قالت مجلة "تايم" الأمريكية إن "الانقلاب المضاد" الذى قام به الرئيس محمد مرسى متمثلا فى قراره بإحالة المشير حسين طنطاوى والفريق سامى عنان، للتقاعد يكشف عن خمسة أمور فى حالة شئون الدولة وفى الصراع المستمر بين أطراف السلطة.
أولاً: هذه الأمور هى أن الأشياء ليست سيئة أبدا كما تبدو على تويتر. رغم تحذير البعض من أن ما حدث انقلابا مضادا أو عودة للوراء عن الحكم المدنى الديمقراطى، وتحذير آخرين من أنه بمثابة إعلان دولة إسلامية، إلا أن الأمور ليست كذلك. فالسلطة فى مصر لا تزال فى حالة تغير مستمر. وبإحالة المشير طنطاوى والفريق عنان للتقاعد أثبت مرسى بكل وضوح أنه ليس بطة عرجاء، لكن حتى لو كان قد أحدث هزة فى لعبة القوى داخل مؤسسات الدولة الغامضة، فإن الوقت لا يزال مبكرا للغاية للحديث عن مقدار السلطة التى جمعها. وقد يكون هناك بعض النكسة داخل المؤسسة العسكرية، رغم المؤشرات الأولى التى تدل على دعم قرار مرسى، وعدم وجود ما يدل على أن الجيش سيقوم بانقلاب.
وبرغم ذلك فإنه من الخطأ اعتبار تحركات مرسى نصر حاسما فى الصراع على السلطة بين الحكومة المنتخبة وقادة الجيش. ويقول جون ألترمان، من مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية إن التعمد الهادئ الذى تم به الأمر وإذعان الجيش على ما يبدو يشير إلى دعم عسكرى واضح داخله لتلك القرارات. ويضيف ألترمان إنه لو أن الجيش لا يزال هادئا، فيُفترض أن هناك اتفاقا مبرما. والانتصار البسيط للإسلاميين على ضباط الجيش كان ليثير رفضا أكبر داخل الجيش، فحتى لو لم يكن بإمكان الجنرالات العودة، فإن القضاة ربما يختارون الرفض.
ومن ثم، تتابع المجلة، فبينما غيرت قرارات مرسى الديناميكية، إلا أن النضال السياسى فى مصر لا يزال طويل الأمد ونتيجته لن تتتجلى إلا بعد شهور وربما سنوات.
ثانيا أن السلطة فى مصر لا تتعلق بالشخصيات، فحتى نظام مبارك كان فى النهاية أقل أهمية من النظام الذى ترأسه. واتضح هذا بشدة فى فبراير 2011 عندما أطاح به المجلس العسكرى الذى عينه. وكان ذلك تذكيرا بأن نظام مبارك لم يقم على أساس صورته، وأنه لا يتعلق بعبادة شخصه، ولكنه ورث مقاليد السلطة بعد مقتل سلفه السادات. ومبارك فى النهاية يدين بسلطته للجيش، وكذلك الحال لم يُنشأ المجلس العسكرى فى صورة طنطاوى حتى لو كان هو رئيسه. وما أظهرته أحداث هذا الأسبوع هو أن المجلس العسكرى أقوى من أى فرد ربما يقوده. فهذا المجلس هو بلورة لسلطة الجيش، وكذلك مصالح المؤسسية الاقتصادية الواسعة فى المجتمع المصرى، وليس تعبيرا عن سلطة مجموعة معينة من الجنرالات. ويبدو أن مرسى قد استخدم هذه الحقيقية لجعل الميزان بين الحكومة المدنية والجيش يميل قليلا لصالحه.
ثالثا: الثورة لن تكون منقولة عبر التلفزيون: منذ سقوط مبارك، كان أغلب لعبة صراع القوى بعيدة عن المشهد العام، حرب استنزاف بطيئة وطاحنة فى أروقة السلطة بدلا من المواجهات المثيرة فى الشارع. صحيح أن هناك تجمعات لأنصار الإخوان فى ميدان التحرير، لكنها ليست بنفس قوة المظاهرات التى كانت موجودة أثناء الثورة.
وتشير الصحيفة إلى أن هذا يجعل تحرك مثل الذى قام به مرسى من الصعب اكتشافه قبل الإعلان عنه، والأصعب قراءته والرد عليه. ويقول مارك لينش الذى عمل مستشارا لإدارة أوباما خلال الثورة فى مصر، إن هذا النوع من السياسة يمكن أن يكون محبطا للغاية لمشاركة الجماهير، بما أن الكثير منها يحدث خلف الكوالبيس وفى منارات غير مباشرة وليس باحتجاجات الشوارع المثيرة أوالنقاش العام.
غير أن المجلة ترى أنه برغم جرأة قرارات مرسى وكونها مفاجئة، إلا أنها لا تقضى على مراكز القوى الحقيقية فى السياسة، فلا يزال هناك الصراع مع القضاء.
رابعا: المؤسسات المصرية ضعيفة وتفتقر للشرعية: فعلى مدار 18 شهرا منذ الثورة، كان صراع السلطة فى مصر يتم وفقا لقواعد مائعة ومتغيرة، فلا يوجد دستور، والبرلمان المنتخب تم حله من قبل القضاء لصالح السيطرة العسكرية. وسعى جنرالات المجلس العسكرى والقضاة إلى تهميش المؤسسات المنتخبة وتقييد سلطة الرئاسة، وقد قام مرسى بضربته، إلا أن الكثيرين يخشون من أن يلعب اللعبة نفسها، والتى لا تتضح قواعدها.
خامسا: بالنسبة للسياسيين المدنيين، الخيار بين الحكم العسكرى أو التسوية مع الخصوم الممقوتين:
تقول المجلةا لأمريكية إن مرسى قام بخطوة جرئية لدحر النفوذ العسكرى على عملية كتابة الدستور الجديد وحكم البلاد، لكنه لن ينجح إلا إذا استطاع تأمين توافق واسع داخل الطبقة السياسية حول هذه التغييرات. ولو رأى خصوم الإخوان المسلمين أن الجماعة تكرر نفس أخطاء العام الماضى فى الاستحواذ على السلطة حول كتابة الدستور وفى حكم البلاد، فإن كثير من الليبراليين والعلمانيين سيظلون مستبعيدين من العملية السياسية، بما يخلق فراغا وقدر من الشرعية السياسية للقضاة والجنرالات لإعادة تأكيد سلطتهم.
ولتحقيق هذا التوافق السياسى الواسع، فإن مرسى عليه أن يتحدى غريزة الإخوان فى السيطرة على العملية السياسية. وبالنسبة للقوى الإسلامية فإن التحدى واحد، فهم لن يثقوا فى الإخوان المسلمين أبدا لكن التحول الديمقراطى فى مصر لن يتحقق بدون الاعتراف بأن الإسلاميين يلعبون الدور الرئيس