حصل "اليوم السابع" على نسخة كاملة من تقرير هيئة مفوضى الدولة، الذى أوصت فيه الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإدارى بإصدار حكم بعدم اختصاص القضاء الإدارى، بعزل الدكتور محمد مرسى من منصب رئيس الجمهورية، وطالبت المحكمة بعدم قبول الدعوى التى أقامها محمد محمود سيد المحامى، والتى طالب فيها بإصدار حكما قضائيا بعزل الدكتور مرسى من منصبه، وإجراء انتخابات رئاسية جديدة.
وكان مقيم الدعوى قد ذكر أن رئيس الجمهورية أقسم اليمين ثلاث مرات باحترام القانون والدستور، إحداهم فى ميدان التحرير، والثانية بجامعة القاهرة، والثالثة والرسمية أمام المحكمة الدستورية العليا، عند توليه منصبه، إلا أنه ومنذ أن تسلم مقاليد الحكم فى الدولة، راح يهدم فكرة الدولة، وتمثل ذلك فى أعمال عديدة يعاقب عليها القانون.
أكدت هيئة مفوضى الدولة فى تقريرها الذى أعده المستشار إسلام توفيق الشحات، أن المادة 152 من الدستور تنص على "أن يكون اتهام رئيس الجمهورية بارتكاب جناية أو بالخيانة العظمى، بناء على طلب موقع من ثلث أعضاء مجلس النواب على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس، وبمجرد صدور هذا القرار يوقف رئيس الجمهورية عن عمله، ويعتبر ذلك مانعا مؤقتا يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته حتى صدور الحكم".
ونظمت محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى، وعضويه أقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، ومجلس الدولة، وأقدم رئيسين بمحاكم الاستئناف، ويتولى الادعاء أمامها النائب العام، وإذا قام بأحدهم مانع، حل محله من يليه فى الأقدمية، وينظم القانون إجراءات التحقيق والمحاكمة ويحدد العقوبة، وإذا حكم بإدانة رئيس الجمهورية، أعفى من منصبه مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى".
وتبين لهيئة مفوضى الدولة، أن هذا العمل ليس من القرارات أو الأعمال الإدارية التى تختص محاكم مجلس الدولة، بالنظر فى مشروعيتها، وهو ما يتعين معه القضاء بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى.
ونوهت هيئة المفوضين فى تقريرها إلى أنها أثناء أدائها لرسالتها القضائية للفصل فى تلك القضية، تبين أن المادة 152 من دستور جمهورية مصر العربية الحالى، قد حددت من هو المناط به توجيه الاتهام إلى رئيس الجمهورية، فى إطار الدور المنوط بمجلس النواب دستوريا فى الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، والتى يترأسها رئيس الجمهورية، وحددت آلية محاكمته، وأسندت إلى القانون إجراءات التحقيق والمحاكمة وتحديد العقوبات، إلا أنه وحتى تاريخه، وفى إطار هذا التوجيه الدستورى لم يصدر تشريعا يحدد تلك الإجراءات المنوه عنها بصلب المادة الحاكمة، والتى تستوجب التدخل التشريعى الفورى باعتبار أنه من المظاهر الأساسية للمدنيات الحديثة، خضوع الدولة فى تصرفاتها لحكم القانون، حتى أن الدول لتتباهى فيما بينها بمدى تعلقها بأهداب القانون، ورضوخها لمبادئه وأحكامه، ولذلك فإن التزام الإدارة بالتنفيذ الكامل غير المنقوص لنصوص القانون يعتبر عنواناً للدولة المتمدينة وللدولة القانونية.
وأشارت إلى أنه ويعد امتناع الإدارة عن الالتزام بالقانون، أو تنفيذه تنفيذاً مبتسراً، أو الاعتماد على قرارات صادرة عن سلطة تنفيذية للافتئات على تشريع سارى يعد ذلك مخالفة قانونية صارخة، إذ لا يليق بحكومة فى بلد متحضر أن تنحرف عن التنفيذ الصحيح لموجباتها بغير وجه حق قانونى لما يرتبه هذا الانحراف، من إشاعة للفوضى، وفقدان للثقة فى سيادة القانون، ومن ثم وجب على وبما لا يخل بمبدأ الفصل بين السلطات استنهاض السلطة المختصة بإعمال شئونها بإصدار قانون لمحاكمة رئيس الجمهورية، استكمالا للبنية القانونية للدولة عملا بنص الدستور الحالى، باعتبار أن ذلك يعد من المظاهر الأساسية للمدنيات الحديثة.
كما أشارت هيئة مفوضى الدولة، إلى أن واجب الحماية والأمن يقع على كل مسئول بالدولة أقسم يمين الولاء للحفاظ على الدستور والقانون ورعاية مصالح الشعب رعاية كاملة، ذلك أن القسم بالله العلى العظيم بعباراته التى يتطلبها الدستور ممن يتولى ممارسة السيادة عن صاحب السيادة، وهو الشعب، وممن يتولى قيادة البلاد من الحكام والوزراء ومسئولى الحكم المحلى ليس طقساً شكلياً، أو عملاً مادياً تتطلبه مراسم التنصيب، بل هو عهد غليظ بالغ الأهمية يحدد أُطر ونطاق العقد الاجتماعى بين الشعب وحكامه، بحيث إذا تجاوز الوكيل، أو النائب حدود هذه الوكالة، أو النيابة أو قصّر أو تهاون فى أدائها كان خائناً بالعهد الذى قطعه على نفسه وأشهد الله عليه، وحق وصفه بخيانة الأمانة السياسية بالتهاون عمداً أو تقصيراً وإهمالاً، فى الالتزام بمفهوم ما تتضمنه عبارة القسم التى تستدعى فى ذاتها مجمل ما يفصله الدستور والقانون من أحكام بشأن التزامات وواجبات القائمين على أمور الشعب صاحب السيادة.
وذكرت أنه ليس مقبولاً أن يتقاعس مرفق الأمن، وهو الجهاز العضوى الذى أنيط به تولى مهمة خدمة الشعب، وكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين، والسهر على حفظ النظام والأمن العام والآداب وفقاً للقانون عن إغاثة من يفزع إليه، مستنجداً من الخارجين عن القانون، فلا يلقى أذناً صاغية، أو قلب واع أو رادع، مع التأكيد على ضمانة حق الدولة من خلال تشريعاتها والقائمين عليها بأن تضرب بيد من حديد على كل العابثين بمقدرات وأمن البلاد، وتعويق مسيرته وهدم اقتصاده القومى، إذ لا قيام للدولة القانونية إلا بإعلاء مبدأ خضوع الدولة للقانون، وإعلاء مبدأ المشروعية، ولا قيمة لهذا المبدأ الأخير ما لم يقترن بمبدأ تقديس واحترام أحكام القضاء، ووجوب تنفيذها، ومبدأ متابعة التشريعات، وإدخال التعديلات والتحديثات اللازمة عليها لمواكبة تقدم المجتمع وتطور أحداثه.