أكتوبر 1981:
تبدو البلد اليوم، صبيحة عملية اغتيال السادات التى جرت أمس، فى حالة هدوء تام، تبدو واقعة المنصة أقرب إلى مؤامرة اغتيال نفذها متطرفون إسلاميون أكثر من كونها محاولة لقلب نظام الحكم.
تعرض النائب حسنى مبارك للإصابة فى الحادثة، لكنه ظهر فى صدارة المشهد فى اليوم التالى، وهو الذى سيخلف السادات وفقا للدستور. وتقول التقارير الأمنية إن قتلة السادات السبعة ينتمون إلى خلية أصولية صغيرة تضم بعضا من أفراد الجيش، ولا توجد دلائل تربط هذه الخلية بقوى خارجية.
السادات حرص قبل اغتياله على أن يوسع مبارك سلطاته بشرط ألا يتجاوز سلطاته هو
«لقد اختار السادات مبارك نائبا له، وعلى ما يبدو فإن مجلس الشعب سوف يستجيب لتوصيته، ووردت معلومات بالأمس أن قيادات الحزب الوطنى، الذى يرأسه مبارك، ويتمتع بأغلبية كاسحة فى البرلمان، قد أيدت تسميته رئيسا للجمهورية».
وتكشف الوثيقة أن السادات حرص على أن يوسع مبارك سلطاته بعد تعيينه نائبا له، لكن دون أن يتجاوز سلطته هو، تقول: «لقد أعد السادات مبارك للرئاسة. وحتى يضمن انتقالا سلسا للسلطة، سمح السادات لمبارك بتوسيع قاعدة قوته وسلطاته، بشرط ألا تتجاوز هذه السلطة سلطة السادات نفسه. لذلك، تولى مبارك، قائد القوات الجوية السابق، مهمة الإشراف على أمور الجيش للسادات، وسعى، من موقعه هذا، إلى تعيين قيادات موثوق فيهم فى المناصب المؤثرة فى الجيش والمخابرات».
السادات و نائبه مبارك
وتكشف الوثيقة عن وجود معارضة قوية داخل قيادات القوات المسلحة آنذاك تجاه تولى حسنى مبارك منصب الرئيس: «صحيح أن خلافة مبارك للسادات تكاد تكون مؤكدة، إلا أنه بحاجة لاكتساب دعم وتأييد بعض الكتل المؤثرة لضمان استمراره فى السلطة، خاصة أن رؤية الجيش ستكون حاسمة فى هذا الأمر، مع الوضع فى الاعتبار أن جماعة من كبار جنرالات الجيش أبدوا اعتراضهم بشكل سرى وعلى مدار السنوات الماضية لتولى ضابط من القوات الجوية منصب رئيس الجمهورية».
«ولو فشل ترشح مبارك للرئاسة لأى سبب، فأغلب الظن أن كلا من وزير الدفاع المشير أبوغزالة، ووزير الخارجية كمال حسن على، سيكونان أبرز المنافسين له. وقيل إن أبوغزالة قد أصيب إصابة طفيفة فى حادث الاغتيال».
وانتقلت الوثيقة بعدها للحديث عن الطريقة التى يمكن أن يحكم بها مبارك قبضته على البلاد بعد اغتيال السادات، مؤكدة أنه سيلجأ غالبا للعنف لإظهار قوته، خاصة بين صفوف الجيش، قالت: «سينشغل النظام المقبل فى مصر لعدة أشهر بمحاولات تثبيت أقدامه وتأكيد سلطته، وستتضاعف جهوده ومحاولاته لقمع المعارضة الإسلامية له، خاصة بين صفوف الجيش، وسيسيطر على البلاد مناخ من القمع لفترة، بعد أن تم إعلان حالة الطوارئ إثر الاغتيال، إضافة إلى فرض إجراءات أمنية أخرى. وسيحاول مبارك غالبا أن يرسم لنفسه صورة عنيفة وحادة وحاسمة لكى يتجنب الظهور بمظهر الضعيف أمام أى معارضة محتملة».
وكانت قوة العلاقات مع أمريكا أحد عوامل حسم السباق الرئاسى الذى يتنافس فيه مبارك وأبوغزالة، تقول الوثيقة: «إن مبارك، مثله مثل العديد من الوجوه المؤثرة فى صنع القرار المصرى، على صلة وثيقة بعملية السلام، ويؤيد إقامة علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وغالبا ما سيزداد تقارب مبارك وأبوغزالة على السواء من الولايات المتحدة الأمريكية فى القضايا الاستراتيجية مقابل الحصول على مزيد من المعدات العسكرية لمصر. وكلا الرجلين فى الماضى، ظهر أقل اهتماما من السادات بالثمن السياسى الذى يمكن أن يدفعه داخليا مقابل الارتباط بالولايات المتحدة، وكل منهما أيضاً يقف بقوة ضد الاتحاد السوفيتى».
«اغتيال السادات سيفتح مزيدا من الفرص أمام القذافى، ومزيدا من المخاطر أيضاً. وربما تصور الزعيم الليبى أن الاضطرابات التى ستحدث فى المؤسسة العسكرية والسياسية المصرية عقب اغتيال السادات ستمنحه فرصة تأديب جعفر النميرى رئيس السودان».
تأييد أبوغزالة لمبارك رئيساً هو الذى ضمن سلاسة انتقال السلطة إليه رغم المعارضين
«ومن المتوقع أيضاً أن القذافى سيقدم دعما ماديا ومعنويا لكل المصريين الذين سيطلبون مساعدته فى استغلال مناخ الأزمات السائد الآن فى مصر».
«ويدرك القذافى أيضاً، أنه من الممكن أن يتم توجيه أصابع الاتهام إليه فى اغتيال السادات، وأن أى إشارة للتورط الليبى، ولو طفيفة، ستزيد من خطورة التهديد الذى يواجهه بالفعل. ورفعت القوات الليبية الموجودة على الحدود المصرية استعداداتها إلى الدرجة القصوى، ردا على رفع القوات المصرية درجة استعدادها إلى الحد الأقصى بعد الاغتيال».
«فى السعودية، ومعظم دول الخليج العربى، سيتم النظر إلى اغتيال السادات على أنه نتيجة لسلامه المنفرد مع إسرائيل، وعدم مبالاته بتهديدات الأصوليين الإسلاميين عليه، وستكون النتيجة أن كل حاكم فى دول الخليج العربى سيحسب نقاط ضعفه الخاصة أمام هذه المخاطر».
«أما السعودية على الأخص، فستنظر لاغتيال السادات على أنه دفعة للقوى الأصولية فى المنطقة، وزيادة حدة تهديدها للحكومات المعتدلة فى المنطقة. وسيسعى حكام الخليج لتقديم النصائح والاستشارات لخليفة السادات، بهدف إبعاد مصر عن عملية السلام الهشة».
8 أكتوبر 1981:
«يتحرك مبارك تحركات سريعة لإحكام قبضته على السلطة، وأبدى استمرار تأييده ودعمه لعملية السلام مع إسرائيل. وعلى ما يبدو، فإن هذا الانتقال السلس للسلطة حتى الآن يشير إلى أن وزير الدفاع المشير أبوغزالة وغيره من مراكز القوى الأخرى فى البلاد تؤيد مبارك رئيسا. ومن المؤكد أن مبارك سيحظى بتأييد شعبى جارف فى الاستفتاء المنتظر».
صورة ضوئية من وثائق المخابرات الأمريكية
وانتقلت الوثيقة للحديث عن جماعة التكفير والهجرة التى كان ينتمى إليها قتلة السادات : «تنتمى المجموعة التى اغتالت السادات إلى جماعة التكفير والهجرة الأصولية الإسلامية. وقال المشير أبوغزالة إنه لا توجد صلات تربط بين المجموعة وبين حكومات أجنبية. ونحن من جهتنا لم نحدد أى صلات أجنبية بهم حتى الآن».
«تأسست جماعة التكفير والهجرة منذ عدة سنوات على يد مجموعة من أعضاء الإخوان الذى انشقوا عن الجماعة رافضين مواقفها السلبية من وجهة نظرهم. وإن ظلوا متفقين مع الإخوان حول أهمية العودة إلى أصول الشريعة بشكل يجتذب المصريين الساخطين على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، والغاضبين من النفوذ الغربى فى مصر».
«وربما ما زالت الجماعة تمتلك شبكة سرية من الأتباع على الرغم من الاعتقالات المتواصلة لأعضائها المشتبه فيهم منذ اغتيال السادات. وما زالت قوات الأمن والجيش ترفع استعداداتها إلى الدرجة القصوى، على الرغم من أنه لم ترد تقارير إضافية حول مزيد من الاضطرابات فى القاهرة والإسكندرية».
«وأغلب الظن أن مبارك سيبدأ قريبا تطهيرا واسعا فى قلب صفوف الجيش، لاستئصال العناصر الأصولية الموجودة فيه. وإن كان سيستمر علنا فى إبراز مدى ولاء القوات المسلحة، حتى يتجنب تحطيم معنويات الجيش».
«القذافى مشغول الآن بسلامته وأمنه الشخصى، وبالدفاع عن حدوده ضد القوات المصرية، وغالبا أدرك القذافى أن أى استفزاز واضح ومكشوف منه ضد القاهرة الآن بعد اغتيال السادات، يمكن أن يجعل ليبيا هشة فى مواجهة ما يعتبره تحالف مصر وإسرائيل وأمريكا ضده.
وغالبا ما ستتعامل سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية مع مبارك بمنطق (الانتظار والترقب)، ليروا ما إذا كان سيستجيب للضغوط العربية التى تستهدف إعادة مصر للصفوف العربية، ورحبت سوريا باغتيال السادات فى الوقت الذى تجنبت فيه الهجوم على مبارك».
«وسيربط الملك حسين، ملك الأردن، بين اغتيال السادات وعلاقاته مع إسرائيل والولايات المتحدة، وسيعتبر أن اغتياله إشارة تحذير للأنظمة العربية الأخرى الموالية للغرب، حتى لا تزداد ارتباطا بأمريكا. ويرى بعض المسئولين الأردنيين أن الملك حسين سيلعب الآن دورا أكبر فى شئون الشرق الأوسط، بصفته القائد الأكثر خبرة وحنكة فى المنطقة».
9 أكتوبر 1981:
«الهجوم الذى شنته بالأمس جماعة من الأصوليين الإسلاميين على ثلاثة أقسام شرطة فى محافظة أسيوط، يشير إلى أن خطر الإرهاب الإسلامى سيشكل تهديدا مستمرا على حكومات مبارك».
ورأت الوثيقة أن استمرار الهجمات الإرهابية يعنى عدم قدرة النظام بعد على مواجهة خطر الأصولية الإسلامية: «العنف الأصولى فى أسيوط عشية جنازة السادات يشير إلى أن النظام فشل فى نزع فتيل الإرهاب الأصولى الخفى، على الرغم من حملة الاعتقالات التى شنها ضد أعضاء جماعة التكفير والهجرة. وعلى ما يبدو، لم تقدر الحكومة قوة المعارضة الإسلامية حق قدرها، بما يضع احتمالات لهجمات إرهابية مقبلة فى المستقبل».
مبارك أصر على تعيين «أهل الثقة» فى قيادة القوات المسلحة والمخابرات قبل اغتيال السادات
«على الرغم من ذلك، لا توجد حتى الآن مؤشرات على أن الإسلاميين الأصوليين قد نجحوا فى اكتساب تأييد شعبى واسع، ولا أنهم نجحوا فى الحد من ولاء العناصر المؤثرة فى الجيش. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الليبية ما زالت مستمرة فى دعوتها لثورة شعبية ضد مبارك، فإن غالبية المصريين على ما يبدو قد تقبلوا شرعية الحكم الجديد. وقررت أكبر جماعة إسلامية، وهى جماعة الإخوان، أن تتبنى موقف (الانتظار وترقب ما سيحدث) فى تعاملها مع نظام مبارك».
«ولا يبدو أن قادة السعودية، على الرغم من حزنهم لوفاة السادات، سوف يرسلون أى برقية تعزية أو مندوبا لهم لحضور جنازته. وسوف تعبر السعودية عن تعازيها عبر القنوات الخاصة»
10 أكتوبر 1981:
«رفعت قوات الجيش والشرطة فى مصر درجة تأهبها فى القاهرة، بعد وقوع حادثين إرهابيين، على الرغم من أن النظام يزعم نجاحه فى حصار الأصوليين الإسلاميين الذين قتلوا 75 شرطيا فى مواجهات مسلحة استمرت يومين فى أسيوط...».
«ويبذل مبارك، الرئيس المنتظر، كل ما فى وسعه لطمأنة حلفاء مصر بالتزامه بسياسات سلفه أنور السادات، والتقى مبارك بالرئيس السودانى جعفر النميرى أمس».
وانتقلت الوثيقة لقراءة اللقاء الأول بين مبارك والجانب الإسرائيلى بعد اغتيال السادات، قالت: «التقى مبارك أمس رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين. وعلى ما يبدو، فإن مساندة مبارك المبدئية لمفاوضات كامب ديفيد، منحت الإسرائيليين نوعا من التشجيع الحذر.وساهم هذا اللقاء، إضافة إلى حوار أجراه مبارك مع صحيفة إسرائيلية، فى تهدئة التوجس الإسرائيلى حول مدى التزامه بسياسات السادات نحو السلام».
«إلا أن الإسرائيليين ما زالوا يشعرون بالقلق من مدى قدرة مبارك على إحكام قبضته على السلطة على المدى الطويل».
واهتمت الوثيقة بردة فعل الجانب السوفيتى على اغتيال السادات وتقدم مبارك لشغل منصب الرئاسة فى مصر، قالت: «إن السوفيت حرصوا على إبقاء الباب مواربا مع الرئيس الجديد، وركزت وسائل الإعلام الروسية على دعوات العرب المتكررة لخليفة السادات بعدم السير على خطى سلفه. بما فى ذلك الدعوات التى أطلقتها ليبيا والعراق والأردن وسوريا، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، ورئيس الأركان المصرى السابق الفريق سعدالدين الشاذلى، وإن تجاهلت وسائل الإعلام الروسية تعليقات القادة العرب المهينة، كما لم تظهر احتفاءها باغتيال السادات».
«لكن، انتقدت موسكو مبارك بشكل غير مباشر، عندما أشارت إلى (رضا) واشنطن وتل أبيب بتمسكه بسياسات السادات. وفى الوقت نفسه، حرص السوفيت على إبقاء الباب مواربا مع القاهرة، مؤكدين أن الاتحاد السوفيتى كان يدعم دائما التعاون المشترك مع القاهرة، ما دام قائما على أساس من المساواة والصداقة المتبادلة».
«وتزعم موسكو أن اغتيال السادات تسبب فى (صدمة عصبية) وارتباك حقيقى فى واشنطن، واتهمت بعض التقارير والمقالات الصحفية أمريكا باستغلال مصرع السادات من أجل مزيد من التدخل الفج فى شئون العالم العربى، خاصة بعد أن رفعت درجة تأهب بعض قواتها العسكرية فى المنطقة».