أكد المركز المصرى للحقوق الاجتماعية والاقتصادية فى تقرير له عن عام 2012 تحت عنوان "عام الاحتجاجات الاجتماعية.. صرخة شعب ضد التجاهل والاستغلال والقمع" أن عام 2012 شهد العديد من التغيرات السياسية الهامة، فهو شهد أول برلمان منتخب بعد الثورة ثم حله، وانتخاب أول مجلس شورى بعد الثورة ثم وقفه ثم عودته إلى العمل مؤخرا، كما شهد انتقال السلطة من المجلس العسكرى لأول رئيس مدنى منتخب بعد الثورة، كما شهد زيادة كبيرة فى عدد الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات خاصة مع تولى الرئيس مرسى للسلطة.
ويقول المركز فى تقريره: مرت فى هذا العام على المجتمع المصرى حكومتان، و4 جهات للتشريع (المجلس العسكرى، البرلمان، ثم المجلس العسكرى مرة أخرى، ثم الرئيس محمد مرسى، ثم مجلس الشورى الآن)، و4 إعلانات دستورية مكملة، (أحدهم من المجلس العسكرى فى يوليو وثلاثة فى حكم مرسى) وشهد إقرار دستور مصر الجديد.
وأضاف: ومع هذه التغيرات الجذرية فى السلطة والمناخ السياسى والتشريعى فى مصر، استمر المصريون فى التوحد على فعل واحد وهو الاحتجاج، على السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة المصرية، كما استمرت الحكومات والنخب السياسية والتشريعية المتتالية فى تبنى سياسات اقتصادية تزيد من إفقار الفقراء وتهميشهم. حتى ارتفع عدد الاحتجاجات فى عام 2012 إلى مستوى غير مسبوق ليزيد عن 3817 احتجاجا يجمع جميع أطياف الشعب المصرى.
وشارك فى حركة الاحتجاجات الواسعة هذه جميع أطياف الشعب من إعلاميين، وصحفيين، وأصحاب أعمال حرة، وأطباء، وممرضين، وفنيين صحيين، وأثريين، وأهالى الأحياء الفقيرة، وأئمة المساجد، والباعة الجائلين، والتجار الصغار، وجزارين، وخفراء، وصيادلة، وصيادين، وطلاب الجامعات والمدارس، والطيارين، والعاملين بالمصانع والشركات، وعاملين بالنقابات، وعاملين بالهيئات الحكومية، وفلاحين، ومحالين على المعاش، ومحامين، ومرشدين سياحيين، ومضيفين جويين، ومعاقين، ومهندسين، وأمناء شرطة، وأصحاب سفن، وحاملى أمتعة، وخريجين، وسائقين، وأصحاب ميكروباصات، وعمال التحميل بالمطارات، وعمال الرى، وعمال الشركات التى خصخصت، وعمال المحاجر، وعمال المخابز، وعمال النظافة، وقضاة، وعمال مؤقتين، وكيميائيين، ومسعفين، وموزعى أنابيب البوتاجاز، وموظفى مجلس الشعب وغيرهم من أكثر من 70 فئة ومهنة من الفئات التى عانت وما زالت تعانى من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات المتتالية قبل وبعد الثورة.
وجاءت الإحصائيات لتشير إلى أن القطاع الحكومى جاء فى المرتبة الأولى من حيث عدد الاحتجاجات بعد أن بلغت 1381 احتجاجا، فى حين قام الأهالى بـ 1205 احتجاجات، وجاء القطاع الخاص فى المرتبة الثالثة بـ410 احتجاجات، فيما شهد قطاع الأعمال العام 222 حالة احتجاج، بينما قام أصحاب الأعمال الحرة ب 204 حركة احتجاجية، هذا بخلاف فئات اخرى مختلفة احتجت هذا العام.
وتابع التقرير: استخدم المحتجون كافة الطرق الممكنة لتوصيل صوتهم والضغط للوصول لمطالبهم، حتى لجأ البعض لتصعيد آليات الاحتجاج لما بدى تطرفا فى بعض الأحيان بعد فشل جميع محاولاتهم الأخرى. ورصد المركز خلال2012، 851 وقفة احتجاجية، و561 حالة قطع طرق، و558 حالة تظاهر، و514 إضرابا عن العمل، و500 حالة اعتصام، و163 حالة تجمهر، و135 حالة إضراب عن الطعام، و64 حالة اقتحام مكتب مسئول، و140 مسيرة، و30 حالة احتجاز مسئول داخل مكتبة، و26 حالات إغلاق لمقرات حكومية، و13 حالة إضراب عن الدراسة، و13 محاولة انتحار أو إحراق للنفس، كما جاءت أشكال أخرى عديدة مثل الاحتجاج بخلع الملابس، والامتناع عن دفع فاتورة الكهرباء، وقطع المياه عن مدينة، والاستقالة عن العمل، والاضراب عن تناول الدواء، وغيرها من الأشكال المتعددة للاحتجاج استخدمها المصريون فى محاولاتهم المستميتة للدفاع عن كرامتهم وحقهم فى حياة كريمة وخاصة حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.
وواصل التقرير الذى أصدره المركز المصرى للحقوق الاجتماعية والاقتصادية: كانت الاحتجاجات بكافة محافظات مصر وجاءت القاهرة بالمرتبة الأولى بإجمالى 684 حدثا احتجاجيا، والغربية بـ282 حدثا احتجاجيا، والإسكندرية بـ 233 حدثا احتجاجيا، والشرقية 222 حدثا احتجاجيا، والمنيا بـ 212 حدثا احتجاجيا، ثم تأتى السويس بـ191 حدثا احتجاجيا، والدقهلية بـ182 حدثا احتجاجيا، وكفر الشيخ بـ161 حدثا احتجاجيا، وأسيوط بـ130 حدثا احتجاجيا، وتأتى القليوبية والإسماعيلية والفيوم كل بـ117 حدثا احتجاجيا.
وتشير الإحصائيات إلى أن معدل الاحتجاجات هذا العام ارتفع إلى أكثر من الضعف فى النصف الثانى من 2012 متزامنا مع فترة حكم مرسى. فزاد عدد الاحتجاجات من 185 فى شهر يناير، و119 فى فبراير، و170 فى مارس، و270 فى أبريل، و206 فى مايو، و157 فى يونيو، إلى 566 احتجاجا فى شهر يوليو (مع تولى الرئيس مرسى)، و410 فى أغسطس، و615 فى سبتمبر، و507 فى أكتوبر، و508 احتجاجات فى شهر نوفمبر، وفى الثلث الأول من شهر ديسمبر رصد المركز 104 احتجاجات.
والتفسير المنطقى لهذا الارتفاع المطرد فى الاحتجاجات الاجتماعية المرتبط بتولى مرسى للرئاسة يعود إلى الآمال المعلقة على أول رئيس مدنى منتخب، فلا يمكن تجاهل فشل نظام مرسى الواضح فى التعامل مع الاحتجاجات وفى تلبية مطالب جموع الشعب المحتجة، واستمرار سياسات اقتصادية تهمش الفقراء وتزيدهم فقرا.
وأضاف التقرير: من ناحية أخرى فقد فشلت الحكومات المتتالية بعد الثورة وخصوصا فى عامها الثانى فشلا ذريعا فى التعامل مع مطالب المصريين واحتجاجاتهم، وخاصة فى عهد الرئيس مرسى، -حيث زاد متوسط معدل الاحتجاجات الاجتماعية لأكثر من الضعف- فما كان من المسئولين إلا المزيد من التجاهل مع ممارسة نفس أساليب القمع والانتهاكات ضد المحتجين، تماما كما كان يحدث فى عهد النظام البائد وفترة تولى الحكم العسكرى للسلطة فى الفترة الانتقالية. فرصد المركز كافة أشكال التعسف التى تم التعامل بها مع هؤلاء المحتجين ليس فقط من قبل رجال الأعمال فى المصانع، ولكن أيضا من قبل الدولة وأجهزتها القمعية "الشرطة العسكرية والمدنية" مع الأهالى وغيرهم من المواطنين والمهنيين.
وتعددت أشكال التعسف ما بين الفصل من العمل، الوقف عن العمل، النقل إلى خارج مقر العمل أو داخله، الاعتقال، الضرب والسحل، الخصم من الأجر، التحويل للتحقيق سواء للنيابة الإدارية أو النيابة العامة، التهديد والترهيب.
فقد تم فصل أكثر من 200 من العمال المحتجين بشكل فردى خلال الثلاثة أشهر الأولى من حكم مرسى، كما تم تحويل أكثر من مائة عامل للتحقيق بعد القبض عليهم أثناء تظاهرهم بشكل سلمى، كما حدث مع عمال النقل العام، وعمال التشجير، والمدرسين بالأجر فى الدقهلية، كما قامت قوات الشرطة بالقبض على عدد من الموظفين والعمال من داخل منازلهم مثل موظفى جامعة الزقازيق، وعمال شركة الكيماويات الوسيطة بالفيوم، وعمال المترو، وغيرها من الحالات.
هذا بالإضافة إلى الاعتداء على العمال من قبل البلطجية بعد تحريض أصحاب الأعمال ضدهم أثناء اعتصامهم سلميا داخل مصانعهم مثل عمال شركة عصفور للتعدين والحراريات، وعمال شركة سيراميكا كليوباترا بالسويس، والاعتداء على الأطباء المضربين داخل المستشفيات، وغيرها من الحالات.
أيضا غلق الشركات وتشريد العمال سواء بالتهديد أو بالتنفيذ الحقيقى مثل عمال شركة جاك لصناعة السيارات الذين تم بالفعل غلق مصنعهم وتشريد المئات منهم، وعمال شركة سيراميكا كليوباترا، وعصفور للتعدين والحراريات، ورفض شركة غاز مصر تشغيل أكثر من 1000 عامل بعد انهاء عقودهم، وغيرها من الأمثلة.
ويواصل المركز فى تقريره: استمرت الرئاسة فى عهد الرئيس مرسى فيما بدأه المجلس العسكرى، ولم يوقفه البرلمان، من تجريم للإضرابات والاحتجاجات الاجتماعية، كما استمر مرسى وحكومته ووزيره للقوى العاملة، خالد الأزهرى، فى استخدام التعسف والعنف وإطلاق يد الشرطة، وعدم الوقوف ضد سطوة رجال الاعمال عليهم، بل وازدادو شراسة فى الانتهاكات ضد مطالب ثورة المصريين فى الكرامة والعدالة الاجتماعية ومطالب العمال والموظفين والأهالى وغيرهم بها.
ويضيف التقرير، فى العام 2012 احتج جميع أطياف الشعب المصرى على السياسات الاقتصادية والاجتماعية مما يوضح وجود أزمة جذرية فى السياسات الاقتصادية فى مصر تحتاج إلى إعادة هيكلة تنشط الاقتصاد وتعيد توجيهه فى مصلحة أغلبية الشعب المصرى. وما كان من الحكومات المتعاقبة إلا تجاهل هذه الأزمة العميقة وما تتطلبه من إعادة نظر فى السياسات الاقتصادية العامة، والتعامل فقط مع بعض الأعراض الظاهرية للأزمة، وتلبية بعض المطالب هنا أو هناك، بينما يستمر النظام فى المضى وبسرعة فى السياسات الاقتصادية العامة المسببة لهذه الأزمة، وما زالت الحركة العمالية والحراك الاجتماعى بشكل عام يستمر فى الاحتجاج وفى تعبئة المواطنين فى جميع أنحاء مصر للمطالبة بحقوقهم فى الكرامة والعدالة، فى مواجهة سياسات اقتصادية ظالمة، وتعسف وعنف الدولة ورجال الأعمال.