من "لاظوغلى" إلى أمن الدولة".. السمعة السيئة تطارد الجهاز الجديد
"أمن الدولة".. اسم ارتبط بأذهان المصريين وصار مصدرًا للرعب والفزع في نفوس المصريين، وكان قرينًا ومرادفًا لكل أنواع الظلم والقهر والجبروت، على مر العصور.
ارتبط اسم أمن الدولة بمقرها الرئيسي بوزارة الداخلية والذي عرف باسم "لاظوغلي" وهو اسم أول وزير للأمن في عهد محمد علي باشا وكان يدعى "لاظ أوغلو" وهو صاحب مذبحة القلعة الشهيرة التي دبرها أوغلو لتخليص محمد علي من المماليك، وفي مقر منزله أقيمت وزارة الداخلية في الشارع الذي حمل اسمه.
ومنذ عهد "لاظ أوغلو" وحتى عهد حبيب العادلي ظل هذا المكان مصدرًا للرعب حتى أطلق عليه العامة سلخانة أمن الدولة.
وعقب ثورة 25 يناير أقيم على أنقاض جهاز أمن الدولة المنحل جهاز جديد حمل اسم جهاز الأمن الوطني، بقرار من اللواء منصور العيسوي، وزير الداخلية الأسبق، استجابة لمطالب ثورة 25 يناير، إلا أن الجهاز الوليد مازالت تحوم حوله الشبهات حيث إن المعارضة تعتبره عصا النظام للبطش بها، بينما تؤمن جماعة الإخوان المسلمين بأنه مازال يوالي النظام السابق، وبات الأمن الوطني بين مطرقة الإخوان وسندان المعارضة والضحية هو الشعب..
*فرم مستندات أمن الدولة "خيانة عظمى" لإخفاء جرائم 100عام
تفجرت الثورة، وقوضت أركان الدولة البوليسية فحاول جهاز أمن الدولة المنحل التخلص من أدلة إدانته في العديد من الجرائم التي ارتكبها بحق المواطنين والدولة والتي توجب عقوبتها "الإعدام" باعتبارها جريمة "خيانة عظمى"، فوفقًا لما أوردته النيابة في مرافعاتها في جلسات محاكمة حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز أمن الدولة المنحل، ومعاونيه من أن هذه الجريمة تعد انتهاكًا للأمانة وسلوك طريق الخيبة والمهانة وإنها جريمة كبرى في هذه الدعوى.
ووصفت النيابة المتهمين بأنهم قوم حملوا الأمانة ليأكلوا النار في بطونهم، وأتوا علينا كسوس ينخر في قوام الشهام وجراد لا يسمن إلا من النبت الحرام فما أبقوا على أخضر ولا يابس وخلفوا وراءهم وطنًا يائسًا عابسًا.
كما أكد ممثل النيابة أنهم يتصدون اليوم لجريمة "خيانة وطن" وطمس تاريخه ونكران الانتماء إليه، مشيرًا إلى أن جرائم المتهمين جميعًا تصدرتها إتلافهم لمستندات ووثائق ومكاتبات جهاز مباحث أمن الدولة في فروع ومكاتب المحافظات، وهذا وهو المجرم بنص المادة 117مكرر من قانون العقوبات.
وأضاف أن أدلة الاتهام في القضية عديدة منها اعتراف المتهمين الأول وحتى الثاني عشر بإتلافهم لمستندات خاصة بجهة عملهم، بالإضافة إلى ما اعترف به المتهمون من 24 وحتى 31 بإصدار تعليمات بإتلاف مستندات ووثائق جهاز أمن الدولة، مما يدل على أن الجريمة عمدية بدليل ما شهد به اللواء محمود وجدي، وزير الداخلية الأسبق، بأنه أصدر تعليماته للمتهم حسن عبد الرحمن بالمحافظة على وثائق ومستندات وأجهزة ومقدرات جهاز مباحث أمن الدولة، فخالفه المتهم فيما أمره به بإصدار كتاب لفروع الجهاز بإتلاف وثائقها ومستنداتها.
ودعم أقواله شهادة اللواء محمد جمال الدين عبد السلام، مدير الإدارة المركزية، لتداول العلاقات بجهاز مباحث أمن الدولة السابق بأن صدر من المتهم حسن عبد الرحمن كتابًا مفاده التخلص من أرشيف السري للغاية بمقرات الفروع والكاتب عن طريق الفرم.
وأشار إلى أن المتهمين من الأول وحتى الثاني عشر أجمعوا على قول واحد بأنهم أتلفوا وخربوا بطريق الفرم والإحراق وثائق ومستندات الفروع والمكاتب التابعين لها والعاملين فيها لأجل الوطن وحتى لا تفشى الأسرار وتتعرض الدولة للانهيار، موضحًا بأن ذلك ليس سببًا كما ادعوا ولكنه تبرير بالتحريف.
وأكد أن أكبر دليل على كذبهم هو أن المتهم حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق، أصدر كتابه لكافة الفروع والمكاتب في شهر فبراير لعام 2011 وأعفى من منصبه في اليوم الثاني من شهر مارس 2011 ثم تقاعس المتهمون دون سبب واضح أن ينفذوا تعليماته، ثم تذكروا تنفيذ كتابه عقب ذلك ببضع أيام ودون تعرض المقرات لأي اعتداء.
*خبراء: أمن الدولة مازال عصا النظام لبطش المعارضة
احتدم الجدل عقب تدشين جهاز الأمن الوطني؛ ليكون بديلاً عن جهاز "أمن الدولة" المنحل، حول دوره في ضمان حماية مصر وشعبها من الأخطار المحدقة بها في الداخل والخارج، والخوف من احتمالية رجوعه كأداة بطش جديدة أعتى مما كان عليه في يد النظام الحالي، يسلطها لتكميم الأفواه وتقييد الحريات وتنويع ممارسات التعذيب وانتهاك الحقوق الآدمية، مثلما كان الحال في عهد مبارك، بعد أن حاد جهاز أمن الدولة عن دوره الأصيل في حماية الأمن القومي، والتفت لرعاية وحماية شئون وأمن أفراد نظامه الحاكم وخدمة ملف التوريث.
أنشئ "جهاز أمن الدولة" عام 1913 في عهد الاحتلال الإنجليزي وكان يسمى "القلم المخصوص"، ويهتم بكل قضايا الأمن التي تتعلق بالحكم وعلاقات السراي بالإنجليز، واستعانوا فيه بضباط البوليس المصري ممن يدينون بالولاء للسرايا والإنجليز وكان أول من تولى دائرته هو اللواء سليم زكي حكمدار القاهرة، إلى أن تغيير اسمه إلى "القلم السياسي" عقب توقيع معاهدة 1936، وكان له مقرين رئيسيين في القاهرة والإسكندرية، فضلاً عن القسم المخصوص والذي كان يرأسه قائد البوليس الملكي، إلى أن قامت الثورة، حيث تغير مسماه إلى "المباحث العامة"، وانتقلت تبعيته إلى "جهاز المخابرات"، والذي ترأسه "صلاح نصر"، الرجل الذي أثار اسمه الهلع في نفوس المواطنين.
زوار الفجر
تعمقت شئون الجهاز وتوغلت في كافة شئون الدولة، وأصبح أداة بطش على رقاب المواطنين حيث ارتبط بـ "زوار الفجر"، وجرائم التعذيب في السجن الحربي.
أعاد أنور السادات بعد انفراده بالحكم تسميته "بمباحث أمن الدولة"، ثم تغيرت لافتته إلى (قطاع مباحث أمن الدولة)، وأخيرًا (جهاز أمن الدولة)؛ لتبقى وظيفة مهام رجل أمن الدولة بالمشهد الذي تفجرت عنه الثورة الأخيرة واكتشاف حجرات التعذيب وجرائم القتل التي كان يقوم بها رجال أمن الدولة والمقابر الجماعية والسرية والفساد الذي استشرى بتدخله في كافة قطاعات الدولة والوثائق السرية التي كانت تملأ مجلدات، قام ضباط الجهاز المنحل بفرمها لإخفاء جرائم مثيرة تورط بها شخصيات مسئولة في عهد النظام البائد طيلة 30 عامًا استغل خلالها مسئولو الجهاز أنهم الآمرون الناهون والمتحكمون بكل مفاصل الدولة بما لديهم من مفاتيح قوية للعب على مقدراتها واستقلالها وأمن شعبها.
وبرغم كل ذلك، عوّل المصريون على جهاز الأمن الوطني الجديد آمالهم في أن يكون درعًا يحميهم، خاصة أنه ولد من رحم ثورة 25 يناير، بعد أن دكت أركان حكم طاغية، وقوضت أركان دولته البوليسية، وحطمت أداتها.
إلا أنه وسط حالة الانفلات الأمني التي عمت البلاد خلال السنتين الأخيرتين، شكك عدد من القوى السياسية في قدرة الأجهزة الأمنية على مواجهة أعمال العنف، والسيطرة عليها، خاصة بعد الهوة الأمنية التي تحققت بحل جهاز أمن الدولة.
الأمن الوطني
كانت البداية في الخامس عشر من مارس 2011 عندما ولد الجهاز على أنقاض جهاز مباحث أمن الدولة المنحل، بقرار صادر عن اللواء منصور العيسوي، وزير الداخلية الأسبق، استجابة لمطالب ثورة 25 يناير التي اعتبرت تجاوزات أمن الدولة كانت أبرز الأسباب التي أدت إلى اندلاع الثورة مما دفع الوزير إلى إصدار قراره الجريء بإلغاء الجهاز وإنشاء جهاز بديل أطلق عليه الأمن الوطني وهو جهاز معلوماتي وفقًا لمصدر أمني يختص بحماية الوطن من مخاطر الإرهاب والجاسوسية وبدأت وزارة الداخلية في هذا الوقت في إجراءات الترشيح لاختيار الضباط والأمناء والأفراد المكونين لجهاز الأمن الوطني الجديد ليكون مقره بالفرع الرئيسي بالقاهرة، وأفرعه بمختلف المكاتب بالمحافظات والمدن.
وتم استبعاد الضباط النظاميين من الترشيح وضباط أمن الدولة السابقين ممن تولوا ملفات تقييد حريات المواطنين والأحزاب وأجهزة الإعلام، فضلا عن ملفات الأقباط، والتيارات الإسلامية، كما تمت الاستعانة بعدد من الضباط ممن عملوا بمكافحة الإرهاب الدولي.
وتكررت مشاهد الاشتباكات، ونشوب الفتن الطائفية وأحداث العنف، التي اشتعل فتيلها بأنحاء شتى في البلاد، بعد أن تصاعد نفوذ الحركات الدينية المتطرفة، وطفا على السطح عدد من الفصائل ذات التوجه السياسي، تخدمها بعض الأذرع والمليشيات المسلحة، فضلاً عن ارتفاع معدلات الخطف والقتل وازدياد نسب الجرائم باختلاف أنواعها.
فبدءًا من حادث أطفيح ومرورًا بأحداث ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء، وأحداث العباسية، ومجزرة بورسعيد، ثم أحداث الاتحادية والمقطم وصولاً إلى أحداث فتنة الخصوص وكاتدرائية العباسية مؤخرًا، بات واضحًا عدم قدرة جهاز الأمن الوطني، في الاضطلاع بدوره ومهام عمله في التحري وجمع المعلومات، وملاحقة العناصر التي تقف خلف العديد من أعمال العنف والفوضى بين صفوف النظام الحاكم أو قوى المعارضة، بما يؤكد تهميش هذا الجهاز المعلوماتي الكبير الذي كان يقود جميع الأجهزة الأمنية، والاستخباراتية قبل ثورة 25 يناير.
جرائم أمنية
شهدت مصر عشرات الكوارث والوقائع الدامية آخرها ما حدث في الكاتدرائية، وما قيل عن محاولات لنشر الفتنة وارتفاع عدد الضحايا ولم يكن هذا الحادث هو الأول من نوعه بل سبقه أيضًا أحداث لا تقل خطورة غاب فيها دور الجهاز تمامًا،أخطرها مذبحة بورسعيد التي راح ضحيتها أكثر من سبعين شابًا من ألتراس الأهلي ولم يقدم الأمن الوطني أية معلومات تتعلق بتلك الحوادث، مما وضعه في دائرة الغموض مما حدا بالبعض إلى حد توجيه اتهامات إلى القطاع بوجود أصابع خفية له وراء الحوادث المتكررة، التي منيت بها البلاد!!
فقد أكد خبراء أمنيين أن ظهور الخلايا الإرهابية في مصر، وعودة نشاطها الإرهابي من جديد كان نتاجًا لدور الأمن الغائب وعدم جدية الجهاز في تقديم المعلومات للأجهزة المختصة، فبرغم اقتلاع الجهاز المنحل لتلك الخلايا، إلا أنها لم تختلف، بل كانت مثل النار تحت الرماد، ليتزايد نشاطها بعد ذلك بشكل ملحوظ، تظهر في أكثر من 20 حادثة مهاجمة واقتحام لأقسام الشرطة، وغيرها الكثير من الحوادث التي أدت إلى ضرب السياحة في مصر، لتجد مثل هذه الجماعات من أرض مصر بيئة خصبة للنمو من جديد وتوسيع انتشارها، مستغلة الظروف التي صاحبت الثورة، من قيام العديد من الخارجين عن القانون بتهريب الأسلحة، وتفجير خطوط الغاز، ومقاومة الأمن.
وأبدى مراقبون ومحللون مخاوفهم من أن يكون هذا التعديل مجرد تعديل شكلي فقط لامتصاص غضب الشعب المصري، والعودة سريعًا للسير على نهج نظام مبارك ووزير داخلتيه من خلال اعتقال النشطاء السياسيين وتكبيل الأفواه وقمع الحريات.
وينادي آخرون بضرورة ملحة لعودته سريعًا كجهاز أمن قومي مرة أخرى إلى الشارع المصري.
فيما يرى عدد من الخبراء أن استحداث جهاز "الأمن الوطني" ما هو إلا محاولة من وزارة الداخلية للتحايل على الشعب وإعادة أمن الدولة من جديد.
وأكد الخبراء أن الأمن الوطني سيتحول بعد عامين لنسخة من جهاز أمن الدولة سيء السمعة.
دور غائب
يؤكد حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن الأمن الوطني هو عين وزارة الداخلية، وأنه عصب أي دولة، وأن دوره هو حماية الأمن الداخلي عن طريق جمع المعلومات وتقديمها للجهات المعنية، وأن السبب الرئيسي لغياب الأمن الوطني في الآونة الأخيرة كان الإرهاب الشديد الذي تعرض له، وأن غيابه كان متعمدًا وعن قصد، وظهر هذا بوضوح في المظاهرات التي كانت أمام مجلس الشعب المنحل.
ويتابع أن ما حدث أمام مجلس الشعب أعطى مؤشرًا سلبيًا لجهاز الأمن الوطني، لهذا تقلص وانكمش دور الجهاز، وأصبحت مصر مكشوفة، لذلك انتشرت الأسلحة والقنابل والاحتقان الطائفي، والاشتباكات المتفرقة في كل محافظات.
ويوضح أبو سعدة، أن مصر حاليًا عمياء وأصبح هناك نقص في مناعة الدولة، وبالتالي فهي قابلة للاختراق.
وينفي أبو سعدة ما يحدث في الشارع من اعتداء على النشطاء وقتلهم وأن يكون ورائه الأمن الوطني متهمًا جماعة الإخوان بالاعتداء على معارضيهم، والدليل هو استهداف كلٍ من جابر صلاح الشهير بجيكا، ومحمد الجندي والحسيني أبو ضيف وجميعهم من مؤسسي صفحات على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" ضد جماعة الإخوان، موضحا إن وزارة الداخلية لم تتعافَ منذ ثورة 25 يناير.
ويؤكد أبو سعده إن البلاد تحتاج لتوافق سياسي من جميع الأطراف، واتفاق جميع القوى على عودة الشرطة، مشددًا على ضرورة عودة اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية السابق، باعتباره قائد أمن محترف، مع ضرورة وضع خطة إستراتيجية لعودة الشرطة، على أن يكون جهاز الشرطة والأمن الوطني ملكًا للدولة والشعب وغير تابع للرئيس أو نظام بعينه، على أن يؤدي الأمن الوطني الدور المكلف به وهو مكافحة الإرهاب، والجماعات المسلحة، وأن يكون جهازًا معلوماتيًا، وأن يكثف جهوده لحل مشكلة الأمن في سيناء.
ويتابع: "إن الاشتباكات التي تحدث في الجامعات المصرية الآن سببها التوتر بين القوى السياسية"، مؤكدًا أنه ضد عودة الحرس الجامعي رغم ما حدث.
نسخة كربون
ومن جانبه يقول الخبير الأمني واللواء السابق حسام لاشين: "إن وزارة الداخلية تسعى للالتفاف على الثورة والتآمر عليها، للسيطرة على الأوضاع والوطن والشعب كما كان الحال سابقًا"، مؤكدًا أن قيادات الوزارة السابقة مازالت تمنعها من التفكير بشكل جديد والتحرر من أفكارها القديمة.
ويحذر لاشين من تحول القطاع بعد عامين لنسخة كربونية من جهاز أمن الدولة، ولجوئه للتجسس على الأحزاب والمعارضة والإسلاميين باعتبار النشاط الديني جزءًا من الإرهاب الذي يختص القطاع بمكافحته، مشيرًا إلى أن جهاز أمن الدولة نفسه لو استمر بثوبه القديم كان سيتوقف عن العمل بالطريقة القديمة لمدة عامين، حتى تهدأ الأوضاع فيعاود عمله بطريقته المعروفة.
أمن الدولة مازال حيًا
الخبير الأمني اللواء حسن عبد الحميد، مساعد وزير الداخلية الأسبق، لقطاع قوات الأمن والتدريب انتقد بشدة أداء الأمن الوطني واعتبره امتدادًا لجهاز مباحث أمن الدولة المنحل، وأنه عاد لممارسة نفس الدور القديم لكن على استحياء، فقد أقحم الجهاز نفسه منذ تولي العادلي وزارة الداخلية في أمور شتى كان لا ينبغي أن يمارسها، منها مثلاً العمل لصالح الحاكم وليس الوطن ومحاولات توريث نجله الحكم وتزوير الانتخابات لصالح الحزب الوطني الحاكم، واعتبر جهاز أمن الدولة المنحل كل مَن يعارض النظام السابق يمثل خطورة بالغة على الأمن المصري وبعد ثورة 25 يناير تغير اسم أمن الدولة إلى الأمن الوطني؛ لكنه لا يزال يمارس دور أمن الدولة من مراقبة التليفونات والتصنت على الأشخاص وغيرها وقد قام الأمن الوطني بالقبض على عدد من شباب الثورة.
كما يؤكد اللواء عبد الحميد علي، أنه لا ينبغي أن يكون الأمن الوطني تابعًا لرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء إنما يجب أن يتم تقنين وضع القطاع ووضع ضوابط حقيقية لطبيعة عمله لأنه لابد أن يكون تابعًا لوزارة الداخلية نظرًا للتنسيق بين القطاع والجهات الأخرى وأن يتم تحديد مهام الجهاز التي تنحصر في مكافحة الإرهاب والجاسوسية، أما الوضع الحالي فإن الثورة لم تؤت ثمارها فنحن خلعنا رأس النظام، لكننا لم نتخلص من باقي النظام فلا تزال ذيوله موجودة ومتغلغلة وتعبث بمقدرات الوطن وتحاول أن تعيدنا إلى الوراء.
وفي نفس السياق، يؤكد نجاد البرعي، الناشط الحقوقي، أن الأمن الوطني الجديد قد لا تكون هناك علاقة له بخطف النشطاء أو قتلهم أو الاعتداء عليهم فهناك فرق سياسية متناحرة "القوى السياسية" وشبابها تقوم بتكوين مليشيات تحاول أن تثبت أنها الأقوى بين الفصائل وإنها وراء ما يحدث من خطف بدليل إحالة عضويين من جماعة الإخوان المسلمين بالبحيرة إلى الجنايات بتهمة خطف نشطاء، والاعتداء على الدكتور أحمد أبو بركة القيادة بالحرية والعدالة والاعتداء على عبد الرحمن عز، عضو حركة حازمون، والاعتداء على السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، وكذلك الاعتداء على دكتور عبد المنعم أبو الفتوح وسرقة سيارته، بالإضافة إلى أحداث الشغب التي تشهدها جامعات مصر الآن على سبيل المثال اشتباكات جامعة المنصورة، وعين شمس.
وأضاف البرعي: "إن الأمن الوطني موجود بجميع دول العالم، وإن الجهاز تطور وأعيد هيكلته ليصبح جهازًا وطنيًا خاصًا بجمع المعلومات فقط"، وإن الوضع بعد ثورة 25 يناير اختلف كليًا.
وأوضح أن أسباب الانفلات التي يشهده الشارع المصري ترجع إلى أن الأمن في الماضي اعتاد على استخدام عضلاته دون عقله، وأنه لابد أن يعود إلى صوابه ويستخدم عقله، وما يجري هو من تداعيات الثورات لأنه من الطبيعي أن يحدث هذا بعد أن انتفض الشعب ضد سياسيات القمع والعنف التي كانت تمارس ضده، مشيرًا إلى أن الشعب في بداية ثورة 25 يناير خرج ضد استبداد وقمع وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، وأن ما حدث في الثورة أضعف الجهاز الأمني.
وأشار البرعي إلى أن الوضع الأمني الحالي سيستمر إلى قرابة 5 سنوات قادمة إلى أن يتم تدريب ضباط الشرطة على استخدام العقل بدلاً من استخدام العضلات، وأن هذه التدريبات مختلفة عما تدربوا عليه قبل الثورة، موضحًا إن الشارع المصري سيشهد عنفًا أكثر من الوقت الحالي لأنه المجتمع أصبح غاضبًا على سياسيات نظام الحكم الحالي، وأن المتنفس الوحيد له هو العنف، وذلك عن طريق الشباب الغاضب.
تغيير مسميات
أما هبة ياسين، المتحدث الإعلامي باسم التيار الشعبي، فأكدت أن جهاز الأمن الوطني مازال يمارس نفس نشاطه الذي كان يمارسه في النظام السابق، وأن ما حدث ما هو إلا تغيير مسميات، من قمع المعارضة والقبض عليهم بل وصل إلى حد الخطف، والقتل في بعض الأحيان.
وتقول: "إن الجهاز مازال يقمع معارضي الرئيس محمد مرسي، والثوار والنشطاء السياسيين، وإن النظام مازال يمارس القمع والعنف ضد المعارضين، ويخدم النظام، ويمارس نفس التعتيم".
وأضافت: إنه في ظل غياب الأمن لا تستطيع أن تتهم جهاز بعينه، وإنما الصورة يمكن تفسيرها في تخاذل جهاز الشرطة بما يجعل النظام الحالي مسئول مسئولية كاملة عما يحدث.
وتتابع، ظهر هذا واضحًا خلال اشتباكات الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في الأسبوع الماضي، حيث وقفت الشرطة تشاهد البلطجية يعتدون على المتظاهرين وعلى الكاتدرائية ولم تتخذ أي موقف قانوني ضدهم.
وأوضحت ياسين أن جهاز الأمن الوطني لا يعمل إلا لصالح جماعة الإخوان المسلمين، حتى جهاز الشرطة بأكمله يعمل لمصلحة الجماعة دون غيرها، فمشاهد القتل والسحل ضد المعارضة منتشرة على وسائل الإعلام ولا تجد متهمًا واحدًا يقدم إلى العدالة لمعاقبته، وأيضًا الأدلة والبراهين التي كان من الواجب على جهاز الأمن الوطني أن يقدمها في أحداث الاتحادية والمقطم والكاتدرائية إلا أنه لم يقدم شيئًَا، لأن جماعة الإخوان استخدمت الجهاز كأداه بطش ضد معارضيهم في معظم الأحداث.
وأشارت إلى أنه عندما يسقط النظام الحالي سيتم محاكمة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم على ما ارتكبه من تجاوزات ضد الثوار والمتظاهرين، وأن وزير الداخلية لم يتخذ من حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق، عبرة.
وأضافت أن المصريين أدركوا أخيرًا أن التغيرات التي طالت هذا الجهاز عقب ثورة يناير لم تكن إلا تغيرات سطحية وشكلية، فقط تغيير اسم الجهاز من "أمن الدولة" إلى الأمن الوطني.
ولكن ظلت القيادات والعناصر النشطة التابعة للنظام السابق تعمل في مناصبها بنفس طريقة وأسلوب عمل جهاز أمن الدولة السابق، بل والأخطر استحداث هذه العناصر مليشيات مسلحة بغرض الانتقام من النشطاء السياسيين الذين يصرون على ضرورة تحقيق كل مطالب الثورة وأهمها القضاء على كل بقايا نظام مبارك.
واختتمت ياسين كلامها بتشبيه نهاية النظام الحالي قائلة: "سيخسر الكثير مثلما خسر النظام البائد"؛ حيث كانت أحداث تفجير كنيسة القديسين في أوائل 2011 كان بداية النهاية للرئيس السابق حسني مبارك، وكانت المسمار الأخير في نعش النظام، وأن أحداث اشتباكات الكاتدرائية الأخيرة كان يجب على الأمن الوطني أن يقدم تقريره عنها، إلا أننا لم نرَ متهمًا وحدًا قدم للعدالة في هذه الأحداث أو غيرها.
حماية الجبهة الداخلية
وفي سياق متصل، أكد الدكتور طارق خضر، أستاذ ورئيس قسم القانون الدستوري بكلية الشرطة، أن دور جهاز الأمن الوطني تقلص بعد ثورة 25 يناير، وأن دوره أصبح جمع المعلومات فيما يتعلق بالجرائم ضد الإرهاب والتجسس، مشيرًا إلى أن جهاز الأمن الوطني لم يقم بالدور المعلوماتي الموكل له، وأنه لم يتوصل لمعلومات كافية خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر، وأن دوره المعلوماتي لم يفعل على النحو المطلوب.
وأضاف خضر أن عودة الدور المعلوماتي لدى الجهاز سيؤدي إلى إجهاض المؤامرات والنيل والعبث في مقدرات الوطن، مشددًا على ضرورة عودة دوره دون افتئات أو اعتداء على حرية المواطن، وتفعيل اختصاصاته وألا يتدخل في الاعتداء على حقوق المواطن، وألا يكون طرفًا في اختيار أئمة المساجد ورؤساء المجالس الملية، ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات، وألا يستغرق في كل الوظائف كما كان يحث في النظام البائد.
وأن يكون دور جهاز الأمن الوطني حماية الجبهة الداخلية بالتعاون مع البحث الجنائي عن طريق التنسيق بينهما.
وأشار أستاذ القانون الدستوري بكلية الشرطة إلى أننا كنا في حاجة لدور الأمن الوطني في أحداث العنف الأخيرة التي شهدها الشارع المصري وخاصة أحداث فتنة الخصوص واشتباكات الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، لأن هذه الأحداث افتقدت لدور المعلومات والبحث الجنائي، وأن الجهاز كان في الماضي القريب يجمع المعلومات ويكشفها قبل حدوث الواقعة.
وكشف خضر عن دور جهاز الأمن الوطني في إجهاض المحاولات التخريبية في سيناء، نافيًا أن يكون للجهاز دور في خطف أو قتل النشطاء والثوار أو حتى القبض عليهم، مطالبًا بتفعيل دوره وتوسيع اختصاصاته، مشددًا على أنه في حالة وجود دلائل كافية على بعض الأشخاص واتهامهم بمحاولات تخريبية فإنه يجب اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم مهما كانت مناصبهم.
ومن جانبه، أكد اللواء سفير نور، مساعد رئيس حزب الوفد، أن دور جهاز الأمن الوطني في الوقت الحالي تضاءل، وأصبح أدائه أقل من ذي قبل، وذلك نتيجة الإحباط الذي يشهده الجهاز، وخاصة بعد ترك عدد كبير من قيادات الجهاز وضباطه له، وأن هذا الإحباط ألقى بظلاله على أداء الضباط سواء في الجهاز أو في وزارة الداخلية.
موضحًا أنه كان هناك بعض الانتهاكات داخل جهاز أمن الدولة في السابق كغيره من أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة، إلا أن هذه كانت قلة منحرفة بجهاز الشرطة.
وأشار نور إلى أن أي دولة بلا جهاز معلومات لا تستطيع أن تتقدم لأن للجهاز دور هام في جميع المجالات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الأمنية، معللاً بقيام الجهاز في النظام السابق بالاستعداد من خلال جمع المعلومات، لمواجهة ومعالجة الخلل قبل حدوثه، وأن الجهاز من أدق وأخطر الأجهزة في الدولة، وأنه قام بأدوارٍ كثيرة في النظام السابق وكان أول جهاز قدم معلومة عن اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وقدمها للواء نبوي إسماعيل قبل اغتياله، أما الآن فإن الجهاز يعمل بنصف كفاءته ولكن بأداء باهت، وغير ملموس رغم ما يواجهه، وأنه يقوم برفع تقاريره إلى الجهات المعنية، وأن القيادة السياسية لها رأي آخر وأن هناك محاولات لإخفاء هذه التقارير ولا تعرضها لأن بها اتهامات واضحة لقيادات من حزب الحرية والعدالة.
واتهم مساعد رئيس حزب الوفد النظام الحالي بتحطيم جهاز الأمن الوطني وجهاز الشرطة وإنشاء البديل، وأن قرارات العفو التي أصدرها الدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية، لصالح بعض المساجين في بعض القضايا السياسية، كان لها آثر سلبي على نفس ضباط الجهاز بل أصابهم بالإحباط.
وفجر نور مفاجأة من العيار الثقيل عندما كشف عن أن الجهاز لديه تقارير عن جميع أحداث العنف الأخيرة والتي شهدها الشارع المصري في الآونة الأخيرة، وأنه سيقوم بكشفها في الوقت المناسب، والتي تكشف عن المتورطين الحقيقيين في هذه الأحداث.
داعيًا الشعب المصري إلى الوقوف مع جهاز الأمن الوطني لأنه الجهاز المعلوماتي الوحيد القائم في الدولة، نافيًا أن يكون للجهاز دور في خطف النشطاء أو القبض عليهم قائلاً: "يكفيهم الإحباط".
القلم المخصوص
يذكر أن جهاز أمن الدولة قد أنشأه الإنجليز في مصر سنة 1913، وكان يُطلق عليه اسم "القلم المخصوص، ويتبع المندوب السامي البريطاني مباشرة، وكان الهدف من نشأته متابعة المجاهدين ونشطاء الحركات السرية الداعين لاستقلال مصر عن الإنجليز.
عمد الإنجليز في إنشائه لبعض ضباط البوليس المصري، ممن تولوا إدارته وكان على رأسهم اللواء سليم زكي، حكمدار القاهرة، الذي كان أحد رجال الإنجليز.
وبعد توقيع معاهدة 1936، تشكلت إدارتان للقلم السياسي، واحدة للقاهرة والأخرى للإسكندرية، بالإضافة إلى 'قسم مخصوص' يتبع السراي مباشرة، ويرأسه قائد البوليس الملكي، ولم يكن لوزارة الداخلية أية ولاية على هذا القسم؛ حيث كان قائده يتلقى أوامره مباشرة من الملك، ورغم أن هذه الأقسام كلها كانت لخدمة الاحتلال الإنجليزي، إلا أن العاملين بها كانوا من المصريين، سواء من الضباط أو المحققين أو المخبرين.
وبعد ثورة 52 تبدلت ملامح الأوضاع والهياكل التنظيمية داخل مصر بدعوى أنها من العهد الملكي البائد ولابد من التخلص منها، فيما عدا هذا الجهاز حيث لم يطله التغيير إلا على اسمه الذي تحول إلى "المباحث العامة" ثم أصبح اسمه أيام السادات "أمن الدولة"، واكتسب هذا الجهاز سمعته المخيفة في عهد جمال عبد الناصر، الذي كان لا يطيق فكرة وجود أدنى معارضة لسياساته الاستبدادية خاصة من جماعة الإخوان المسلمين، وفي عهده امتلأت السجون أو قُل "المسالخ الآدمية" بعشرات آلاف من الأبرياء والمظلومين غالبيتهم لم يرَ النور بعدها وقتل أو مات تحت وطأة التعذيب، وكان المصريون يطلقون على مباحث أمن الدولة لقب "زوار الفجر"، وكان الذي يزار من قبل هؤلاء الأشباح أو يستدعى لمبنى أمن الدولة، يودعه أهله لأنه أغلب الظن أنهم لن يرونه مرة أخرى.
ونظرًا لشهرة هذا الجهاز، وشراسة ودموية القائمين عليه، فقد أصبح من الأمور المسلم بها في الحياة السياسية المصرية، منذ ثورة 52، أن قيادات أمن الدولة عندما تنهي عملها المفزع بجهاز أمن الدولة تنتقل لتولى مناصب سياسية مهمة كوزراء ومحافظين ورؤساء هيئات ومصالح حكومية، فقد تولى وزارة الداخلية من أبناء جهاز أمن الدولة اللواء عبد العظيم فهمي، وممدوح سالم (وزيرًا للداخلية ثم رئيسًا للوزراء) وسيد فهمي، وحسن أبو باشا، وأحمد رشدي، وحبيب العادلي، وهذه المناصب السيادية والحساسة أوجدت نفوذًا ضخمًا لأمن الدولة في كل مفاصل الحياة المصرية بشتى تفريعاته، وأصبح مثل الأخطبوط أو الورم السرطاني المنتشر في جميع أجزاء الجسم، يقتله ببطء ويسيطر عليه بالتدريج.
جهاز عنقودي
ويضم الجهاز ضمن تركيبته المعقدة، مكاتب رئيسية منفصلة تشمل: وحدة جمع المعلومات، مكتب مكافحة النشاط الإخواني، مكافحة النشاط السلفي، مكتب مكافحة الطوائف الذي يختص بنشاط الجماعات الصوفية والبهائيين والنوبيين، مكتب مكافحة النشاط الشيعي، بالإضافة إلى مكاتب متخصصة في متابعة الأحزاب والنقابات والجامعات والحركات العمالية والنوادي الرياضية والاجتماعية والجمعيات الخيرية، ومكتب متخصص في متابعة أحوال الكنائس المصرية، وقسم مكافحة النشاط الطلابي بالجامعات، ومكتب النشاط الديني وهو مخصص لمتابعة أئمة الأوقاف وشيوخ المساجد وكتاتيب تحفيظ القرآن، والهيئات والمصالح الحكومية.
سيطر الجهاز على مفاصل الدولة من خلال حجم الملفات التي كان يديرها طيلة عقود والتي جعلت من الصعب السيطرة عليه أو تفكيكه، كما أن تركيبته الضخمة وحجم الامتيازات والرواتب الكبيرة التي يحصل عليها جميع من يعمل داخل هذا الجهاز تجعل من قياداته فوق الدولة وفوق القانون وفوق الوطن، ويبدو أن الحديث عن إعادة هيكلة الجهاز وإحداث تغييرات جذرية في قياداته، هو نوع من الثورة المضادة والترتيب السري لتدارك أثار الثورة والضربات المؤلمة التي نالها الجهاز على يد الثوار، فثمة خطة إنقاذ لهذا الجهاز يشرف عليها القائمون عليه لاستعادة نفوذهم وهيمنتهم على المشهد السياسي والاجتماعي في مصر.
*900 بلاغ للنائب العام ضد سلخانة "أمن الدولة" أشهرها "سيد بلال"
على الرغم من التغييرات التى طرأت على جهاز أمن الدولة منذ نشأته في عهد الاحتلال الإنجليزي، وتطور شكل الدولة إلا أن مهامه لم ينلها أي تغيير، خاصة وأنه أنشئ منذ البداية ليكون أداة بطش في يد السلطة الحاكمة وهو الدور الذي لم يتخل عنه منذ مولده حتى بعد مرور 100 عام، على نشأة جهاز أمن كهذا، كان من المفترض أن يضطلع في المقام الأول بحماية أمن المصريين والحفاظ على وحدتهم، حيث تعددت الجرائم التى ارتكبها بحق المصريين والتى أرشفتها الصحافة منذ إنشائه، وتولى مهامه لرجال شهد لهم بالولاء للسراي، وبعدها من تربطهم مصالح بالنظام الحاكم.
ولا يهمنا هنا إلا ذكر ما ارتكبه الجهاز ومسئوليته عن جرائم كان أشهرها على الإطلاق حادث القديسين والذي تمخضت عنه ثورة 25 يناير، بعد أن ضاق الشعب ذرعا باستخدامه كدمى لخدمة أمن الرئاسة الحاكمة وخدمة ملف التوريث الذي كان الشغل الشاغل لوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى المسجون حاليا على ذمة عدد من القضايا، ومساعديه ومعاونيه.
وقد اتهم معارضو مبارك الجهاز بعمله على قمع أى تحرك شعبي ضد النظام، وإلهاء الشعب عن الحياة السياسية بغرض حماية الشخصيات العامة من الاغتيالات، ووضع الأولوية لتنفيذ ما سبق دون الاهتمام بحقوق المواطنين المصريين وحرياتهم وخصوصياتهم.
كما أن العاملين في جهاز مباحث أمن الدولة يرشحون للمناصب الأمنية في مصر كرئاسة وزارة الداخلية، بالإضافة إلى أن ضباط مباحث أمن الدولة يتمتعون بمميزات مادية ومعنوية عن غيرهم من ضباط الشرطة.
اشتهر عن جهاز أمن الدولة ارتكابه العديد من جرائم التعذيب بحق المواطنين، وكان أشهر تلك القضايا على الإطلاق قضية المواطن "سيد بلال" والتى عوقب المتهم الرئيسي فيها بالسجن 15 عاما لاتهامه بقتل وتعذيب المذكور بالإسكندرية، عقب القبض عليه إثر حادث تفجير كنيسة القديسين.
وقد كشف تقرير الطبيب الشرعي تسجيل وجود إصابات وكدمات وحروق وآثار صعق بالكهرباء على أنحاء متفرقة من جثة سيد بلال.
وكانت البلاغات التى قد قدمت للنائب العام السابق عبدالمجيد محمود، عقب تلك القضية، قد وصلت إلى 900 بلاغ، تتهم مسئولين بجهاز أمن الدولة المنحل، بارتكاب جرائم التعذيب والقتل فيما عرف بـ "سلخانات وزارة الداخلية" التي كانت تتفنن في أساليب التعذيب لحماية نظام مبارك الفاسد، وقد قرر النائب العام، فتح الملف الأسود لجرائم التعذيب في مقار جهاز أمن الدولة المنحل، وأقسام الشرطة قبل وبعد ثورة 25 يناير.
وكان خبراء أمنيون قد أكدوا أن قضايا التعذيب والتى ارتكبت بحق المواطنين من قبل بلطجية أمن الدولة، لا تسقط بالتقادم، وأن قتلة التعذيب وأصحاب العاهات على يد هذا الجهاز بالآلاف من بين المواطنين المصريين الشرفاء.
ممن ارتكبت بحقهم جرائم الانتهاك الجسدي والضرب، وهتك العرض فضلا عن حالات الإساءة النفسية والعقلية.
*"القديسين" ..جريمة أمنية فاشلة لتكميم الأقباط
انتفضت مصر في أولى أعياد عام 2011، على كارثة مروعة دوى صوتها ليهز أركان البلاد بعد منتصف ليل أولى أيام العام الجديد، حيث احتفالات رأس السنة بكنيسة القديسين مارى والأنبا بولا بمنطقة ميامى بسيدى بشر، كان المشهد مروعا بعد أن كثر صمت الليل، بدوي انفجار سيارة مفخخة باستخدام عبوات متفجرة، أودت بحياة أكثر من 30 شخصًا وإصابة العشرات الآخرين، ملأت أشلاءهم المشهد أمام الكنيسة.
قامت الثورة على أعتاب هذا الحادث، الذي هدد أمان المصريين، خاصة بعد تخاذل جهات التحقيق الأمنية وعدم قدرتها على الكشف عن الجناة وراء الحادث، إلا بإدانة البعض أمثال سيد بلال، الذي راح ضحية التعذيب على يد ضباط أمن الدولة بالإسكندرية.
وبعد قيام الثورة ظهرت على صفحات العديد من الجرائد المصرية، مستندات تثبت تورط وزير الداخلية حبيب العادلي في التفجير وتكليفه القيادة رقم 77 ببحث القيام بعمل من شأنه تكتيف الأقباط، وإخماد احتجاجاتهم وتهدئة نبرة البابا شنودة تجاه القيادة السياسية، وأن التفجير جرى بالتعاون بين الداخلية وأحد المعتقلين النافذين في الجماعات المتطرفة ويدعى أحمد محمد خالد.
وقد كشفت المستندات خطة الداخلية وقيامها بتشكيل عناصر موثوق فيها من جهاز أمن الدولة وبلطجيته، بمعاونة المتطرف المذكور، وكان أحد المعتقلين بوزارة الداخلية، أمكن تجنيده لتنفيذ الحادث من خلال خطة أحكم إدارتها أمن الدولة، ووفر لها الأدوات كخريطة مداخل ومخارج الكنيسة وقائمة بكهنتها لتوجيه الأدلة الجنائية بعد الحادث وتقييد الأقباط.
*مذبحة "بنى مزار" فضحت سياسة إسناد الجرائم لـ "مختل عقليًا"
كثيرة تلك الحوادث التى ارتكبها أمن الدولة، لتمكين يد النظام الحاكم في السيطرة على مفاصل الدولة، وتوجيه الجماعات والتكتلات فيها إلى وجهة معينة كيفما تساق الأنعام، وتسند الجريمة إلى مختل عقليا .. تتعلق برقبته أرواح الشهداء من الأبرياء الذين راحوا ضحايا للحادث أمام الرأى العام.
ويأتي وفقا لهذه السياسات التى درج عليها أمن الدولة، في نسب جرائمه لأفراد، لتبعد عنه الشبهة، مذبحة بني مزار ذلك الحادث الشهير الذي وقع في منطقة بني مزار بالمنيا، في آخر عام 2005، وكأنما ارتبطت جرائم أمن الدولة بنهاية كل عام، حتى ترقد في ذكراها، راح ضحية المذبحة 10 أشخاص، من بينهم 4 أطفال، من ثلاث عائلات، مثل الجاني بجثثهم وقطع بعض أعضائهم بطريقة بشعة، ونزع بعض الأعضاء بطريقة معينة، بحيث تبقى سليمة غير مشوهة، لربطها بمافيا تجارة الأعضاء البشرية، وقد كان المتهم في القضية شاب يدعى محمد على عبد اللطيف، 27 عاما وقتها، أثبت في التحقيقات أنه مريض بانفصام الشخصية، وقد أدلى باعترافه بالجريمة، واتهم بارتكاب الحادث.
إلا أن المحامي طلعت السادات والذي قام بالدفاع عن المتهم، فجر ما يثير الشكوك حول القضية آنذاك، حيث كشف أن موكله ليس المتهم الحقيقي، وقال: إن هناك متهمين آخرين مسئولين عن هذه المجزرة، مشيرا إلى أن الشكوك التي ساورته حول صحة القبض على المتهم لم تفارقه على الإطلاق منذ اللحظات الأولى من إلقاء القبض عليه.
وقال إنه ليس من المعقول قيام مجنون بارتكاب هذه الجريمة، وتنفيذها في ثلاث أسر في فترة زمنية وجيزة، إضافة إلى الحرفية التي تمت بها الجريمة من انتزاع أعضاء سليمة من جثث الضحايا، الأمر الذي يؤكد أن الجريمة تمت بتخطيط على مستوى رفيع.
وأكد المحامي طلعت السادات في تصريحات صحفية، أن من يقف خلف الجريمة هو حبيب العادلي وزير الداخلية آنذاك وضباطه، وأنه تعرض للاعتداء ومحاولة القتل لإبعاده عن الدفاع عن المتهم وكشفه لألاعيب أمن الدولة وحيله الرخيصة، وقد تقدم السادات ببلاغ للمحامي العام لنيابات المنيا، ضد العادلي متهما إياه بالوقوف وراء واقعة الاعتداء عليه.
- See more at: [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]