قال المستشار زغلول البلشى، مساعد وزير العدل للتفتيش القضائى، والأمين العام للجنة العليا للانتخابات، إن اعتذاره عن الإشراف على المرحلة الثانية من الاستفتاء على الدستور جاء بسبب ضغط العمل، خصوصاً بعد وقوع مشادات كلامية، ومشاكل وصفها بـ«البسيطة» بينه وأعضاء «العليا للانتخابات» بعد المرحلة الأولى للاستفتاء، عندما قضى بإلغاء نتائج كل اللجان الانتخابية التى أغلقت أبوابها قبل الساعة 11 مساء، دون أن يصوت جميع الناخبين المسجلين فى كشوفها، مضيفاً فى حواره مع «الوطن» أنه شعر عندها بالتعب، ودخل المستشفى لكى يجرى عملية «انفصال شبكية العين»، إلا أن اللجنة بعدها نفذت ما طلبه بالكامل، وألغت نتائج جميع اللجان التى ثبُت فى محاضرها أنها أُغلقت قبل 11 مساءً.
شعرت بالتعب بعد مشادة كلامية مع أعضاء «العليا للانتخابات» انتهت بإصابتى بانفصال «شبكية العين» وإجراء جراحة
وشن البلشى هجوماً حاداً على أعضاء النيابة العامة، الذين قرروا تعليق العمل كلياً فى النيابات، على مستوى الجمهورية لحين رحيل المستشار طلعت عبدالله، النائب العام، مشدداً على أنهم ومحرضيهم سيندمون على موقفهم، خصوصاً أنه لا ذنب للمواطنين وأصحاب الحقوق، حتى يعطلوا قضاياهم، كما أنهم فى الوقت الذى استنكروا محاصرة المتظاهرين مقر المحكمة الدستورية العليا قرروا محاصرة النائب العام فى مكتبه، حتى إنهم منعوه من الذهاب «لقضاء حاجته»، حسب قوله.
حول مرحلتى الاستفتاء، وما وصل إليه القضاء، والوضع الراهن يدور الحوار التالى:
* كيف ترى قرار أعضاء النيابة العامة بتعليق العمل كلياً اعتراضاً على بقاء المستشار طلعت عبدالله، النائب العام، فى منصبه؟
- هذا كلام فى منتهى الخطورة، فأنا من بداية المشاكل التى أعقبت الإعلان الدستورى الأول ضد تعليق العمل، ومهما كان الاحتجاج لا يجوز أن يصل الأمر إلى تعليق العمل، وتعطيل مصالح المواطنين، كما أن هذا الإجراء ليس فى مصلحة أعضاء النيابة أنفسهم، خصوصاً أننا لم نسمع من قبل عن تعليق العمل فى النيابة العامة أو المحاكم.
* ولكن ما الوسائل الأخرى التى كان بإمكانهم اللجوء إليها من وجهة نظرك؟
- هم يرون أن إقالة المستشار عبدالمجيد محمود، وتعيين المستشار طلعت عبدالله، مخالف للقانون والدستور، فكان عليهم تقديم طعن أمام دائرة طلبات رجال القضاء، ولكن ما فعلوه لا يصح أن يصدر عن أعضاء النيابة.
* وكيف ترى الإعلان الدستورى الخاص بتعيين النائب العام وما ترتب عليه من آثار؟
- أعلنت رفضى التام له، وقلت إننى ضد الإعلان الدستورى، وإقالة النائب العام، وتعيين آخر، كما أننى ضد تعليق العمل فى المقابل، حفاظاً على حقوق المتقاضين، وإن كان أعضاء النيابة أنفسهم لم يتحملوا تأخر الفصل، فكيف يعطلون مصالح الناس، ويجبرونهم على ما لم يقبلوه؟
* ما وصفك لما يحدث الآن داخل أروقة القضاء؟
- ما يحدث الآن ينال من القضاء أكثر مما يخدمه، ويهدمه أكثر مما يبنيه، وأرى أن القضاة وأعضاء النيابة دخلوا فى «سكة» وهم الآن يشعرون بالخجل من أن يتراجعوا فيها، وترتب على ذلك ما نراه الآن من تجرؤ كل أفراد الشعب على القضاة، حتى وصل الأمر إلى أن البعض كتبوا على جدران المحاكم «اتقوا الله فينا شعب مصر».
* وما نصيحتك لهم ولأعضاء النيابات؟
- أقول لهم يا إخوانا «فوقوا أنا فى عرضكم»، تعليق العمل خطأ يضر بمصالح المتقاضين، وستندمون ويندم المحرضون لكم، وأنا أتساءل: هل تعليق العمل لمصلحة مصر، أو القضاء والشعب؟ بالطبع لا، فهناك قضايا تستغرق سنتين وأكثر لاستيفاء شكلها، لذلك فإن تعليق العمل يزيد من تلك الفترة، وإذا كان هذا حال القضاء، فإلى من يذهب أصحاب الحقوق ليحصلوا على حقوقهم؟
كما أقول لهم إذا كنتم علقتم عملكم، فلِمَ تتقاضون مرتباتكم، فى حين أن المبدأ القانونى المُستقر عليه فى أحكام محكمة النقض أن الأجر مقابل العمل؟ وفى هذا الصدد كان للأخ الفاضل المستشار عادل راتب، رئيس محكمة استئناف بنى سويف، موقف يستحق الثناء، عندما أجمع قضاة المحكمة فى جمعيتهم العمومية على تعليق العمل اعتراضاً على الإعلان الدستورى، فقال لهم أنا معكم، وأخرج ورقة كتب عليها تنازله عن راتبه، قائلاً: «أنا مش هأكل عيالى حرام»، ما جعل قضاة المحكمة يقومون بالتراجع عن قرار تعليق العمل، وأصبحت «استئناف بنى سويف» هى الوحيدة على مستوى الجمهورية التى لم تعلق عملها.
أنا ضد الإعلان الدستورى وإقالة «عبدالمجيد» لتعيين «عبدالله».. لكن على من علقوا عملهم أن لا يتقاضوا مرتباتهم لأن الأجر مقابل عمل
* ما المخرج من الأزمة الراهنة؟
- لازم يكون فيه حل، هناك طرق قانونية كثيرة أمام أعضاء النيابة، منها دائرة طلبات القضاء، ومجلس القضاء الأعلى، «مش هنقعد كتير نحرق فى فلوس» وأنا هنا أتساءل: كيف لهم أن يعترضوا على حصار المحكمة الدستورية العليا ثم يسمحوا لأنفسهم بحصار النائب العام داخل مكتبه، وعندما أراد الذهاب لـ«قضاء حاجته»، وخرج أحدهم وقتها وسأل الجميع «طلعت عايز يروح الحمام تسمحوا ليه ولا لأ؟» هل هذا كلام يليق بأعضاء نيابة عامة، وهل من فعل هذا يستحق العمل فى صفوفها؟!
* أثار اعتذارك عن الاستمرار كأمين للأمانة العامة للعليا للانتخابات كثيراً من الجدل، فما حقيقة ما حدث؟
- هناك بعض المشاكل البسيطة والمشادات الكلامية حدثت مع المستشارين أعضاء اللجنة، بسبب أننى قضيت بإلغاء نتائج كل اللجان الانتخابية التى أغلقت أبوابها قبل الساعة 11 مساء، إلا فى حالة واحدة، هى أن يكون جميع الناخبين المقيدين فى كشوف اللجنة حضروا وأدلوا بأصواتهم، فى تلك الحالة كان للقاضى أن يغلق اللجنة المشرف عليها فى السابعة، لكن لو لم يحضر ناخب واحد مقيد فى تلك اللجنة، فكان يجب إلغاء نتائجها بالكامل.
* وماذا حدث بعدها؟
- شعرت بالتعب، ودخلت المستشفى لكى أجرى عملية «انفصال شبكية العين» بسبب الضغط ومتاعب العمل، إلا أن اللجنة نفذت ما طلبته بالكامل، وألغت نتائج جميع اللجان التى ثبُت فى محاضرها أنها أُغلقت قبل 11 مساءً، وبلغ عدد الأصوات الملغاة نحو 80 ألفاً.
* هل كان هناك إشراف قضائى كامل على الاستفتاء؟
- بكل تأكيد، وأتحدى أى شخص أن يثبت أن إحدى اللجان الانتخابية أشرف عيلها أحد غير القضاة، ففى المرحلة الأولى كان هناك 4 آلاف قاضٍ، أغلبهم تابعون للقضاء العالى، وبينهم 45 نائب رئيس محكمة نقض، وقسمت القضاة المشرفين بالتساوى بين أعضاء الهيئات القضائية الأربع، بمعنى 25% قضاة عاديون، و25% تابعون لمجلس الدولة، و25% للنيابة الإدارية، و25% من هيئة قضايا الدولة، ورفضت أخذ نسبة كبيرة من القضاء العالى حتى لا يقال لى إننى أجاملهم.
* وماذا عن المرحلة الثانية من الاستفتاء؟
- نفس الأمر، أُجريت تحت إشراف قضائى كامل، وأنا أيضاً من وزع القضاة على جميع اللجان، وانتهيت من ذلك يوم الثلاثاء السابق لإجراء العملية الجراحية، وكان لدّى عدد كبير من القضاة الاحتياط، وعلى سبيل المثال كان لدى اللجنة 160 قاضياً احتياطياً فى المنصورة وحدها، و60 فى شمال القاهرة. وكثير من القضاة غضبوا لعدم وضع أسمائهم ضمن المشرفين الأساسيين على الاستفتاء، والإبقاء عليهم فى الاحتياط، خصوصاً أن عدداً كبيراً ممن رفضوا الإشراف على المرحلة الأولى، عدلوا عن رأيهم، وقرروا المشاركة فى المرحلة الثانية، لكنى حرمتهم من ذلك، واكتفيت بتوزيع من شاركوا فى الأولى على لجان الثانية.
* هل سمحت للمنضمين لحركة «قضاة من أجل مصر» بالإشراف على الاستفتاء؟
- أنا لا أعرف سوى 3 أو 4 من أعضاء الحركة، وعندما وصلتنى معلومات عن وجود عدد منهم بين المشرفين على المرحلة الأولى من الاستفتاء استبعدتهم فوراً، لكنى لا أعلم باقى أعضاء الحركة، أو حتى عددهم.
* ولكن هناك قضاة اعتذروا عن الإشراف قبل ساعات من بدء المرحلة الثانية من الاستفتاء؟
- حدث ذلك بالفعل، لكن عددهم لا يتعدى الـ20 قاضياً، أحدهم رئيس للاستئناف، واتصل بى أثناء نزولى من مكتبى بوزارة العدل متجهاً إلى اللجنة العليا للانتخابات، وسألنى: «أنت وضعت اسمى فى كشوف المشرفين على الاستفتاء رغم اعتذارى المسبق؟»، فقلت له: ولا يهمك نشيله، وأنا أقسم بالله العظيم إن أكثر من 10 قضاة اتصلوا بى منذ نزولى من «العدل» وحتى مقر اللجنة، يريدون الإشراف على الاستفتاء.
* وماذا عن الشكاوى التى تلقتها اللجنة عن التجاوزات والانتهاكات التى حدثت فى الاستفتاء؟
- والله كانت هناك شكاوى تثير الضحك، وعلى الرغم من ذلك كنت أتحرى الأمر بدقة، وأتحقق منها بنفسى، ومنها أن أحد الأشخاص اتصل وقال إنه صوّر القاضى المشرف على إحدى اللجان بتليفونه المحمول، وهو يسوّد بطاقات إبداء الرأى فى اتجاه معين، فطلبنا منه بياناته، وإحضار الفيديو، لكنه أغلق هاتفه المحمول ولم يحضر، وأنا أحتفظ حتى الآن برقمه، وحاولت لـ 3 أيام الاتصال به، وفى كل مرة كان هاتفه مغلقاً، وما زال حتى الآن، وكانت هناك شكوى أخرى تقول إن الأهالى شكوا فى رئيس لجنة بمركز دكرنس فى الدقهلية، وعندما ضيقوا عليه الخناق، وطالبوه بإخراج «كارنيه» عمله، تبين أنه يتبع القضاء العسكرى، فسألنا من الذى اكتشف هذا، وأين هو، فلم يجبنا أحد، ثم تأكدت أن المشرف على اللجنة قاضٍ، هناك شكاوى عديدة بهذا الشكل، وأخرى من الزحام أمام اللجان، وطول طوابير الناخبين.
ونادى القضاة أصدر بياناً عقب انتهاء المرحلة الأولى، أكد فيه أن جميع الشكاوى التى وصلت غرفة عملياته بشأن وجود غير القضاة كمشرفين على اللجان غير صحيحة، إلا أنه تراجع بعد أن وصلهم أننى أقسمت بالله إننى لا أترك أحداً قال إن الاستفتاء أُجرى دون إشراف قضائى كامل.
* هل لفت انتباهك أى شىء فى المرحلة الثانية للاستفتاء، وأنت تتابعه من خارج اللجنة العليا؟
- نعم، لفت انتباهى ما تعرض له 3 من أعضاء النيابة التابعين لغرفة عمليات نادى القضاة من اعتداء فى منطقة كرداسة أثناء فحصهم إحدى الشكاوى، وتملكنى الغضب، بعد أن فضح أعضاء النيابة أنفسهم بأنفسهم على شاشات الفضائيات وفى الصحف وهم يروون كيف أنهم تلقوا السباب والشتائم بآبائهم وأمهاتهم، ووصموا بأبشع الألفاظ، وكيف تم الاعتداء عليهم بكل أنواع الضرب، والغريب أنهم كانوا مرعوبين ونجوا بأرواحهم، ما جعلنى أتذكر قول المستشار وجدى عبدالصمد، رئيس نادى القضاة فى السبعينات: «إن وكيل النيابة اللى يضرب يتفصل من عمله»، فبدلاً من أن يخرج هؤلاء وينفون تعرضهم للسب والضرب حفاظاً على هيبتهم، جعلوا العالم كله يعرف ما حدث لهم.
أعضاء النيابة العامة استنكروا حصار «الدستورية العليا» وحاصروا مكتب النائب العام حتى إنهم منعوه من الخروج «لقضاء حاجته»
* ما رأيك فى توصيات الجمعيات العمومية لنادى القضاة وأعضاء النيابة؟
- هذه ليست جمعيات عمومية؛ لأنه لا يصح أن يحضرها غيرهم أياً كان، سواء من الشخصيات العامة، أو رجال القانون، أو غيرهم، وإن كانت جمعية عمومية، فما يصدر عنها مجرد توصيات غير ملزمة للقضاة، أو لأعضاء النيابة، وأرى أن دعوة نادى قضاة مصر بين الحين والآخر أعضاءه لجمعية عمومية، أضاع معناها ومفهومها، وقلل من قيمتها، فأنا أذكر عندما ألمح المستشار وجدى عبدالصمد فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى أنه سيعقد جمعية عمومية طارئة، حدثت ربكة كبيرة لـ«السادات»، حتى إنه اتصل به لكى يعرف ما الذى يريده، لذلك فإن انعقاد الجمعية يكون للضرورة القصوى.
* بحكم منصبك كمدير للتفتيش القضائى بوزارة العدل، هل ستقبل تولى الأمانة العامة للجنة العليا للانتخابات البرلمانية لمجلس النواب المقبل؟
- نعم، وبكل تأكيد، وأنا أؤكد من الآن أنها ستُجرى بإشراف قضائى كامل، كما حدث فى الاستفتاء على الدستور بمرحلتيه الأولى والثانية، لكنى سأعمل على تحديث نظامها وآلياتها بما يزيد من مرونة عمليتى التصويت والفرز، ويحول دون زحام الناخبين أمام اللجان، وإن تضاعفت أعدادهم.
* وكيف يحدث هذا؟
- يمكن هذا من خلال مضاعفة أعداد القضاة المشرفين على اللجان الانتخابية، بمعنى أن اللجنة التى بها صندوق واحد وقاضٍ واحد للإشراف عليها، سيوجد داخلها صندوقان أو ثلاثة على الأكثر، وسيكون هناك قاضٍ لكل صندوق، ما يساعد على اختفاء التكدس، وبدلاً من أن يكون هناك طابور واحد أمام اللجنة، وزحام سيكون هناك 3 طوابير الأمر الذى يضمن سرعة عملية التصويت وإدلاء جميع المواطنين بأصواتهم.
* كم عدد الشكاوى التى قُدمت إلى التفتيش ضد أعضاء حركة «قضاة من أجل مصر»؟
- تلقيت شكوى واحدة فقط، ضد أحدهم فى شهر 7 الماضى، وكانت تتهمه بالتدخل فى السياسة عقب انتخابات الرئاسة، وقال أثناء التحقيق معه إنه لم يتدخل فى السياسة بإعلانه نتائج انتخابات الرئاسة، وأكد أن ما أعلنته الحركة من نتائج كانت معلقة على أبواب مقار اللجان الانتخابية، وأنها «الحركة» جمعتها فقط وأعلنتها دون أن تقول من الفائز بانتخابات الرئاسة، ولكنى أرى أن ما يفعله أعضاء النيابة الآن من تعليق العمل فى النيابات يعد عملاً بالسياسة.