بين الوهج الثورى وبحور التاريخ يمكن تجسيد رجل ذى فكر ورأى بحجم الدكتور خالد فهمى، رئيس قسم التاريخ فى الجامعة الأمريكية. وفى حواره مع «الوطن» قال فهمى إن الإخوان تعانى «البارانويا»، وتشعر أنها مستهدفة، والصراع بالنسبة لها صراع وجود وليس مجرد خلاف سياسى. وشخّص «فهمى» الفلسفة الثورية التى تحكم ثوار مصر، وقال إن الثورة لن تهدأ حتى هدم الدولة القمعية التى أسسها محمد على، وإن الثوار يكتبون تاريخا من الصفر، لأنه ليس فى تاريخهم نموذج يستحق العودة إليه. وهاجم جبهة الإنقاذ الوطنى، قائلا: «الجبهة متأخرة جيلاً بأكمله عن الثوار، وعليها إعلان فشلها وتسليم الراية للشباب»، مشدداً على أن الأزمة الراهنة سببها فشل الإخوان فى الحكم، وأن الحل يكمن فى إصلاح ما تبقى من الشرطة المصرية.
يجب تغيير طبيعة الدولة وليس هدمها.. ومن حق الشعوب طرح أسئلة عن الجيش والتسليح وكفاءة القدرات القتالية
■ كيف ترى المشهد الراهن؟
- المشهد تتصدره أزمة عميقة، سببها الرئيسى مستوى أداء الحكومة، والرئاسة كانت دون مستوى تطلعات وآمال الثورة. وعلى المستوى الشخصى لم أنتخب «مرسى»، إنما كان لدىّ أمل كبير أن جماعة الإخوان ستطور أداءها وتغير من طبيعتها، لأنى كدارس لتاريخ مصر الحديث مدرك أن الجماعة فى الماضى كانت تحكمها ظروف صعبة حتمت عليها أن تعمل فى سرية بآليات غير الحالية، والآن يفترض أن الآليات مختلفة والجماعة فى الحكم، وإذا كانت تعمل خلال الماضى كجماعة مستهدفة، فمن الواضح أن آليات عملها والفكر الذى أنتجته كان انعكاسا لحالة الحصار وتكون غير معلنة، والآن هى فى السلطة ولها معارضة، وكنت آمل أن تطور آليات عملها مع وصولها للسلطة، لكن ما زالت عقلية الحصار والاستهداف مهيمنة عليها، لا تستطيع أن تميز بين المعارضة والاستهداف، الذى يسيطر عليها، ويفترض أن تستوعب أنها فى السلطة. ولابد أن يكون هناك معارضة وتكون شرسة، لأننا فى ظرف ثورى، هناك لحظة ثورية، ولا بد أن يتسع صدر الجماعة لهذا، لكن ما نراه هو العكس، هى حالة «البارانويا» -الشك- الغالبة، وبها يرون أن أية معارضة تكون للإقصاء والاستبعاد، مثل الماضى. وهذه قراءة تطل بوضوح من تصريحات قيادات الجماعة خصوصا وقت حصار الاتحادية، فهم يشعرون أنه صراع وجود ولا يجب التصالح مع هذا النوع من المعارضة، وسمعت الدكتور العريان يطالب أعضاء الجماعة بالنزول للشارع وقت الاتحادية، هذا موقف غير سليم لناس فى السلطة.
■ هل كانت أحداث الاتحادية وفض اعتصام الاتحادية، مبرراً لظهور تنظيمات أخرى على الأرض؟
- طبعا العنف يخلق العنف، لكن المنحنى العنيف للثورة الذى نراه غير مسبوق، وأنا شاهد على أنها ثورة سلمية، كانت هناك أحداث عنف لكن الطابع السلمى غالب، وكان الناس المنظمون والشباب لديهم اقتناع عميق أننا سوف نهزم نظام مبارك سلميا ونحرجه أخلاقيا.
■ ماذا حدث؟
- الذى حدث أن الثورة لم تكتمل ولم تحقق أهدافها، فلم تكن الأهداف انتخابات واستفتاءً على الدستور، المشكلة أن الثورة التى قام بها مجموعة من الشباب والقوى المدنية استفادت منها جماعات الإسلام السياسى، وهذا شىء مشروع، إلا أن الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية «فاكرين إن الموضوع يقتصر على الانتخابات التى أسفرت عن فوز من فاز»، ويريدونهم أن يرجعوا إلى بيوتهم، لكن الناس التى قامت بالثورة لها مطالب عميقة تتعلق بالديمقراطية والأداء الاقتصادى؛ «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، وقليل من هذا تحقق، وجماعة الإخوان تظن خطأ أن الثورة حققت مطالبها وأن النظام السياسى اكتمل، هناك عدم فهم لطبيعة الثورة من قبل الإخوان، وهناك فى نفس الوقت امتعاض وغضب من القوى الثورية أن من فى السلطة لا يفهمون أبعاد الموضوع، ونتيجة هذا العنف، فإن المظاهرات ظلت مستمرة ولم تأتِ بجدوى، فكان العنف.
■ كيف تصنف هذه اللحظة؟
- اللحظات الحالية هى استكمال للثورة التى بدأت فى 25 يناير، وبدأت تأخذ أبعاداً وأشكالاً مختلفة، لأننا لم نرَ فى تاريخ مصر أو المنطقة مثلما نراه حاليا، وكلها اجتهادات، ولو قمت بعمل مقارنة بين الثورات ستجد أن دول شرق أوربا وأمريكا اللاتينية، كانت دائما لديهم لحظة سابقة فى تاريخهم يريدون العودة إليها، يمسحون لحظة من تاريخهم ويرجعون للأصل، يرون أنهم أصيبوا بالشيوعية أو النازية أو النظام السوفيتى، ويحدث اتفاق لاعتبار سنة معينة أو حقبة معينة نرجع التاريخ إليها ونبدأ من جديد. نحن لا نفعل ذلك، لأنه لا يوجد فى تاريخنا الحديث أو حتى ما قبل الحديث لحظة تسمو بالقَدر الذى يجعل الثوار يتخذونها كلحظة بدء، الثوار يبتدعون ويكتبون تاريخاً من الصفر، ليست ثورة على مبارك والعادلى، بمعنى نحن لا نريد العودة إلى عصر السادات أو ناصر أو الملكية أو الفترة الليبرالية دون الملك، ولا حتى لعائلة محمد على، نحن نثور على كل هذا؛ مبارك وناصر والملك فاروق وحزب الوفد والنظام الليبرالى وتاريخ مصر كله، الثورة على منظومة الدولة المصرية الحديثة منذ إنشائها فى القرن الـ19، بآلياتها وفلسفتها الأبوية الاستبدادية القمعية الإقصائية المتعالية.
■ لماذا؟
- هذه الدولة ليست نابعة من الشعب ولا من الفلاحين البسطاء ولا الأرستقراطية ولا الطبقة الوسطى، هى دولة دخيلة، بمعنى أن محمد على الذى أسس هذه الدولة ليس من الشعب أصلا، ولا أدعى أنه يفعل ذلك للشعب، هذا شخص جاء من الخارج أسس نظاماً قمعياً عماده الجيش، واحتكر أجساد وحياة المصريين لمدة 43 سنة بتكلفة باهظة جدا، كان نتاجها تأسيس بيت حاكم على حساب بيوت حاكمة أخرى هى المماليك الذين، حرفياً، أعدمهم وذبحهم، ولم يبقَ سوى بيت حاكم واحد نسميه حاليا الدولة.
■ معنى كلامك أن الثورة تسعى لهدم منظومة الدولة.
- الثورة تسعى لهدم منظومة الدولة بهذا المعنى، الدولة قمعية، لكن كان لها دور فى توحيد الشعب بمختلف أطيافه، وأعطت بمرور الوقت دوراً إيجابياً، لكن الدواوين كان لها دور خدمى ما ليس لجموع الشعب، وصارت أداة من أدوات الترقى الاجتماعى عبر البيروقراطية كما يقول المثل المصرى: «إن فاتك الميرى اتمرمغ فى ترابه»، لو دخلت الوزارة هذا أمل لو دخلت مستشفى أو مدرسة حكومية يا ريت، مثل مستشفى القصر العينى الذى كان بالأساس لخدمة الجيش ومؤسسه كان منصبه الرسمى «حكيمباش الجهادية»، وصار مستشفى مدنياً يخدم المدنيين، الدولة القمعية قمعية فى صلبها، وقامت بأدوار مهمة فى توحيد المصريين وبأشياء تغيب عن بالنا.
الدكتور خالد فهمى
■ هل تستشعر خطورة على هدم الدولة فى مصر؟
- السؤال هو الآتى، وهذا سؤال صعب جدا، الدولة لا نريد هدمها ولكن تغيير طبيعتها، الإنجاز الذى عملناه المدارس والمستشفيات والجيش والأسطول، الشعب عملها ولازم تعود إليه، السؤال هو إلى من يذهب العائد؟ وهو سؤال سياسى، وهل المؤسسات تدار بأكفل طريقة تعود بالنفع على الشعب أم للنخبة؟ المسألة ليست هدم الدولة بل هدم الدولة القمعية والإبقاء على الباقى منها، وكيف أهدم النظام البوليسى القمعى دون هدم الشرطة؟ وكيف أجعل النظام القضائى عادلاً دون هدم القضاء؟ وأريد القول إن من حق الشعب أن يكون لديه القدرة والحق على طرح أسئلة تخص الجيش، تخص التسليح والتدريب والكفاءة ورفع قدرات الجيش القتالية، دون أن يكون معناه هدم الجيش، هذا هو معنى الثورة.
■ لكن هل ترى أن المجتمع المصرى بقدراته التعليمية يستطيع أن يتعامل من هذا المنحى الفلسفى مع الدولة؟
- الثورة بالظبط بينت لنا أن الشعب لديه هذه القدرة، وللأسف هناك ناس لا تسمع ولا تفهم، الثورة أنتجت من الفكر والعمل والممارسة ما يثبت أن الشعب المصرى مؤهل لطرح هذه الأسئلة والتعامل معها، أنا أقول إنها أسئلة صعبة لا يمكن التعامل معها اليوم أو بكرة أو العام المقبل أو بعد 5 سنوات، لكن هى أشياء لن تحل إلا بعد وقت طويل جدا، وهذا يتعلق بالجيش والشرطة والقضاء والصحافة، هل الجماعة الصحفية مثلا الناس ممكن تقول لهم إنكم لستم مؤهلين لطرح هذه الأسئلة؟ الصحافة حولها جدل كبير أيضاً وهناك صحفيون غير مهنيين، وإنما الطريقة الوحيدة للارتقاء بالممارسة والانفتاح ولا بد أن تحدث أخطاء ونبحث عن آليات المراجعة والخط الفاصل بين حرية المعلومات والتشهير والاعتداء على الحياة الخاصة، هذا سؤال صعب.
■ اسمح لى: القياس هنا غير مناسب، لأن النفع أو الضرر فى الصحافة يمس أشخاصا أو مؤسسة وليس بنيان الدولة ككل الذى يمس 90 مليوناً، فى رأيى الصحافة أهم من الجيش والشرطة لأنها هى التى تسلط الأضواء، ودون صحافة فكل الأمور لا تحدث.
التفكير التآمرى عند الشرطة هو نفسه عند الإخوان.. ومفتاح الحل يبدأ بإصلاح ما تبقى من الشرطة
- أنا لا أتحدث عن هل هى مهمة أم لا، أنا أتحدث فى حالة ارتقائها سيكون هناك نفع عام، لكن فى حالة وجود صحفى غير مهنى لن يتأثر به 90 مليوناً كما يحدث بالنسبة لأعمدة الدولة مثل الشرطة والجيش، أنا أرى أن الإبقاء على الجيش والشرطة كما هما حاليا هذا ما يهدم الدولة وليس العكس.
■ هناك مخاوف من حرب أهلية فى مصر ظهرت فى العديد من القراءات الغربية مؤخراً، ما رأيك؟
- لا أرى أن الخوف الأساسى من الحرب الأهلية، أنا أخشى أكثر من الإبقاء على الوضع كما هو، وأرى أن هذا هو الذى سيهدم الدولة، مثلا: الاقتتال الذى يحدث، من يقتل الآخر الآن؟ نحو 60 مصريا ماتوا الأيام الماضية على يد الشرطة، المصريون لا يقتلون بعضهم. ما يسمح باندلاع حروب أهلية فى مجتمعات هو وضوح الخطوط الفاصلة بين أطراف هذه الحروب، ونحن ليس لدينا خطوط فاصلة لحدوث سيناريو حرب أهلية، ومن يتحدث عن سيناريو حرب أهلية لديه ربما مخاوف مشروعة، لكن كثيرين من رافعى رايات التخوف من الحرب الأهلية غرضهم التغطية على ما يحدث بالفعل. ولا بد أن نفسر ما حدث، منذ عامين هناك معارك وناس يموتون، 800 ماتوا فى 18 يوماً فى الثورة على مبارك، وعشرات أو مئات فى أحداث أعقبت الـ18 يوماً، هذه نماذج حقيقية وغير مفترضة، وكل الشواهد تقول إنهم لم يموتوا نتاج حرب أهلية، ومن بديهيات العدالة أن الناس التى ماتت تأخد حقوقها. ما يهدم الدولة حاليا هو الامتناع عن تقديم العدالة لشهداء الثورة، هذا ليس كلاما هامشيا بل صلب الموضوع. ونعود لأهداف الثورة، إصلاح جهاز الشرطة كان أهم جزء فى مطالبها وأسباب قيامها والاعتراض على انتهاكات الشرطة اليومية والمنهجية لحقوق المواطنين، ولم يكن مصادفة أن الثورة قامت يوم عيد الشرطة، ولم يكن مصادفة أن الاعتداءات قامت على أقسام الشرطة، التفكير التآمرى عند الشرطة، نفس التفكير التآمرى عند الإخوان، لا يستطيعون فهم الثورة واللحظة التى نعيشها.
■ ما تفسيرك للتفكير التآمرى عند الإخوان؟
- تفكير «بارانويد»، لا يمكن أن يواجه، ولا يميز بين المعارضة وعمليات الاستهداف التى تربوا عليها، جماعة ظلت 80 سنة مستهدفة صعب عليها أن تتحول نفسيا إلى أنها حاليا فى السلطة وتأخذ القيادة، لم نرَ قادة فكريين أو سياسيين فى الإخوان يستطيعون إلهام الشعب وقيادته فى هذه اللحظة.
■ هل ترى أن اختباء الإخوان فى الهالة التى يفرضها العمل السرى أعطى صورة مغايرة لقدرتهم الحقيقية وإمكانياتهم على أرض الواقع؟
- لم أدرس الإخوان عن قرب ولا أعرف، لكن كنا ننتظر من هذه الجماعة التى على هذا القدر من التنظيم الذى سمح لها بالصمود والبقاء، أن نرى يوم استلامهم للحكم يظهرون البرامج المخبأة فى الأدراج وينفذونها فى شتى المناحى، وأنا مذهول من ضعف الأداء وقصور الرؤية، والأفكار الاقتصادية والتفاصيل المتاحة عن مشروع النهضة تعكس نفس الأفكار التى استخدموها وقت الانتخابات، وهى أن تأخذ موارد من هنا توزعها هنا، وهى ليست طريقة لإدارة الاقتصاد، «مينفعش أجيب شوية أنابيب جاز وأدعمهم وأنزلهم فى منطقة»، هذه نظرة قاصرة.
الدكتور خالد فهمى
■ هل ترى أنهم فشلوا حتى الآن فى إدارة الدولة؟
- بالطبع، حتى الآن فى كل الملفات لم يفعلوا شيئا، والحاجة الوحيدة التى ينجحون فيها هى الاستحواذ، يحقنون أعضاءهم فى مفاصل الدولة. من حيث المبدأ من يستولى على الحكم يشكل حكومة وإدارات من الدولة تتبعه على الأقل، لست ضد هذا، ولكنى ضده من حيث المبدأ فى شىء لأنهم ليسوا فقط «مستكفيين» بالمستوى الأول الإدارى بل يغوصون فى المستويات الأعمق، فى الإدارات الحكومية المختلفة، بالإضافة لذلك أرى أن هناك مناصب لا يجب أن تكون تابعة للتقلبات السياسية، لا يمكن أنه فى كل انتخابات الذى يكسب يغيرها، مثل القضاء والنائب العام ورؤساء الصحف القومية ومحافظ البنك المركزى ورئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. طبعاً نغير رئيس الحكومة والوزراء والمحافظين كل هذا أتفهمه، لكن لا أرى أن الناس التى جاءت فى هذه المناصب قادرة على أن تتفهم وتقدم حلولا، مشكلتى إذن فى فلسفة التغلغل وكفاءة المتغلغلين.
■ هناك من يعتبر الإخوان ينظرون للديمقراطية على أنها التاكسى الذى يوصلهم للسلطة ويحرقون هذه السيارة بمجرد الوصول إليها.. وهى مقولة مستمدة من نموذج حماس فى قطاع غزة، ما رأيك؟
- مسألة أن الإخوان ملتزمون بعملية تداول السلطة فى مصر، أظن أنه من المبكر حسم هذا السؤال فى الوقت الراهن، السؤال لم يأت من حماس، بل جاء تاريخيا من التجربة النازية، أو على الأقل من يطرح هذا فى الغرب يضع النموذج النازى نصب عينيه، الذى أعيد فى تجربة حماس، أى حكام جاءوا عن طريق الصندوق ثم أطاحوا بالديمقراطية والعملية الانتخابية، لا أرى بوادر مثل القول بتعليق الانتخابات المقبلة، أو إبطال العمل بالدستور، أو تأجيل الانتخابات، لم يحدث ذلك.
فى نفس الوقت التخوف من أنهم يقصرون الديمقراطية على الانتخابات، وهذا ظهر فى الاستفتاء على الدستور وطريقة تشكيل الجمعية التأسيسية، والنقطة التى كنا نقولها فى البداية هى أنه لم يحدث لهم تحول نوعى فى طريقة تفكيرهم، وعلاقة ذلك بالديمقراطية أنهم لمدة 80 سنة الهاجس الأساسى لجماعة الإخوان هو البقاء، الأمر الذى كان يتطلب منهم الانضباط والانصهار داخل هذه الجماعة والسمع والطاعة، وهذه الفلسفة كانت تصلح لفترة معينة، إنما الجماعة نفسها داخليا تحتاج إلى تطوير وإبداع فى كيانها الداخلى من شباب الجماعة الذى لديه أفكار خلاقة مثل الشباب، وهم فى الواقع جزء كبير من شباب الثورة، لديهم أفكار جديدة مختلفة عن أفكار القادة من حيث المضمون وآليات العمل، ولا يسمحون لهم بالتحرك، فما زالت فكرة السمع والطاعة ومصطلح ربان السفينة رئيس الجمهورية، وليس من المفترض تشبيه ربان سفينة برئيس جمهورية، موظف عند الشعب، تحكمه قواعد وقوانين يضعها الشعب ويُساءل أمام الشعب، ليس قائدا لمركب نأتمر بأمره، وهو وحده الذى يمكنه قراءة الخرائط وقيادة السفينة، لأن هذا التشبيه معناه ما يريدونه هو أن ينتهى النقاش إليه بعد الانتخابات ويريدون الوقوف وراء رئيس خصوصا فى ظل مرور البلاد بظروف صعبة، لكن تلك الظروف الصعبة هى تحديدا الظروف التى يجب فيها النقاش والحوار وعلو صوت المعارضة، لحظات الأزمات لا بد من الاستماع خلالها، وأحيانا تكون الأزمات نتيجة الاستئثار بالرأى.
الأمن المركزى يتدرب على «مواجهة العدو».. ومن المبكر حسم التزام «الإخوان» بتداول السلطة
■ كيف؟
- تخيل لو كنت فى الستينات، كصحفى مثلا، وتريد التأكد من مدى الجاهزية القتالية للجيش، وكذلك لجنة الدفاع بمجلس الشعب، ما حدث وقتها يوم 30 مايو رئيس الدولة سأل القادة العسكريين وقال لهم: «يا جماعة انتو جاهزين؟»، فرد عبدالحكيم عامر قائلا: «برقبتى يا ريس».
هذا يستلزم إعادة تفكير فى بديهيات العمل السياسى، والإخوان غير جاهزين لذلك، طالما وصلوا للحكم واستأثروا به، يرددون كلمة: «خلينا دلوقتى نقف ورا الرئيس»، أنا أحترم رئيس الجمهورية المنتخب من قبل الشعب، واحترامى له يحتم علىّ أن أسائله، الإخوان لديهم علامات كثيرة بأنهم غير ديمقراطيين لأنهم يرددون كثيرا امتعاضهم من الاختلاف والمعارضة.
■ رأينا خلال الفترة القصيرة المنقضية سيلاً من المبادرات، من الأزهر وأحزاب مصر القوية وغد الثورة ومبادرة دكتور البرادعى وحزب النور وغيرها، ما تفسيرك؛ هل هذه القوى لديها قدرة التأثير على الشارع، أم سبق الشارع المعارضة؟
- أرى أن الشارع سبق المعارضة، والثورة حتى اليوم ليس لديها من يعبر عنها بشكل قوى، وأعتقد أن الثورة عبقرية وتبدع فكرا سباقا وخلاقا بحق، وليس لديهم كيان سياسى، والكيانات السياسية مثل الأحزاب متأخرة عنهم بقدر جيل، وجبهة الإنقاذ لا بد أن تعترف بفشلها وتسلم الراية للجيل الأصغر، والأزمة الحالية وضحت الفقر المدقع لجبهة الإنقاذ فى الفكر والممارسة، لم تقدم أية فكرة ملهمة، والناس فى الشارع ينزلون ويموتون ولا يعيرونهم أية اهتمام، والمبادرات الصادرة من جبهة الإنقاذ وأطراف المعارضة المختلفة هى مبادرات «متأخرة»، وهناك عدم استماع لهؤلاء الشباب، ولا أقصد مجرد الاستماع بالأذن، ولكن قراءة المشهد، مثل تعامل الرئاسة مع مدن القناة؛ فرض الطوارئ وحظر التجول، ويعاقب الناس بنفس طريقة مبارك بدلا من تقدير وفهم أسباب الاحتقان الحقيقية.
■ كيف ترى سيناريو الخروج من الأزمة الحالية؟
- أساس المشكلة هو قطاع الشرطة، فهى رمانة الميزان، ودون إصلاحها لن تدور عجلة الإنتاج، ولن يتعافى الاقتصاد، ولن تعود للقضاء هيبته، ولن يخاطر المستثمر بأمواله دون إصلاح، وهذا هو سيناريو الخروج من الأزمة الحالية. إصلاح القطاع الأمنى صعب جدا، وأنا أعلم ذلك ومشفق على رجال الشرطة، إنما لدينا تجارب دول سابقة ومبادرات خلاقة جدا، منها مبادرة معقدة جدا جرى إعدادها من نحو 50 صفحة، اسمها «شرطة لشعب مصر»، وتناولت كل قطاع الشرطة من أول الزى إلى الأداء، مقدمة من مجموعة من جمعيات حقوق الإنسان، أهمها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وقدمت لوزير العدل، والحكومات تعلم بها من وقت حكومة عصام شرف وجرى إهمالها وإهمال كل مبادرات العدالة الانتقالية وجرى إجهاضها فى المهد، وكل محاولة لفتح نقاش جاد وحقيقى لكيفية إصلاح جهاز الشرطة جرى وأدها.