ملف التوريث فى القضاء أصبح من الملفات الساخنة جدًا، ويهدد بثورة جديدة، فهذا الجهاز الذى مهمته التصدى للمفسدين أصبح مثار شبهة، فكيف يتم قصر العمل فى القضاء على أبناء القضاء وقلة قليلة من ذوى الحظوة، وبدون توافر الشروط المطلوبة بالمخالفة لكل القوانين والأعراف والأخلاقيات؟.
هذا الملف عجل بفتح ما يقوم به رجال القضاء والنيابة من إضرابات واعتصامات لم يحدث مثلها من قبل فى تاريخ مصر، بل وترك بعض القضاة منصاتهم وانشغلوا عن واجباتهم وأصبحوا طرفا فى قضايا سياسية، الأمر الذى يستوجب إقصاء هؤلاء من منصات القضاء فورًا.
يقول المستشار محمد رفعت رئيس نادى قضاة بنى سويف أن استبعاد أعضاء النيابة الذين تم تعينهم بتقدير مقبول واستبدالهم بالأوائل لا يجوز قانونا، حيث إنه تم تعينهم بموجب قوانين (مفصلة) وللأسف لا يجوز الرجوع لها بأثر رجعي، وكما نعلم أن تلك القوانين كانت مفصلة للنظام السابق ولكن ما يجب فعله هو تعيين الكفاءات وطبقا لمعايير التقديرات للأوائل من خريجى الحقوق وهذا موجود فى الدستور الجديد بأن يتم استبعاد من لا تتوافر فيه الشروط التى نص عليها الدستور ويطبق الآن بأثر فورى.
أوضح رفعت أن القضاة وأعضاء النيابة بدأوا يتجهوا للسياسة وهذا يفقد القاضى حياديته وهذا يشكل خطورة بالغة على القضاء المصرى فالسياسة تترك للأحزاب والتيارات السياسية الأخرى وتكون بعيدة كل البعد عن السلك القضائى حتى لا يفقد شرعيته، معتبرا أن اعتصام القضاة للمطالبة بإقالة النائب العام خروج عن التقاليد القضائية، مشيرًا إلى أن الدستور ينظم هذه المسألة حيث يتم تعيين النائب العام وفقا للدستور الجديد الذى ينظم تلك العملية حيث يقوم مجلس القضاء الأعلى بترشيح ثلاثة من القضاة ويتم إرسالهم إلى رئيس الجمهورية لاختيار النائب العام وذلك لاعتبارات سياسية ويتم أختياره بدقة.
ويقول المستشار شوكت عز الدين باستئناف القاهرة سابقا أن ظاهرة تعيين أبناء المستشارين بدأت تتضاءل، وظاهرة التوريث موجودة فى القضاء وفى غير القضاء، فهناك أجهزة حكومية كثيرة دأبت على توظيف أبناء العاملين مما يكون سببًا رئيسيًا فى ضياع الفرصة على من يستحق سواء كان صاحب تقدير أو خبرة أو كان هو الأفضل سواء فى السلك الدبلوماسى أو فى أى جهة أخري، وإذا أردنا القضاء على ظاهرة توريث القضاء فعلينا أن ننظر الطعون المرفوعة أمام مجلس الدولة من طلبة كلية الحقوق المتقدمين لوظائف بالنيابة العامة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة ومجلس الدولة نفسه، فكل أصحاب هذه الدعاوى على حق لذلك سنكشف عن هذا التسيب إذا ما اتخذت الحكومة والتفتيش القضائى موقفا واضحا وشريفا من هذه المهزلة، فالقضاء الآن فى أزمة حقيقية يحتاج من ينقذه من تلك الغمامة السوداء قبل فوات الأوان.
وأكد المستشار شوكت أن النظام السابق وأهليه وذويه وأصابعه الأخطبوطية التى كانت وما زالت تختلق المشكلات والعراقيل أمام الشعب ظنا منهم أن أفضل طريقة للحكم هى أن يضغط ويضغط ويضغط على الشعب من كل النواحى بداية من المأكل والمشرب والمسكن الضيق غير الموجود والعشش فى العشوائيات والخبز الذى لا يأكل والتموين الذى لا يصرف وارتفاع الأسعار كل هذه القضايا التى كانت فى العهد السابق، فالشعب الآن يريد من الحكومة الحالية حلولا حتى لاينفجر مرة أخرى وناشد عز الدين جبهة إنقاذ الحزب الوطنى التى أطلقت على نفسها جبهة إنقاذ مصر ولكن هى فى الحقيقة جبهة الغرق تحدت الدستور واللجنة التأسيسية وظهرت على شاشات الفضائيات تنوح وتصرخ من أحل هدم الدستور وهدم الرئاسة وعودة نظام أفسد الحياة السياسية وكل مؤسسات الدولة مهما حاول وفعل واستخدم كل الأساليب الإجرامية لن يعود بأى صورة من الصور، وتساءل عز الدين: أين كان رجال جبهة الإنقاذ الوطنى ولم يقف واحد منهم ضد رجال النظام السابق وضد الفساد؟.
ويقول محمد الدماطى وكيل نقابة المحامين إنه ضد مبدأ تعيين أبناء المستشارين بالواسطة والمحسوبية، ولابد من تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، فالنيابة العامة تنتهج نهج النظام القديم عن إقرارها بامتداد النظام السابق فى توريث أبنائهم فى الوظائف، فعندما يتخرج طالب بتقدير امتياز أوجيد جدا لهم أحقية التعيين فى النيابة العامة ولكن بسبب وضعه الاجتماعى وعدم حصول الأبوين على مؤهل عال يتم استبعاد مئات المتفوقين، وتساءل الدماطي: ما ذنب هذا الخريج الأول على دفعته أن والده رجل فلاح أو عامل بسيط ليعاقب ويحرم من حقه الأصيل؟، لقد عدنا إلى العهود السابقة الظالمة حينما كان ابن الباشا تفتح له جميع الأبواب وابن الطبقة الفقيرة يذهب إلى الجحيم حتى لو حصل على أعلى الشهادات والتقديرات.
وأضاف الدماطى، أن من ضمن مطالب الثورة هو تطهير القضاء بأكمله وأن يكون التعيين بالسلك القضائى للأوائل وليس أصحاب المقبول الذين لهم واسطة ومحسوبية.
ويقول ممدوح إسماعيل المحامى وعضو مجلس الشعب السابق، إن ملف القضاء والقبول فى النيابة من الملفات المهمة فى مصر، فظاهرة تعيين أبناء المستشارين فى مختلف الهيئات القضائية بالواسطة والمحسوبية شىء ليس بجديد وموجود منذ عشرات السنين، وهذا الملف فيه خلل ويحتاج لفتحه وتطهيره وإعادة هيكلته، وهذا يحتاج لإرادة سياسية، ولكن للأسف مازالت الأيدى متراخية فى تطهير هذا الملف ولابد أن يتم فتح وتفتيش ومراجعة ملفات القضاء من بداية التعيين حتى الآن، ويجب وضع قواعد حاكمة جامعة مانعة للقبول بغض النظر عن حسبهم أو نسبهم، بحيث لا يجوز دخول الحاصلين على تقدير مقبول ولكن أن يكون بقواعد ومعايير وشروط الجدارة والتقدير والكفاءة حتى لا تفرق قواعد القبول بين المواطنين من حيث الطبقات.
ويقول الدكتور ربيع أنور الفقيه القانونى، إنه لا يجوز الاستثناءات فى القضاء أو أى تعيينات، ويجب احترام قاعدة المساواة أمام الوظيفة العامة لكل متقدم بغض النظر عن انتماءاتهم وعن صلة قرابتهم، بمعنى مين أبوه ومن عمه ومين خاله، هذا لا يجوز وخاصة فى السلك القضائى الذى يقوم على العدالة، ويجب أن يكون المتقدم جديرا بذاته للتقدم بهذه الوظيفة ليس بنسبه لوالده أو عمه أو صلة القرابة لأحد القضاة، والذى يقال عنه (بيئة قضائية)، مؤكدا أن هذه طريقة ابتداعها القضاة فى العهد البائد لمنع البسطاء من الوصول لهذه الوظائف واحتكارها من قبل أبناء الشرطة والقضاء ورجال الأعمال والشخصيات العامة، وجاءت ثورة يناير لتنهى هذا العهد الفاسد ولكن ما زال التوريث مستمرًا فى القضاء بعد مرور عامين على الثورة، وإذا استمرت مثل هذه الأمور منتشرة فى جميع الإدارات المصرية لن تتقدم مصر فى أى مجال، وسيزداد العنف والحقد ينتشر بين أبناء مصر كالطاعون، لأن أصعب المشاكل على الإنسان وأشدها تأثيرا على النفس أن يشعر الإنسان بأنه معوق بسبب انتسابه لأب فقير وليس من الطبقة العليا التى اصطنعتها الأكاذيب، وبالتالى يجب أن تكون الإدارة قائمة على الكفاءة فى كل المجالات والجدارة وليس القرابة أو النسب وتقوم على المساواة.
وقال ربيع، إنه من العدل فتح هذه الملفات لمعرفة العيوب والمواقف ومراجعتها فى كل الإدارات المختلفة بجميع أجهزة الدولة.
ويقول خالد سليمان المحامي, إن جميع الوظائف القضائية أصبحت حكرًا لجميع المستشارين ولأبنائهم، طبقا لمبدأ بنود لائحة الاختيار داخل المجلس الأعلى للقضاء، والتى وضعها مجلس محمد فتحى خليفة رئيس المجلس الأعلى للقضاء الأسبق، بأن يكون الأبوين مؤهل عال أو من بيئة قضائية لتعيين أقاربهم، وهم الأحق بذلك وسيحاسبون على ذلك حيث إنهم جعلوا القضاء وظيفة يسترزقون منها والعلماء والصالحين كانوا يهربون منها، لأن القاضى سيأتى على جسر من جهنم لأن القضاء أمانة سيسألون عنها، فهم فى غفلة ولا يدركون حساسية هذا المنصب وقمة الظلم أن يقوم المستشار عبد المعز براهيم رئيس استئناف القاهرة بإعطاء تعليمات لرؤساء محاكم الاستئناف بتلقى طلبات مستشارى الاستئناف لتعيين أقاربهم وعلى نفس النهج تلقت النيابة طلبات المستشارين بالنيابة الكلية بالمحافظات طلبات تعيين الأقارب بحجة أن أشقاء القضاة والمستشارين وأبناء أشقائهم لابد من تعينهم فى وظائف قضائية، وتم تعيين عشرات من أبناء المستشارين بالسلك القضائى بمختلف هيئاته وفى مجلس الدولة دفعة 2010 و2011 ، حيث تم قبول 17 من المتقدمين لشغل وظيفة مندوب مساعد من أبناء المستشارين بالمجلس، ومعظمهم حاصلون على تقديرات منخفضة فى ليسانس الحقوق تتراوح ما بين 65 % و70 % فى حين تم استبعاد مئات الخرجين المتفوقين والحاصلين على تقديرات جيد جدا وامتياز من أوائل كليات الحقوق، ومن أبرز القضاة الذين تم تعيين أبنائهم المستشار عمر مروان مساعد وزير العدل للشهر العقارى والتوثيق، وهادى نجل المستشار ماجد جبران بطرس مساعد وزير العدل للديوان العام، وأحمد نجل المستشار تهامى سيد عمر نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، وتم قبولهم فى النيابة العامة بالرغم من أن القانون يحث على الإعلان على مسابقات فى حال وجود وظائف شاغرة إلا أن أغلب الجهات المعاونة والقضائية لم تعلن عن هذه المسابقات، وكأن السلك القضائى أصبح العزبة الخاصة للمستشارين.
ويقول ياسين صبرى أبو سالم المحامى، إن الجذور الفاسدة يجب اقتلاعها واستئصالها، وهذا الأمر يستوجب مراجعة ملفات هؤلاء القضاة وأعضاء النيابة، ويتم استبعاد كل أصحاب الشهادات الحاصلة على مقبول وتم تعينهم من خلال الواسطة واستبدالهم بأوائل كليات الحقوق العاطلين منذ عشرين عاما للآن، هكذا فعلت المانيا الغربية وفصلت كل قضاة ألمانيا الشرقية أربعة آلاف قاض بعد إعادة توحيد ألمانيا .
ويقول سالم المهدى المحامى، إن ملف تعيين وكلاء النيابة الذين تم تعينهم بتقدير مقبول يجب أن يتم فتحه حيث إن ما يحدث الآن أصبح مهزلة، فالنيابة العامة تتمرد والقضاء يتخلى عن دوره وعن مسئولياته، القضاة يتحدون الرئيس خوفًا على مصالحهم، مشيرا إلى أن القضاء ميراث لهم، والأعلام والفلول يحرضهم على تلك الأعمال الإجرامية التى يسلكوها، ويؤكدوا لأبناء المستشارين الذين تم تعينهم بمقبول أن ملفاتهم سوف تتم مراجعتها والنظر فيها، لذلك يحافظون على مصالحهم من خلال إقالة النائب العام وكل من يعارض مصالحهم، وهناك جبهة إنقاذ تتوعد، وتيارات سياسية تستنجد بالغرب لتحقيق مطالبها، وترفض شرعية الرئيس وتعترض على الدستور وترفض الحوار والاستفتاء وترفض نتيجة الاستفتاء، بالإضافة إلى حصار المساجد والمصلين وشتم العلماء وقتل المتظاهرين السلميين وحرق مقار الأحزاب واحتشاد الفلول للتخريب، فالأمر خرج عن كل معايير الديمقراطية التى يدعيها البعض، ويجب أن يتحرك الرئيس مرسى ويسارع بالقضاء على الفلول، واتخاذ قرار رادع يجعل من المضربين عن العمل عبرة لمن يعتبر كى لا يتجرأ أحد بالتخلى عن واجباته، وفتح الملفات الموجودة داخل مكتب النائب العام ومحاسبية المرتشين وكل من ساعد فى خراب ونهب هذا البلد.
وطالب فتح هذا الملف الخطير ونظر جميع القضايا التى ظلم فيها الطلبة المتفوقين من خريجى كلية الحقوق، مؤكدا أنه بالرغم من أننا نشهد عاما جديدا بعد تولى مرسى الرئاسة نأمل فى عام 2013 أن تعود الحقوق المسلوبة لأصحابها ونعلم أن الرئيس مرسى لن يترك الفساد يتفشى داخل القضاء.