عن ناقلة واحدة دخلت إلى مصر.
* لم يساعد الشاه فى 1973؟
- لم يقدّم ولم يحدث، وحديث الشاه مع السفير الأمريكى، قال «أنا أعطيت إسرائيل كل بترول تحتاج إليه»، فنحن نطلق الأحكام وفقاً لهوانا.
* هذا قيل من رؤساء دول، منهم الرئيس السادات؟
- «السادات» لم يقُلها وقت المعركة، وزادت بعد رحيله، إيران الشاه أعطت كل بترول حاربت به إسرائيل، ولم تقدِّم نقطة واحدة من البترول لنا.
* كم عدد المرات التى قابلتَ فيها الشاه؟
- رأيته فى أزمة «مصدق»، وكان مهتماً فى مصر بعد تركه الملكة «فوزية»، وجهّز لنا وليمة غداء، حينها كنت صحفياً شاباً، وتحدثت معه، ولكن كنت منحازاً إلى مصدق، وبعد 1967 تحدّثت مع الرئيس عبدالناصر، لاستعادة العلاقات بين الدول للحاجة إلى ذلك حينها.
* كيف تحوّلت العلاقة بين «السادات» و«الشاه» من النفور إلى الحميمية؟
- فى هذه الفترة لما قامت حرب أكتوبر، وهذه مسألة فى منتهى الأهمية، والرئيس السادات هو يحارب، واجه موقفاً فى منتهى الخطورة، فيه ملوك بدأوا يهتموا، الملك فيصل، الملك الحسن، وشاه إيران، بدأوا يهتموا بأن هذه الحرب لا تصل إلى مداها، لا إحنا نسجل نصراً قاتلاً إذا كان فى وسعنا، ماكانش ممكن، ولا إسرائيل تحقق نصراً ساحقاً، ودخل الملوك الثلاثة يعطوا نصائحهم للرئيس السادات، لكن بدأ تقريباً يبقى فى مجلس إدارة ملكى للأزمة جنب الرئيس السادات، وهو كان محتاجهم، لازم نسلم أنه فى الظرف اللى خاض فيه المعركة، والظروف كلها وعلاقته المتوترة اللى فيها شك مع الاتحاد السوفيتى، كان محتاجاً إلى حلف الملوك، هنا بدأت العلاقات ترجع بشكل أو آخر.
وبدأ الرئيس السادات يكتشف الشاه، وكمان كان معجباً به جداً لسبب غريب، وهو أن السادات كان لديه انبهار باستمرار بالملوك، وفى وقت من الأوقات كان قريباً من يوسف رشاد طبيب الملك فاروق الخاص، فى احتفالات «بارسوبليس»، كان معزوماً بها، ادعاءات الشاه وهواجسه قد تعيد ربط إيران القديمة بالحديث، فنظم هذه الاحتفالات بمناسبة 2000 سنة على تأسيس الإمبراطورية الفارسية، عزم كل العالم وعمل احتفالات خرافية، واللى مثّل مصر فيها كان الدكتور عبدالعزيز حجازى الذى عاد يحكى عما رآه لـ«السادات»، خصوصاً أن هذه الاحتفالات كانت مضاءة لدرجة تعمى العيون، ومسرفة ومبالغة.
* فى وقت كان فيه الفقر مدقعاً؟
- نعم.. الفقر كان مدقعاً بشدة، ولكن الرئيس «السادات» بشكل ما انبهر بها.
* إذا كانت إيران قدّمت البترول إلى إسرائيل.. كيف كان موقف «السادات»؟
- علينا أن نلاحظ أن الرئيس «السادات» كانت له ميول للصلح مع إسرائيل.
* هل أخطأ «السادات» باستضافة «الشاه»؟
- علينا أن نفرّق بين مصلحة الدولة والمزاج الخاص لك، كان هناك تقدير أمريكى بأن «الشاه» قد انتهى، وكانت الملكة الحديدية «تاتشر» تريد استقباله.
* حتى وهو رجل أمريكا رفضت استقباله.. والبعض تصوّر أن ذلك بضغط على «السادات»؟
- لا لم يكن الضغط على «السادات»، فى تصرّفات الرؤساء مصلحة الدولة أولاً.
* بنفس المنطلق الذى ساعد «ناصر» «مصدق»، لماذا انزعجت من مساعدة «السادات» لـ«الشاه»؟
- «الشاه» مطرود بثورة شعبية، والشعب كان ضده، علينا أن نقف مع الشعب، وإيران الدولة، فالأشخاص زائلون.
* هل هناك علاقة بين الثورة الإسلامية فى إيران و25 يناير؟
- ليس هناك مقارنة بين الثورتين، وعلينا التفريق بين النظام فى الشيعة والنظام فى السنة، الشيعة تقوم على فكرة الإمام، فالمرجعية هى العصب الرئيسى للحياة، أما السنة، فالسلطان هو رأس الدولة، السؤال كيف لها أن تقدم على المشروع النووى؟
* لماذا كانت العلاقات مع إيران متدهورة فى عهد «مبارك»؟
- كان هناك «فيتو» خارجى لعودة العلاقات، الرئيس مبارك قابل الخمينى فى الخارج، الطرفان كان لديهما حرص على عودة العلاقات.
* «فيتو» أمريكى؟
- «فيتو» أمريكى - إسرائيلى وللأسف كانت السعودية موجودة لأسباب خاصة بكل دولة، ولكن كان علينا البحث والسؤال: أين مصالح هذه الدول التى تقتضى الوجود داخل الإقليم؟
* إلى اين وصلنا فى صراع المذاهب؟
- أرى أن صراع المذاهب نكتة، حيث إن عدد الشيعة فى العالم حوالى 200 مليون شخص، وإيران هى أكبر الدول الحاضنة للشيعة، ليس لدينا أرقام موثّقة فى مصر 18 ألفاً أو 35 ألفاً.
* فلماذا هذا القلق؟
- قد أقول إنه قلق مصطنع أو مدفوع.
* مدفوع مِمن؟
- لا أريد أن أتهم أحداً، فهذا ليس زمن المذاهب، بل زمن التقدُّم، الأوطان تحكمها أمور أخرى، أعاتب على شيخ الأزهر لتعامله مع الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد، خصوصاً رفضه المؤتمر الصحفى معه.
* رفضتَ زيارات من «أحمدى نجاد»؟
- لم أرفض، بل اعتذرت، الرئيس «نجاد» دعانى أكثر من مرة لأن أذهب إلى إيران، ولكنى اعتذرت له أكثر من مرة بسبب توتر العلاقات، فعلىّ أن أضع فى ذهنى العلاقات بين بلدى وبين هذا البلد.
* هل ترى أن نظام الرئيس «مرسى» يحاول التقارب مع إيران؟
- إن لم يحاول فلا بد أن يتقارب معها، علينا التذكُّر أنها البلد المحورى فى الصراع القادم، فهى فى موقع متميز وسط العديد من الدول.
* كيف تنظر الولايات المتحدة إلى هذا التقارب؟
- العداء يُدار، فأمريكا تدير صراعها ليس بمنطق العراق، أمريكا لا ترغب فى تدمير إيران، إسرائيل لا تستطيع بمفردها ضرب إيران، إسرائيل تريد احتكار المشروع النووى، هل من مصلحة المنطقة أن يحكم طرف يملك النووى؟
* هل أزعجك تراجع الدولة فيما يخص السياحة الإيرانية؟
- انزعجت بشكل كبير، العالم كله لديه علاقات مع إيران، السياسة الأمريكية ترغب فى إسقاط النظام هناك وتغييره وإقامة علاقات.
* كيف يتقارب النظام مع إيران رغم علاقته مع الولايات المتحدة الوطيدة؟
- العلاقات الوطيدة لا تمنع العلاقات مع أحد آخر، هل العلاقة مع أمريكا تُعطى وصايا على العلاقات المصرية - الإيرانية.
* هناك قلق من تصدير نظام الحكم الإيرانى، فهو نظام قمعى، والحرس الثورى.
- علاقاتك مع الدول تكون مع موقع، وليس مع نظام، علينا التفريق بين الدولة ومصالحها، وبين المزاج الخاص والقيم التى اتبعها.
* هل ترى العلاقة مع إيران فرصةً جيدة لا بد أن تُقتنص؟
- أرى أن أى دولة داخل إقليمها، يكون لها استراتيجية فى التعامل مع الدول الأخرى التى تجاورها، المنطقة التى نعيش فيها لها مكانة فريدة وحساسية خاصة وتصل إلى درجة القداسة.
* كيف ترى الدور الإيرانى فى مساندة «بشار الأسد» ونظامه؟
- ليس هناك مانع فى مساندة سوريا، وموقف روسيا والصين هو الحاسم، لكن ضرب سوريا سيكون تمهيداً لضرب إيران.
لم يكن للمعارضة أن تلتقى وفد صندوق النقد.. ولا ينبغي أن نقاوم الإخوان على حساب الشعب
* هل ترى العمل على عودة العلاقات كلياً أم جزئياً مع إيران؟
- أريد التعاون مع الشعب، وليس النظام، لا أحكم على النظم، أدعو لحقوق الإنسان، علينا التفريق بين المصالح والمواقف الأخلاقية.
* السؤال الأهم فى نهاية هذه الحلقات.. مصر إلى أين، كيف تحكم على حكم الإخوان؟
- الإخوان ليسوا قادرين، خيبة أمل فى الإخوان.. الكل كان يتصوّر أن ينجحوا فى بعض الأمور، وكنت أتصوّر أنهم سينجحون فى الأمن، ولكنهم فشلوا، نحن أمام ناس يبدو أنهم هواة، ومن الواضح أنهم أصغر من المهام ومن الدور، أشعر بالقلق، وأتمنى أن ينجح ولكن لا أتوقع له النجاح.
* حتى لو تمثل فى النظام الدينى، مثل إيران؟
- النظام الدينى فى إيران يختلف كلياً عن النظام المصرى فلن يؤثر.
* إن كان الإخوان عاجزون عن حكم مصر والأحداث أكبر منهم، فإلى أين نذهب؟
- مصر قد ترتفع فوق كل الطرق المسدودة، العالم يتغير ونحن ما زلنا نتحدث سنة أم شيعة.
* كيف سنخرج من الأزمة؟
- بداية، الأزمة أن تجمعى مصر كلها لبحث مشكلاتها، ليس هناك فصيل سياسى قادر ولا إخوان ولا جبهة إنقاذ قادرة، والدليل أن الشعب عندما استغاث، استغاث بالجيش، كل القوى تتجمع لكى تستطيع طريقة للارتفاع إلى أعلى.