فى مشهد الحكم فى مجزرة استاد بورسعيد، رأيت قدرة هائلة من هيئة المحكمة على امتصاص حالة الغضب لكتائب "ألتراس أهلاوى"، تمكنت معها من تغيير مشهد الصراع ونقله لمربع آخر – وربما لمحكمة أخرى أيضا لاحقا– بهذا القرار الصادر صباح اليوم، بإحالة أوراق 21 متهما بالقضية إلى مفتى الديار لإبداء الرأى الشرعى فى الحكم بإعدامهم، كما أؤكد أنه قرار وليس حكما نهائيا، وأن أكثر الذين تراقصوا فرحا لم يتنبهوا جيدا لمفردات القاضى حين تلى القرار وهو يؤجل الحكم إلى 9 مارس، مرجئا بذلك الحكم على باقى المتهمين الذين يضمون عددا كبيرا من قيادات الشرطة المتورطة على ما يبدو فى الحادث تورطا كبيرا ، فنقل القاضى بذكائه وأدائه الصارم مربع المشكلة إلى خانة أخرى تبتعد عنه ولو قليلا..
فملخص ما قالته هيئة المحكمة :"التأجيل لـ 9 مارس، إرجاء الحكم على باقى المتهمين للموعد المذكور، أخذ رأى دار الإفتاء حول شرعية الحكم بإعدام المذكورين"، والذى ليس بالضرورة أن يكون الرأى مؤيدا له، ثم تكليف النيابة العامة باتخاذ ما يلزم جنائيا لمن يخالف قواعد حظر النشر حتى يسكت الجميع حول هذه القضية المليئة بالتشابكات الإجرائية والسياسية، بل والأخلاقية أيضا.
هنا أقول إن أهل من قضوا فى تلك المجزرة لهم كل الحق فى الحرص على القصاص، ولكن هل فعلا هؤلاء هم من يجب أن يقتص منهم؟ لاسيما أن إلقاء القبض كان -كما نذكر- عشوائيا تقريبا؟
وهل لجنة تقصى الحقائق راضية عن هذا الحكم ضميريا ومهنيا ؟ أتساءل وأتمنى أن أجد جوابا شافيا ...
والسؤال التالى: كيف يا أهل بورسعيد لأجل حكم لم ينفذ بعد -وقد لا ينفذ أيضا - يموت – حتى كتابة هذه الأسطر - أكثر من عدد المحالين للمفتى ويصاب المئات، والخراب والتدمير والعبث مستمر فى المدينة الباسلة قديما، والتى صارت مدينة تعانى صراعا لإثبات البراءة من جرم دبره كبراء يقبعون الآن فى بيوتهم يتمتعون بالتنقل بين القنوات التلفزيونية المتابعة للحدث، بينما بورسعيد وأهلها يئنون وينتفضون دون وعى أو هدف، حيث بلغ التخبط ببعضهم أن نادى باستقلال المحافظة عن البلاد، الأمر الذى يؤكد أننا نفقد الكثير من الوعى عند الغضب.. فإلى متى يظل الحال هكذا ؟!
وعاتب جدا على كل من يتصدرون المشهد بمبادرات ومصالحات- للأسف أهدافها سياسية فقط - وقد نسينا مبادرة واجبة كانت هى الأولى بكثير للمصالحة بين أهالى بورسعيد وجماهير الضحايا، فأهلنا فى بورسعيد لا يمكن أن يكونوا من قتل وغدر وتواطأ، وأهل الضحايا كان عليهم التكاتف مع أهالى بورسعيد لإيجاد الجناة لا التنابز والتحدى.. لكن السياسة هى فقط من نتصارع أو نتسارع لأجلها/ ولم يهتم قادتنا وكبراؤنا بواقعنا الاجتماعى، وكم سيترك هذا الحادث الأليم الإجرامى وما أعقبه من حوادث أليمة من جراح لن تمحى مع السنين.
وتعود الثورة من حيث بدأت..ويبقى بصيص النور فى الأفق يحتاج من يسعى إليه!