خوسيه موخيكا، رئيس الأوروجواى، نموذج للرئيس الذى يبحث عن إرضاء شعبه والتقرب منه، ليس بالقرارات والشعارات فقط، وإنما بالعيش معه وعدم التعالى عليهم، فالرئيس المولود فى 20 مايو 1935، والذى سبق أن عمل وزيراً للثروة الحيوانية والزراعة والثروة السمكية ما بين عامى 2005 و2008، تولى رئاسة الجمهورية فى 1 مارس 2010، ومنذ هذا التاريخ فإنه يبهر شعبه بتواضعه وتواجده الدائم بينهم، فحتى بعد انتخابه رئيسا لأوروجواى يعيش فى بيت ريفى مع زوجته لوسيا توبولانسكى، عضو فى مجلس الشيوخ، التى تتبرع هى الأخرى بجزء من راتبها.
ويقوم موخيكا بمهامه الرئاسية من داخل مكتب بسيط جدا لا يوجد فيه أى نوع من أنواع الرفاهية ولا الفخامة ويتولى حراسته عدد بسيط من الحرس الجمهورى، مؤكداً على أنه اعتاد على هذه الحياة وهذا الأسلوب، ولا يستطيع أن يغير أسلوبه البسيط لأجل المنصب وأنه يستطيع أن يكمل حياته الرئاسية بهذا الشكل دون أى مشكلة.
وقام خوسيه موخيكا بالمشاركة بنفسه فى عمليات التنقيب على جثث المعارضين الذين تخلص منهم النظام الديكتاتورى فى السبعينيات فى بلاده كما أنه يشارك فى جميع الأنشطة الاجتماعية والخيرية ويشارك شعبه أفراحه وأحزانه، وتجده يلعب مع الأطفال فى شوارع الأوروجواى كما يقوم بزيارة المرضى وتفقد أحوالهم.
وفى الوقت الذى يرفض فيه رؤساء الدول الكشف عن رواتبهم ويطالبون بزيادتها رغم التسهيلات التى يتلقونها إلى جانب دخلهم الشهرى، أعلن موخيكا تبرعه بـ90% من راتبه لصالح الأعمال الخيرية، ليحصل بذلك على اعتراف دولى وعلى لقب "أفقر رئيس فى العالم وأكثرهم سخاءً"، ويقول عن ذلك "يطلقون على أننى أفقر رئيس فى العالم ولكننى لا أشعر أننى فقير، الفقراء هم الذين يعملون فقط لمحاولة الحفاظ على أسلوب حياة مكلف ويريدون المزيد والمزيد"، كما أنه يقول دائما إن التقشف هو جزء من "النضال من أجل الحرية".
أغلى شىء يمتلكه موخيكا هى سيارته "الفولكس واجن بيتل" التى تقدر قيمتها بـ1945 دولارا أمريكيا، كما أن راتبه الشهرى قدره 12 ألفا و500 دولار، يحتفظ لنفسه بمبلغ 1250 دولارا فقط، ويتبرع بالباقى للجمعيات الخيرية، وقال موخيكا لصحيفة "الموندوا " الأسبانية إن المبلغ الذى يتركه لنفسه يكفيه ليعيش حياة كريمة، بل يجب أن يكفيه خاصة أن العديد من أفراد شعبه يعيشون بأقل من ذلك بكثير.
ولا يملك رئيس الأوروجواى حسابات مصرفية ولا ديون، ويستمتع بوقته برفقة كلبته "مانويلا"، وكل ما يتمناه عند انقضاء فترة حكمه هو العيش بسلام فى مزرعته، برفقة زوجته.
تواضع موخيكا وحياته البسيطة أثرت على انتشار الفساد فى بلاده، فمؤشر منظمة الشفافية العالمية أشار إلى أن معدل الفساد فى الأوروجواى انخفض بشكل كبير خلال ولاية موخيكا، إذ يحتل هذا البلد الواقع فى أمريكا الجنوبية المرتبة الثانية فى قائمة الدول الأقل فساداً فى أمريكا اللاتينية، وعن ذلك قال الرئيس إن "أهم أمر فى القيادة المثالية هو أن تبادر بالقيام بالفعل حتى يسهل على الآخرين تطبيقه".
موخيكا الذى بدأ حياته يسارياً ثم قرر أن يعمل بالسياسة متبنياً قضايا الفقراء، وتعرض بسبب سياسته هذه لمشاكل عدة منها إصابته بالرصاص وسجن 14 عاماً أثناء الحكم الدكتاتورى (1973-1985)، يقدره شعبه بشكل كبير وذلك لأفكاره وشخصيته المتواضعة.
ويقدر موخيكا حياة الحيوانات ويستمتع بوقته برفقة كلبته "مانويلا" فى منزله حتى وهو يقوم بقص شعره، وعلى الرغم من أنه رئيس لبلد أمريكى جنوبى إلا أن طريقة حلاقته لشعره بسيطة للغاية، ويزرع الخضراوات والزهور بنفسه، كما أنه يظهر فى جميع المناسبات بدون رابطة عنق"، كما أن صورته لا تصلح بالضرورة لرئيس الدولة كما أنه لا يستخدم تويتر أو البريد الإلكترونى".
مجلة فورين بوليسى الأمريكية اختارت خوسيه موخيكا فى المركز الخامس من بين أفضل 10 رؤساء العالم عام 2012، قائلة: "إن الرئيس اليسارى يتبرع بنحو 90% من مرتبه إلى الأعمال الخيرية ولذا فهو أفقر رئيس فى العالم، وعلى الرغم من أن قطاع الأعمال فى أوروجواى كانت قلقة من انتخابه فى 2009، لكنه فيما بعد حقق إصلاحات اقتصادية واجتماعية كبيرة.
ومن أشهر الجمل التى يرددها موخيكا "أن تكون حرا..لابد أن تتكلف وقتا كافيا لقضاء حياتك فى القيام بما نحب أن نفعله"، و"لابد من الاستثمار أولا فى التعليم وثانيا التعليم وثالثا التعليم حتى نحتل مكانا قيما فى العالم، فالشعب المتعلم لديه أفضل الخيارات فى الحياة ومن الصعب أن يتعرض لمكايد أو خداع الفاسدين"، و"السلطة لا تغير من الأشخاص ولكنها فقط تكشف حقيقتهم"، "الأشياء التى ليس لها قيمة عندنا نكتشف قيمتها عند فقدانها"، و"نحن لا نعيش حتى نزرع ذاكرة وننظر بها إلى الوراء، أعتقد أن تكون إنسانا لابد من أن تعرف جروحك من الماضى حتى تقوم بمعالجاتها فى المستقبل، فمثلا إنه من المهم أن لا تنسى شيئا فمن الضرورى أن تنظر إلى الغد، بدون ذكريات لا توجد حياة لنتعلمها فى المستقبل".