وزير التموين السابق يفجر المفاجآت فى حوار مع «الوطن»
د. جودة عبدالخالق: الإخوان والسلفيون عرقلوا كوبونات البوتاجاز حرصاً على حق الرجال فى تعدد الزوجات
فى فترة الـ17 شهرا الماضية، حمل أثقل حقيبتين وزاريتين، وتكمن أهميتهما وصعوبتهما فى ارتباطهما المباشر بمصالح المواطنين، وحاجاتهم التى همشت طوال 30 عاما من خلال إضعاف وزارة التموين، فاستطاع فى عدة شهور قليلة أن يعيد أجنحة وزارة التموين التى «قصقص» ريشها عمداً وزير الصناعة السابق رشيد محمد رشيد، وتسترد الوزارة جزءا من عافيتها وقدرتها على تحقيق العدالة الاجتماعية، لكن كثيرين حاولوا عرقلته، وواجه معارضة شديدة من النخبة السياسية ومجلس الوزراء وبعض نواب البرلمان،
البعض اعتبر أن الهجوم عليه يرجع إلى كونه الوزير اليسارى الوحيد فى الحكومات الثلاث المتعاقبة؛ شفيق ثم عصام شرف وأخيراً حكومة الجنزورى، لكن الدكتور جودة عبدالخالق كشف فى حواره معنا تفاصيل مواجهات عديدة وحروب كثيرة تعرض لها.
د.جودة في حواره مع الوطن
* كيف ترى الوضع فى مصر حالياً؟
- مصر حاليا تمر بفترة عصيبة جدا فى تاريخها الحديث، وليست كلها عناصر سلبية، إنما الإيجابى منها ينحصر فى انتزاع الشعب حقه فى تقرير من يحكمه، بفضل ثورة 25 يناير، وهو ما أعتبره الزلزال الأكبر، فمن الممكن أن يخطئ الشعب أو يخدع، كما حدث بانتخاب التيارات الدينية وانتخاب رئيس ينتمى إلى تيار سياسى دينى، ولكن كل هذه الأمور قابلة للتصحيح.
من الممكن أن يخطئ الشعب أو يخدع بانتخاب رئيس ينتمى إلى تيار سياسى دينى ولكن كل هذه الأمور قابلة للتصحيح
* كيف؟
- بمعنى أنه بعد أن منح الشعب -مخدوعا- الإخوان والسلفيين أغلبية كبيرة فى مجلسى الشعب والشورى، وبدأ هؤلاء يمارسون سلطة التشريع والرقابة، اتضح أنهم ليسوا على مستوى الحدث، واستهدفوا الحكومة بشكل مستفز، وطرحوا قضايا ليست ضمن أولويات هذا المجتمع، مثل تعديل سن الزواج للبنات وختان الإناث وغيرهما، كما عرقلوا إجراءات كانت الحكومة ترى فيها خيرا لكل المصريين خاصة الفقراء منهم، وأعنى بذلك توزيع البوتاجاز بالكوبونات، وبعذر أو مبرر أقل ما يوصف به أنه سخيف، وهو أن نظام الكوبونات لا يحقق العدالة الاجتماعية؛ فى حالة تعدد الزوجات بالنسبة للرجال، وطبقا لكلامهم ليس من العدالة فى نظرهم أن توزع الأنبوبة على بطاقة التموين، لأنه فى هذه الحالة لن يطبق إلا على واحدة فقط، طبعا من حقهم ممارسة تعدد الزوجات لكن البوتاجاز دعم يوجه لغير القادرين، وأعتقد أن من يتزوج بأكثر من امرأة فلديه القدرة على فتح أكثر من بيت، وبالتالى يخرج من دائرة المحتاجين للدعم.
* إذن هم سبب تعطيل مشروع توزيع البوتاجاز بالكوبون؟
- نعم، بل إنهم استثمروا الوضع فى فترة انتخابات مجلسى الشعب والشورى، لأنهم سيطروا على كميات كبيرة من أنابيب البوتاجاز ووزعوها بأسمائهم فكسبوا «بنط» سياسى فى الانتخابات، وكل ذلك انكشف، وأقول إن التصحيح قادم، بإقرار الجميع أنهم خدعوا وغُرر بهم، والتيارات الدينية فى الواقع لا يعنيهم الدين، ولا يعنيهم مصلحة الفقراء، بقدر ما يعنيهم شراء آيات الله بثمن قليل، وهذا الثمن القليل ممكن يكون دخولهم البرلمان، والفوز بمقعد الرئاسة، وكل هذه الأشياء تترجم بأشياء مادية، هى شاغلهم الأكبر فى نهاية المطاف.
التيارات الدينية سيطرت على كميات كبيرة من الأنابيب أثناء انتخابات مجلس الشعب ووزعوها بأسمائهم فكسبوا «بنط سياسى»
* هذا بالنسبة للانتخابات البرلمانية.. فماذا عن الانتخابات الرئاسية؟
- نحن عشنا نظاما سياسيا كان الحاكم فيه يحكم إلى الأبد، إلى أن يحين أحد الأجلين، إما أن يموت أو يقتل، إنما حاليا يوجد أجل معروف، فإذا لم يأتِ مرسى بجديد فنهاية فترة رئاسته معروفة، وفى هذه الحالة لا بد أن يخلى الساحة ويحتكم إلى الشعب مرة ثانية.
* ومن يطلق عليهم «الفلول».. هل حاولوا إعاقتك؟
- عناصر الحزب الوطنى مهيمنة على منظومة توزيع المواد البترولية، وبعض أعضاء مجلسى الشعب والشورى كانوا يهيمنون على المنظومة كاملة، من مستودعات البوتاجاز، ومحطات تعبئته، ومحطات توزيع البنزين والسولار التى يقوم أصحابها بعدم بيع المخزون المتوافر لديهم لخلق حالة من الأزمة.
* من هم؟
عناصر الحزب الوطنى مهيمنة على محطات توزيع البنزين والسولار.. ومجدى راسخ يحتكر امتياز توزيع البوتاجاز والغاز الطبيعى
- مجدى راسخ على رأس هذه العناصر، بحكم علاقته برأس السلطة، فكان له امتياز توزيع البوتاجاز على مستوى القاهرة الكبرى، وتشمل 3 محافظات، واحتكر توصيل الغاز الطبيعى للوحدات السكنية، فى عدد من المحافظات منها الشرقية.
* ولماذا لم تنشأ شركة جديدة تحل محل شركة راسخ؟
- إحلال شركة أخرى مكان شركة «راسخ» كان يحمل مخاطر ويحدث اضطرابا، وبالتالى هذا البديل غير وارد، إنما وارد التلويح بعقوبات.
* هل يعنى ذلك أنه لم تكن توجد عقوبات؟
- العقوبة تافهة فى المرسوم بقانون، وهنا مربط الفرس، فكانت الشركة المخالفة تكيف وضعها على أنها جنحة من 3 إلى 6 أشهر أو الغرامة، فاقترحت كوزير أن تكون عقوبة من يتاجر فى البنزين والسولار فى السوق السوداء السجن والغرامة معا، وهذا التعديل لم يمر حتى الآن، وكان له رد فعل متباين.
* من الذى اعترض على الاقتراح؟
- الاقتراح لم يلقَ قبولا على مستوى مجلس الوزراء، كما أن النخبة السياسية اعترضت بشدة؛ فقد واجهت معارضة شديدة من مجلس الوزراء وبعض نواب مجلسى الشعب والشورى وبعض وسائل الإعلام.
* من نواب الإخوان والسلفيين الذين وجهت إليهم الاتهام بالاتجار فى البنزين والسولار بالسوق السوداء؟
- الاتهام وُجِّه إلى نائبى حزب النور حامد الطحان ومحمد النعمانى، بالاتجار فى البنزين والسولار، واستندت إلى تقارير تم إعدادها بمعرفة مباحث التموين التى توصلت إلى خيوط القضية وجمعت الأدلة.
* كيف ترى الوضع الاقتصادى؟
- الاقتصاد لا يراوح مكانه، والخطورة إذا تردى الوضع الاقتصادى شعرة، وأعنى تماما لفظ «شعرة»، وأقولها بدقة، فقد تكون هى القشة التى تقسم ظهر البعير، ونجد أنفسنا فجأة إزاء ما أمكننا تحاشيه حتى الآن بفضل الله وهو ثورة جياع، التى تعد الأيام الأولى لثورة 25 يناير مقارنة بها حاجة جميلة جدا، فكان الواحد منا حين يروح للميدان، كان يشعر أنه فى واحة، حيث الوجوه المستبشرة، والناس المتطلعة إلى أفق أرحب، والقلوب تخشى على بعضها، كل هذا ممكن ينقلب فجأة نتيجة للشعرة التى ذكرتها إذا تردى الوضع الاقتصادى، فلا يجوز أن ننسى أنه بسبب تراجع الوضع الاقتصادى ارتفع معدل الفقر فى المجتمع من 40% إلى45%.
* ما التحدى الأكبر أمام مصر حاليا؟
- التحدى الأكبر هو إحكام الوضع الأمنى، وإدارة عجلة الاقتصاد بأسرع ما يمكن، وعلينا أن نتعايش مع رئاسة مرسى إلى نهاية فترته إلا إذا جدّ جديد، لأنه إذا تردى الوضع الاقتصادى «شعرة» سنجد أنفسنا أمام ثورة جياع عارمة.
* ما هذا الجديد؟
- إذا لا قدر الله وصلنا إلى الشعرة التى أتحدث عنها، قد تندلع ثورة عارمة للجياع، وفى هذه الحالة ربما يكون العاصم الوحيد فى هذه الحالة للسيطرة على الوضع هو انقلاب عسكرى، والانقلاب يعنى أننا خرجنا من المنظومة الحالية، لذلك أعتقد أن أى شخص حريص على التحول الديمقراطى فى سياق مدنى فى مصر، لا بد أن يبذل كل ما هو مطلوب، أولا لوقف هذا الصراع السخيف بين القوى السياسية المختلفة، من منطلق أنه إذا كان التيار الدينى يشكل قوة فى الساحة السياسية لا يستهان بها حتى الآن، فإن الواجب على الأطياف السياسية الأخرى، وأعنى تحديدا ما يسمى التيارات المدنية -ليبراليين ويساريين وغيرهم- أن يتناسوا خلافاتهم الصغيرة، وينتظموا فى كيان أكبر، من منطلق أنه لا يفل الحديد إلا الحديد، أو ونحن نقرأ القرآن: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} صدق الله العظيم، أى إننا نريد ما يدفع «غلواء» الإخوان والسلفيين فى الساحة السياسية.
* وهل للصفوة السياسية دور فى هذا؟
- نعم، وأعيب على الصفوة السياسية أنها استدرجت المجتمع إلى سجال حول قضايا تافهة، واستدرج المجلس الأعلى للقوات المسلحة أيضاً، باعتباره الذى يدير البلاد فى المرحلة الانتقالية. وفى تقديرى أن الطاقة التى كانت مطلوبة من المجلس الأعلى لرعاية الهم الأمنى للبلد، استنزفت إلى حد كبير فى تأمين المظاهرات والفصل بين الفرقاء، وعقد مؤتمرات لا تنتهى، واجتماعات لا حصر لها، كل هذا جزء مما نراه فى سيناء، كنت أتصور الوضع فى سيناء قد يكون مختلفا لو لم نستنزف نحن كمجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة وطاقاته فى الشأن السياسى العام، وفى الشأن الأمنى الداخلى، فهى طاقة كلما سحب منها للشأن الأمنى الداخلى يكون خصما من أمن الحدود.
* ما موقف اليسار حاليا؟
- كيسارى أرى أن اليسار تقريبا خرج من الخدمة، ولا بد أن نعيده عمليا بأسرع ما يمكن.
* هل خرج اليسار أم تم إخراجه؟
- أعتقد أن اليسار ساهم فى إخراج نفسه، بسبب صراعاته الصغيرة، وما يؤكد ما أقول عدد الأحزاب التى خرجت من بطن التجمع بعد 25 يناير، على الأقل حزبان إن لم يكن أكثر، والوضع لا يحتمل، خصوصا أنه وفى ظل العولمة فإن الاتجاه هو إقامة كيانات كبيرة، مثل مجال الأعمال، فالاتجاه إلى إنشاء كيانات كبيرة قد يحدث بالاستحواذ القسرى، أى يمكن أن أشترى شركة غصبا عن المساهمين فيها، لأن معطيات التكنولوجيا تفرض أن يكون حجم الأعمال على نطاق أكبر، نفس الشىء على الساحة السياسية، فلا مجال لهذه الدكاكين الصغيرة، انتهى عصر البقالة السياسية.
* هل أنت متفائل؟
- متفائل ولكن أضع تفاؤلى فى عبارة واحدة ليست متقعرة تقول: «هتتعكر قبل متروق»، وأتوقع أن تزداد الأوضاع سوءا قبل أن تبدأ فى التحسن، لكن ليس لدىّ شك فى أن الأوضاع ستتجه إلى التحسن.
* هل التحسن مرتبط بشروط؟
- نحن نتحدث عن تحول جذرى فى المجتمع، فكلمة ثورة تعنى أن الأوضاع تقلب رأسا على عقب، وما تم قلبه من هذه الأوضاع هو القليل بل أقل القليل، وأمامنا مهام كبيرة، منها على سبيل المثال تغيير منظومة القيم فى المجتمع، وهذا يحتاج إلى جهد كبير من كل المؤسسات وسيحتاج وقتا.
* لماذا أعلنت رفضك الاستمرار فى الحكومة الجديدة؟
- أولا: لأنى أرى أن الإخوان نسخة بشكل أو بآخر من الحزب الوطنى الديمقراطى، خاصة من حيث الرؤية الاقتصادية، فالفلسفة الاقتصادية التى يؤمن بها الإخوان لا تختلف عن الفلسفة الاقتصادية التى آمن بها الحزب الوطنى، وحاول فرضها على المجتمع المصرى، ما نتج عنه هذا الانفجار الكبير فى 25 يناير، بمعنى القطاع الخاص، واقتصاد السوق، تعنى حرية كل شىء، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية لجلب التنمية وتحقيق التنمية، أما التشغيل وهى قضية عدالة اجتماعية، فهى عند الإخوان قضية «فضل»، إذا زادت الأرباح ندفع زكاة للمهمشين، وفى ذات الوقت نترك السوق تعتصرهم. بالإضافة إلى ذلك فإن الإخوان أكثر تخلفا من الحزب الوطنى بالنسبة للأجندة الاجتماعية، فعلى الأقل فى إطار الحزب الوطنى كان هناك إدراك لأهمية مشاركة المرأة، والدور الذى تلعبه، أما بالنسبة للإخوان فالنساء بالنسبة لهم «حريم كده علطول»، هم يتكلمون عن تعدد الزوجات، وتخفيض سن الزواج، والحديث عما ملكت أيمانكم، وبالتالى رأيت أننى لا يمكن أن أعمل فى إطار بهذا الشكل على الإطلاق، وأنا معترض اعتراضا جذريا على توجهات الإخوان، سواء فيما يتعلق بالدين، وهى نقطة مهمة جدا؛ حيث إن الدين الذى يروج له الإخوان ليس هو صحيح الدين الإسلامى، بل أرى وبوضوح شديد أن الإخوان والتيارات الدينية فى مصر حاليا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا وطبعا أربأ بآيات الله أن تشترى بأى ثمن.
* كيف ترى الحكومة الجديدة؟
- على المستوى السياسى، أتوا بموظفين بدرجات متفاوتة؛ صغار أو كبار، وعملوا منهم وزراء، والوزير ليس موظفا، وإنما سياسى، فإذا جىء بموظف يعنى أنه لن ينتظر منه أن يضع سياسة، والسؤال هنا من الذى سيضع السياسة؟ وبالنسبة لى، أعرف من سيضع السياسة فى هذا السياق، هو مرشد الإخوان ومجلس شورى الجماعة، ولهذا رفضت بإصرار الاستمرار فى الوزارة، طبعا من البداية كان عندى النية أننى لن أستمر بعد نهاية المرحلة الانتقالية، لكن التطورات التى حدثت بعد ذلك أكدت لى أن الخروج الآن ضرورى، لأننى إذا بقيت فى الوزارة فترة أطول سيكون خصما من رصيدى السياسى، وطبعا لن أهدر رصيدى السياسى من أجل منصب، كما أنه لدىّ شواغل فكرية وسياسية حرمتنى الوزارة من متابعتها، وبها أكون دفعت ضريبة الوطن فى الـ17 شهرا الماضية.
* ما أهم المعوقات التى واجهتك كوزير فى الـ17شهرا؟
- أول شىء يتعلق بى هو قصور ذاتى لأننى لم يكن لى سابق عهد ولا خبرة بالجهاز الحكومى، ولا العمل فيه، حتى إننى لم أكن أعرف درجات السلم الوظيفى، وتعلمها استغرق منى أسبوعين، فكان لا بد أن أقرأ الملعب جيدا قبل أن أفعل أى شىء. والأمر الثانى يتعلق بالجهاز الإدارى فى مصر، الذى طاله التحلل، وأعنى هذه الكلمة، وقدراته تضاءلت كثيرا جدا، وهذا خطر لأنه لا يمكن لبلد أن ينجز شيئا بجهاز حكومى بهذه الدرجة من الضعف والتحلل، فمثلا بالنسبة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، ثانى حقيبة حملتها بعد وزارة التضامن، كان الوضع أشبه بلاعب جلس على (دكة) الاحتياطى لـ6 مواسم، ولما طلب منه أن يخوض مباراة فى وقت حساس انكشف المستور من ضعف فى التأهيل، ولن أتحدث عن الفساد، ولو أنه فى إطار وزارة التموين وللأمانة لا يزيد عنه فى أى وزارة من الوزارات على الإطلاق، مع أن الناس متصورة أنها عبارة عن بؤرة للفساد، وهذا غير صحيح، فقد رأيت مفتشى تموين سحلوا فى الشوارع دفاعا عن حق الغلابة فى الخبز، ودخلوا المستشفى، والإنصاف يقتضى منا أن نعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فالفساد موجود لكن يمكن التعامل معه.
* هل تم إضعاف وزارة التموين عمدا فى العهد السابق؟
- نعم، وهى نقطة تتعلق بالوزارة تحديدا، لأنها هُمشت على مدى 6سنوات، منذ أن تركها حسن خضر، وأدمجت فى وزارة التضامن، وقصقصت أجنحتها، بمعنى أن هيئة السلع التموينية ألحقت بوزارة الصناعة والتجارة، وكذلك قطاع التجارة الداخلية وجهاز حماية المستهلك ومصلحة الدمغة والموازين، إذن ماذا يبقى غير قطاع الرقابة والتوزيع فقط؟ لذلك كل هذه الكيانات أعيدت لوزارة التموين مرة ثانية فى 22 مارس 2011، وهذه خطوة ضرورية كانت أشبه بتجميع أشلاء، وطبعا إعادة إدماج كيانات انفصلت لفترة كانت معقدة ومكلفة من حيث الوقت.
* وماذا عن مستوردى القمح وتجار الأرز؟
- الفئات التى تربحت كثيرا من دم الشعب الغلبان مثل مستوردى القمح وتجار الأرز، وخاصة المحتكرين منهم، والموردين للسلع التى تقدم على البطاقة التموينية، بالإضافة إلى الانفلات الأمنى، وما ترتب عليه من ضعف السيطرة على قنوات توصيل الدعم إلى مستحقيه، وتوقف العاملين عن العمل سواء فى الوزارة أو الجهات المتعاملة معها، فأكثر من مرة نستعين بالجيش لننقل سكر من شركة السكر فى الحوامدية إلى مستودعات شركات الجملة، لكن كان الأخطر ما حدث فى شركات المطاحن، وبالتحديد شركة مطاحن مصر العليا، التى تأخذ القمح لتعطيه للمخابز دقيقا فى 5 محافظات، وتوقف عمال الشركة عن العمل يعنى أنه لا يوجد دقيق للمخابز، وهنا نتكلم عن 8 أو 10 ملايين فقير فى هذه المناطق، وكان من الممكن حدوث اضطراب اجتماعى وسياسى على نطاق كبير، لكن أمكن بمزيد من الحزم والحكمة تحاشى هذا الوضع، وتقريبا لم يشعر المواطنون بتوقف 17 مطحنا عن العمل تماما، وكان الحل لكسر شوكة العمال -ولست ضد العمال لكن مطالبهم كانت غير منطقية ومستفزة- أن ننقل الدقيق على مسافة تراوحت بين 800 و1000 كيلو فى المحافظات، كى تستمر المخابز فى الإنتاج. يضاف إلى ذلك البيئة الاقتصادية، والتحدث عن اقتصاد السوق كعرض وطلب. ولما طرحنا شعار السعر العادل، وهامش ربح عادل، كأساس للتجارة الداخلية، قامت زوبعة من أصحاب المصالح. وفى سياق الحكومة نفسها، كعضو وحيد يمثل اليسار، لم أجد أرضية مشتركة فى العديد من الأمور مع باقى أعضاء الحكومة، خاصة فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، ونظام ضريبى محترم، كفكرة الضريبة التصاعدية، وفرض ضريبة على الأرباح المحققة من التعاملات فى البورصة، كل هذا شكل قيودا إن جاز التعبير.
* ما العقبة التى أوقفتك؟
- أذكر للإنصاف أننى لاقيت تعاونا على نطاق كبير من عدد من الزملاء فى الوزارة، منهم وزيرا الزراعة والمالية، فى مراحل مختلفة، ووزيرة التخطيط والتعاون الدولى ووزير الداخلية، ومساندة المجلس الأعلى للقوات المسلحة كانت حاسمة فى مساعدة الوزارة على القيام بما هو مطلوب منها، صحيح أن طوابير الخبز لم تختفِ، إنما اختفى القتل فى طوابير الخبز رغم شدة الأوضاع الاقتصادية.
* ما الإجراءات التى اتخذت لتحقيق العدالة الاجتماعية؟
- أمكننا اتخاذ إجراءات وتدابير بشكل غير مسبوق لتحقيق العدالة الاجتماعية، وأذكر على الأقل مثالين؛ هما إقرار سعر للقمح يزيد على السعر العالمى بنحو 20%، وهذا تم بتعاون الوزارات التى ذكرتها من قبل، والثانى تقديم سلع بطاقة تموينية فى رمضان، وأعتقد أنها كانت طريقة ذكية لدعم المواطنين دون أن تمتد يد لتحرمهم منها، مثلما كان يحدث من قبل إذا أعطيت علاوة ترتفع الأسعار. القمح له شقان؛ الأول عدالة اجتماعية، لأن الفقر فى مصر يتركز فى الريف، وتقديم سعر محفز للفلاح يعنى مكافحة الفقر فى معقله، لكن من زاوية أخرى هذا الإجراء حقق عدالة اجتماعية وأمنا قوميا لأن الركن الركين للأمن القومى هو الأمن الغذائى، الذى يعنى أن يكون لدينا احتياطى من أهم سلعة غذائية، وهى القمح، وهنا أريد أن أقول إننى خرجت من الوزارة تاركا خلفى أمانة تقدر بـ5 ملايين طن قمح، وهذا الأمر لم يحدث على الإطلاق منذ إلغاء التوريد الإجبارى للقمح، وبدأ التوريد الاختيارى سنة 1996، طبعا الفضل الله، لأنه منحنا طقسا ساعد على زيادة الإنتاج، بالإضافة إلى جهد العاملين فى مراكز البحوث الزراعية، الذين طوروا سلالات للقمح عالية الإنتاجية، فزاد متوسط الإنتاجية، أيضاً تجاوب الفلاح معنا فى قرار رفع السعر لأننا اتخذناه قبل أن يبدأ فى الزراعة، فالمساحة زادت 400 ألف فدان. الثقة التى اكتسبناها أننا أعلنّا سعرا التزمنا به، ولما استلمنا دفعنا المستحقات فى حينه، مما جعل الفلاح يتيقن من جديتنا، فزاد إنتاج القمح فى الموسم الماضى إلى 9.5 مليون طن، تم توريد 3.7 مليون طن إلى هيئة السلع التموينية، بالإضافة إلى مخزون الموسم الماضى، ومن الواردات 5 ملايين طن، فتمكنا من إيقاف الاستيراد من شهر أبريل إلى نهاية شهر أغسطس، وفى هذه الأثناء لو كانت مصر مضطرة للاستيراد كانت ستستورد القمح بسعر زاد بنسبة40% خلال هذه الفترة، نتيجة للجفاف فى أمريكا وروسيا وكزاخستان، وكذلك نتيجة للمضاربة على الحبوب فى أسواق البورصات العالمية.
* هل أنت راضٍ عن الرغيف المصرى حاليا؟
- لم نقم بعمل مسح فى كل المناطق لكى أجيب علميا، لكن عموما الرغيف تحسن فى جودته فى عدد من المناطق، حتى إنهم أطلقوا اسم رغيف «جودة» فى الإسكندرية وبعض مناطق القاهرة انطلاقا من تحسن الرغيف، وقد دهشت لذلك.