السلام على أرواح شهداء حدودنا، وبعد..
فكيف نكرم ميتًا لم نكرمه حيًّا؟!
سؤال لا يفارقنى الآن، والمناسبة المؤلمة التى تفرض على عقلى هذا السؤال هى استشهاد وإصابة أكثر من اثنين وعشرين ضابطًا وجنديًّا من ضباطنا وجنودنا البواسل على الحدود، هل نشعر فعلاً بكارثة موت وإصابة هؤلاء، أم أن الموت فى وطنى لم يعد له جلالُه؟
هل ندرك أن أحد هؤلاء الجنود كان من الممكن أن يرفع علم مصر فى عبور آخر، أو أن أحدهم كان من الممكن أن يزيل ساترًا ترابيًّا آخر فى حرب مع العدو؟
هل ندرك أن أحد هؤلاء الجنود كان من الممكن أن يكون "عبد المنعم رياض" آخر، أو "سعد الشاذلى" آخر، أو أحمد إسماعيل"، أو "أحمد حمدى"، أو "الجمصى" أو.. أو....؟
هل ندرك شعور أمهات هؤلاء الجنود؟
حلمت كلُّ أمٍّ بأن يدخل ابنها الكلية الحربية ليصبح ضابطًا فى جيش وطنه، ولم تحلم له بالموت على حدوده.
هل تدرك يا وطنى خسارة هؤلاء الجنود الأعزاء؟
وهل أدركت يا وطنى من قبل؟!
هل أدركت مثلاً خسارة خمسة وسبعين شخصًا فى مذبحة بورسعيد؟
هل أدركت خسارة ولد فى عمر "أنس محيى الدين"، وشاب فى عمر "كريم خزام" كانا من الممكن أن يكونا اثنين من خير أجناد الأرض؟
هل أدركت يا وطنى خسارة "مينا دانيال" والشيخ "عماد عفت" والدكتور "علاء عبد الهادى"؟
وهل أدركت يا وطنى أى خسارة فى فقدان عيون "حرارة" و"مالك مصطفى" وغيرهما حتى ندرك خسارة من فقدناهم على الحدود؟
أنت يا وطنى لا تدرك قيمة أحيائك، فهل أصدق أنك تدرك خسارة موتاك؟!
نحن نعيش فى وطن يساق للكفر بثورته.
وطنٍ يساق للكفر بميدانه ورمز حريته.
وطنٍ يساق للكفر بدماء شبابه التى بذلوها من أجل العدل.
وطن يساق للكفر بإرادته التى زلزلت الأرض تحت أقدام فاسديه.
يساق للوقوف فى طابور انقطاع النور بعد أن أضاء نور الحرية للدنيا كلها.
يساق للكفر بثواره وشبابه وأولاده والذين أكرموه.
أنت يا وطنى تساق لكى تكفر بنفسك.
فى وطنٍ أحياؤه بلا قيمة حتمًا موتاه بلا قيمة.
فى وطنٍ يفرق بين شهدائه لا قيمة لشىء.
يا وطنى وأنت القائل: "الحى أبقى من الميت"..
عفوًا يا وطنى..
لا حىَّ فيك أبقى ولا ميت..
وليرحم الله شهداء حدودنا.