تحول المقر الرئيسى لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين فى بورسعيد، من مقر لحزب حاكم له قاعدة شعبية لا يستهان بها، إلى مقر مهجور موصد الأبواب ومحطم النوافذ، عاكسا بذلك مزاج هذه المدينة المصرية، التى أخرجت كل غضبها على جماعة الإخوان فقد أغلق المقر الرئيسى للحزب أبوابه وأزال مسئولوه اللوحات التى تحمل اسم الحزب بشكل أصبح معه من الصعب الاستدلال عليه، وإن كانت إحدى جدران البناء تحمل عبارة "العصيان مش فشنك يا خرفان" فى إشارة إلى التسمية الساخرة للإخوان.
وكانت جماعة الإخوان حصلت خلال انتخابات عام 2011 البرلمانية على مقعدين من أصل ستة مقاعد مخصصة للمدينة.
وتنفذ بورسعيد عصيانا مدنيا منذ ثلاثة أسابيع للمطالبة بالقصاص لقتلى الاضطرابات التى اندلعت عقب الحكم بالإعدام على 21 من أبنائها فى نهاية يناير الماضى فى قضية إستاد بورسعيد التى قتل فيها 72 من مشجعى النادى الاهلى أو"الألتراس" إثر مباراة كرة قدم ضد فريق المصرى البورسعيدى فى فبراير 2011.
وخلفت هذه الاشتباكات التى تلت صدور الحكم قرابة الخمسين قتيلا، ويحمل الأهالى جماعة الإخوان، التى ينتمى إليها الرئيس محمد مرسى المسئولية، معتبرين أنها ضحت ببورسعيد لتفادى غضب بقية المحافظات.
ومن خلال جولة صغيرة فى شوارع هذه المدينة الساحلية المطلة على قناة السويس يمكن بسهولة ملاحظة نقمة شديدة على الإخوان وتراجعا لشعبيتهم بل وربما حالة ترصد من الأهالى لهم حال ظهورهم.
وتنتشر الكتابات الغاضبة فى كافة أرجاء المدينة، وعلى لافتة بيضاء كبيرة كتب باللون الأسود "عبد الناصر قالها زمان الإخوان ما لهمش أمان" وإلى جانبها أخرى أكثر حنقا تقول "مرسى يا إخوانى هترجع السجن تاني" وثالثة تقول "بورسعيد حرة بلا إخوان".
كما حطم متظاهرون غاضبون عيادة طبية مملوكة لنائب إخوانى وقيادى بالحزب يدعى أكرم الشاعر.
ويقول الموظف محمود خليل (60 عاما) "الإخوان مختفون.. وليس لهم وجود فى المدينة منذ بداية الأحداث".
وقال التاجر السيد أبو المعاطى (47 عاما) "الإخوان اختفوا من بورسعيد بشكل مفاجىء ونحن نسأل أين هم.. هل سيظهرون فقط فى وقت الانتخابات؟"، وتابع بسخط وسط إشارات التأييد من حوله "نحن غاضبون منهم بشدة لأنهم تركونا فى محنتنا".
ويتهم الأهالى الإعلام الرسمى المملوك للدولة بالكذب بعد أن وصف المتظاهرين بالبلطجية وتحدث عن رضا الأهالى عن قرارات مرسى.
بدوره يقول البدرى فرغلى البرلمانى السابق وأحد رموز بورسعيد لفرانس برس "بورسعيد مقهورة.. والإخوان قدمونا نحن قربانا للآخرين .. هم استغنوا عنا ومن حقنا أن نستغنى عنهم"، وأضاف بأسى "هم باعوا المدينة لأنها لا تهمهم.. ما يهمهم المدن ذات الكثافة التصويتية العالية لهم".
وبحزم أضاف البدرى "بورسعيد لم تهزم قط فى تاريخها ولا يمكن لجماعة الإخوان المسلمين أن تهزمها".
وحاول متظاهرون غاضبون فى عدة مدن مصرية حرق مقرات الإخوان لكنهم أبدا لم ينجحوا فى إبعاد الجماعة عن أى مدينة مصرية بهذا الشكل.
لكن عرفة أبو سليمة مسئول الإعلام بحزب الإخوان فى المدينة أكد لفرانس برس "نحن ما زلنا فى المدينة ولم نهرب منها، ولم ننسحب من الشارع... لكننا أغلقنا المقر الرئيسى ونعمل بشكل فردى ليس خوفا أو ضعفا ولكن حقنا للدماء، وإطفاء لشرارة الغضب مع المتظاهرين الغاضبين"، وتابع "ما زلنا نقدم الخدمات الاجتماعية للأهالى دون الحاجة لمقراتنا".
وأضاف عرفة مبررا "المدينة ذات طابع ثورى وهى معارضة للحكومة منذ سنين أيا كان اتجاهها" معتبرا أن "القوى السياسية المعارضة للجماعة استغلت الظروف لتوجيه غضب الأهالى ضد الإخوان".
وأكد عرفة أن "نواب الإخوان بذلوا جهودا كبيرة لإثبات براءة المتهمين".
لكن المحامى أشرف العزبي، محامى المتهمين فى قضية استاد بورسعيد، قال "الإخوان لم يساعدونا فى القضية على الإطلاق"، وتابع بسخط "كان باستطاعتهم أن يهدئوا الأمور لكنهم تركوا المدينة تغلى".
اللافت أن المشاعر الغاضبة للإخوان انعكست بشكل سلبى على المواطنين الملتحين الذين يتهمهم الأهالى بالانتماء للإخوان ومعاداة المدينة.
ويقول المهندس وليد ذو اللحية البيضاء الكثيفة "لا أعتقد أن شعبية الإخوان تراجعت.. كل من يقولون إنهم يكرهون الإخوان لا يحبونهم من الأساس"، لكن وليد عبر عن قلقه من تعرضه لمضايقات بسبب لحيته.
ويؤكد أهالى بورسعيد أنهم لن يصوتوا لمرشحى الإخوان مجددا، وقال خالد الخياط (20 عاما) "هم يبحثون فقط عن مصلحتهم.. يأتون إلى متاجرنا أثناء الانتخابات لندعمهم ثم يختفون حين نحتاجهم"، وتابع "نظمنا تظاهرة أمام مقرهم فضربونا بالخرطوش".
وقال التاجر مصطفى الشحن (60 عاما) الذى انتخب مرشح الإخوان فى الانتخابات البرلمانية فى 2011 "كنا نعتقد أنهم سيكونون أفضل من مبارك لكننا اكتشفنا أنهم أسوأ"، وتابع بغضب "هروبهم من مدينتنا خلال محنتنا.. أسقطهم من نظرنا للأبد".