يحبها أحيانا.. يلعنها أحيانا أخرى.. سنده في أوقات، وقد تخسف به إلى سابع أرض في أحيان أخرى.. ربما يحترمها.. قد يخشاها ويعتبرها ''ند له'' وسلطة تنافس سلطاته... أنها علاقة ''الرئيس'' بالسلطة الرابعة ''الصحافة''.
يأخذكم اليوم مصراوي في جولة عن علاقة ''الشد والجذب'' بين حكام ورؤساء مصر والصحافة..
العصر الملكي..والصحافة
يعتبر محمد علي باشا صاحب الفضل في ظهور أول جريدة مصرية ''جرنال الخديوي'' وكانت الجريدة تضم كل الأمور التي تهم محمد علي، لذا اعتبر أن الصحافة المصرية نشأت في أحضان وكنف الحاكم لتنفذ احتياجات وأهداف الحاكم وليس الشعب، واستوعب محمد علي أهمية وجود صحافة تحكي عن انجازته وتؤيد قراراته ولأن ''جرنال الخديوي'' كانت توزع على عدد محدود قرر اصدار الوقائع المصرية وكان كل ما ينشر فيها تحت رقابة محمد علي وكان يراجعها بنفسه قبل الصدور.
خلال الفترة الملكية ظهرت أعداد كبيرة من الصحف فظهرت صحف تعبر عن تنظيمات رافضة سياسيا كما ظهرت صحف تعبر عن جماعة الإخوان لمسلمين كصحيفة ''النذير'' و''الاخوان المسلمين'' التي صدرت في حكومة اسماعيل صدقي عام 1946 نتيجة للعلاقة الوطيدة بين صدقي وحسن البنا، وظهر في هذه الفترة الصحافة اليسارية التي نقلت الفكر الماركسي والصحافة الحزبية والصحافة المستقلة كأخبار اليوم، لكن رغم تعدد وتنوع الصحف الا ان بعض الصحف كانت لا تصدر الا مره واحده نتيجة المصادرات المتعددة، وفي هذه الفترة استحدث رئيس الوزراء إسماعيل صدقي جريمة ''مخصوصة'' للصحفيين وهي جريمة ''استخدام عبارات من شأنها تعريض نظام الحكم للكراهية أو الازدراء''.
وفي عهد فاروق ظهر بشكل واضح علاقة الحكام بالصحفيين او بمعني أخر ''صحفي الرئيس''، ففي هذه الفترة ظهر تقريب عدد منهم ليكونوا ضمن حاشية ''الملك''، مساهمين في صنع القرار.
فـ (ادجار جلاد) وهو صحفى لبناني وصاحب مؤسسة صحفية تصدر جريدة ( الزمان ) كانت تربطه بالملك علاقة وطيدة، وقد أصبح مستشارا خاصا له، ويقال ان جلاد هو وسيلة التعارف الأساسية بين الملك فاروق وبين كريم ثابت، الذي أصبح المستشار الصحفي للملك، وهو منصب انشئ خصيصا من أجله، ورغم انه كان من أهم الصحفيين نتيجة علاقته بالملك في الفترة الملكية الا ان ثورة 1952 جعلته مسجون وقيل في محاكمته ''ان كريم ثابت هو الفساد والفساد هو كريم ثابت''، نتيجة لمساهمته في صنع القرار.
أول صدام بعد الثورة..وهيكل الأقرب لناصر
بعد ثورة يوليو تغيرت الخريطة الصحفية من حيث اختفاء صحف وظهور صحف جديدة وتقريب صحفيين واعتقال آخرين.
وكان أبرز علاقة الضباط الأحرار بالصحافة هو توقف الصحف الحزبية بعد حل الأحزاب، فى نفس الوقت الذي كان مجلس قيادة الثورة يهتم بإصدار صحف تعبر عنه منها التحرير والثورة والجمهورية.
وكان أول صدام مع الصحافة بعد يومين فقط من ثورة يوليو عندما تم اعتقال الأخوين مصطفي وعلي أمين بعد بلاغ يتهمهم فيه بالتخابر لصالح بريطانيا وافرج عنهم بعد ثبوت عدم صحه البلاغ.
ومنذ 25 يوليو 1952 صدر قرار بفرض الرقابة الحربية على الصحف، وبعد الغائها فرضت بقوانين وطرق أخري، الا أنه بسبب أزمة مارس والخلاف بين محمد نجيب وعدد من مجلس قيادة الثورة، تمتعت الصحف بفتره من الحرية لكن بعدما استقر الوضع تم تنفيذ عده اجراءات ضد الصحفين الذين وقفوا بجانب محمد نجيب.
واستمر الصدام حتي ان عام 15 أبريل 1954 قرر مجلس قيادة الثورة حل نقابة الصحفيين بدعوي تقاضي أعضاءها مصروفات سرية، وشهد نفس العام حملة اعتقالات ومحاكمات للصحفيين كان منها اعتقال احسان عبد القدوس رئيس تحرير روز اليوسف وايداعه السجن الحربي لثلاثة أشهر.
وبعد حملة المصادرات بقيت في الميدان ثلاث صحف يومية فقط هي الأهرام والأخبار والجمهورية، ومجلات روز اليوسف وصباح الخير والمصور والجيل والكواكب وحواء وآخر ساعة.
وعرفت هذه الفترة بالعدائية بين قيادات الجيش والصحافة، لكن عبد الناصر كان يهتم بالصحافة واعتبرها وسيلة مسانده له، فقد اهتم بالإشراف بنفسه على تعيين رؤساء التحرير والمسئولين لذا فقد شهدت هذه الفترة كثرة العنصر العسكري بين القيادات الصحفية.
ولا يمكن أن يذكر علاقة جمال عبد الناصر بالوسط الصحفي الا ويذكر معها اسم الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، فكان هيكل الصحفي والصديق الأقرب لناصر، والشاهد على العصر، وعلى تفاصيل وكواليس صنع القرار، بل ان البعض يؤكد على انه كان مساهم بنسبة كبيرة في صنع القرار.
السادات..والصدام مع الصحافة
ورغم ان هيكل استمر مقرب في الحقبة الساداتية، الا ان هذه العلاقة لم تستمر طويلا وسرعان مادب الخلاف بينهما، ويعتبر موسي صبري هو الصحفي الأول في عهد السادات، وكان يقوم بكتابه بعض خطب السادات، حتي انه اعد الخطبة التي القاها أثناء زيارته للقدس.
ورغم أن السادات ينتمي لبلاط صاحبة الجلال، ففي العهد الناصري كان رئيساً لتحرير صحيفة الجمهورية الا انه منذ تولي السلطة عام 1970 بدأ الصدام بينه وبين الصحافة وترتب على هذا الصدام تحويل عدد من الصحفيين إلى وظائف حكومية.
لكن في النصف الثاني من السبعينيات، ومع حرية تواجد الأحزاب، ظهرت حركة واسعة من إصدار الصحف لهذه الأحزاب فصدرت صحف الأحرار والأهالي والشعب والوفد، وتميزت هذه الفترة كذلك بإصدار عدد من المجلات والجرائد التي تنتمي للتيار الإسلامي مثل الاعتصام والدعوة التابعتين لجماعة الإخوان المسلمين.
ورغم ان السادات في خطابته كان يؤكد على حرية الصحافة لكنه في نفس الوقت كان ينتقد ادائها فيقول في اجتماعه مع رؤساء تحرير الصحف 28 أغسطس 1974 ''لن اتراجع عن حرية الصحافة تحت أي ظرف ولكن عتابي على الصحافة انها لاتقدم كل جوانب الصورة، أنا لست ضد النقد لكني أطالب ان يكون النقد بناء''.
واستمرت علاقة السادات مع الصحافة بين شد وجذب، حتي توقيع السادات معاهدة السلام مع إسرائيل، وهنا بدأ أقوى مواجهة مع الصحافة خاصة مع الصحف الحزبية واليسارية وهو ماترتب عليه مصادرة أعداد بعض من هذه الصحف، وانتهى الأمر إلى إغلاق هذه الصحف في سبتمبر عام 1981 بالإضافة لحركة اعتقالات واسعة لصحفيها، واستبعاد آخرون عن العمل.
مبارك..و''لبط'' الصحفيين
يعتبر عهد مبارك نسبيا هو الأكثر حرية للصحافة، وان تعرضت الصحافة في سنوات حكمه لعديد من الأزمات، ومن أبرز الأزمات الصحفية في عهد مبارك أزمة قانون تشديد عقوبات جرائم النشر، وفرض القيود على الصحف المستقلة والحزبية واستمرار سياسة اعتقال الصحفيين.
ويوضح الكاتب محمد حسنين هيكل رؤية مبارك للصحافة والصحفيين، فيقول أن مبارك كان يقول على الصحفيين دول عالم ''لَبَطْ''، وقال له - بحسب رواية هيكل - ''إن الصحفيين يدَّعون أنهم يعرفون كل شىء، وأنهم ''فالحين قوى''، والأفضل أن ينكشفوا أمام الناس على حقيقتهم، وأنهم «هجاصين» لا يعرفون شيئا».
لكن بعكس ناصر والسادات فمبارك لم يكن له صحفي معين بل مجموعة من الكتاب ورؤساء تحرير الصحف القومية، في نفس الوقت ظهر في عهده مجموعة من أشرس المعارضين على رأسهم الصحفي إبراهيم عيسي الذي حكم عليه بالحبس في القضية الشهيرة باسم ''صحة الرئيس'' بعد نشر أخبار عن وفاة مبارك، لكن بعد الحكم عليه أصدر مبارك عفو رئاسي عنه.
لكن يظل لغز اختفاء الكاتب الصحفي رضا هلال، واتهام أسرة مبارك بالتخلص منه، هي نقطة سوداء في علاقة مبارك وعائلته بالصحافة.
مرسي.. وسحره فرعون
لا يزال مبكرا تحديد علاقة مرسي بالصحافة، فهناك من يعتبرها أنها علاقة غير مبشرة، نظرا لتصريح مرشد عام جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها مرسي بأن الصحفيين والإعلامين ''سحرة فرعون''.
بالإضافة إلى أن هناك من اعتبر ان الرئيس بدء عهد تقييد حرية الصحافة والإعلام بعد بلاغ ضد رئيس تحرير جريدة الدستور إسلام عفيفي متهم فيه بإهانه الرئيس، وهو ما انتهى بحبس رئيس تحرير الدستور على ذمة القضية وتأجيلها لـ 16 سبتمبر القادم، وبعد تحويل مذيع قناة الفراعين توفيق عكاشة للجنايات التحريض على قتل الرئيس.
فيما يري اخرون أن مبادرته مع الصحفية المصرية المعتقلة في السودان شيماء عادل، واهتمامه بقضيتها بداية مبشرة بعلاقته مع الصحفيين.
كيف ستكون العلاقة؟؟ وما هو أول صدام بينه وبين صاحبة الجلالة؟؟ ومن هو ''صحفي'' الرئيس..؟؟ هذا ما ستكشفه عنه الأيام القادمة