تقف بمفردها للمطالبة بثأر أبيها، وتصر رغم مرور السنوات على أن اغتياله كان مؤامرة كبيرة حدثتنا عن يقينها من أن مبارك كان شريكا فى الجريمة بالتآمر من جانب وبإخفاء المعلومات من جانب آخر،
وحكت عن زيارة مبارك السرية لقيادات البنتاجون قبل أيام من اغتيال السادات، وتساءلت: أين اختفت حقيبة الرئيس بعد اغتياله وبها قرار إقالة مبارك من منصبه كنائب للرئيس؟ فى حوارها مع «المصرى اليوم» تروى رقية السادات، ابنة الرئيس الراحل واقعة لقائها خالد الإسلامبولى، المتهم الأول بقتله، فى مكة بعد 12 سنة من الإعلان عن إعدامه،
كما تحدثت عن كتابها المزمع صدوره يوم السادس من أكتوبر حاملاً عنوان «ابنته» ليكون رسالة شكر، حسب قولها، لأب وزعيم لم تعرف قيمته إلا بعد رحيله، فإلى نص الحوار:
■ تتحدثين دوما عن علاقة بنوة مميزة بينك وبين الرئيس السادات فكيف كانت هذه العلاقة؟
- كانت علاقة قوية ومميزة، وكان يقول لى إننى «توأم روحه». لا للشبه بيننا فى الملامح أو نبرة الصوت وحسب، ولكن لأننى تحملت المسؤولية التى حملنى إياها فى رعاية إخوتى وأمى منذ سنوات عمرى الأولى ونجحت فى هذا. كنت أشعر بفرحته بى رغم كونى فتاة ولست ولداً، وهذا لا يعنى أنه لم يدلل إخوتى بل على العكس أحبهم ودللهم جميعاً، ولكننى كنت ابنته، ابنة أبى كما كانت تسمينى أمى لأننى كنت أخبره بكل شىء وأى شىء، وكان يستمع إلىّ ويناقشنى حتى فيما يقوم به من مهام نضالية، ولذا كان يلف علاقتى به إطار الارتياح والاهتمام والتفاهم والتقدير. سمها إن شئت علاقة عشق من جانبى لهذا الأب الذى تابعت بطولاته منذ أن كان عمرى 4 سنوات وأتذكر أننى كنت أنفذ تعليماته لى، لا كقرارات يجب على تنفيذها ولكن كسلوك على اتباعه لأننى كنت أريده أن يكون مطمئناً علينا، ولم أكن أريد تحميله أى أعباء إضافية أخرى فوق ما يتحمله من نضاله أو مهامه الرئاسية وللأسف لم يكن هذا سلوك كل أفراد العائلة.
■ يرى البعض أنه لم تتوافر لك الفرصة لتعيشى مع الرئيس السادات فترات طويلة بسبب نضاله السياسى فى الأربعينيات التى شهدت مولدك، وانفصاله عن والدتك وزواجه بالسيدة جيهان فيما بعد. ما تعليقك؟
- هذا سؤال مهم لأنه يوضح كيف كان أبى يشملنا برعايته ومتابعته فى كل لحظة من لحظات حياته حتى وقت اعتقاله أو هروبه أو بعد زواجه، فلم أشعر فى لحظة واحدة من حياتى أن أبى مشغول أو بعيد عن تفاصيل حياتنا، حتى إننا كنا ننتقل للسكن بالقرب من المكان الذى يعتقل فيه ليسهل على أمى وعلينا زيارته وإرسال الاحتياجات الأساسية له. وهو ما حدث عندما اعتقل فى الزيتون وقرة ميدان، المكان الوحيد الذى لم ننتقل للسكن فيه كان منقباد.
حتى بعد زواجه الثانى وتقلده العديد من المناصب كرجل دولة لم يغفل لحظة عن متابعة أدق تفاصيل حياتنا وهو ما يتضح فى خطاباته لى ونشرت بعضاً منها فى الكتاب الذى أعتزم إصداره لذا لن أروى فى الكتاب سيرة رقية السادات، ابنة الزعيم والرئيس، لكننى سأروى سيرة أبى التى خبرتها وتابعتها وعشتها معه. فقط أردت أن أقول له شكراً على كل ما قدم فى حياته كأب ورئيس لمصر.
■ تمر هذه الأيام الذكرى الحادية والثلاثين لاغتيال السادات. لماذا سيصدر الكتاب الآن بعد مرور كل تلك السنوات؟
- فكرة الكتاب ولدت بداخلى منذ ذكرى أربعين والدى فى 1981. كنت أمام قبره أقرأ له الفاتحة ودموعى تنهمر فى صمت وكانت حالتى النفسية سيئة للغاية حتى إننى ظللت هناك نحو 3 ساعات، عدت بعدها للمنزل وقد قررت أن أكتب ذكرياتى مع أبى وأن تحمل عنوان «ابنته»، لكننى لم أحدد لحظة خروجها للنور. كان لدى إحساس عميق بالغدر والخيانة اللذين تعرض لهما وأنهيا حياته بتلك الطريقة، ولكننى لم أكن أملك دليلاً على تلك المؤامرة الكبرى التى تعرض لها وخططت لها أجهزة مخابرات خارجية ونفذتها أياد - للأسف - مصرية. كنت أشعر ومازلت بأننى لم آخذ بثأرى ممن قتله. ولذا كان قرارى كتابة المذكرات منذ ذلك التاريخ، حتى يسمع العالم صوتى وأنا أحكى عن أبى الإنسان قبل أن يكون الزعيم والرئيس.
وكتبت الإهداء والمقدمة اللذين ستقرأونهما فى الكتاب منذ سنة 1981 لأفرغ شحنة الغضب التى تملكتنى وقتها، وطيلة كل تلك السنوات كنت أفكر فى كيفية كتابة ذكرياتى مع أبى وكيف أثبت حدوث مؤآمرة ضده، حتى حدثت واقعة نشر صورته بعد اغتياله فى صحيفة النبأ والتى تم تسريبها من قبل أجهزة كبيرة أرادت تشويه صورة الزعيم الذى اخترق الرصاص جسده، يومها ثار مارد الانتقام والغضب بداخلى، وتساءلت هل وصل الحقد والكراهية لرجل ضحى بحياته من أجل بلاده إلى هذه الدرجة.
كيف نجرؤ على تشويه صورة إنسان فارق الحياة ونحن شعب يؤمن بحرمة الموتى؟ وشعرت يومها بأن أبى أغتيل مجدداً بعد 22 سنة فقررت عدم السماح لأى إنسان بتجاوز حدوده رغم ما كان يُمارس ضد أبناء السادات من قبل مبارك ونظامه الديكتاتورى. إذ كنت أشعر بالحرب فى كل ما أقمته من دعاوى قضائية رفعتها للحفاظ على سيرة أبى وكرامته بعد موته، واعتبر الكثيرون بمن فيهم بعض من أفراد عائلة السادات ما كنت أقوم به جريمة، لأنهم كانوا يريدون الصمت وعدم مواجهة ذلك الديكتاتور الذى سمح عن عمد بتشويه صورة أبى صاحب الإنجازات الكبرى، لأنه كان بلا إنجازات.
■ تحدثتى فى الكتاب عن تقرب مبارك وقت أن كان قائداً للقوات الجوية من الشهيد عاطف السادات كوسيلة للوصول إلى الرئيس، لماذا تفسرين الأمر بهذه الطريقة؟
- لم أكن أطمئن لحسنى مبارك منذ أن رأيته أول مرة، كان غامضاً لا يتحدث كثيراً، كنت أستشعر خبثه ورغبته فى التسلق لمراكز أعلى بطرق مريبة، وقد اقترب من عمى عاطف ووطد صلته به فكان طريقه للاقتراب من أبى الذى كرمه واختاره نائباً له، وحينما حانت الفرصة غدر به.
■ لماذا تصرين على أن اغتيال الرئيس السادات كان مؤامرة خارجية شارك فيها مبارك أو كان على علم بها على الأقل؟
- كل الشواهد تؤكد حديثى وقد عرضتها فى الكتاب ومنها الرسالة التى حملتها لأبى من حسن أبو سعدة سفيرنا فى لندن وقتها قبل اغتيال أبى بثلاثة أسابيع، وطلب منى فيها إخباره أن هناك تحركات مريبة لمبارك والمشير أبوغزالة وغير مفهومة، فقلت له إن أبى سيتوجه فى زيارة للولايات المتحدة قريباً وإنه سيمر على لندن فى طريقه إلى هناك ويمكنه إخباره بتلك المعلومات بنفسه. فقال لى السفير إن منصبه يمنعه من ذلك وهى رسالة تعجب منها أبى ولكنه وضعها فى اعتباره، أضيفى لهذا أن حسنى مبارك كان فى الولايات المتحدة الأمريكية قبل حادثة الاغتيال بعدة أيام والتقى مسؤولين بوزارة الدفاع الأمريكية سراً، ولم يدرج هذا اللقاء فى تقريره الذى عرضه على أبى، ولسوء حظه علم أبى من مصادره الخاصة كرئيس دولة وواجهة بهذا الموقف وبالطبع لم يعرف كيف يرد.
لذا كتب أبى قرار إقالة حسنى مبارك من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية وكان معه فى حقيبته الخاصة صباح يوم السادس من أكتوبر عام 1981 حتى لحظة خروجه من القيادة العامة متوجهاً للمنصة للاحتفال بذكرى النصر، واختفت تلك الحقيبة كلها ولم يُعثر عليها بعد اغتياله، هذا القرار يدمر شرعية حكم مبارك طيلة 30 سنة، وهناك غموض رهيب مازال يحيط بمقتل أبى وأطراف كثيرة لديها مصلحة فى إخفاء الحقيقة.
■ هل تتخيلين أنه يمكنك معرفة من قتل الرئيس السادات بعد 31 عاماً، من رحيله؟
- لا يضيع حق وراءه مطالب، وسأظل أبحث وأنقب عن الحقيقة حتى آخر يوم فى عمرى لأن يقينى لا يكذب، ولذا أطالب النيابة العسكرية بالتحقيق فى البلاغ الذى تقدمت به منذ أكثر من عام وطالبت فيه بإعادة التحقيق فى قتل أبى، قدمت لهم كل المستندات والشهادات ولكنهم لم يفصلوا فى البلاغ حتى الآن. فقتلة أبى من الإرهابيين كانوا مجرد أداة منفذة للجريمة، لكن المخطط الفعلى لتلك الجريمة البشعة لم يُعرف حتى الآن، أنا لا أريد سوى الحقيقة، ولن أترك حق والدى، والدليل الذى أبحث عنه تعرفه الأجهزة العسكرية وتملكه، فلماذا لا يريحون قلب ابنة مازال يحترق على أبيها بعد كل تلك السنوات، يستكثرون على أن أعرف الحقيقة لأرتاح وأهدأ، لكننى أقول لأى شخص يملك الشهادة ويكتمها أن الحياة زائلة ويوماً ما سنقف بين يدى الله ليحاسبنا.
■ ذكرت فى كتابك واقعة شديدة الغرابة تحدثتِ فيها عن رؤيتك خالد الإسلامبولى فى مكة عام 1994، رغم إعدامه 1982 بتهمة اغتيال الرئيس السادات؟
- من أين لك بهذا اليقين؟ هل شاهد أحد إعدامه؟ لقد ذهبت لأداء العمرة فى 1994، وأقمت بفندق أجياد، وأثناء إجراءات الإقامة به فوجئت بأن الموظف يضع بجواره كتاب أبى «البحث عن الذات»، وأنه يدعى خالد الإسلامبولى، وقد لاحظ دهشتى من الاسم، فابتسم لى وقال إنه من عائلة خالد، وأنهم غير راضين عما فعل، فانصرفت يومها وأكملت مدة الإقامة وحان يوم المغادرة فرأيت خالد الإسلامبولى الذى أعرفه. وصعقت لأننى لم أكن أتخيل رؤيته على قيد الحياة. أعرف خالد الإسلامبولى جيداً من صور يوم الحادث حين كان يرتدى حذاء رياضياً بشكل لافت للنظر فى عرض عسكرى، تابعته فى كل اللقطات التليفزيونية التى سجلت وقائع المحاكمات فى قضية والدى، لذا لم أستطع التصرف، خاصة مع رؤيتى لارتباكه عندما جاءت عينى فى عينه. يومها شعرت بالخوف وسارعت بمغادرة الفندق وصراع يعتمل بداخلى.
سؤال يقتلنى ماذا كان على أن أفعل؟ لقد قتلوا السادات وسط جيشه.. فماذا يفعلون بى إن نطقت بكلمة لفضحهم؟ كان صراعاً عنيفاً بداخلى لأننى خشيت على حياتى أنا وأبنائى لو تحدثت بما رأيت. وقد قرأت حواراً بعد الثورة لأحد الأطباء الشرعيين الذى أكد أن من أُعدم كان شبيهاً لخالد الإسلامبولى، وليس خالد نفسه، هل تعلمون أن أعمامى طلبوا حضور تنفيذ الحكم وتم رفض طلبهم. وفى مارس 1982 جاء لزيارتى الكاتب الكبير موسى صبرى وأخبرنى أنه جاء بعد تنفيذ حكم الإعدام فى خالد الإسلامبولى. فسألته هل شاهدت ذلك بنفسك يا موسى؟ فقال لى أنه علم ذلك من أحد الصحفيين. فأجبته بأن قلبى لن يستريح لأننى لم أشاهد شيئاً بعينى.
■ بماذا شعرت يوم 11 فبراير بعد إعلان تنحى مبارك عن الحكم؟
- سجدت لله شكراً لأن العبرة فى الأعمال بالخواتيم. لقد ذهب أبى شهيداً وأحسبه من الأحياء عند ربى رغم الغدر به يوم عرسه ووسط قواته فى ذكرى الاحتفال بنصر أكتوبر، الذى أعاد الكرامة للجيش المصرى بعد نكسة 1967، ولمصر كلها وللعرب أجمعين، بينما مبارك الذى خان العهد والأمانة قد تم خلعه بيد شعبه الذى رفضه ورفض جبروته ونظامه الذى جرف مصر وثروتها. ذهب أبى لخالقه وذمته المالية ليس بها ما يعكر كتابه وقد نشرتها فى الكتاب ليتأكد الناس أن الرئيس السادات مات ولم يكن يملك شيئاً، بينما ذهب مبارك لسجن طرة ببدلة زرقاء تحيط به وبأسرته وبسمعته اتهامات استغلال النفوذ وقتل المصريين. لا أملك إلا القول بأن الله هو العادل المنتقم.
■ البعض يرى أن ما وصلنا إليه اليوم بعد ثورة يناير من سيطرة التيار الإسلامى على الحكم، يعود للرئيس السادات الذى أخرج العفريت من القمقم، على حد وصف الأستاذ هيكل.. فما تعليقك؟
- ليس حقيقياً لأن أنور السادات لم يخرج العفريت من القمقم، لكنه أراد لكل المصريين أن يعيشوا فى حرية وكرامة ويمارسوا حقوقهم بالقانون.. لذا منح المنتمين للتيارات الإسلامية حق ممارسة السياسة وحرية التعبير عن وجهة نظرهم، لكنهم لم يقدروا مسؤوليتها، وذلك بشهادة الكثيرين منهم مثل كرم زهدى، الذى صرح بأن أبى أعطاهم حرية أساءوا هم استخدامها. بالإضافة لهذا فإن الإخوان المسلمين كانوا لابد أن يصلوا للحكم بعد مبارك وقد ظلوا يعملون تحت الأرض لمدة ثمانين عاماً.
■ تتحدثين فى كتابك الذى يحمل عنوان «ابنته» عن الرئيس السادات كإنسان.. فما أهم ما ميزه من وجهة نظرك؟
- عمق شخصيته وحبه للحياة ووفاؤه الشديد لكل من تعامل معهم حتى من البسطاء. لم يكن يتعالى على أحد أو ينسى من قدم له معروفاً مثل عم زكريا البقال الذى كنا نسحب منه على النوتة. كان باراً بأبيه وأمه وأهل قريته فى ميت أبوالكوم. حتى أمى رغم انفصاله عنها منذ نهاية الأربعينيات بناءً على رغبتها بعد تدخلات شقيقها، فقد قرر لها معاشاً قبل موته ليضمن لها مورداً لا يجعلها تحتاج لأحد حتى نحن أبناءها. كان كريماً وعطوفاً وصادقاً مع ذاته، حتى إننى أستحضر شخصيته فى أى قرارات أتخذها وأسأل نفسى حتى يومى هذا: هل يقبل أبى هذا القرار أم لا.
■ فى العام الماضى صدرت تصريحات من بعض أفراد أسرة السادات، تتهمك أنت وشقيقتيك راوية وكاميليا بعدم الحرص على إحياء ذكرى وفاة الرئيس، والدليل عدم حضوركن مراسم الاحتفال عند المنصة مع بقية الأسرة.. فما ردك؟
- سمعت تلك التصريحات وتعجبت منها فإذا كنا نحن بناته فقدنا الاهتمام بذكراه فمن لديه هذا الاهتمام إذن وما حدث أننى رفضت منذ الذكرى السابعة عشرة لرحيل أبى حضور المراسم عند قبره، لأننى منذ العام الأول كان لى رأى: هو أنه لا يمكن إحياء ذكرى السادات فى الشارع، وأن علينا الذهاب لقبره فى الصباح وفتح بيته لإحياء ذكراه فى المساء. وقلت هذا لأخى جمال لأن السادات له بيت يجب أن يُحتفى به فيه. لكن لم يجبنى أحد، لذا فضلت أن أحيى ذكرى أبى كل عام فى هدوء بعيداً عن عدسات الكاميرات. أذهب بعد رحيل الجميع فأقرأ له الفاتحة وبعض آيات القرآن وأنصرف فى هدوء، وهذا العام قررت أن يكون صدور كتابى الذى يروى سيرة أبى من خلال رؤيتى لها كابنة تخليداً لذكراه. وأصررت على صدور الكتاب فى يوم وفاته كشرط وحيد مع الدار التى تولت طباعة ونشر المذكرات، فأن يكون كتابى فى يد المصريين فى ذكرى وفاة أبى هو تحية عرفان وتقدير لأب وزعيم لم يُكرم كما يستحق