في الوقت الذي يترقب فيه العالم أخبار الحملة الانتخابية للمرشحين الأمريكيين باراك أوباما وميت رومني، يحاول البعض رسم تصورات حول مستقبل العلاقات العربية الأمريكية بشكل عام، والمصرية الأمريكية بشكل خاص في حالة نجاح أي منهما، فالجميع يري أن السياسة الخارجية الأمريكية قد تتأثر بالرئيس الجديد، الأمر الذي قد يؤثر علي العالم أجمع، ولكن هناك أشخاصا هم الأكثر قدرة في توضيح ماهية هذه العلاقات المستقبلية لمعرفتهم بالشئون الداخلية الأمريكية، ومنهم داليا مجاهد الباحثة بمركز جالوب، فقد كانت وربما لا تزال همزة الوصل بين الولايات المتحدة والمجتمع الإسلامي، وربما قربها من التيارات الإسلامية يزيد من أهمية تحليلها، ونظرتها للأمور في نظرة جامعة شاملة لا تتوقف عن طرف واحد ولكن تأخذ في الاعتبار رؤية كل الأطراف للعلاقات المتبادلة، ونظرا لخبرتها الطويلة في مجال السياسة الأمريكية التي تعرفت عليها من داخل البيت الأبيض.
كانت لداليا رؤية خاصة حول المناظرات التي تم إجراؤها بين أوباما ورومني، ما يمكن أن نستنتجه من خلال هذه المناظرات حول موقف كل منهما من مصر وقضايا الشرق الأوسط، حيث رأت داليا أن المناظرة الأخيرة بين أوباما ورومني أظهرت أن المرشحين للرئاسة الأمريكية لديهما نفس المواقف والأفكار نحو قضايا منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد مصر، كما هو الأمر بالنسبة لموقفهما تجاه إسرائيل، والاختلاف الوحيد بينهما يكمن في التلاعب بالألفاظ ففي الوقت الذي امتنع فيه أوباما عن استخدام مصطلح «المتطرفون الإسلاميون»، استخدمه رومني بشدة، وهذا يعني أن السياسة الأمريكية لن تتغير بوجود أي منهما في منصب الرئيس الأمريكي.
وتعتقد داليا أن أوباما هو الرئيس الأمريكي الذي يتعامل مع المسلمين بهدوء ومنطق خاص، فقد أوضحت أنه شدد أكثر من مرة علي أن التطرف ليس إسلاميا، وقد استبدل أوباما مصطلح "التطرف العنيف" بدلا من التطرف الإسلامي، بينما رومني يسير علي نهج الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، حيث يري أن العالم الإسلامي كتلة واحدة، وإذا كان هناك تطرف بين المسلمين فالعالم الإسلامي كله متطرف، أما عن العلاقات المصرية الأمريكية فتري داليا أن مصر ستظل من أهم الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، في المنطقة مهما كان الشخص الموجود داخل مكتب الرئيس في البيت الأبيض، لأن هذا الأمر ضمن الثوابت المحددة التي لا تتغير، لكن التعامل مع رومني سيكون أسوأ حيث تغلب عليه نبرة التعالي، بينما أوباما يبدو أكثر تواضعا.
وتوضح داليا أنها لو كانت مستمرة في منصبها كمستشارة للرئيس أوباما، فسوف تنصحه في حالة إعادة انتخابه، بأن يتعامل مع مصر من منطلق أنها شريك وليست عميلا، فالولايات المتحدة حاليا لم تعد تملك النفوذ الذي يمكنها من الحفاظ علي مصالحها في مصر كما كان الأمر في السابق، وأوباما يستطيع فعل ذلك، أما رومني فهو لا يزال يعيش في حقبة انتهت، ولا يستطيع التعامل مع الواقع، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
وتعتقد داليا أن المعونة الأمريكية لم تعد سلاحا مجديا للضغط علي مصر، فحوالي 82% من الشعب المصري وفقا لاستطلاعات مركز جالوب يرون أن هذه المعونة سببا في تأخر الاقتصاد المصري، وفي حالة قطع المعونة ستتجه مصر إلي دول أخري كالصين، وحتي الكونجرس الأمريكي لن يستطيع أن يقرر قطع المعونة عن مصر، فالولايات المتحدة تريد منح المعونة لمصر أكثر مما تحتاجها مصر، فسوف يقع عليها ضرر كبير إذا ما قررت قطع هذه المعونة.
وتري داليا أن ما أثير حول وجود علاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والرئيس الأمريكي الحالي، مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة، لافتة إلي أن أوباما ومرسي لم يلتقيا منذ أن تولي الأخير الحكم، وأرجعت هذه الاتهامات إلي أصول أوباما الإسلامية، ودافعت داليا عن مرسي، قائلة إنه لم يخفق كرئيس، فالفترة التي تولي فيها الحكم قصيرة للحكم عليه بالفشل، لاسيما أنه يدير البلاد دون وجود دستور أو برلمان، ورأت أن عدم استخدام مرسي لسلطته بشكل سيء حتي الآن أمر يحسب له، ورغم دفاعها عنه إلا أنها تري أن مرسي يجب أن يترك المنصب بعد سنوات ولايته الأربع، ويفسح المجال للمنافسة الحقيقية.
كانت داليا قد التقت مرسي في نيويورك، وسألته عن الفرق بين كونه أصبح رئيسا وبين ماضيه كسجين سياسي تابع لجماعة الإخوان المسلمين، وأجابها قائلا "لا تحاسبيني علي الماضي وحاسبيني علي المستقبل" ورأت داليا وقتها أن الرئيس مرسي لم يفهم ما قصدته من سؤالها فهي أرادت أن تدرك الفرق بين الأدوار والمسئوليات بين الناشط السياسي والرئيس.
والمتابع لتصريحات داليا يتأكد من صلتها القوية بجماعة الإخوان المسلمين، حتي إن البعض قال إنها أحد أبرز أعضاء الجماعة، لكن هذا الأمر لم يتم تأكيده، ولكن المؤكد أنها واحدة من أهم العناصر المدافعة عن الإسلام والإسلاميين في العالم، فهي لم تكن فقط مستشارة أوباما لشئون العالم الإسلامي، لكنها شريك في مشروع إسلامي كبير هدفه المعلن هو تعريف وتفسير وتنفيذ مفهوم الدولة الإسلامية في العصر الحديث هذا المشروع الذي تأسس علي يد رجل الدين فيصل عبدالرؤوف حيث تحدد المركز الثقافي الإسلامي والمسجد بمدينة نيويورك كمركزين رئيسيين لإطلاق شعلة هذا المشروع كما قدمت داليا إلي جانب دورها في المجلس الاستشاري للبيت الأبيض العديد من الاستشارات لوزارة الأمن الداخلي بالولايات المتحدة وتحدثت أمام مجلس الشيوخ حول مشاركة الولايات المتحدة مع المجتمع المسلم وحرصت علي العمل جنبا إلي جنب مع عبدالرؤوف من أجل تنفيذ مشروعه الإسلامي وقادت تيارا داخل البيت البيض يدعو للتعاون بين الولايات المتحدة والمسلمين في كل العالم من خلال إعداد عدة توصيات كونت حوالي 153 صفحة وكان أبرز ما جاء فيها دعوة الولايات المتحدة للحوار مع حماس ودعم الولايات المتحدة لإشراك أحزاب المعارضة في الحياة السياسية بمصر بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين كما ركزت التوصيات أيضا علي ضرورة توفيق الآراء من أجل تحسين علاقة الولايات المتحدة مع المسلمين في كل العالم علي عكس السياسة التي كانت تنتهجها الولايات المتحدة في الفترة السابقة علي حكم أوباما.
وكان الكثير من المحللين قد أكدوا أن داليا لها دور كبير في صياغة الخطاب الذي ألقاه أوباما في جامعة القاهرة، ووضع الكثير من الخطوط والمفاهيم الرئيسية التي احتوي عليها هذا الخطاب، إلا أنها أوضحت أن دورها كان التوصية بأن يحوي خطاب أوباما للعالم الإسلامي عدة نقاط منها الاحترام المتبادل بين الجانبين من خلال السياسات وليس التصريحات فقط، والمشاركة والتعاون في حل مشكلات العالم، وإبداء التفهم لمشاكل المسلمين وأسباب غضبهم من الولايات المتحدة، ونفت أن تكون قد أثرت علي خطاب أوباما مشيرة إلي أن مهمتها كانت استشارية فقط.
وأضافت أن البعض حاول أن يؤثر علي أوباما كي يركز الخطاب علي النواحي الدينية والثقافية وهو الأمر الذي اعترضت عليه وطلبت منه معالجة القضايا السياسية أيضا في خطابه، وذكرت أن البيت الأبيض أخذ بتوصياتها في الخطاب الثاني الذي وجهه أوباما للمسلمين وألقاه في تركيا.
وعلي الرغم من أنها تركت منصبها ذا الصبغة السياسية، إلا أنها أصبحت في نظر الكثيرين من أهم المحللين للتحركات السياسية الخارجية لمصر، وقد رأت أن لقاء مرسي بالرموز الدينية الأمريكية يعد خطوة جيدة علي طريق تحسين العلاقات بين مصر وأمريكا وتصحيح بعض المفاهيم والانطباعات الخاطئة لدي المسئولين الأمريكيين حول الأوضاع في مصر.
وعلي الرغم من أنها متخصصة في إعداد الدراسات عن المسلمين إلا أنها ركزت كثيرا علي المصريين في أعقاب الثورة وأكدت أن المصريين لا يؤيدون التحول إلي الدولة العلمانية، أو حذف المادة الثانية من الدستور، وفي الوقت ذاته يرفضون الوصاية الدينية، ووصول رجال الدين إلي الحكم، وفقاً لدراسة ميدانية تناولت فئات متنوعة من الشعب المصري تحت عنوان «مصر من التحرير إلي التغيير».
كما شددت داليا علي أن المساواة في المواطنة وتحسين التعايش بين الأديان هو الاختيار الأكثر تماشيا مع المصريين، وذلك بديلاً عن العلمانية أو سيطرة الإسلاميين كما جاء في استطلاع الرأي، لاسيما أن 67% من المصريين يرحبون بالاختلاف الديني لتحتل مصر المرتبة الثانية بالمنطقة بعد لبنان من حيث التسامح الديني.
يذكر أن داليا من مواليد عام1974 بحي السيدة زينب بالقاهرة، وتعمل كمحللة ومديرة تنفيذية لمركز جالوب للدراسات الإسلامية، وهو مركز أبحاث غير حزبي مهمته توفير البيانات وتحليلها ليعبر عن وجهات نظر المسلمين في جميع أنحاء العالم.
وكان أوباما قد اختارها مستشارة في المجلس الاستشاري للأديان المكون من ممثلي 25 طائفة وشخصيات علمانية، لتكون أول مسلمة تشغل منصباً من هذا النوع في البيت الأبيض، لكنها استقالت منذ عام، كما أنها عضو بمنظمة نساء في الأمن العالمي، وتعمل في مجموعة القيادة لمشروع تواصل الولايات المتحدة مع المجتمع الإسلامي العالمي، وتتمتع بعضوية القوة المكلفة بالأزمة في الشرق الأوسطي.
داليا حاصلة علي بكالوريوس الهندسة الكيميائية وعملت بشركة پروكتر آند كامبل كباحثة في تسويق المنتجات ثم حصلت علي ماجستير في إدارة الأعمال بتركيز علي الإستراتيجية من كلية جوسف كاتز للدراسات العليا في الأعمال بجامعة بتسبرج وهي متزوجة ولها ابنان هما طارق وجبريل.
ردت داليا علي كل من يتوقع ضياع حقوق المرأة في ظل وجود مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في الحكم، موضحة أن حقوق المرأة ستظل مصونة في عهد الرئيس المنتخب، كما لو كانت في ظل حكم رئيس ينتمي لتيار ليبرالي أو علماني، مستندة إلي التعهدات التي أخذها مرسي علي عاتقه خلال حملته الانتخابية.
وأكدت داليا في حوار لها مع إذاعة بي بي سي البريطانية أن أعضاء حزب «الحرية والعدالة» يدافعون عن حقوق المرأة مثل منظمات الدفاع عن حقوق المرأة.
الموجز