تعرض الصحفيين المصريين للعديد من الانتهاكات وقصف الأقلام في عهد النظام السابق حيث عانوا من سياسة تكميم الأفواه لعقود طويلة حتى جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير لينتظر الصحفيين أن تمحو الثورة تاريخ معاناتهم للأبد وتبدأ عصر جديد للحريات، ولكن وبعد عامان من الثورة جاءت الرياح بكل ما لا يشتهي أبناء صاحبة الجلالة وسقطت الحرية في بئر القمع والاستبداد من جديد.
فقد أكد الكاتب الصحفي صلاح عيسى أن المشكلة الآن تكمن في أن الثورة لم تعطي ثمارها لكل من شارك فيها، وأن ثمارها قد وقعت في يد فصيل واحد فقط، مضيفا أن من فجروا الثورة لازالوا يعانون من الإضطهاد والتضييق علي حريتهم وعلى رأسهم الصحفيين والإعلاميين الذي لا أحد يستطيع أن ينكر أنه لو لم ينجحوا في نقد النظام السابق، والتشهير بأخطاءه لما تهيئ المناخ لقيام الثورة وسقوط نظام مبارك المستبد.
كره السلطة للصحافة
وتابع عيسى بأن الصحفيين يعانون الكثير من الانتهاكات في هذه الفترة، ومن المتوقع بشدة زيادة المعاناة في المستقبل، لأننا الآن أمام فصيل سياسي ليس كاره للصحافة بحسب، بل معادي لها بشكل كبير، فالبيئة السياسية مشوشة جدا ولا نعرف حتي الآن كيفية التخلص من هذا التشوش.
وأوضح بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أن تعرض الصحفيين للظلم ليس بجديد لأنه موجود في الأساس منذ النظام السابق وظل مستمرا إلي ما بعد الثورة.
تشريعات الحبس تقتل الحريات
وأضاف الناشط الحقوقي أن المفاجأة الصادمة جاءت من أنه كان متوقعا بعد الثورة أن يتم تعديل أو إلغاء التشريعات التي تبيح الحبس في قضايا النشر سواء كان الكاتب صحفي أو غير صحفي، وهو ما كنا نأمله جميعا أن تتغير مثل هذه القوانين التي تُفسد مناخ الحريات.
وأردف بهي أن استمرارتلك التشريعات والتي توسعت في إحالة الصحفيين للتحقيق، وهذا ما أكدته اللجنة الوطنية للدفاع عن حرية التعبير في تقرير لها عن المخاطر التي تهدد حرية الصحفيين والتي وصلت إلي حد القتل كما حدث مع الزميل الراحل الحسيني أبو ضيف الذي قُتل أثناء تأدية عمله، بالإضافة إلي منع أكثر من 16 صحفيًا من الكتابة وملاحقة آخرين بتهمة إهانة الرئيس.
وأضاف بهي أن الإنتهاكات التي تتعرض لها الصحافة موجودة قبل الثورة لكنها تفاقمت وتضخمت بعدها ومن المتوقع لها أن تتفاقم أكثر في ظل نظام الحكم الحالي.
دستور الإخوان يغتال الأقلام
فيما انفعل بشدة جمال عبد الرحيم، عضو الوفد المصري بمؤتمر اتحاد الصحفيين العرب قائلا أن عامي 2011 و2012 يمثلان أسوء فترة شهدتها مصر فيما يتعلق بحرية الصحافة والإعلام، فنحن نعيش في أوقات سيئة جدا؛ لأن الدستور الجديد وُضعت به مواد من شأنها تقييد حرية التعبير، وفي الوقت نفسه أُلغيت نصوص كانت تُعد مكاسب حصلت عليها الجماعة الصحفية في السنوات الماضية.
وأضاف رئيس تحرير جريدة الجمهورية سابقا أنه في الأونة الأخيرة أُغتيل الكثير من الصحفيين وتعرض عدد كبير منهم للإعتداءات الجسدية، ففقد البعض عينه مثال الصحفي محمد عزوز، محرر جريدة الجمهورية الذي أُطلق النار عليه بسبب قيامه بعمله الصحفي أمام قصر الرئاسة المصرية مما نتج عنه إصابات بالغة، بالإضافة إلي رافي شاكر، المصور بجريدة الشروق، الذي تم ضربه أمام السفارة الأمريكية.
وتابع عبد الرحيم حديثه قائلا: '' ناهيك عن من تعرض للتحقيقات وتم الإفراج عنهم بكفالة مالية أمثال محمود سعد والإبراشي وخالد صلاح وأخرهم جمال فهمي فكل هذه الأمور تبرهن للجميع علي أن الصحافة تعيش في أسوء عصورها''.
حديث مرسي للصحفيين العرب استهلاك محلي
وأعرب عبد الرحيم عن إستياءه من مؤتمر إتحاد الصحفيين العرب الذي حضره الرئيس مرسي ووعد فيه بإلغاء الحبس في قضايا النشر، مؤكدا علي أنه كان من ضمن المشاركين في هذا المؤتمر ولم يرض عنه، بالإضافة إلي حدوث مفاجأة خلاله وهى انسحاب الوفد الفلسطيني وإعتذاره عن اللقاء احتجاجا علي ما تتعرض له الصحافة المصرية من انتهاكات.
واختتم عبد الرحيم حديثه قائلا: ''حديث مرسي في المؤتمر ما هو إلا كلام مستهلك محليا والهدف الرئيسي منه تحسين صورة الإخوان المسلمين في الفترة القادمة والتمهيد للسيطرة علي الإعلام وأخونته بالكامل وأخونة الصحافة أيضا وبالتالي السيطرة علي المؤسسات الصحفية القومية والتليفزيون المصري''.
المرشد وسحرة فرعون
ومن جانبه أشار حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إلي أنه ليس هناك أي نية لدى الجماعة الحاكمة للحفاظ علي حقوق الصحفيين والإعلام وحمايتهم من الإنتهاك والضغط علي حرية التعبير، وذلك بسبب كونك تتعامل مع نظام المرشد العام للإخوان المسلمين الذي سبق وأن وصف الصحفيين بسحرة فرعون، فهذا التشبيه الفظيع له دلالة واضحة وهي أنه يري الصحفيين علي أنهم أعداء لابد التخلص منهم فبالتالي لا يصح أن نتوقع منهم أي موقف مساند للصحافة علي الإطلاق.
البلاغات ضد الصحفيين مصدرها الرئاسة
وأضاف الناشط الحقوقي أن هناك جانب آخر لابد أن نبرزه وهو ممارسات الرئيس نفسه فاللافت أن البلاغات ضد الصحفيين كلها صادرة عن الرئيس محمد مرسي نفسه وديوان الرئاسة والمبلغ في حقهم جميعا من صحف مستقلة وجاءت البلاغات على خلفية اتهامهم بسب الرئيس، والإساءة له في موضوعات تتعلق بسياسته وقرراته وآخر بلاغاته ضد وكيل الصحفيين جمال فهمي.
وتابع أبو سعدة قائلا: ''هذا الأمر يعني الكثير لأن رئيس الجمهورية يُعد القدوة وبالتالي فهو يعطي الفرصة بطريقة غير مباشرة للوزراء والمحافظين والروؤساء لتقديم بلاغات ضد الصحفيين في حال انتقادهم''.
حرية التعبير في خطر
وأردف قائلا:''بهذه الطريقة سيقضي الصحفي معظم وقته نهارا في اللف علي المحاكم والنيابات لإجراء التحقيقات بالإضافة إلي الغرامات المالية وكل هذا يؤدي إلي طريق واحد وهو تكميم أفواه الصحفيين وبالتالي فحرية التعبير في خطر في ظل هذا النظام إذا ما لم يتم وضع ضمانات حقيقية في دستور جديد غير هذا الدستور الذي لم يعطي للصحافة الحرية الكاملة''.
وناشد أبو سعدة بضرورة تعديل قانون العقوبات أيضا لكي يتم إلغاء جميع العقوبات التي تسلب الحرية.
وأوضح طلعت محمد منسي، رئيس النقابة العامة للعاملين بالصحافة والطباعة والنشر، أن حالة الارتباك التي نعيشها هي نتاج طبيعي لأي بلد يحدث بها ثورات، وبالرغم من أننا كنا نأمل خيرا في ثورتنا لأنها قامت من أجل فتح ملفات أساسية كالحرية والعدالة وتحسين الأوضاع إلا أنه تحولت للأسف إلي صراعات شنعاء علي السلطة دون تحقيق للأهداف التي قامت لأجلها الثورة.
تفعيل دور نقابة الصحفيين
وأكد منسي أن الحل يتمثل في ضرورة تفعيل دور نقابة الصحفيين، واستقرار الأوضاع بها؛ لأنه من المؤسف أن نسمع عن الإنقسامات بداخل السند الوحيد الذي يدافع عن هذه المهنة السامية.
وناشد منسي القائمين علي النقابة بأن يكون لها دور فعال في ظل ما يدور حولنا من إساءات خاصة وأن الدستور الجديد وتحديدا في المواد 74و48و215و216 المجلس الوطني والهيئة المحلية لم يحدد ملامح لأشكال المجلس بل تحدث عن إدارة الملكية فقط ولم يتحدث عن (إلي من ستئول هذه الملكية فيما بعد).