نشر الكاتب الكويتى أحمد الجار الله رئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية مقالا اليوم تحت عنوان "حسنى مبارك.. الرجل البسيط المهموم بمصر وأهلها"، قال فيه: لقد نجح خصوم الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك فى تلفيق التهم ضده، وفى تسويقها بين العامة، وإقناع شريحة عريضة بها، ما جعله يترك منصبه ويقبل الخضوع للمحاكمات، وحجز حريته، لأنه مؤمن بأن مصر لن تظلم أولادها الأبرياء الذين كرسوا حياتهم لها ولخدمة شعبها ورفعته.
وأوضح "الجار الله" فى مقاله، أن أول تعارف بينه وبين الرئيس السابق حسنى مبارك عندما كان نائبا للرئيس الأسبق محمد أنور السادات، يومذاك، وبعد القمة العربية التى عقدت فى بغداد فى نوفمبر عام 1978، واتخذ فيها قرار مقاطعة مصر بعد توقيع الرئيس السادات معاهدة "كامب ديفيد"، تقدمت إليه قائلا: إنى أحمل رسالة شفوية من الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله، وكان يومذاك مازال وليا للعهد.
وأضاف الجار الله: "استقبلنى حسنى مبارك، وأحضر آلة لتسجيل الرسالة، فقلت له: "إن الرسالة إلى الرئيس وليست لكم"، فاتصل بالسادات الذى طلب مقابلتى فورا، وأفضيت له بفحوى الرسالة التى سرعان ما فعلت فعلها فى العلاقات بين مصر وعدد من الزعامات العربية".
وأكد أنه فى تلك المرحلة كانت وسائل الإعلام العربية موجهة وشبه رسمية ولاسيما فى الدول "الثورية" التى اغتصبت الحكم فيها مجموعات وسرقته من أهله، ولذلك كانت حفلات التخوين والردح ضد مخالفى سياسات تلك الدول رائجة جدا، وطبعا نالت مصر ورئيسها النصيب الوافر من حفلات التخوين تلك، إثر زيارة أنور السادات للقدس فى عام 1977.
وأشار الجار الله إلى أنه منذ تلك الرسالة بدأت معرفتى وعلاقتى مع الرئيس حسنى مبارك، فك الله قيده، وبعد اغتيال شياطين المؤامرات للسادات فى السادس من أكتوبر عام 1981 تولى نائب رئيس الجمهورية الحكم، وأذكر جيدا كيف أن هؤلاء الشياطين أشاعوا أن مبارك هو من رتب عملية اغتيال السادات، ونسجوا حولها الروايات ووضعوا تفاصيل خيالية.
وقال الجار الله: "التقيت مبارك بعدما أصبح رئيسا وكان السؤال الأول الذى طرحته عليه لماذا لم تمت فى تلك الحادثة ياسيادة الرئيس، ضحك طويلا.. وقال بما معناه: هل أنت منهم، من عصابات إطلاق الشائعات والتهم الجاهزة، وأردف: "تلك إرادة الله".
وأوضح أن مبارك قائد القوات الجوية السابق تسلم رئاسة الجمهورية ومصر لا تزال ترزح تحت وطأة التركة الثقيلة التى خلفها نظام جمال عبد الناصر، دولة ضعيفة محطمة خربة، لكنه استطاع خلال فترة وجيزة أن يشحذ إرادة شعبها، ويرفع معنوياته بعدما كانت أيديولوجيات ثورة عبد الناصر قد أضعفته ورمته فى أتون الشعور بالمرارة واليأس، بعد سلسلة الهزائم التى منيت بها مصر، رغم أن شعبها من أفضل أجناد الأرض.
وتابع أن تلك الثورة التى أدت فى عام 1952 إلى رحيل الملك فاروق مثقلا بجبال من تهم زائفة فبركتها أجندة حاذقة نفذها مغامرون لا علاقة لهم بإدارة الدولة، ولا يمتلكون خبرة فى توجيه مسار الحكم فى ظل احتكاك غشيم وغبى مع دوائر القرار فى العالم، وهذا ما أدى بهم إلى خوض غمار حرب عام 1956 التى كانت ردا على تأميم قناة السويس، علما بأن القناة كانت ستعود إلى كنف السيادة المصرية بعد نحو عشر سنوات من ذلك التاريخ وكانت هذه الحرب القشة التى قصمت ظهر البعير، حيث وكعادة الأنظمة الثورية العربية، تحولت الهزيمة نصرا، وهو لا شك انتصار كاذب خصوصا أنها خلفت دمارا كبيراً لمصر.
وأشار رئيس تحرير السياسة الكويتية إلى أنه لم تمض سنوات حتى كانت المغامرة الثانية فى يونيو عام 1967 التى زادت تخريب مصر، وقتل فيها الآلاف من الجنود المصريين وتحولت أيضا الهزيمة واحتلال سيناء وقناة السويس إلى "نكسة" ودخلت مصر لسنوات أخرى فى دهليز الاستنزاف والشعارات والخطب الحماسية، إلى أن جاءت حرب عام 1973 لتقلب الموازين وتغير الأيديولوجية التى رسخها فى الأذهان نظام جمال عبد الناصر.
وقال الجار الله إنه على كل حال، لسنا فى معرض الغوص فى تركة نظام عبد الناصر، ولن نتحدث اليوم عن الرئيس الأسبق أنور السادات الذى سنفرد له مساحة خاصة لاحقا، فنحن هنا نروى بعض فصول قصة الرئيس حسنى مبارك الذى توطدت علاقتى به أكثر بعد توليه رئاسة الجمهورية وبعد الانفتاح الاقتصادى الذى شهدته مصر حينذاك، مشيرا إلى أن هذه القرارات كان قد اتخذها الرئيس الراحل أنور السادات، لكن مبارك هو الذى نفذها، حيث ازداد فى عهده الاستثمار العربى والأجنبى.
وقال الجار الله: إن حسنى مبارك لم يكن منتفعا وهو لم يطلب فى يوم من الأيام حصة من هذا الاستثمار، بل كان يحض المستثمرين على الاستثمار فى المحروسة، ويسوق بلاده وكأنه مدير علاقات عامة من الطراز الرفيع تحيط به هيبة منصبه، يتنقل بين دول "مجلس التعاون" ليشجع على الاستثمار فى مصر، ويطلب المزيد لها.
وأضاف أنه يذكر أنه قبل إقدام صدام حسين على غزو الكويت أرسل 50 مليون دولار إلى الرئيس مبارك، فاتصل به وسأله عن سبب إرسال هذا المبلغ فقال صدام: "هذا مبلغ بسيط واعذرنا إذا كنا قصرنا فى تقديرك"، وأجاب مبارك: "أنتم فى العراق بحاجة لهذا المبلغ، ونحن فى مصر شايلنكم للعوزة الكبيرة"، وأمر بأن يودع المبلغ فى حساب الدولة بالبنك المركزى المصرى وليس فى حسابه الخاص.
كذلك أذكر أن أحد زعماء الخليج كان خصص راتبا شهريا لمبارك، وهو مبلغ مهم جدا، لكن هذا المبلغ كان يودع فى البنك المركزى المصرى لحساب الشعب.
وقال إنه حين نقول إن مبارك لم يكن منتفعا فإننا نعزز ذلك بالشواهد، لأن الرجل كرس كل وقته لرعاية شعبه وفتح أبواب الاستثمار أمام الجميع، واستطاع رغم التحديات أن يعزز ثقة المستثمر المحلى والأجنبى بمصر، هذه الثقة التى فقدت إبان عهد عبد الناصر بعد أن كان الملك فاروق تعب هو الآخر فى بنائها عند المستثمرين، لكنها هدمت بعد إن عُزل الملك، وبدأت المغامرات الثورية.
وأضاف أنه من المتعارف عليه فى عالم الاقتصاد أن الدولة التى تفقد حكمها الشرعى التقليدى تخسر ثقة العالم بها، وتحتاج لسنوات طويلة لإعادة بنائها، فكيف إذا كانت هذه الدولة قد دخلت مرحلة من الركود جراء الثورة الهوجاء التى اختارت الصدام مع كل العالم، وحولت دولة مثل مصر إلى معسكر مقفل، وقادتها يطلقون الشعارات التى يتخيل من يسمعها أن الحرب ستقع الآن؟ يومذاك اجتاحت تلك الحمى الثورية العالم العربى وعبث فيه من عبث انقيادا لشعارات الناصرية التى لم تجلب عليه وعلى مصر إلا الخراب.
وأضاف الجار الله: كنت على اتصال دائم بالرئيس مبارك حتى أثناء أزمته وفى لقاءاتى معه، ولاسيما بعد أى أزمة سياسية كان يقول دائما: "كل أملى ألا يتمكن "الإخوان" من حكم مصر"، لأنه يدرك إلى أين سيأخذون أرض الكنانة، ليس لدى الرجل ما يخفيه لهذا لم يكن خائفا من المستقبل.
وأضاف أن أولئك الذين سرقوا الحكم منه، راحوا يشيعون بين الناس وفى العالم أنه يملك 70 مليار دولار ونسجوا القصص والحكايات عن فساده، وأكثروا من تعظيم الوصف حتى يبرروا لأنفسهم الانقضاض على مصر، ورغم كل ما أشيع عنه رفض مبارك أن يترك بلاده لانه كان دائما يقول: "جيوبى خالية وثوبى أبيض وعلاج الفساد ليس بهدم المعبد على من فيه، ليس بهدم مصر".
وأوضح أن أولئك رفعوا رايات حق أرادوا بها باطلا، وها هى الحقائق والشواهد تترى، فالفوضى تعم مصر والفساد تضاعف إلى حد مخيف والدولة تضعف يوما بعد يوم، ألم يكن من الأفضل لتوفير كل ذلك انتقال السلطة سلمياً، انتقالاً دستورياً، يختار فيه الشعب المصرى من يراه الأفضل لحكم بلاده، لكن قوى الشر من خارج مصر ومن داخلها تريد أن تدمر هذه القوة الاجتماعية والسياسية والعسكرية وأولاً وأخيرا الاقتصادية.
وقال الكاتب إن القوة التى بدأ نورها يشع، أرادت قوى الشر تلك أن تمسك هى بزمام الأمور لتحاول الاستفادة من هذه الدولة الكبيرة، أو بالأحرى لتحتكرها وتوظفها فى خدمة أهدافها، يومذاك أطنبوا بالحديث عن فساد وأموال وثروات طائلة مكدسة هنا وهناك، واليوم بعد مرور ثلاث سنوات على إمساكهم بالسلطة لم يجدوا أى ثروات مودعة فى البنوك، لا فى سويسرا ولا غيرها، وبعد البحث والتحقيق قال لهم السويسريون كل ما لدينا 400 مليون فرنك هى كل ودائع أبناء مصر ورجال أعمالها وليست لحسنى مبارك.. نعم، مصر يا ريس تدفع اليوم ثمن التكفير عن ذنبها بعد الإساءة لك.. يقولون إن الدنيا دار جزاء فهل مصر تدفع الآن الجزاء؟ وما من ظالم إلا سيبلى بالظلم، إنها الدنيا يوم لك ويوم عليك.
وتسأل رئيس تحرير السياسة الكويتية: هل تستأهل مصر ما يجرى فيها، ألم يكن من الأفضل كما ذكرنا أن تنتقل السلطة دستورياً وسلمياً، وبعدها تجرى محاسبة الفاسدين بدلا من سرقة السلطة وتقويض الدولة وتعطيل الاقتصاد، ونقض الاتفاقات الدولية، كما هى الحال اليوم؟
وأضاف الكاتب لقد غرر هؤلاء بالناس، غرروا بشعب مصر العظيم، وغسلوا أدمغة الناس بالأباطيل والتهم المعلبة وكانوا يشيعون أن كل هذا الفساد والخراب المزعوم سينتهى حين يتسلمون السلطة، لكن ما حدث كان العكس، فالفساد ازداد ومعه كثر الفاسدون، بل عادت مصر إلى أجواء الحكايات التى روجها عبد الناصر - رحمه الله - والأيديولوجية التى رسخها عن الملك فاروق وحاشيته.
ما أشبه اليوم بالبارحة، فها هى سرقة حكم مصر تتكرر، وها نحن نسمع حاليا حكايات وحكايات عن حياة الرئيس حسنى مبارك.. وعن أصله ونسله وذويه وحاشيته، حكايات كتلك التى روجت عن الملك فاروق الذى قيل عنه أنه استقل يخت المحروسة بعد أن شحن فيه صناديق الذهب والخمر، بل قالوا فيه ما لم يقله مالك فى الخمر، لكن الشعب المصرى اكتشف لاحقا زيف تلك الحكايات، وعرفوا أن اليخت لم يكن فيه من طعام إلا ما يكفى لثلاثة أيام.. ومثلما اكتشفوا أن فاروق لم يكن ذلك الغول الذى صوروه لهم، سيكتشفون أيضا أن مبارك ليس ذلك الرجل الذى نسجت حوله كل هذه الحكايات التى تروى حاليا.
واختتم بالقول إن ما تمتع به الرئيس مبارك فى قصر الرئاسة هو فنجان القهوة، فمعدته لا تتسع لمئة "فرخة" ولا لعشرين خروفا، إنه رجل بسيط وكل ما حوله بسيط، همه كان ولا يزال مصر وأهلها وهذا ما سيكتشفه المصريون وسيكتشفون زيف ما نسجه سراق السلطة عنه وحاكوه حوله، حسبنا الله ونعم الوكيل.