كل الطرق تقود إلى التصادم، والدم والعنف، بعد وصول العلاقة بين الشعب والنظام إلى طريق مسدود، فقبل أيام من مليونية 30 يونيو التى دعت لها حملة تمرد، وأيدتها القوى السياسية المعارضة، ومنها جبهة الإنقاذ، جاءت حركة المحافظين لتصب المزيد من الوقود على نار الاحتقان الذى يتضاعف. ووسط هذا التوتر يأتى السؤال: هل يمكن وقف هذا الصدام والتدهور؟، ومن فى يده الحل؟.. العيون تتجه إلى الرئيس مرسى، وهو المسؤول الأول والأخير عن أى نتائج محتملة، وفى يده أوراق أو هى ورقة أخيرة، أن يعيد النظر فى المطالب المطروحة.
البدائل والأوراق الأخيرة المطروحة أمام الرئيس الدكتور محمد مرسى هى نفسها المطالب السبعة التى طرحتها المعارضة وجبهة الإنقاذ، وتم رفضها أو تجاهلها، وهى نفسها مطالب القيادات السلفية مؤخرا، وتتركز فى إقالة حكومة هشام قنديل، وتشكيل حكومة إنقاذ وطنى برئاسة شخصية متفق عليها، تختار خبراء يمكنهم إنقاذ البلاد من الأزمات، وامتصاص الاحتقان، وهناك أسماء مطروحة، منها الدكتور محمد غنيم، أو سمير رضوان، أو حسام عيسى، أو عبدالعزيز حجازى، أو عمرو موسى، وأن يتم إنهاء غموض وضع جماعة الإخوان، وأيضا تغيير النائب العام المختلف عليه، ومنح القضاء الأعلى طريقة تعيين النائب العام، ووقف الصراع مع القضاء، والبحث عن طريقة لتعديل الدستور بشكل أكثر توافقية. هذه هى المطالب الأهم، والتى يمكنها إنهاء الاحتقان، أما البديل فى حال الفشل فهو الدعوة لانتخابات رئاسية، وإسقاط النظام القائم.
هذه هى الورقة الأخيرة المتاحة أمام الرئيس لامتصاص غضب الشارع، وتجنب العنف. هناك سؤال يطرح نفسه بقوة، وهو: هل فاتت الفرصة لإنهاء الاحتقان، واستعادة الهدوء بدلا من السير فى طريق مبارك، وتكرار نفس السيناريو الذى انتهى بالإطاحة به، وسقوط مئات القتلى والجرحى إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير، أم أن الرئيس سيتفهم دروس الماضى ويستخلص منها العبرة، وأن يعرف أن العناد لاينتج سوى الصدام؟
تغيير حكومة قنديل.. وتشكيل حكومة إنقاذ برئاسة شخصية متفق عليها
كان موقف جبهة الإنقاذ الوطنى واضحا منذ البداية، فقد رفضت محاولات جماعة الإخوان للضغط عليها، وإجبارها على العدول عن مطالبها، والمشاركة فى حوار وطنى مع الرئيس، للوقوف على نقاط مشتركة ترضى جميع الأطراف، وذلك للخلفية الراسخة فى ذهنها بأن جماعة الإخوان المسلمين لم تعد بشىء طوال العام الماضى وحققته، وبالتالى فالحوار لم يُجدِ كثيرا، ولا سبيل سوى تحقيق مطالبها، وأولها تغيير الحكومة الحالية برئاسة الدكتور هشام قنديل، وتشكيل أخرى جديدة بدلا منها.
وفور تولى الرئيس محمد مرسى رئاسة الجمهورية، كثر الحديث حول تشكيل حكومة توافقية تشمل مجموعة أسماء، من بينها الدكتور محمد غنيم، والدكتور سمير رضوان، وعمرو موسى، والدكتور حسام عيسى، والدكتور عبدالعزيز حجازى، وغيرهم، ولكن دون استجابة من جانبه، وتم تشكيل حكومة الدكتور هشام قنديل التى رأى البعض أنها مجرد واجهة وأداة لتمرير وتنفيذ قرارات فئة بعينها، وليس لها أى دور حقيقى فعال فى الساحة السياسية، وزادت الأوضاع سوءا فى عهدها، وأكد ذلك نتيجة استطلاع الرأى الذى أجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» فى شهر إبريل الماضى، والتى جاءت بأن %47 من الشعب يرغبون فى تعديل وزارى، وإقالة قنديل، والآن عاد الحديث مجددا عن تعديل وزارى عاجل لتخفيف حدة الاحتقان فى الشارع المصرى، وهذا ما ذكره رئيس حزب التغيير والتنمية، الدكتور باسم خفاجى، فى تصريحات صحفية له، مقدما اقتراحا بإقالة حكومة قنديل فورا، وتقديم كشف حساب عام، والتوافق على حل مجلس الشورى.
وأيضا ما قاله الدكتور محمد محسوب، نائب رئيس حزب الوسط، وزير الدولة للشؤون القانونية والنيابية سابقا، على الـ«فيس بوك» فى مارس الماضى: كنت أرجو تغيير الحكومة لكى يشعر الناس بأن تغييرا فى السياسات تحقق، وأن ما بعد الدستور يختلف عما سبقه، وأن يكون تغيير الحكومة ليس تغييرا للأشخاص، إنما لفلسفة تشكيل الحكومة، بحيث يتوافق عليها الجميع، من هم بالحكم ومن هم بالمعارضة، باعتبار أن المرحلة مازالت انتقالية، وأهم ما فيها إجراء انتخابات تنشأ عنها «حكومة أغلبية»، وبعدها طالب مجددا الوزارة بوضع استقالتها بين يدى الرئيس، على أن تأتى أخرى بديلة قادرة على تنفيذ التكاليف الدستورية.
ورأى عدد من القوى السياسية أن بقاء مرسى يتمسك بحكومة لا تطيع غيره هو وجماعة الإخوان المسلمين، دون النظر للبلاد، مهددين بأن بقاء قنديل سيؤثر على بقاء مرسى نفسه، وبالتالى عليه تغيير الوزارة الحالية تفاديا لأى أضرار.
«المصريون عازمون على النزول إلى الشوارع والخروج بمظاهرات حاشدة فى عدد كبير من الميادين، لكن الرئيس يملك من الآليات ما يمكّنه من تقليل أعداد تلك الحشود»، حسبما قال الدكتور جمال عبدالجواد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، المدير السابق لمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، موضحا أن من أهم آليات الرئيس لتفادى الصدام قبل 30 يونيو تغيير الحكومة، مشترطا طرح أسماء لتولى رئاسة الوزراء تحظى بثقة الشارع، وبتوافق من القوى السياسية، مثل الدكتور حسام عيسى، القيادى بحزب الدستور، أستاذ القانون الدستورى بجامعة عين شمس، وأيضا الدكتور حازم الببلاوى، الوزير السابق.
ويرى عبدالجواد أن مرسى أضاع على نفسه ورقة حركة المحافظين التى تمت قبل يومين، والمتشابهة إلى حد كبير مع التغيير الوزارى، مفسرا ذلك بأن الجماعة تخشى تقديم تنازلات فى فترة ما قبل تظاهرات 30 يونيو تدل على ضعف موقفها، وتتسبب فى اهتزاز صورة الرئيس، وتشجع المعارضة على مزيد من المطالب.
ويضيف: إذا أراد مرسى المصالحة الوطنية، وتوجيه رسالة قوية للمعارضة مفادها دعونا نبنى البلاد سويا، فسيقصر الاختيار لرئاسة الوزارة بين كل من حسام عيسى، وحازم الببلاوى، مكملا: كلا الشخصين مقبول، ويتمتع بمصداقية لدى جميع القوى السياسية، وكفء، وغير متورط فى الفساد السياسى، لكن ما يميز الببلاوى بعده عن النزاع السياسى، على حد وصف عبدالجواد. ويقول: على الرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين الإحساس بخطورة اللحظة السياسية التى تمر بها مصر لتجنيب البلاد العنف والدم.
إلغاء مظاهرات يوم 1 2 يونيو لتجنب العنف المحتمل
على غرار حملة تجرد التى أطلقتها القوى الإسلامية للرد على نظيرتها تمرد ودعاوى إسقاط الرئيس، أعلن الفريق الأول خروجه فى 21 يونيو المقبل بمظاهرات تأييد لمرسى استباقا للمليونية التى ستنظمها القوى المعارضة يوم 30 من الشهر نفسه والتى تهدف إلى الإطاحة بالنظام الحالى والمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة.
ولا شك أن إطلاق القوى الإسلامية لمليونيتهم تلك، أمر يعبر عن حالة الاحتقان والترصد الموجودة فى الشارع السياسى المصرى مما ينذر باندلاع شرارة الأحداث وإمكانية وقوع اشتباكات بين الفريق المؤيد والمعارض، واتفقت تلك القوى الإسلامية التى شملت كلا من حزب الحرية والعدالة، والبناء والتنمية، والوسط، والوطن والفضيلة على تنظيم مليونية يوم الجمعة 21 يونيو أمام مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر مع احتمالية أن تتبعها مليونيات أخرى.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة يرى أن الرئيس وجماعته وأنصاره تأخروا كثيرا فى تقديم أية مبادرة لرأب الصدع فى الجسد المصرى، مشيرا إلى أنه لو صدر قرار بإلغاء تظاهرات أنصار الرئيس والمقرر لها يوم 21 يونيو الجارى فإن من شأن ذلك استفزاز المعارضين للاندفاع والتجهيز لمظاهرات 30 يونيو التى اصبحت شيئا حتيما لن يمنعها شىء، ويضيف نافعة: الرئيس كان أمامه الكثير من الوقت لكى يبدى نوايا طيبة نحو التوافق لكنه أضاع كل فرصه والتى كان آخرها حركة المحافظين، مضيفا: كل من يفهم عقلية جماعة الإخوان المسلمين يتأكد لديه أن الجماعة لا تسير إلا فى طريق التمكين، قائلا: استمرار الجماعة فى حكم البلاد بنفس معدل الأداء خلال الفترة الماضية سيقود مصر نحو كارثة اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية.
أما طارق تهامى عضو الهيئة العليا لحزب الوفد فيرى أن هناك حالة رفض شديدة من الشعب للجماعة، مضيفا: لا توجد ثقة بين الطرفين الآن. ويرى أن وقت المبادرات قد انتهى فالمظاهرات التى ملأت مصر خلال السبعة أشهر الأخيرة دلت على أن الشارع ليس ملكا للجماعة وحدها التى كشفت عن عنادها وغطرستها فى التعامل مع معارضيها،كما أن تمرد أثبتت قوتها من خلال جمعها توقيعات سحب الثقة من الرئيس والتى بصدد تنظيم تظاهرات ضخمة نهاية الشهر الجارى، حسبما قال تهامى.
تقنين أوضاع جماعة الإخوان بشكل نهائى وخضوعها لمراقبة أجهزة الدولة
عندما صدرت توصية هيئة مفوضى الدولة بتأييد قرار حل جماعة الإخوان المسلمين لعدم قانونيتها، وإشهارها والاعتراف بها كجمعية أهلية، أثار ذلك تساؤلات عديدة حول مصير هذا الفصيل المسيطر على الشارع المصرى حاليا، وشكل ممارستها للعمل السياسى فى الفترة المقبلة، ولكن عدد من القوى السياسية والقانونية وقتها رأت أن هذه التوصية لن تفرق كثيرا وأن الجماعة ستستمر فى ممارسة العمل السياسى وإن لم يكن من خلالها بشكل مباشر فسيكون من خلال حزبها الحرية والعدالة وبالتالى فإن التشكيل الجديد للجماعة والاعتراف بها كجمعية أهلية مجرد إجراء شكلى ولن تخضع للقانون يوما. وهذا ما التمسه البعض من خلال التصريحات السياسية التى يدلى بها قيادات الجماعة من وقت لآخر، ومشاركتهم فى المبادرات السياسية وبالتالى أصبح الشعب أمام مطلب مُلح وهو تقنين وضع الجماعة وتحديده بشكل حقيقى هل هى جمعية أهلية تطبق أحكام القانون والالتزام بالعمل الأهلى فقط، ويحظر عليها ممارسة أى نشاط سياسى أو تجارى ويخضع تمويلها وميزانيتها للرقابة، أم لا؟
خاصة أن الجماعة عندما تأسست عام 1928 بدأت كجماعة دعوية، ثم جاء انخراطها فى العمل السياسى تدريجيا ودائما ما كانت تتعرض لمضايقات السلطة الحاكمة، وعقب ثورة الـ25 من يناير زاد ظهورها فى الساحة السياسية بشكل لم يسبقه مثيل وهنا تذكر الجميع الدعاوى القضائية التى كانت تلاحق هذه الجماعة وتطالب بحلها منذ فترة الخمسينيات، التى كان مصيرها التأجيل.
محمد زارع رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائى يرى أن الوقت تأخر كثيرا من أجل تصحيح أوضاع غير دستورية بعد أن قبل الشعب أن تحكمه جماعة غير قانونية وغير مشروعة، ويضيف الإخوان المسلون لها أشكال متعددة أولها جماعة الأم المسماة بالإخوان المسلمين ذات الشكل الهلامى الممتد فى أكثر من دولة والتى لا نعرف عدد أعضائها ولا مصادر تمويلها، أما ثانى أشكالها فهى جمعية أهلية تعمل بالعمل الدعوى تحت مسمى جمعية الإخوان المسلمين فيما يحل حزب الحرية والعدالة كشكل ثالث للإخوان وهو يعمل بالانتخابات.
ويرى زارع أن تقنين أوضاع الجماعة ضرب من الخيال لأنها ستقابل عددا من المعضلات منها طمع الجماعة ورغبة فى السيطرة على كل شىء من خلال فروعها الثلاثة وكذلك قانون الجمعيات الأهلية الذى يتم تجهيزه يمنع على الجمعيات الأهلية العمل بالسياسية.
لكنه عاد ليقول إذا استطاع مرسى الإعلان عن شكل يفصل به بين الجماعة والجمعية والحزب ويعلن عن مصادر أموالها وطريقة تلقيها وإخضاع كل أطراف الإخوان الثلاثة إلى رقابة الدولة سيصبح من الممكن أن نعود سويا على طاولة واحدة، لكنه اشترط لتلك العودة أن تكون من يوم تنحى مبارك، مضيفا إسقاط الدستور واختيار مجلس رئاسى مدنى توافقى يشرف على فترة انتقالية جديدة هادئة نستطيع فيها وضع أسس الدولة هى أهم المطالب، كما رتبها زارع.
ويكمل: الجماعة استطاعت أن توحد الجميع ضدها حتى وصل الطرفان إلى مرحلة من الصدام أصبح من الصعب إيجاد تعايش بينهما.
تغيير النائب العام ووقف التدخل فى شؤون القضاء
فى نوفمبر 2012، خرج علينا الرئيس محمد مرسى بإعلانه الدستورى الذى أثار غضب الوسطين السياسى والقانونى، لما شمله من عدة قرارات، كان على رأسها عزل النائب العام السابق عبدالمجيد محمود، وتعيين طلعت إبراهيم بدلا منه، وهذا القرار كان كفيلا بإحداث حالة انقسام فى الشارع السياسى من جديد، ما بين مؤيد لهذا القرار، ومدى قانونيته، وآخر رافض يرى أنه قرار غير قانونى، وبه تعدٍّ صارخ من السلطة التنفيذية على نظيرتها القضائية، وكان مبرر الفريق الأخير فى ذلك أن الرئيس لا يملك صلاحية عزل النائب العام، أو منعه من الاستمرار فى عمله، حتى لو كانت حالته الصحية تستدعى ذلك إلا إذا طلب إعفاءه من مهامه، ووفقا لقانون السلطة القضائية فإن النائب العام يتم تعيينه من بين نواب أو مستشارى محكمة النقض، أو رؤساء محكمة الاستئناف، أو النواب العموم المساعدين أو المحامين العموم الأول، وهو الأمين على الدعوى العمومية فى جمهورية مصر العربية، وذلك بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، وبترشيح من وزير العدل، وذلك وفقا لقانون الإجراءات الجنائية، وقانون السلطة القضائية. وبعد إثارة موجة عارمة من الغضب إثر إصدار هذا الإعلان، صدر بعده إعلان آخر أقل وطأة، لكنه لم يقدم حلا فى أزمة تعيين النائب العام دون الرجوع للمجلس الأعلى للقضاء، وبناء عليه طالب عدد من القوى السياسية بعزل النائب العام الحالى، خاصة بعد صدور قرار محكمة الاستئناف بإلغاء قرار الرئيس بإقالة المستشار عبدالمجيد محمود، وبعدما أشارت المحكمة فى حيثيات حكمها إلى أن النائب العام بموجب الحصانة القضائية يستمر بمنصبه إلى أن يتقاعد ببلوغه السن القانونية، ولا يجوز نقله للعمل بالقضاء أثناء مدة خدمته إلا بناء على طلبه، وذلك للقضاء على آثار الإعلان الدستورى نهائيا.
ومع تفاقم الأزمة قدم عدد من المستشارين، وعلى رأسهم المستشار أحمد كشك، نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، حلا لتلك المشكلة، جاء فيه أن تتقدم القامتان القضائيتان الرفيعتان، النائب العام السابق والحالى، بطلب لمجلس القضاء الأعلى، يبديان فيه رغبتهما فى التخلى عن منصب النائب العام، والرغبة فى العودة إلى منصة القضاء العالية، على أن يقوم مجلس القضاء الأعلى بترشيح نائب عام جديد، وفقاً لأحكام الدستور، ويكون رئيس الجمهورية ملزماً بإصدار قرار بتعيينه فى منصب النائب العام، وبذلك يسدل الستار على مشكلة النائب العام التى قد يؤدى استمرارها إلى العصف باستقلال المنظومة القضائية بكاملها.
المستشار محمد حامد الجمل، الرئيس الأسبق لمجلس الدولة، يرى أن هذه الأزمة أشعلت الصدام بين القضاة وقوى المعارضة، فى مواجهة مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين، مضيفا أن إقالة النائب العام الحالى المستشار طلعت إبراهيم المطعون فى شرعيته أصبحت مطلبا ملحا وضروريا، خاصة أن ظروف تعيين طلعت إبراهيم بدلا من النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود أصابت المصريين فى مقتل، لأن تعيينه مثّل اعتداء على استقلال السلطة القضائية، ويعد تدخلا مباشر فى أعمالها، حسبما قال «الجمل». ويضيف: إن احترام القانون، وتنفيذ أحكام القضاء، أمران من شأنهما تخفيف حدة السخط العارم على الرئيس مرسى وجماعته، وكل من ساند هذا القرار الجائر.
ويضع «الجمل» سيناريوهات للخروج من تلك الأزمة، أولها إما تنفيذ حكم القضاء بإبعاد النائب الحالى عن منصبه، أو أن يتقدم هو باستقالته، ويختار المجلس الأعلى للقضاء من يشغل المنصب.
حل عقدة الدستور الذى فرّق المصريين
جميعنا يتذكر الإعلان الدستورى الذى قدمه الرئيس محمد مرسى فى نوفمبر من العام الماضى، عندما جاءت قراراته تحصينية للجمعية التأسيسية المكلفة بإعداد دستور البلاد ومجلس الشورى، وهما الجهتان اللتان كان من المنتظر صدور أحكام بحلهما من المحكمة الدستورية العليا بسبب الطعن فى إجراءات تشكيلهما، وجاءت الاعتراضات الكثيرة على مشروع الدستور الجديد قبل إقراره والموافقة عليه لعدة أسباب، أهمها أنه لم يحقق الأمل المرجو للشعب المصرى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، إضافة إلى أن هذا الدستور قد كتبته جمعية تأسيسية مشكوك فى صلاحيتها، وأن مجلس الشعب الذى اختارها قد تم حله بحكم قضائى، وأصر فصيل سياسى واحد على السيطرة عليها منذ البداية، رغم انسحاب كل ممثلى التيار المدنى منها، احتجاجا على تسلط الغالبية فيها، ولم يستمع الرئيس لكل هذا، بل أصدر إعلانا دستوريا يحصن قراراتها، تزامنا مع حصار أنصار تيار الإسلام السياسى لمقر المحكمة الدستورية العليا كى لا تصدر حكما بشأنها، وفى النهاية أصبحنا أمام دستور ليس توافقيا، بل تحول إلى أداة لانقسام وهدم الدولة.
ومع ارتفاع وتيرة الأحداث، وإلصاق التهم للقوى الإسلامية بأنها صاغت دستورا لا يعبر سوى عن مصالحها فقط، طالب بعض فقهاء القانون والدستور، من بينهم الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، وغيره، بضرورة تشكيل لجنة وإعادة كتابة الدستور من جديد، خاصة أن هذا من بين المطالب الرئيسية للتيار المعارض، كوسيلة من قبل الرئيس لتهدئة الأوضاع قبل يوم 30 يونيو، على أن يتم إعداد الدستور الجديد، والانتهاء من قانون انتخاب رئيس الجمهورية، وقانون انتخاب مجلس الشعب، وتنقية الجداول الانتخابية، وتشكيل لجنة من فقهاء الدستور والقانون لإعداد إعلان دستورى يدير البلاد حتى الانتهاء من الدستور الجديد، بدلا من وضع التشريعات فى يد مجلس الشورى الذى تزداد المطالبات أيضا بحله يوما بعد يوم، لنستقر بعد ذلك على دستور مدنى توافقى ديمقراطى يتلافى عيوب الدستور الذى وضعته جماعة الإخوان المسلمين.
وهناك بديل آخر يتمثل فى تشكيل جمعية وطنية جديدة تتولى مهمة كتابة دستور لمصر، يحظى بتوافق وإجماع المصريين، ولا يعبر فحسب عن فصيل واحد يسعى لاحتكار السلطة، وتغيير هوية البلاد، وفى حالة فشل الرئيس فى استيعاب الموقف، وذلك من خلال سرعة تكليف لجنة من الفقهاء الدستوريين لكتابة دستور جديد، أو تعديل الدستور الحالى. وقد وضعت القوى السياسية المشاركة فى 30 يونيو تصورا لكيفية إدارة البلاد بعد إسقاط الرئيس، يثمثل فى إسناد مهام إدارة شؤون البلاد للمحكمة الدستورية العليا، وتشكيل لجنة لإعادة كتابة دستور جديد خلال فترة لا تتجاوز 6 أشهر، يتم بعدها إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
الدكتور محمد الذهبى، أستاذ القانون الدستورى، يرى أن إقدام الرئيس مرسى على تنحية الدستور الحالى جانبا، والبدء فى انتخاب، وليس اختيار، أعضاء جمعية تأسيسية لوضع دستور تتوافق عليه جميع الأطراف، خطوة من شأنها امتصاص جزء من الغضب، بعد أن أضاع الرئيس وجماعته فرصا كثيرة من أجل صنع التوافق بين أطراف العملية السياسية فى مصر. ويضيف «الذهبى»: إذا لم يبدأ مرسى فى صنع خطوات من شأنها إعادة التوافق بين المصريين بعد أن شق صفهم، فإن ذلك بمثابة ضياع جديد لشرعيته التى فقدها منذ أن انقسم الشعب، وراح منه ضحايا.
الاعتراف بأخطاء الماضى والاعتذار عنها فى خطاب جماهيرى
قرارات كثيرة اتخذها الرئيس محمد مرسى منذ عام من توليه السلطة، أوحت جميعها برغبة جماعة الإخوان المسلمين فى السيطرة على مفاصل الدولة ومقاليد الأمور، مما دفع بعض القوى السياسية والقضائية لمطالبة الرئيس بالاعتذار عن اعتداء بعض القوى الإسلامية على السلطة القضائية وتجلى ذلك فى مشروع القانون الذى قدمه حزب الوسط لمجلس الشورى للمناقشة. ومثلما آثر الرئيس خلال القترة الماضية الخروج على الشعب فى خطابات جماهيرية وتقديم مزيد من التهديد والوعيد بأى محاولة من هدفها زعزعة الاستقرار أو الخروج عن شرعية القانون، فإن البعض يرى أن الرئيس عليه أن يستخدم الوسيلة نفسها ويطل على الجماهير فى خطاب آخر ولكن هذه المرة ليعتذر عن أخطاء المرحلة الماضية من وجهة نظرهم بداية من وعود المائة يوم الأولى من حكمه التى يرون أنه لم يتحقق منها شئ يذكر إضافة إلى زيادة تدهور الأوضاع فى البلاد وتقليص السلطة فى يد تيار بعينه.
وفى حالة استجابة الرئيس وتقديمه لخطاب جماهيرى قبل 30 يونيو للاعتراف بأخطاء الفترة الماضية وتقديم حلول ومقترحات للخروج من الأزمة الراهنة، فإن هذا سيكون من شأنه تخفيف حدة الاحتقان الموجودة فى الشارع، شريطة أن يكون هذا الخطاب مباشرا ويستهدف المشكلات بشكل حقيقى التى تحدثت عنها القوى المعارضة طوال الفترة الماضية ويبتعد عن سياسة التخوين ويقدم حلولا وسطا حتى لا يتكرر سيناريو الرئيس السابق حسنى مبارك الذى كان يطل من وقت لآخر على الشعب بخطابات جماهيرية تتحدث عن أمور وقرارات مخيبة للآمال ولا تلبى احتياجات ومطالب الشعب.
الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسى بكلية الإعلام جامعة القاهرة، رئيس لجنة تقييم الأداء الإعلامى، يرى أن إسراع الرئيس فى توجية خطاب شعبى قائم على الاحتواء وإبراز أخطاء الفترة الماضية من أجل فتح صفحة جديدة، مضيفا أن يتضمن ذلك التعامل الصادق مع كل الفئات وعدم تهديد المعارضين وعدم توجيه اتهامات لأى فصيل.
وقال العالم: لا أريد أن أسمى ما يقوم به مرسى اعتذارا حتى يحتفظ بجزء من المصداقية والهيبة لدى الشعب، مضيفا: هى أرضية جديدة نتمكن من البناء على أساسها، مشيرا إلى أن فكرة المصالحة تحتاج إلى خطوات وإجراءات فعلية تبدأ اليوم وليس الغد، لأنه لم تعد هناك فرصة لإنقاذ مصر من الصراعات الكبرى.
الدعوة لحوار وطنى بأجندة واضحة وتنازل الإخوان عن بعض مكاسبهم
«الدعوة لحوار وطنى وفق أجندة محددة والتبكير فى الانتخابات الرئاسية فى حالة فشله».. واحد من الحلول الأخيرة المطروحة أمام الرئيس لتفادى صدام 30 يونيو المقبل على الرغم من رفض بعض القوى المعارضة الجلوس على طاولة مفاوضات مع الرئيس قبل هذا اليوم الذى سيحسم الموقف من وجهة نظرهم، خاصة أن ثقتهم فى مثل تلك الاجتماعات أصبحت منعدمة لأنها تقتصر على أنصار الرئيس فقط ومؤيديه وتتجنب مناقشة مطالب الشارع وبالتالى فهى لا تعكس حقيقة الأصوات خارج أروقة غرف النقاش، ولكن بعض الأطراف الوسطية ترى ضرورة عقد حوار وطنى مدرج فيها أبرز مطالب الشارع المصرى المنصبة جميعها فى تحقيق مطالب ثورة الخامس والعشرين من يناير وتقليص السلطة فى يد جماعة الإخوان المسلمين.
نجاح الحوار الوطنى أمر مشروط بموافقة الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين على التنازل عن بعض المكاسب التى حققوها والانصياع لرغبة الشعب والعدول عن عدد من القرارات واتخاذ أخرى بديلة فى مصلحة القوى المعارضة وبالتالى فهذا شىء غير مضمون ومن المتوقع أن يقابل بالرفض وبالتالى يستمر موقف الفريقين كما هو ويفشل الحوار فى هذه الحالة وحقنا لمزيد من الدماء يقترح بعض رجال السياسة أن البديل المطروح أمام الرئيس لإنقاذ الموقف هو التبكير من الانتخابات الرئاسية حتى لا يزداد الأمر سوءا.
الدكتور وحيد عبدالمجيد، المتحدث الرسمى باسم جبهة الإنقاذ الوطنى يقول إن المعارضة دائما متمسكة بالحوار الوطنى الجاد ودائما هى الطرف الداعى له، مضيفا لو حدث أن قام الرئيس مرسى بدعوة جميع القوى السياسية لإجراء وطنى فى وجود جدول أعمال واضح ومحدد، وتوافق حوله جميع الأطراف المشاركة فى الحوار والتزام طرفى الحوار بمقرراته فإن ذلك من شأنه تخفيف الاحتقان المسيطر على أطراف المعادلة السياسية فى مصر.
وحدد عبدالمجيد جدول الأعمال الخاص بالحوار فى تشكيل حكومة كفاءات تعمل وفق برنامج تتوافق عليه القوى والتيارات السياسية، وإعادة الاعتبار للسلطة القضائية والاعتذار عما لحق بها من اعتداءات خلال الفترة الماضية، وتعيين نائب عام جديد، وتشكيل لجنة محايدة لتعديل الدستور بشكل تتوافق عليه كل القوى ويزيل المواد التى تصيبه بالبطلان أو تلك التى ترسخ لدولة دينية، والتوافق على قانون انتخابات جديد.
فى حال الفشل لا بديل عن انتخابات رئاسية مبكرة
ترى المعارضة أنه فى حال فشل الحلول الأخيرة لا بديل عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، تعتبرها المعارضة حلا ديمقراطيا كثيرا ما يتم طرحه فى الدول الحديثة وحدث فى أوروبا وإسرائيل.
وكما يقول المتحدث الرسمى باسم جبهة الإنقاذ الوطنى فى حال فشل الحوار يكلف الرئيس مرسى اللجنة العليا للانتخابات بالدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
وهى الخطوة التى من شأنها إنهاء الجدل والاحتقان والغضب والسخط على الرئيس وجماعته.