من الصعب أن نصدق أن هناك تحالفا تنظيميا بين إيران، الدولة الإسلامية الشيعية المتشددة، وتنظيم القاعدة ذي النهج الإسلامي السني المتطرف.
كما أن القاعدة وحركة طالبان لا يعدان الشيعة من المسلمين، وينظر كل طرف إلى الآخر على أنه عدو من الدرجة الثانية.
لكن كل الدلائل تشير إلى وجود عدد من مع كبار الشخصيات في تنظيم القاعدة في إيران، وإن كانت هذه الشخصيات تخضع للإقامة الجبرية، أو على الأقل، لشكل من أشكال القيود على تحركاتهم.
وتعود قصة هؤلاء إلى عام 2001، حينما كانت القوات الأمريكية وحلفاؤها من قوات التحالف الشمالي الأفغاني في طريقها إلى كابول في الأشهر الأخيرة من ذلك العام للإطاحة بحكومة طالبان، واختارت الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس محمد خاتمي في ذاك الوقت أن تدعم التحالف الشمالي الأفغاني.
لكن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئي كان قلقا من وجود قوات أمريكية على حدود بلاده الشرقية، وأرسل مبعوثين إيرانيين إلى قندهار، معقل طالبان آنذاك، لفتح قناة اتصال، وتقديم بعض الدعم.
لكن الوقت كان متأخرا، فلم تكن طالبان بحاجة إلى الأسلحة أو المال، ولكن إلى وسيلة آمنة للخروج من أفغانستان، ووافقت إيران على أن توفر لهم ذلك.
عائلة بن لادن
وفي شهر نوفمبر عام 2001، حينما كنتُ مراسلا لشبكة سي إن إن التلفزيونية الأمريكية، زرت مخيما للاجئين الأفغان في الأراضي غير المأهولة داخل الحدود الإيرانية مع أفغانستان.
وهو مخيم أقامته إيران على الفور، لمساعدة آلاف اللاجئين الأفغان الذين توجهوا نحوها خوفا من الحرب في بلادهم.
وكان يبدو أن معظم العائلات التي وصلت بالآلاف كانت بالفعل من أنصار حركة طالبان، كما كان المخيم يضم عددا من مقاتلي طالبان الذين كانوا يعملون كحرس للمخيم.
وفي هذا المخيم، التقينا وجها لوجه مع مجموعة من الشخصيات الإسلامية التي قدمت من الجانب الإيراني للتفتيش، وكانت تتجنب أن تلتقط لها صور.
واتضح أن هؤلاء المفتشين أتوا لفحص اللاجئين، والتعرف على الشخصيات البارزة في تنظيم القاعدة ومساعدتهم عبر الحدود.
وفي خلال هذه الفترة، سمحت إيران بدخول مئات من كبار الشخصيات في حركة طالبان إلى أراضيها، ومن بينهم أفراد من عائلة بن لادن.
وكان من بينهم على الأقل إحدى زوجات بن لادن، وولداه - خالد، الذي قتل مع بن لادن في الغارة الأمريكية عام 2011 على بلدة أبوت أباد، وسعد الذي قتل عام 2009 - وابنته إيمان.
وكان أيضا من بين الشخصيات البارزة في تنظيم القاعدة التي دخلت إلى إيران كل من:
سليمان أبو غيث، وهو مواطن كويتي الأصل وزوج ابنة بن لادن، وقد هرب إلى تركيا الشهر الماضي.
سيف العدل، وهو مواطن مصري وقائد اللجنة الأمنية لتنظيم القاعدة.
محمد المصري، الذي يقال إنه العقل المدبر لتفجير السفارة الأمريكية في شرق إفريقيا عام 1998.
لكن هؤلاء جميعا وجدوا أنفسهم رهائن لدى الحكومة الإيرانية، التي قررت أن تضع أهم هؤلاء الوافدين تحت الإقامة الجبرية، وآخرين في السجون، في جنوب إيران.
وقد غيرت إيران لهجتها، وكانت تنظر إلى هؤلاء الرهائن كأوراق للمساومة.
وبحسب كل الروايات، استمر وضع الرهائن على هذا الحال حتى اليوم، على الرغم من أن العديد منهم إما رُحّلوا إلى بلادهم الأصلية، وإما سُمح لهم بالمغادرة.
وفي عام 2003، ذكرت تقارير أن إيران عرضت صفقة على الإدارة الأمريكية مفادها أن إيران مستعدة لتبادل بعض الشخصيات البارزة في تنظيم القاعدة مع قادة إحدى الجماعات الإيرانية المعارضة والمسجونين في العراق، وهي منظمة مجاهدي خلق.
وفي عام 2010، هربت ابنة بن لادن من مقر إقامتها الجبرية في طهران، ولجأت للسفارة السعودية، وقد سمح لها في آخر الأمر أن تغادر إيران، لكن ليس قبل إخلاء سبيل حشمت الله عطرزاده، الذي كان قد خطف في باكستان قبل ذلك.
وبحسب كل الروايات أيضا، فلا يزال هناك عدد من كبار الشخصيات في تنظيم القاعدة في إيران اليوم.
ومن الممكن حتى في ظل القيود المفروضة عليهم من قبل الحرس الثوري الإيراني، وأجهزة الاستخبارات الإيرانية المتعددة، أن يكون بعضهم قد نشط في إقامة علاقات مع شبكة تنظيم القاعدة، وربما أيضا تقديم المساعدة في جمع الأموال في الخارج، وتقديم الدعم والتوجيه لأعضاء التنظيم، دون علم السلطات الإيرانية.
والواضح هو أن وجود شخصيات بارزة من تنظيم القاعدة في إيران قد تحول إلى تبعة ثقيلة على كاهل الحكومة الإيرانية.