حصلت "الوطن" على نسخة كاملة من حيثيات براءة المتهمين بقتل المتظاهرين في قضية "موقعة الجمل"، التي برأت فيها محكمة جنايات جنوب القاهرة 25 متهمًا من رموز النظام المخلوع، على رأس هؤلاء فتحي سرور وصفوت الشريف، رئيسي مجلسي الشعب والشورى المنحلين، وعائشة عبدالهادي، وزيرة القوى العاملة السابقة، والمحامي مرتضى منصور، ورجل الأعمال محمد أبوالعنيين، بعد أن اتهمتهم النيابة العامة بالتعدي على المتظاهرين السلميين بميدان التحرير في الثاني والثالث من فبراير من العام الماضي، بغية فض التظاهرات والاعتصامات المناوئة للرئيس المخلوع حسني مبارك.
واستهلت المحكمة، برئاسة المستشار مصطفى حسن عبدالله وعضوية المستشارين أنور رضوان وأحمد الدهشان، وبسكرتارية أيمن عبداللطيف وأحمد فهمي، حيثيات حكمها، التي جاءت في 60 صفحة، بالآية القرآنية الكريمة "إن يتبعون إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا". وأكدت في أسباب حكمها أن محكمة الموضوع لا تلتزم في حالة قضائها بالبراءة الرد على كل دليل من أدلة الاتهام، ما دام أنها رجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات، لأن في إغفالها التحدث عنها ما يفيد ضمنا أنها لم ترَ فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم فطرحتها جانبا، وأنه من المقرر وفقا للمبادئ الدستورية والأساسية في الإجراءات الجنائية أن كل متهم يتمتع بقرينة البراءة إلى أن يصدر حكم بإدانته، وأنه إلى أن يصدر هذا الحكم له الحرية الكاملة في اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه في الدعوى، وأصبح حقا مقدما يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرءة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة إدانة بريء، كما أن القانون فيما عدا ما استلزمه من وسائل خاصة للإثبات فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه، يختار من كل طرقه ما يراه موصلا إلى الكشف عن الحقيقة، ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر مع حرية مطلقة في تقدير ما يُعرض عليه، ووزن قوته التدليلية وفقا لظروف الدعوى ووقائعها، ما لا يقبل معه تقييد حرية المحكمة في دليل البراءة باشتراط مماثل لما هو مطلوب في دليل الإدانة.
واستعرضت المحكمة أسباب حكمها، حيث قالت إنها لا تطمئن إلى صحة الاتهام المسند إلى المتهمين، مشيرة إلى أن أوراق القضية خلت من أي دليل يقيني وجازم على ما نُسب إليهم من اتهام بالتحريض على ارتكاب الجريمة أو الاتفاق والمساعدة على ذلك، حيث أنه وفقا للمقرر بنصوص قانون العقوبات في الاشتراك بالمواد من 40 إلى 42، التي تتضمن أن قصد الاشتراك يجب أن ينصَبُّ على جريمة أو جرائم معينة، فإذا لم يثبت الاشتراك في جريمة معينة أو فعل معين فلا تعتبر الجريمة التي ارتكبها الفاعل نتيجة مباشرة للاشتراك؛ لأنه لم يقع عليها، وأن الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهذه النية من مخبآت الصدور ودخائل الأنفس التي لا تقع تحت الحس وليس بها أمارات ظاهرة، ويستدل عليها من قرائن الدعوى، ويشترط أن تكون هذه القرائن منصبة على واقعة التحريض والاتفاق والمساعدة على ارتكاب الجريمة، وأن يكون استخلاص الحكم للدليل المستمد منها لا يتجافى مع المنطق والعقل، لما هو مقرر بأن الأحكام الجنائية يجب أن تُبنى على الجزم واليقين من الواقع، ولا تؤسس على الظن والاحتمال، وحيث أنه من المقرر أن الشهادة في الأصل هي إخبار الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه، أو أدركه على وجه العموم بحواسه، ووزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع دون رقابة، والتي لها أن تأخذ بأقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة، وأن تلتفت عما سواه دون تبين العلة في ذلك.
وأضافت المحكمة أنه لما كان ذلك ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق افتقار أقوال شهود الإثبات إلى أي دليل يقيني يؤيدها وتطمئن المحكمة إليه، الأمر الذي يجعلها محل ريب وشكوك ولا تطمئن إليها المحكمة، لابتناء معظمها والغالب منها على شهادات تسامعية وظنية واستنتاجية ونقلا عن مصدر مجهول لم تكشف عنه التحقيقات، وأكثرها عما تم ضبطهم بمعرفة المتظاهرين داخل ميدان التحرير، وجاءت إقرارات من ضبطوا نتيجة الإكراه الواقع عليهم بالتعدي بالضرب واحتجازهم بمعرفة المتظاهرين في أماكن عدة داخل ميدان التحرير، وذلك حسبما شهد به بعض شهود الإثبات، إضافة إلى عدم اطمئنان المحكمة إلى بعض شهود الإثبات إذا جاءت مشوبة بالكيدية والتلفيق، لخلافات سابقة سياسية وحزبية ونقابية بين الشهود والمتهمين، والتناقض البيِّن بين الشهود في وقائع محددة، وعدول عدد من شهود الإثبات بالتحقيقات الأولية وبجلسات التحقيق النهائي أمام المحكمة عما شهدوا به بالتحقيقات، فضلا عما ثبت بشهادة المهندس ممدوح حمزة أنه كان يتواجد بميدان التحرير يومي الثاني والثالث من فبراير من العام الماضي، وأنه لا يعلم شيئا عن ضبط أسلحة نارية داخل الميدان، ولا يستطيع تحديد من قام بالهجوم على المتظاهرين، ولا يعلم من الذي كان يقذف قنابل المولوتوف أو يطلق الأعيرة النارية من أعلى العمارات بالميدان، ولم يشاهد قتلى به، ولا يعلم كيفية صعود المعتدين أعلى العقارات بالميدان رغم تأمين مداخله بمعرفة اللجان الشعبية وشباب جماعة الإخوان المسلمين، وأنه لم يشاهد أيا من المتهمين في الدعوى الراهنة بميدان التحرير، ولا يمكنه تحديد فصيل المعتدين على المتظاهرين ويمكن جمعهم تحت مسمى "الثورة المضادة".
وأيضا لما ثبت بشهادة الدكتور طارق زيدان أنه شاهد الهجوم الذي حدث على المتظاهرين من ناحية شارع طلعت حرب، كما شاهد داخل الميدان مجموعات منظمة من شباب الإخوان ولكل مجموعة قائد، وأن المتظاهرين داخل الميدان استخدموا الوقود الخاص بمركبات القوات المسلحة المكلفة بجمع القمامة في عمل قنابل مولوتوف وقذفوها على المعتدين عليهم، وأنه كان يتم ضرب من يتم ضبطه من المعتدين، وشاهد أربعة مصابين ولم يتيقن ما إذا كانوا على قيد الحياة من عدمه، ولم يتم ضبط أي أسلحة نارية بمعرفته أو بواسطة أحد من مرافقيه، فضلا عن عدم مشاهدته أيا من المتهمين بالميدان.
وجاءت شهادة الدكتور محمد البلتاجي التي قرر فيها أنه كان متواجدا بميدان التحرير وشاهد أشخاص قادمين من جهة ميدان عبدالمنعم رياض يحملون مصابين، وسمع من شباب المتظاهرين أنه تم ضبط بعض المهاجمين يومي الثاني والثالث من فبراير وسلموا للقوات المسلحة، ولم يلتقِ بأي منهم، وأنه بتاريخ الثالث من فبراير الساعة 12 ظهرا التقى باللواء حسن الرويني بالميدان، الذي طلب منه إنزال الأشخاص الموجودين فوق أسطح العمارات الموجودة أمام المتحف المصري بميدان التحرير وإخلاء كوبرى 6 أكتوبر وإلا سيتم إطلاق النار عليهم، وأنه لم يشاهد بعينه أيا من المتهمين الماثلين بميدان التحرير يومي الثاني والثالث من فبراير.
وثبت بشهادة اللواء حسن الرويني أن المهمة الأساسية لوحدات القوات المسلحة بميدان التحرير اعتبارا من 28 يناير حتى صباح الثالث من فبراير عام 2011 كانت تأمين الأهداف الحيوية والمنشآت الموجودة بمحيط ميدان التحرير، وأنه كان متواجدا بالميدان أيام الأول والثاني والثالث من فبراير من العام الماضي، وشاهد على شاشة مركز القيادة أفرادا على العقارات الموجودة أمام المتحف المصري بالميدان، وأحدهم ملتحٍ ويرتدي جلبابا ويُعتقد أنه من جماعة الإخوان، وأنه التقى يوم الثالث من فبراير بالدكتور محمد البلتاجي بالميدان وطلب منه إنزال الأشخاص الموجودين أعلى العقارات وإلا سيستخدم القوة معهم، وتم إنزالهم وتعهد له بتأمين المتظاهرين داخل الميدان، ولم يحدث أي تعدٍ على المتظاهرين بالميدان اعتبارا من الثالث من فبراير وحتى 11 من ذات الشهر، تاريخ تخلي الرئيس السابق عن الحكم، وأن وحدات القوات المسلحة بالميدان تسلمت من المتظاهرين 77 شخصا من المعتدين، وكان بعضهم مصابا، وأحيلوا للنيابة العسكرية التي حررت لهم القضية رقم 118 لسنة 2011 جنايات شرق القاهرة العسكرية، وأحيلوا للمحاكمة وصدرت بحقهم أحكام، ولم يبلغ بضبط أي أسلحة نارية أو خرطوش، ولم تضبط أسلحة بيضاء مع راكبي الخيول والجمال المهاجمين للمتظاهرين بالميدان، ولم ترصد عناصر القوات المسلحة داخل وحول ميدان التحرير بمداخله المختلفة أي إصابة أو قتل بالميدان ومحيطة باستخدام أسلحة نارية يومي الثاني والثالث من فبراير، كما ثبت بكتاب هيئة القضاء العسكري المؤرخ 27\6\2012 أن جميع عناصر التأمين التابعة للمنطقة المركزية العسكرية التي تواجدت بالمحيط الخارجي لميدان التحرير اقتصر دورها على تأمين الأهداف والمنشآت الحيوية ضد أعمال السرقة والنهب وإشعال الحرائق، وتم القبض على 77 فردا وأحيلوا للمحكمة العسكرية.
وأضافت المحكمة أنه ثبت بتحقيقات النيابة العسكرية أنه باستجواب المتهمين المقبوض عليهم لم يقر أو يشير أي منهم لا من قريب أو من بعيد إلى تحريض أي من المتهمين في الدعوى أو مساعدتهم أو الاتفاق معهم على الاعتداء على المتظاهرين المتواجدين بميدان التحرير، عدا المتهمين الأول والثاني والثالث في الجناية العسكرية سالفة البيان، إذ قرروا أنهم خرجوا من نزلة السمان بصحبة المتهم السادس، عبدالناصر الجابر (توفي)، في مظاهرة لتأييد الرئيس المخلوع مبارك، وكذا المتهم الرابع في الجناية العسكرية المذكور أنه استقل سيارة نقل برفقة المقدم حسام، الضابط بقسم النهضة، وهو المتهم رقم 24 في القضية ومعه مجموعة من أهالي منطقة التحرير في مظاهرة لتأييد مبارك.
واستكملت المحكمة بأنه ثبت من مطالعة الحكم الصادر في القضية العسكرية أن النيابة العسكرية اتهمت المتهمين المقبوض عليهم يوم الثاني من فبراير بأنهم انضموا إلى عصابة الغرض منها الاعتداء على الحريات، وتجمعوا بالطرقات العامة أثناء فترة حالة حظر التجوال، وقضى بجلسة 20 فبراير بمعاقبتهم.
وأشارت إلى أن أوراق القضية خلت من أي دليل قولي أو فني على حصول أي اتصالات هاتفية بين المتهمين تؤيد ما تضمنه أمر الإحالة بالتهمة الأولى المسندة إليهم، بتلاقي واتفاق إرادتهم من خلال الاتصالات الهاتفية التي جرت بينهم على إرهاب وإيذاء المتظاهرين السلميين بميدان التحرير، كما خلت الأوراق أيضا من دليل يؤكد أن المجني عليهم المتوفين أو المصابين حدثت إصابتهم أو وفاتهم في ميدان التحرير يومي الثاني والثالث من فبراير، كما خلت تحقيقات النيابة العامة وقضاة التحقيق وقائمة أدلة الإثبات من شهادة أي شاهد على صحة ما نسب من اتهام إلى المتهمين الثاني والثامي والتاسع، وتبين للمحكمة من مطالعة وتمحيص أقوال هؤلاء المتهمين الثلاثة وما أقروا به، بالإقرارات المنسوبة إليهم والمثبتة ببند الملاحظات بقائمة أدلة الإثبات، أنها لم تتضمن ما يعد إقرارا أو اعترافا بالاتهام المسند إليهم بأمر الإحالة أو بتوجيه اتهام لأي متهم آخر، ومن ثم يتعين الالتفاف عنها.
وأضافت المحكمة أنه ثبت لها من مشاهدة الأقراص المدمجة CD المحرزة بالدعوى، التي تحوي بعض المشاهد للمتهمين العاشر، مرتضى منصور، والحادي والعشرين، ومن مطالعة تقرير الخبير المعد من خبير الأصوات، أنها عبارة عن مشاهد للمتهم العاشر حال تواجده بميدان مصطفى محمود ضمن المتظاهرين المتواجدين، وهو يردد السباب والشتائم لأشخاص معلومين وآخرين مجهولين، ومشاهد للمتهم الحادي والعشرين وهو بصندوق سيارة نقل مع آخرين يحملون لافتات وصور للرئيس المخلوع، وذلك لا يعد دليلا على صحة الاتهام المسند إليهما.
كما تبين من مشاهدة القرص المدمج، الذي يحوي حوارا تليفزيونيا للمتهم الثالث عشر مع محطة أجنبية باللغة الإنجليزية، وبمطالعة تقرير الترجمة المعد من المترجمة التي تم ندبها من المحكمة، أنه يخاطب كل مصري حريص على بلده أن يعود إلى عمله، وأن الموجودين بالميدان ليسوا مصر ولا المصريين، وهم جزء من أقلية تنتوي توجيه ضربة لمصر وللنظام الحاكم، وأنه سيتم انتقال سلمي للسلطة، وأن 90% من المصريين سيقولون لك إن الرئيس السابق شيء قيم جدا لمصر، ولم يتضمن الحوار أية عبارات للتحريض على الاتهامات المسندة إليه.
واستعرضت المحكمة باقي أقوال الشهود، قائلة إنه ثبت بشهادة كل من الدكتور صفوت حجازي والدكتور طارق زيدان أن المتظاهرين بميدان التحرير كانوا يعتدون بالضرب على من يتم ضبطهم من مؤيدي النظام السابق، كما شهد اللواء حسن الرويني بأن من بين الأشخاص البالغ عددهم 77، الذين تم تسليمهم للقوات المسلحة يومي الثاني والثالث من فبراير، أشخاص مصابين، حيث أشارت المحكمة إلى أن ما صدر من إقرارات من هؤلاء المقبوض عليهم كانت وليدة إكراه مادي ومعنوي، وذلك على فرض صحتها، ومن ثم فإنه لا يُعتد بها وتلتفت عنها المحكمة.
واستكملت المحكمة أسباب حكمها، متناولة أقوال شهود الإثبات، وموضحة أنها وهي بصدد تقدير الدليل المستمد من أقوال هؤلاء الشهود فإنها لا تطمئن إليها ويساورها الريب والشكوك، وذلك وفقا لتمحيص ووزن وتقدير المحكمة لكل شاهد إثبات على حدة، على النحو التالي: الشاهد الأول اللواء فؤاد علام عزا ما حدث بميدان التحرير في الثاني من فبراير إلى أنه تخطيط وتدبير من المتهم الأول صفوت الشريف، والمحكمة لا تطمئن لشهادته لكونها عارية من الدليل على صحتها، وجاءت استنتاجية ومحض افتراض دون دليل يقيني. أما الشاهد الثاني صفوت حجازي فلم تطمئن المحكمة لشهادته لكونها شهادة تسامعية عن مجهولين لم يرشد عن هويتهم. والشاهد الثالث عصام الدين عبداللطيف عواد، والرابع أحمد حبيب الصاوي، والخامس علاءالدين عبدالمنعم، والسادس وائل حافظ مصطفى، والسابع مازن مصطفى عبدالمنعم، والثامن أحمد عبدالسلام يوسف، والتاسع جمال السيد زكي، جاءت شهادتهم عارية من الدليل على صحتها وتسامعية عن مجهولين،
كما أن أقوال الشاهدين العاشر كامل علي عتريس، والحادي عشر سامي عبدالسلام حافظ أبوباشا، تبين منها أن المتهم السابع لم يكن مصاحبا للمظاهرة السلمية التي نزلت من نزلة السمان، وأنهم التقيا به بميدان مصطفى محمود ولم يصحب المظاهرة إلى ماسبيرو.
كما أن المحكمة لا تطمئن إلى شهادة الشاهدة الثانية عشرة آمال عويضة ضد المتهمين الحادية عشرة عائشة عبدالهادي والثاني عشر حسين مجاور، لكونها كيدية لما وقع بين الشاهدة والمتهمة الحادية عشرة من مشادات كلامية، فضلا عن أنها لم تشاهد المتهمين وهم يتوجهون إلى الميدان.
واستندت الحكمة في أسباب حكمها إلى شهادة محمد السيد محمد، وشهرته محمد أبوزيد، الذي حضر اجتماع فتحي سرور مع المحررين البرلمانيين بمجلس الشعب في الثاني من فبراير 2011، وأقر في شهادته أنه سمع هتافات خارج المجلس مؤيدة للرئيس السابق، وحضر مدير مكتب سرور المتهم الرابع، وأبلغه أن متظاهري السيدة زينب وصلوا أمام مجلس الشعب وفي طريقهم لميدان التحرير للاعتداء على المتظاهرين في الميدان، وأنه علم من بعض المتظاهرين أنهم شاهدوا المتهم السادس عشر يدفع مبالغ مالية لبلطجية من عابدين ويحرضهم على التوجه لميدان التحرير للاعتداء على المتظاهرين، لكن المحكمة لم تطمئن إلى تلك الشهادة لكونها مبنية على الاستنتاج والتخمين وتسامعيه من مجهولين، وجاءت خالية من أي دليل يقيني على قيام أي من المتهمين سرور وحميدة وسعيد عبدالخالق بأفعال التحريض أو الاتفاق أو المساعدة في الاعتداء على المتظاهرين.
وأما عن شهادة أحمد محمد حلمي ضد فتحي سرور ومرتضى منصور وعائشة عبدالهادي وحسين مجاور وحسن التونسي وإيهاب العمدة وسعيد عبدالخالق، فجاءت مرسلة عارية من الدليل على صحتها، ولم يؤكد بأي دليل أو قرينة أن ذات الأشخاص الذين شاهدهم مع المتهم حسن التونسي هم الذين تعدوا على المتظاهرين، ولم يبين كيفية تحريض المتهمين عائشة عبدالهادي ومجاور للمتظاهرين من اتحاد عمال مصر على الاعتداء على المتظاهرين بالميدان، والألفاظ والعبارات التي صدرت منهما والأفعال التي تضمنت ذلك التحريض، وأما مشاهدة مقطع الفيديو الذي يحوي حمل إيهاب العمدة سعيد عبدالخالق على أكتافه فلا يدل على المساهمة الجنائية من التحريض على الاعتداء على المتظاهرين، وأما عن شهادته ضد فتحي سرور فأكدت المحكمة أنها من قبيل الشهادة التسامعية عن مجهولين لم يكشف عنهم، وأما عن اتهامة لمرتضى منصور بالتحريض على قتل المتظاهرين وفقا للفيديو الذي شاهدته المحكمة فإنه لا يحوي سوى عبارات قذف وسب من منصور لأشخاص معلومين ومجهولين، وأن ذلك لا يشكل سوى جنحة قذف وسب بحق ذلك المتهم.
وأما عن الشاهدين محمد علي الشوربجي ومحمد عبدالحميد طعمة، فإن المحكمة لم تطمئن إلتى شهادتهما لتناقضها تناقضا بينا في واقعة محددة، حيث شهدا أنه حال تواجدهما على كوبري رمسيس أعلى ميدان عبدالمنعم رياض كانت الرؤية واضحة لإنارة الكوبري بالمصابيح الكهربائية، وشاهدا مرتضى منصور يقود سيارة وبرفقته آخرين، وقرر أولهما أن لون تلك السيارة أبيض في حين قرر الثاني أنها سوداء، إضافة إلى أنهما لم يحددا أوصاف السيارة أو أرقام لوحاتها المعدنية، ولم يقطعا بسماعهما أية عبارات تحريضية صدرت من مرتضى لأي من مرافقيه بالاعتداء على المتظاهرين داخل ميدان التحرير.
وأما عن الشاهد عبدالرحيم عباس فإن المحكمة لم تطمئن إلى شهادته لكونها مرسلة وكيدية وتفقد الدليل على صحتها، ولم تتأيد شهادته ضد المتهمين أحمد مرتضى ووحيد صلاح بأي دليل قولي أو فني، كما جاءت شهادته ضد مرتضى مشوبة بالكيدية، إذ شهد أنه من بلدته وشاهده بميدان مصطفى محمود واقفا يسب بعض الشخصيات المعلومة وآخرين، ويطلب منهم التوجه لميدان التحرير لطرد المتظاهرين، في الوقت الذي تقدم فيه مرتضى منصور ببلاغ ضدهما يتهمهما بالبلاغ الكاذب والشهادة الزور، وهو ما دفع المحكمة للارتياب في شهادتهم، ولا يمكن الركون إليهما في إدانة المتهم.
واطمئنت المحكمة إلى ما شهد به القس مكرم وهبي غالي "أرميا"، الذي قرر أنه بعد التعدي على مبنى قسم الساحل وحدوث تلفيات به، قرر أهالي قسم الساحل من مسلمين ومسيحيين إجرء إصلاحات لما تم إتلافه، والتقى بالمتهم التاسع عشر علي رضوان أمام مبنى القسم يوم الثاني من فبراير في التاسعة صباحا، ومعه مجموعة من شباب الحي، وأحضروا دهانات وأشياء وأصلحوا مبنى القسم، وفي الساعة الثانية عشرة ظهرا تحركا مع المتهم علي رضوان وقرابة 50 شخصا من أهالي المنطقة سيرا على الأقدام إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون، مرددين هتافات "لا للتخريب ونعم للاستقرار"، ثم استقل سيارته من أمام ماسبيرو وعاد إلى قسم الساحل ليجد علي رضوان عائدا معه في نفس التوقيت في الرابعة والنصف عصرا، وأيدت تلك الشهادة بالصور الفوتوغرافية لتلك المشاهد التي نُشرت بجريدة الأهرام في الثالق من فبراير والمقدم أصلها من المتهم.
وأما ما شهد به جمال الدين تاج الدين، فالمحكمة لم تطمئن لشهادته لتناقضها مع ما قرره شهود الإثبات، حيث قال الشاهد إن الهجوم بالخيول والجمال حدث في الثاني من فبراير في الواحدة ظهرا، بينما أقر شهود الإثبات أن الهجوم كان في الثانية ظهرا، وجاءت شهادته سماعيه من مجهولين لم تكشف عنها التحقيقات.
أما عن شهادة أيمن ناصر، فالمحكمة لم تطمئن إلى شهادته لتراخيه في الإبلاغ، لأنه لم يحضر للإدلاء بها إلا في 15 مايو 2011، ولم يحضر بمفرده بل من أحضره هو الشاهد السابق الذي حدد في شهادته أنه سيشهد على المتهم سعيد عبدالخالق، وتناقضت أقواله مع أقوال البلتاجي وطارق زيدان وممدوح حمزة، الذين أكدوا أنه لم يحدث أي هجوم على ميدان التحرير "الصينية" أو على المنصة الرئيسية، في حين شهد هو بخلاف ذلك.
ولم تطمئن المحكمة لشهادة إبراهيم متولي، لأنه سُئل بالتحقيقات ثلاث مرات وفي المرة الأخيرة وجه إليه قاضي التحقيق تهمة الشهادة الزور ثم أمر بحبسه 15 يوما، فضلا عن عدوله عما شهد به من تحقيقات أمام المحكمة.
كما لم تطمئن المحكمة إلى شهادة عدد من شهود الإثبات لعدم تقريرهم إعطاء المتهم إيهاب العمدة أي شخص مبالغ مالية للتوجه إلى ميدان التحرير للتعدي على المتظاهرين، وأما عن مشاهدة أحدهم لخمسة أشخاص يضعون أسلحة بيضاء في سيارة، فالمحكمة لم تطمئن إلى تلك الشهادة لكونها مرسلة لم تحدد صلة هؤلاء الأشخاص بالعمدة، كما أن المحكمة لم تطمئن إلى شهادة الشاهد محمود حمدي لكونها جاءت مرسلة وفاقدة للدليل على صحتها، لعدم تحديده أي من البلطجية والمسجلين المعروفين له بصفته محاميا ومن سكان المنطقة التي ينتمي إليها هؤلاء الأشخاص، إضافة إلى تناقض شهادته مع المستندات الرسمية المقدمة من المتهم حسام الدين علي، ضابط المباحث، التي ثبت بها أنه أصيب بجرح قطعي بالخد الأيمن بوجهه ورأسه يوم 28 يناير أثناء تواجده بمنطقة رابعة العدوية بقسم أول مدينة نصر، وتم نقله بسيارة الإسعاف إلى مستشفى كليوبترا بمصر الجديدة، ومنها إلى مستشفى الشرطة، وحصوله على إجازة مرضية لمدة أسبوع بسبب هذه الإصابة، بالإضافة إلى أن الشاهد سبق الحكم عليه بأحكام جنائية ولدية عاهة مستديمة بالرأس.
وأما عما قرره المتهم سيد أحمد عبدالقادر بتحقيقات النيابة العسكرية، فالمحكمة لا تطمئن إليه، إذ جاءت أقواله عارية من الدليل على صحتها، ولم يحدد أي شخص من الذين رافقوه.
وأكدت المحكمة أن ما ثبت بتقرير لجنة تقصي الحقائق والمجلس القومي لحقوق الإنسان انحصر في بلاغات هاتفية وأقوال مرسلة عارية من أي دليل على صحتها، وتسامعية عن مجهولين، وأقراص مدمجة لمشاهد للمتظاهرين مؤيدين ومعارضين، وخلى كل ذلك من ثمة دليل يقيني على نسب أي اتهام للمتهمين، كما أن التقارير الطبية الصادرة عن المستشفيات أو من الطب الشرعي بشأن حالات الوفاة أو الإصابات ما هي إلا دليل على حدوث الوفاة أو الإصابة، بينما لا تكفي دليلا على شخص محدثها، وثبت للمحكمة من مطالعة قائمتي إثبات الجنايتين رقم 1227 و3642 لسنة 2011 قصر النيل أنه نسب إلى المتهمين في تلك الدعويين قتل المجني عليهم أمير مجدي عبده الأحول وعلي حسن مهران وعبدالكريم أحمد رجب ونصر الدين السيد عويس ومحمد نيازي شعبان، وأثبتت تلك الأسماء بقائمة أدلة الدعوى الراهنة أمام المحكمة، ونسب للمتهمين فيها قتلهم.
وأكدت المحكمة أن لما تقدم كان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم في حال قضائها بالبراءة الرد على كل دليل من أدلة الاتهام، ما دام أنها رجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات، لأن في إغفالها التحدث عنها ما يفيد ضمنا أنها لم ترَ فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم فطرحتها، لأنه من المقرر وفقا للمبادئ الدستورية والمبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية أن كل متهم يتمتع بقرينة البراءة إلى أن يصدر حكم بإدنته، وأنه إلى أن يصدر هذا الحكم له الحرية الكاملة في اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه في الدعوى، وقام على هدم هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه، وأصبح حقا مقدما يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرأة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معا إدانة بريء، بالإضافة لما هو مقرر من أن القانون فيما عدا ما استلزمه من وسائل خاصه للإثبات فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه ليختار من كل طرقه ما يراه مناسبا للكشف عن الحقيقة، ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر مع حرية مطلقة في تقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يستفاد من وقائع الدعوى وظروفها، مما لا يُقبل معه تقييد حرية المحكمة في دليل البراءة باشتراط مماثل لما هو مطلوب فى دليل الإدانة، وحيث أنه وفقا لما تقدم رأت المحكمة أن التهم المسندة إلى المتهمين أقيمت على غير سند صحيح من الواقع والقانون، ولا تطمئن إلى أدلة الإثبات التي ثبتت بقائمة أدلة الثبوت وأقيمت عليها الدعوة لافتقارها إلى الجزم واليقين الذين تبنى عليهما المحكمة الجنائية، ولا تجد المحكمة فيها ما يطمئن إليها وجدانها ويقينها للتعويل عليه لإدانة المتهمين، وخلت الأوراق من أي شهادة رؤيا يطمئن وجدان المحكمة إليها، وأحاط الريب والشكوك بكافة أدلة الدعوى، وهو ما قضت معه المحكمة ببراءة جميع المتهمين.
وانتهت المحكمة إلى أنه لا يسعها في ختام حكمها إلا أن ترفع أكفها تضرعا إلى الله بالدعاء أن يحق الحق ويبطل الباطل ويغفر ويرحم شهداء مصر الأبرار ويدخلهم جنات النعيم خالدين فيها، وأن يؤلف بين قلوب المصريين ويجمعهم على قلب رجل واحد وكلمة سواء.