شخصيات قادت ثورات أثرت في تاريخ المنطقة، كان ''محمد مصدق'' من بين هؤلاء، فهو رئيس الوزراء الإيراني في عهد الشاه ''محمد رضا بهلوي''، وقائد الثورة الأولى عليه بعد تمادي الشاه في ولائه للولايات المتحدة، وينظر إليه الشعب الإيراني بصفته ''بطلاً قوميًا''، إلا أن أمريكا لم تتركه، وقادت ثورة مضادة لإرجاع ''الشاه'' وإنهاء ''ولاية مصدق''.
''محمد مصدق'' المولود بإيران في 19 مايو 1882، لأم قوقازية وأب وزير للخزانة في عهد الشاه ''رضا بهلوي'' ولمدة 30 عامًا، بدأ ''مصدق'' عمله السياسي عام 1906 في سن الرابعة والعشرين؛ حيث ترشح نائبًا برلمانيًا عن ''أصفهان''، ثم سافر لاستكمال دراسته في القانون الدولي بفرنسا، ثم سويسرا، وعاد عام 1921 ليحمل حقيبة ''وزارة المالية الإيرانية'' في حكومة رئيس الوزراء ''أحمد قوام السلطنة''.
يبرز نجمه وتتوالى نجاحاته، ويستمر بعد مجيء وزارة ''مشير الدولة'' عام 1923، كوزير للخارجية، بعدها يعود مجددًا للبرلمان ليرفض هيمنه الجيش على الدولة، وتولي ''رضا خان شاها'' منصب ''شاه إيران''، ويؤسس ''جبهة ملي الوطنية'' المطالبة بتأميم النفط الإيراني بعد سنوات قليلة من اكتشافه في المدن الإيرانية.
في 1951 تصوت الأغلبية البرلمانية على انتخاب ''الدكتور مصدق'' لرئاسة وزراء إيران، وبعد يومين فقط من استلامه السلطة يؤمم النفط الإيراني، والذي كان مطمعا لـ''الولايات المتحدة'' حليفة ''محمد بهلوي - شاه إيران''، ليس هذا فحسب؛ بل يتحالف مع كتل اليسار الشيوعي لموازنة السيطرة الأمريكية والإنجليزية في السياسة الإيرانية، وهو ما مثل ضربة قوية لمصالح الهيمنة الأمريكية والبريطانية داخل إيران.
على الرغم من اكتسابه شعبية جارفة بين الطبقات الشعبية والشبابية، إلا أن التيارات الدينية ناصبت ''مصدق'' العداء بعد تحالفه مع الكتل الشيوعية الموالية للاتحاد السوفيتي، وتضامن معهم كبار الملاك بعد أن لوح ''مصدق'' عن وضع خطة إصلاح زراعي وتحديد الملكية الزراعية.
وجاءت الضربة الأولى من ''بريطانيا'' برفعها دعوى أمام ''محكمة العدل الدولية''، تتهم فيها ''مصدق'' بانتهاك حقوق امتازها للنفط الإيراني بتأميم شركة ''بريتش بتروليوم'' هناك، فسافر ''محامي القانون الدولي - مصدق'' لمحكمة العدل في ''لاهاي الهولندية'' مترافعًا عن حق بلاده في تأميم مصافي النفط، وهي الخطوة التي رحبت بها ''مصر'' الراغبة في ترحيل ''الاستعمار الإنجليزي'' عن أراضيها.
''انقلاب مرداد 1953'' محاولة لخلع رئيس الوزراء ''مصدق'' بعد عناده لـ''الشاه'' وإصراره على اختيار وزير الحربية ورئيس الأركان، إلا أن ''الشاه'' يرفض ويستقيل ''مصدق'' ويلجأ للشعب ليضع القرار بين يديه، وهو ما جعل ''الشاه محمد بهلوي'' يهرب لإيطاليا في حماية أمريكية، ولكنه قام بتوقيع قرارين قبل هروبه ''إقالة مصدق وتعيين القائد (زاهدي) محله''.
أصبح ''مصدق'' هو المسئول عن إيران وقائد أول ثورة شعبية في تاريخها، وناصبه ''فلول نظام الشاه'' العداء، وقام ''زاهدي'' بقصف منزله بطهران لإجباره على الرحيل، لكن ''الضربة القاضية''، جاءت من ''المخابرات الأمريكية''، بإرسالها ضباط لمعاونة ''زاهدي'' في اغتيال رموز ''الجبهة الوطنية''، وإخراج مظاهرات معادية في شوارع طهران تطالب برحيل ''مصدق''، وتهتف بسقوطه وتسبه، وسميت محاولة خلع ''مصدق'' بـ''عملية أجاكس''.
نجحت ''الثورة المضادة'' في خلع ''مصدق''، وإعادة ''الشاه'' مرة أخرى لـ''عرش الطاووس الإيراني''، وحكم على ''مصدق'' بالإعدام، ويخفف الحكم إلى السجن الإنفرادي ثلاث سنوات، ثم تحديد إقامته جبريًا في منزله بمدينة ''أحمد أباد''، ويترك وحيدًا حتى يرحل في 1967.