-
ستكون مواطنًا صالحًا بحق لو صدّقت أن الدور السياسي للجيش انتهى بمجرد إزاحة المشير طنطاوي والفريق عنان من المشهد.
2-
يمكنك أن تفهم ما يهدف إليه جنرالات الجيش حاليا بمجرد النظر إلى تلك الصورة التي يظهر فيها مجندون يرتدون البدلة الكاكي وينحنون لطلاء الرصيف. عندها ستعرف أن قيادات المؤسسة العسكرية لجأوا إلى الخطة البديلة بعدما فشلوا في تنفيذ الخطة الأم التي كان فيها المجلس العسكري يهدف إلى تكرار تجربة الضباط الأحرار.
هي صورة عابرة ربما لكنها تكشف الفكر الجديد للقيادات الذي يقوم على استغلال تدني شعبية الإخوان والمعارضة على السواء للظهور في ثوب المُخلِص المُخلِّص الذي يعمل لصالح الوطن في وقت يعمل فيه الآخرون لمصالحهم الشخصية.
لم ينزعج قيادات الجيش وهم يحطون من قدر البدلة الكاكي المقدسة وطنيا وصاحبها ينحني لطلاء رصيف، ولو أنهم يريدون أن يفعلوا ذلك من أجل الوطن فعلا دون استغلاله سياسيًا لأسندوا الأمر لمجندين يرتدون الزي الملكي أو لجهاز الخدمة الوطنية أو حتى أمروا هيئة النظافة بالقيام بهذه المهمة، وما كان أحد ليعصي لهم أمرًا.
3-
أعلن الجيش عن الدور الجديد الذي يقوم به صراحة عندما ترك الاشتباكات قائمة بين الشرطة والمتظاهرين لأيام سقط خلالها مئات المصابين، رغم أنه أعلن من البداية أنه نزل مدن القناة لحماية المنشآت، ومديرية الأمن منشأة على حد علمي.
كان الجيش بوسعه إنهاء الأمر لو أنه أوقف عدة مدرعات في مدخل المديرية وطلب من الشرطة عدم الاشتباك مع المتظاهرين، لكنه سمح باستمرار الاشتباكات الدامية ليظهر بعد ذلك بأيام على فرسه الأبيض في صورة الفارس الذي أنقذ المدينة من الدمار وأوقف نزيف الدم.
4-
وجه الفريق السيسي الدعوة لقيادات المعارضة من أجل إقامة حوار مواز للحوار الذي فشل الرئيس مرسي في إقناع الأحزاب الرئيسية بالمشاركة فيه، ما أزعج مؤسسة الرئاسة خاصة أن كل الفصائل التي رفضت دعوتها أبدت ترحيبا بحضور حوار الجيش، وهو ما دفعها للضغط على السيسي من أجل إلغاء الدعوة.
ربما استشعر مرسي حينها الخطر والإهانة على السواء، الخطر من أن تظهر المؤسسة العسكرية أهم وأقوى من مؤسسة الرئاسة، والإهانة من أن تثق كل القوى الإسلامية والمدنية في أحد أفراد حكومته، بينما لا تثق فيه شخصيًا
5-
عندما بدأ حزب الحرية والعدالة في فتح شوادر لبيع اللحوم بأسعار مخفضة لم يكذب الجيش خبرًا وفتح شوادر أكبر وأكثر باع فيها اللحوم بأسعار أرخص، وعندما وزع الحزب السلع التموينية في الشوارع ظهرت سيارات الجيش في كل مكان توزع الزيت والسكر والمكرونة بأسعار تنافسية.
الأمر أقرب إلى صراع بين تجار على احتكار السوق.. سوق السياسة.
6-
الجيش لن يترك السياسة لأنه لم يتركها في أي مرحلة مضت، وحتى قصة إقالة طنطاوي وعنان تحمل في طياتها لعبة سياسية أدارها قيادات المجلس العسكري، بالاشتراك مع جماعة الإخوان المسلمين، ينهي الجيش بموجبها تواجده «الإعلامي»في الحياة السياسية، وتحقق الجماعة من خلالها نصرًا شعبيًا ومعنويًا يعزز من شعبية الرئيس محمد مرسي المتدهورة في الشارع.
اختفاء وزير الدفاع ورئيس الأركان السابقين، كان رغبة عسكرية قبل أن تكون شعبية، فالرجلان أخرجا نفوذ الجيش السياسي من الكواليس إلى خشبة المسرح ليراه الجمهور والعامة رأي العين، ويعلم الجميع أن للجيش طموحات تتعدى بكثير دوره الأساس الذي يقتصر على حماية الحدود ورد العدوان.
كما كان هذا الخروج سببًا في طرح تساؤلات ما كان أحد ليجرؤ على طرحها في السابق تتعلق بميزانية الجيش والكوتة التي يحفظها للجنرالات المتقاعدين في الوظائف الحكومية، وأيضا مصادر تسليحه التي تقتصر على الولايات المتحدة، الحليف الدائم لإسرائيل، العدو الأزلي لمصر.
7-
غضب الرئيس مرسي كثيرًا عندما نشرت صحيفة الجمهورية في أكتوبر 2012 تقريرًا قالت فيه إن قرارًا سيصدر بمنع طنطاوي وعنان من السفر، على ضوء تحقيقات بشأن مسؤوليتهما عن قتل المتظاهرين في أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، وبعد بيان صدر عن مصدر عسكري مسؤول لم تتم تسميته قال فيه إن ''القوات المسلحة قادة وضباطًا وضباط صف وجنودًا، عبروا عن استيائهم الشديد تجاه ما نشرته الجريدة ويتضمن إساءة بالغة لقادة ورموز القوات المسلحة''.
ويبدو أن البيان العسكري حمل رسالة ما فهمها مرسي، فصدر فورًا قرار بإيقاف رئيس تحرير الجمهورية جمال عبد الرحيم عن العمل، بل وخرج الرئيس نفسه في اليوم التالي ليؤكد رفضه ما نُشر، ويقول خلال مشروع بالذخيرة الحية في الجيش الثانى الميداني إنه ''تم اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة تجاه الصحفي الذى نشر الموضوع المغلوط عن قيادات القوات المسلحة السابقة، وهناك تحقيق في هذا الكلام الذي لا أساس له من الصحة''، وزاد على ذلك مؤكدا أنه دائم الاتصال بالمشير طنطاوي والفريق عنان لاستشارتهما في بعض الأمور.
لم تبدُ تصريحات الرئيس رفضًا لخبر غير صحيح، تمتلئ الصحف المصرية بالعشرات مثله يوميًا، بقدر ما بدا الأمر استنكارًا لملاحقة الرجلين قضائيا من الأساس، وهو ما يجعل الحديث عن الخروج الآمن، والذي طالما نفته قيادات إخوانية والرئيس مرسي نفسه حقيقة لا تخطئها عين، ويؤكد أن خروج الجنرالين من الخدمة لم يكن قرارًا ثوريًا من الرئيس، بل تم بتوافق تام بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري، لمصلحة الطرفين.
8-
ربما لا يريد الجيش أن يكرر تجربة الجلوس في سدة الحكم، لكنه حتما يحاول ترسيخ وجوده كطرف دائم في المعادلة، وإقناع المصريين بأنه يصلح ليكون الحكم بين الفرقاء السياسيين، وعليه يضمن وجودًا دائما على مسرح السياسة حتى وإن كان متواريا هناك بالقرب من الحدود.