قبلت المحكمة العليا بفرنسا، في بداية العام الجاري، استئناف قدمه طبيب إسرائيلي، يدعى يهودا دافيد، اتُهم بالتشهير بأحد مرضاه السابقين، وهو جمال الدرة، والد الطفل الفلسطيني الذي استُشهد عام 2000 بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث كان الاستئناف جولة أخرى من جولات الصراع القضائي الدائر بينهما، منذ أن اتهم يهودا الدرة بأن الجراح التي عانى منها خلال إطلاق الرصاص على ابنه، كانت في الأساس جروح لعملية جراحية أجراها له يهودا نفسه، قبل ثماني سنوات.
احتفلت صحيفة "إسرائيل اليوم"، بعد أن قبلت المحكمة الفرنسية استئناف الطبيب الإسرائيلي، ببراءة الطبيب يهودا، بل إنها تمادت في ذلك، وتصدر صفحتها الأولى آنذاك عنوان، "د. يهودا دافيد أصر على الحقيقة حتى النهاية، المحكمة العليا بفرنسا حددت: هو صادق.. ووالد الدرة كاذب"، وأكدت حينها أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصل به هاتفيا لتهنئته، قائلا إن هذا الانتصار هو "انتصار إسرائيل على قناع المؤامرة الذي ترتديه وسائل الإعلام الفلسطينية، والتي وصلت إلى حد أن انتشرت في أنحاء العالم كله"، وبعد أيام معدودة، قررت لجنة وزراء التحقيق مساعدة المواطنين الإسرائيليين الذين خرجوا "ليحاربون" من أجل كرامة الأمة الإسرائيلية في المحاكم، اقتصاديا.
إلا أنه ورغم الاحتفالات التي سادت أغلب الصحف الإسرائيلية والوسط السياسي الرسمي في إسرائيل، يجد كل من يدقق في حيثيات حكم المحكمة الفرنسية أنها لم تبرئ يهودا دافيد تماما، وأنها أيضا لم تقل إن شهادته صحيحة وشهادة الدرة كاذبة، وإنما ورد نصا أن "الأدلة المتواجدة لا تكفي للتأكد بشكل نهائي وسليم من أن الجراح التي لحقت بالرجل وقعت قبل عام 2000"، وأشارت إلى أن ما قاله الطبيب الإسرائيلي جاء بحسن نية، مؤكدة على أن الأمر مقبول نسبيا في إطار حرية التعبير.
استمرارا لمسلسل "ركوب" يهودا دافيد لموجة البراءة المثيرة للجدل، أعلن الطبيب الإسرائيلي مؤخرا عن نيته خوض الانتخابات التشريعية في إسرائيل، ضمن قائمة حزب "البيت اليهودي"، وتصدر حملته الانتخابية شعارا جديدا، "صهاينة يكسرون الصمت"، ويحاول دافيد بشتى الوسائل الممكنة الادعاء بأن الشعار لا يتعلق بآماله السياسية.
وقال دافيد إن الحملة الجديدة، غير سياسية، وإنما تهدف إلى كشف الوجه الحقيقي لجنود الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية، وإن قرار إنشاء الحركة ورد إلى ذهنه بعد حفل توقيع كتابه الجديد "كاسرون للصمت"، قبل شهر تقريبا في العاصمة الألمانية برلين، والذي حاول حينها التأكيد على أن مفهوم الجندي الإسرائيلي يساوي مفهوم الجندي النازي.
ورفع صاحب تدشين الحركة الجديدة، عدة لافتات إعلانية ومنشورات تُظهر جنود الجيش الإسرائيلي يساعدون الفلسطينيين، أو على الأقل يظهرون تعاطفهم معهم، وعُلقت اللافتات في أماكن مختلفة منها مطار تل أبيب وعدد من الشوارع، وقال دافيد إن أغلب الصور التي تم عرضها كجزء من الحملة الدعائية للحركة، حصل عليها من المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، إلا أنها وفقا له، فإنه قدم نفسه على أنه مواطن عادي، وليس زعيما لحركة ما ستستغل تلك الصور بأي طريقة ما.
أما مقر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، فقد قال إن الطب قدم إلى المكتب كطلب خاص، وليس كطلب منظمة ما، وعلى هذا الأساس تم تقديم المواد والصور من أحداث إنسانية مختلفة، مثل مساعدة الجيش الإسرائيلي في أحداث "هاييتي" في اليابان، وشاحنة المساعدات إلى غزة، وغير ذلك.
وأشارت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية إلى أنه بالتحقيق، لم يعثر على أي صلة بين الطبيب الإسرائيلي يهودا دافيد ومنظمة "صهاينة يكسرون الصمت"، وكان رد مديرة المنظمة "دانا جولان"، إن نتيجة مبادرة من تلك النوع، هي أن جنود الجيش الإسرائيلي سيختارون الشهادة أمام الشعب بحقيقة ما حدث معهم في المناطق المحتلة أثناء فترة خدمتهم في الجيش الإسرائيلي، مؤكدة أنها تقدم شكرها للطبيب يهودا، بسبب موجة المنضمين حديثا إلى المنظمة.