حصلت «الوطن» على وثائق سرية خاصة بخلية إدارة الأزمة المركزية فى القصر الجمهورى التى أسسها الرئيس السورى بشار الأسد بشكل سرى بعد نشوب الثورة السورية بـ15 يوماً، وتولى قيادتها مجموعة من الضباط الأمنيين رفيعى المستوى من بينهم الأمين القطرى المساعد سعيد بخيتان، إضافة إلى 10 ضباط معروفين فى سوريا منهم نائب رئيس الأركان فى الجيش السورى آصف شوكت، ومدير مكتب الأمن القومى على مملوك، ومدير المخابرات الجوية جميل حسن، ورئيس شعبة المخابرات العسكرية عبدالفتاح قدسية، ونائب القائد العام بالجيش والقوات المسلحة ووزير الدفاع السورى حسن توركمانى، وكتب عليها «سرية للغاية»، ورُفعت من قبل حزب البعث السورى والأمن السياسى ووزارة الداخلية وثائق موقَّعة من الرئيس بشار الأسد تطالب بعضها بتغليط عقوبة التجمهر من شهر إلى سنة، إضافة إلى فرض غرامة مالية قدرها 50 ألف ليرة سورية إلى جانب عدد من القرارات التى تطالب بعقد المحاكمات الميدانية العسكرية لكل من وقَّع على نفسه تعهداً خطياً بعدم النزول إلى المظاهرات ثم شارك بها، إضافة إلى وثيقة أخرى تفيد بالتخطيط لضرب حمص، خاصة بابا عمرو، وثالثة تعرض الخطط الأمنية لدمشق وحلب وكيفية توزيع الشبيحة والبعثيين عليهما لمنع الخروج فى المظاهرات.
الوثيقة الأولى التى حصلت عليها «الوطن»، توضح تفاصيل الخطة الأمنية التى وضعها النظام السورى لمحافظة دمشق التى أعدها مكتب الأمن القومى بالقيادة القطرية فى حزب البعث العربى الاشتراكى بتاريخ 26 يناير 2012، وأرسلها إلى كل من الأمين القطرى المساعد ورئيس شعبة المخابرات ورئيس شعبة الأمن السياسى ومدير إدارة المخابرات العامة وأمين فرع دمشق وأمين فرع ريف دمشق ومحافظ دمشق ورئيس الاتحاد العام للعمال ورئيس الاتحاد الوطنى لطلبة سوريا، وذلك لتنفيذ تعليمات فى يوم الجمعة 27 يناير 2012.
وقدمت الوثيقة فى بدايتها حصراً لأعداد المتظاهرين فى جميع محافظات سوريا، البالغ عددها 14 محافظة خلال الستة أسابيع الماضية، والتى جاءت كالتالى: «44145، 53950، 62745، 109790، 80755 و96475»، وكانت أكثر المحافظات خروجاً للمظاهرات هى إدلب يليها حلب، أما المحافظات التى لم تسجل خروجا لأى من مواطنيها فكانت محافظة السويداء.
وذكرت الخطة الأمنية لمحافظة دمشق حصيلة ما وصفته بالأعمال الإجرامية للعصابات المسلحة فى إشارة إلى الجيش الحر خلال الأسبوع الماضى، وذكرت الوثيقة أن عدد الضحايا بلغ 45 قتيلاً، إضافة إلى 144 جريحاً من الجيش النظامى، والقوى الأمنية، إضافة إلى تنفيذ كمين مسلح واحد لهذه القوى، والعثور على 82 جثة مجهولة الهوية وخطف 70 شخصاً وسرقة وسلب 109 سيارات حكومية، وأشارت الوثيقة إلى تراجع أعداد الشهداء والجرحى فى صفوف الجيش، والأمن يقابلها زيادة ملحوظة فى عمليات الخطف والسلب نظراً لاتساع الرقعة الجغرافية للعمليات العسكرية فى مناطق جديدة فى القطر، خاصة فى دمشق وريفها.
ووزعت الوثيقة مهام تنفيذ الخطة الأمنية فى العاصمة على عدة جهات أبرزها، وزارة الداخلية، التى يقتصر دورها على إقامة الحواجز الأمنية على المحاور القادمة من درعا لمنع قدوم تظاهرات من درعا تشارك فى مظاهرات دمشق وريفها، وأن يحتفظ قائد شرطة ريف دمشق بقوة احتياطية جاهزة للتدخل لدعم أى حاجز حين اللزوم كما يتم التنسيق بين فرعى مرور دمشق وريفها للإعلام عن أى تجمع فى القرى بريف دمشق لمنع وصولهم إلى دمشق.
مجلس الوزراء لـ«الخارجية»: سفراء ودبلوماسيون عرب يحاولون إقناع قيادات بعثية وعسكريين بالانشقاق.. وعواصم عربية وأوروبية تطالب السفراء باللجوء
وطلبت الوثيقة من جميع من سمتهم بالرفقاء من رؤساء الأجهزة الأمنية منع وصول المتظاهرين من ريف دمشق ودرعا إلى مدينة دمشق، وساحتها من خلال تكليف شعبة المخابرات، والأمن السياسى، وإدارة المخابرات الحربية والعسكرية بإقامة 13 حاجزاً عسكرياً على المحاور الرئيسية والفرعية المؤدية إلى محافظة دمشق كالتالى:
- حاجز على المحور الرئيسى للمدينة الخارج من دوما، حاجز على محور الزبدانى - دمشق عند جسر الصبورة، حاجز طريق دوما - دمشق دوار الجرة، حاجز على طريق دوما - دمشق على طريق المستشفى العسكرى القريب من جسر الضاحية، وحاجز على محور حرستا - دمشق قرب دار النقل، وحاجز على محور عربين - زملكا قبل الجسر، وحاجز على محور كفر بطنا - دمشق عين ترما، وحاجز على محور المليحة- دمشق دوار الملاهى ودوار جرمانا قبل الجسر الثانى بجوار نقطة المخابرات الجوية، وحاجز على محور المعضمية - داريا دوار المعضمية، وحاجز محور قدسيا-وادى بردى عند تقاطع صحارى، وحاجز على محور قدسيا عند نزلة الأحداث، حاجز على محور التل عند مفرق معربا قرب النقطة الأمنية، ودورية أمنية ثابتة فى منطقة كفر سوسة.
وأوكلت أيضاً الوثيقة مهمات تأمين الساحات الشعبية فى دمشق على الأجهزة الأمنية لمنع أى اعتصام فيها لتتولى المخابرات الجوية تأمين ساحتى العباسيين، ودوار المحافظة، والمخابرات العسكرية ساحتى الأمويين، والمرجة، على أن تتولى المخابرات العامة تأمين ساحة السبع بحرات بينكا، ويتولى الأمن السياسى تأمين ساحتى المزرعة، وشمدين.
وأشارت الوثيقة إلى مخاطبة رئيس اللجنة الأمنية بدمشق للاستعانة بعدد 24 ألف بعثى لتنفيذ خطة أمنية، تقسم إلى نصفين، الأول يبدأ عمله من الثامنة صباحاً، وحتى الثالثة عصراً والثانى يتولى مهامه من الثالثة عصراً، حتى الحادية عشرة مساءً، وانتهت الخطة الأمنية التى وضعها حزب البعث بمجموعة من التعليمات العامة التى يجب التقيد بها، منها أعمال الجهات الأمنية التى أوكلت لها تنفيذ الخطة، وأبرزها:
مصادرة الدراجات النارية التى تتجول فى محافظة دمشق مهما كان وضعها نظامياً، أو غير نظامى، ومنع دخول الحافلات من درعا، وريف دمشق إلى محافظة دمشق اعتباراً من الخامسة صباح يوم الجمعة، عدا الحافلات التى تنقل العمال المعبأين فى الخطة الأمنية للمدينة، ومنع دخول جميع القادمين من ريف دمشق، أو درعا أو كل من يشك بأمره بالدخول إلى مدينة دمشق للمبيت يومى الخميس والجمعة، المجموعات التى يشك أنها قادمة إلى دمشق للتظاهر يجرى توقيفها، وإحالتها إلى أقرب فرع أمنى للتحقيق معها، وتشديد الحراسات على السجون من الداخل، والخارج، واستنفار ضباط وأفراد فرع سجن دمشق المركزى، والتنبيه عليهم بأخذ الحيطة والحذر ووضع 25 عنصراً برتبة بإمرة ضابط من وحدة حفظ النظام فى السجن ووضع عدد من دوريات فروع الأمن الجنائى فى سجن دمشق المركزى.
أما الوثيقة الثانية فتمثل الخطة الأمنية لمحافظة حلب، التى تعد المحافظة الاقتصادية الأولى فى سوريا والعاصمة الثانية للبلاد، واعتمدت على جانب التهدئة بين أهالى الجامعة، والحد من الاحتقان خوفاً من اندلاع أى مظاهرات تسبب إلى حدوث خلل فى المدينة، وإن تشابهت فى كثرة الحواجز العسكرية التى تفصل بين المدينة، وبين محافظة إدلب الثائرة، ووزعت مهام الخطة الأمنية كالتالى:
- أمين فرع الحزب البعث العربى الاشتراكى: مهمته تتلخص فى تقديم جميع أشكال الدعم المادى، والمعنوى للمؤيدين، وتسيير دوريات أمنية لخلق جو من الطمأنينة والأمان لدى المواطنين، وتأمين احتياجات المواطنين الأساسية، والتشدد فى مراقبة الأسواق ومجابهة المحتكرين، وتمركز وحدات عسكرية فى نقاط مختارة متاخمة لمحافظة حلب، والحد من الاحتقان الموجود بين طلاب جامعة حلب.
- قائد شرطة حلب: وجاءت أبرز مهامه فى الخطة الأمنية فى تكليف وحدات عسكرية للتعامل مع المسلحين الموجودين فى بلدات وقرى المحافظة، وإقامة نقاط حواجز على حدود محافظة حلب مع محافظة إدلب، والتصدى للتظاهرات السلمية بالإجراءات القانونية، وتدقيق المعلومات، وتنفيذ عمليات نوعية مفاجئة وملاحقة التنظيمات الإرهابية الناشئة، إضافة إلى قمع المظاهرات فى مدينة حلب من قبل عناصر حفظ النظام، أى الشبيحة، والاهتمام بجامعة حلب، واستقطاب الطلاب، ومعالجة المشكلات التى يعانون منها، ووضع المناطق والأحياء الكردية تحت المراقبة، والتنسيق مع حزب العمال الكردستانى سراً للتصدى للمتظاهرين المعارضين مع عدم التدخل أمنياً فى المناطق الكردية، وتوقيف من يسعى للتخريب وحمل السلاح، وتعزيز عناصر حفظ النظام بـ500 عنصر على الأقل، وتأمين الأسلحة والعتاد اللازم للوحدات الشرطية، وحفظ النظام والأمن.
تعليمات باستمرار تنفيذ العمليات العسكرية أثناء وجود بعثة الجامعة العربية وتحويل المتظاهرين إلى محاكمات ميدانية عسكرية
كما طالبت الوثيقة إدارة المخابرات العامة الفرع 322 بزيادة عناصر حفظ النظام المكلفين بالتصدى للتظاهرات، وزيادة تفعيل دور الرفاق البعثيين، ودور الدوريات الأمنية وتفعيل الحوار، وزيادة تفعيل دور الشرطة، وعناصر الأجهزة الأمنية فى المحافظة، وتأمين آليات الدفع الرباعى «البيك آب» المشهور بها شبيحة النظام، بينما اقتصر دور إدارة المخابرات الجوية على تأمين وجود قوات عسكرية فى مناطق معينة، بناءً على الدراسات المقدّمة من قِبل لجنة من القوات المسلحة بأسرع ما يمكن، ودخول المناطق التى بها خلل أمنى وحسم الأمور فيها فوراً، ودعم المواطنين بالسلاح، وتنظمهم والانتشار المكثف لحرس الحدود فى المنطقة المحاذية لتركيا، وإعادة العمل بقانون الطوارئ، وإعادة هيكلية لقوى الأمن الداخلى، وتأمين الطرقات وحماية المطارات والمواطنين.
وختمت الوثيقة خطابها لمحافظة حلب بضرورة تأمين طريق (دمشق- حلب)، وتدعيم القوى الأمنية بما لا يقل عن 1500 عنصر، وتأمين الحماية اللازمة للتعامل وتسليح أصحاب هذه المعامل.
والوثيقة الثالثة التى حصلت عليها «الوطن» وكُتب عليها «سرى جداً» وعاجل وموجهة من رئاسة الوزراء إلى وزراء الإدارة المحلية، والثفافة والتعليم العالى والتربية والنقل والإعلام» بتاريخ 29 سبتمبر 2011، تطالبهم بسرعة تنفيذ خطة إعلامية تسهم فيها الجمعيات الدينية، والخيرية، والقطاعين التجارى، والصناعى، والنوادى الرياضية وقطاع الدعاية والإعلان والقطاع الخاص، والنقابات، بحيث تصدر بيانات تُندد بالمؤامرة، وطباعة، ونشر ملصقات مؤيدة لمسيرة الإصلاح وشجب الفوضى، والتخريب، وتوضع فى كل الأحياء، خصوصاً الشعبية منها، وفى النوادى الرياضية، والمدارس، والجامعات وسيارات النقل العامة والقطارات.
كما طالبت الوثيقة بتضمين المجلات (الوسيلة، الدليل) عبارات تأييد لمسيرة الإصلاح فى سوريا، إضافة إلى عقد ندوات شعبية فى المضافات يقوم بها وجهاء المناطق والعشائر.
بينما جاء فى الوثيقة الرابعة التى حملت أيضاً ختم «سرى وعاجل»، الصادرة من مكتب رئاسة الوزراء إلى وزير الخارجية، والمغتربين، وحملت رقم 2887 بتاريخ 11 أكتوبر 2011، أن هناك محاولات من سفراء، ودبلوماسيين عرب وخليجيين لإقناع أصدقاء لهم فى قيادة حزب البعث العربى الاشتراكى، وضباط عسكريين للانشقاق عن النظام فى سوريا، والانتقال للعيش فى دول الخليج العربى مع عائلاتهم، وتقديم امتيازات لهم بحجة أن «حكم السيد الرئيس بشار الأسد أصبح فى مهب الريح».
وأضافت الوثيقة أن بعض العواصم العربية والأوربية تحاول التأثير على السفراء، والقناصل، والملحقين الدبلوماسيين السوريين من أجل الانشقاق، وطلب اللجوء السياسى إلى تلك العواصم، حيث تحاول هذه الدول إيهامهم بأن النظام فى دمشق يغرق، وأن هناك عمليات انشقاق ضمن صفوف الجيش السورى بشكل كبير خلال الأيام الأخيرة للانضمام إلى ما يسمى الثورة السورية.
وختم الدكتور عادل سفر، رئيس مجس الوزراء، كلامه فى الوثيقة بأنه يُرجى الاطلاع، وإجراء ما يلزم من إجراءات، حيال هذه التحركات التى وصفها بالمشبوهة.